عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 08-02-2023, 09:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية


قلت: حياك الله يا جورج؛ ما أجمل أن يهتدي الإنسان إلى الحق بنفسه.
وأردفت: وتطبيقاً لهذه الدعوات القرآنية لطلب العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أسراه من كفار قريش في معركة بدر، ممن يحسن القراءة والكتابة منهم، أن يعلم كل أسير عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة؛ ثم يطلق سراحه.
أترى أن مثل هذا الدين يحارب العلم يا جورج أم يحارب الجهل.
قال جورج: بل هو دين يحارب الجهل، لكنكم معاشر المسلمين قصرتم في اتباع دعوة دينكم إلى العلم فساد الجهل تاريخكم الطويل.
قلت: مهلاً يا جورج؛ أأحدثك عن تاريخ المسلمين العلمي فإني أراك تجهله! أم أحدثك عمن درس التاريخ العلمي للمسلمين؛ وعرفه حق المعرفة، من نخبة علماء الغربيين؟.
قال: الوقت أضيق من أن تحدثني أنت، وأنا أكتفي بما قالته النخبة من علماء قومي في هذا الموضوع.
قلت: يقول الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «لا بد قبل عقد المواجهة بين الوحي الإسلامي والعلم؛ من إعطاء صورة عن دين ساءت معرفته في بلادنا. إن الأحكام الضالة كل الضلال، التي صدرت في الغرب بحق الإسلام؛ كانت وليدة الجهل أحياناً، أو نتيجة التهجم التلقائي. وأفظع هذه الضلالات انتشاراً هي المتعلقة بالوقائع؛ فإذا كان بالإمكان عذر الأخطاء الناتجة عن سوء التقدير؛ فلا سبيل إلى هذا مع ما يتناقض مع الحقيقة.. وإنه لمما يخيف؛ أن نقرأ في المؤلفات الرصينة؛ الصادرة عن كتّاب من الدرجة الأولى في الاختصاص؛ مناقضات للحقيقة في غاية الجلاء!.. فإصدار مخالفات للحقيقة من هذا النوع يسهم في إعطاء صورة باطلة عن القرآن والإسلام»[133].
ويقول أيضاً في كتابه هذا: «ونحن نعلم أن الإسلام ينظر إلى العلم والدين كتوءمين، وأن تهذيب العلم كان جزءاً من التوجيهات الدينية منذ البداية، وأن تطبيق هذه القاعدة أدى إلى التقدم العلمي العجيب في عصر الحضارة الإسلامية العظمى، التي استفاد منها الغرب قبل نهضته»[134].
وتقول المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب)[135]: «نادى النبي بالطموح إلى المعرفة والسعي إلى العثور عليها، وقد أدى ذلك إلى اندفاع العرب بأسرهم إلى المدارس يعلِّمون ويتعلمون، بينما كان الغربيون يتباهون بجهلهم للقراءة والكتابة».
ويقول (دانييل بريفولت) في كتابه (نشأة الإنسانية): «ومنذ عام /700/م بدأت إشراقة الحضارة العربية الإسلامية تمتد من شرقي المتوسط إلى بلاد فارس شرقاً وإسبانيا غرباً، فأعيد اكتشاف قسم كبير من العلم القديم، وسجلت اكتشافات جديدة في الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم.. وفي هذا المجال كما في غيره؛ كان العرب معلمين لأوربة، فساهموا في نهضة العلوم على هذه القارة»[136].
ويقول المستشرق الأمريكي (إدوارد رمسي): «لقد منح الإسلام المدنية والحضارة قوة جديدة وشجع العالم على درس العلوم باتساعٍ متناهٍ، وهكذا خرج إلى الدنيا فلاسفة وخطباء وأطباء ومؤرخون يفخر بهم الإسلام أمثال: أبي عثمان- الجاحظ- والبيروني والطبري وابن سينا وابن رشد والفارابي وابن باجه والغزالي وغيرهم.. والمسلمون بلا نزاع هم مخترعو علم الكيمياء ومؤسسوه، أما علم الطب والصيدلة فقد حسنوهما تحسيناً عظيماً، وبواسطة المسلمين تقدم علم الفلك سريعاً حتى الطيران، وهم مخترعو علم الجبر ومكتشفو علم الطيران»[137].
