الموضوع: إبراهيم الأسود
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-02-2023, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,416
الدولة : Egypt
افتراضي إبراهيم الأسود

إبراهيم الأسود



د. محمد حسان الطيان


شاعر يجري ولا يجرَى معهْ [*]





إني من الفئة الذين تلبَّثوا

وشَأَتْهمُ الأقدارُ عمَّا شاؤوا



المتعَبونَ وما بهم من علَّةٍ

إلا مجرَّدُ أنَّهمْ شعراءُ





عندما تستحيل الموهبة إلى عناءٍ ومعاناة، وحين يغدو الغنمُ غرمًا، والسموُّ سمًّا، والعلوُّ بعدًا، والمجدُ سدًّا؛ فنحن أمام ظاهرة عجيبة تُسمَّى إبراهيم الأسود.

إبراهيم الأسود هذا الشاعر المتعَب بشعره، المثقَل بحرفه، الشقيُّ بفنِّهِ شقاوةَ المتنبي بعقله:
ذو العقل يشقى في النَّعيم بعقلِه *** وأخو الجَهالَة في الشَّقاوة ينعَمُ

هذا الشاعر الفذُّ الذي ألقى إليه الشعر مقاليدَه، وملَّكه مفاتيحَه، وعرض عليه بحورَه، فهو يعُبُّ منها كيف يشاء.
يروي العطاش الظامئين...لكنه لا يرتوي.
يهدي السُّراة الهائمين... لكنه لا يهتدي.
يُرضي الندى يجلو الصدى... لكنه لا يرتضي!

ولعمري إن هذا شأن المبدع، يطلب شأوًا يُعجِز الطيرَ بعدُهُ، ثم لا يعجز عنه، ويرقى سُلَّمًا لا تكاد تستبين منتهاه، ثم لا يكفُّ عنه، ويرسم لوحةً لا حدود لها، ثم لا يفرغ منها.

تسمع منه الشعرَ عذبًا، جزلًا، فحلًا في زمنٍ كثُر فيه الشعراء، وقلَّ فيه الشعر، فلا تكاد تسمع منهم ما يُطرب الأذن، أو يرضي الذائقة، أو يهزُّ الوجدان.
إذا الشعر لم يهززْك عند سماعه *** فليس خليقًا أن يُقال له شعرُ

على حين تسمع من الأسود ما يُبهج الرُّوح، ويُحيي النفس، ويُرضي الذائقة، ويُخالط الضمير نقاوةً وعبيرًا.

استمع إليه يصف نفسه، ويُعبِّر عن مُعاناته:


أنا لفظٌ ذو معنيينِ يُؤَدِّي

كلُّ معنًى حَسْبَ السياقِ مؤدَّى



صَحَّفَتْهُ الدنيا فصارَ مُعَيْدِيْ

يًا وقد كادَ أن يكونَ معَدَّا



وَسَقَتْني الحياةُ وسْقَيْنِ هَمًّا

وسَقَتْني المُنى الكواذِبَ شهدا



جرَّعَتني الصبرَ الذُّعافَ وقالت

إن تشأ مُتْ أو ربما الصبرُ أجدى



غازلَتْني دونَ السِّتارِ وأوحَتْ

أن خلْفَ الستارِ شيئًا مُعَدَّا



هي أجْرَتْ من كل عينٍ عينًا

وهْيَ جَرَّت في كل خَدٍّ خَدَّا



زَرَعَت في الفؤاد غاباتِ يأسٍ

وأعَدَّت لها من الدمعِ عدَّا



وكددتُ الأراضيَ السبعَ سعيًا

وزماني (أعطى قليلًا وأكدى)

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]