ويقول المستشرق (روم لاندو) في كتابه (الإسلام والغرب): «حين نتذكر كم كان العرب بدائيين في جاهليتهم؛ يصبح مدى التقدم الثقافي الذي أحزوه خلال مئتي سنة، وعمق ذلك التقدم؛ أمراً يدعو إلى الذهول حقاً! ذلك بأن علينا أن نتذكر أيضاً أن النصرانية احتاجت إلى نحو ألف وخمسمئة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة نصرانية، وفي الإسلام لم يولِّ كل من العلم والدين ظهره للآخر؛ بل كان الدين باعثاً على العلم»[138].
ويقول المؤرخ العلامة (سيديو): «لم يشهد المجتمع الإسلامي ما شهدته أوربة من تحجر العقل وشل التفكير، وجدب الروح، ومحاربة العلم والعلماء حيث يذكر التاريخ أن اثنين وثلاثين ألف عالم قد أحرقوا أحياء! ولا جدال في أن تاريخ الإسلام لم يعرف هذا الاضطهاد الشنيع لحرية الفكر، بل كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة ومنح مخالفيه في العقيدة كل أسباب الحرية كما فعل الإسلام»[139].
وأردفت: منذ حوالي ألف عام، عندما كان العلماء في أوربة يحرقون أحياء كما قال سيديو؛ كان العالم الأندلسي المسلم (ابن حزم) يعلن في كتابه (الفِصَل في الملل والأهواء والنحل) عن كروية الأرض[140] منطلقاً من القرآن الكريم ومن التنظيم المطرد لمواقيت الصلاة في محيط الأرض.
قال جورج: لكن الذي اكتشف كروية الأرض عالم أوربي.
قلت: ليس هذا هو الاكتشاف الوحيد الذي نقله الغربيون عن المسلمين ونسبوه لأنفسهم، وسأكتفي بما أوجزه المؤرخ العلامة (سيديو) في كتابه (تاريخ العرب العام) إذ قال: «ونحن حين نلخص ما تمَّ على يد العرب من تقدم في العلوم الصحيحة، نرى سبقهم إلى كثير من الاكتشافات التي يعزى فخر أكثرها إلى علماء أوربة في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر»[141].
ثم أردفت: واسمع كيف كان الغربيون ينظرون إلى كروية الأرض بعد اكتشاف ابن حزم لها بقرون. تقول المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب): «اتسعت الهوة بين الحضارة العربية الشامخة، والمعرفة السطحية في أوربة التي كانت ترى أن من الكفر والضلال القول بأن الأرض كروية؛ فمعلم الكنيسة لاكتانتيوس يتساءل مستنكراً: أيعقل أن يُجنَّ الناس إلى هذا الحد فيدخل في عقولهم أن البلدان والأشجار تتدلى من الجانب الآخر من الأرض، وأن أقدام الناس تعلو رؤوسهم؟!!»[142].
أرأيت يا جورج؟ بل إن هذه المستشرقة الألمانية تفصل أكثر من هذا. أأحدثك بضمامة من أقوالها.
قال جورج: نعم.
قلت: تقول هونكه: «إن روجر بيكون أو غاليلو أو دافنشي ليسوا هم الذين أسسوا البحث العلمي.. إنما السباقون في هذا المضمار كانوا من العرب الذين لجؤوا- بعكس زملائهم النصارى- في بحثهم إلى العقل والملاحظة والتحقيق والبحث المستقيم، لقد قدم المسلمون أثمن هدية؛ وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب طريقة لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم، وإن كل مستشفى وكل مركز علمي في أيامنا هذه إنما هي في حقيقة الأمر نصب تذكارية للعبقرية العربية.. وقد بقي الطب الغربي قروناً عديدة نسخة ممسوخة عن الطب العربي، وعلى الرغم من إحراق كتب ابن سينا في مدينة بازل بحركة نصرانية عدائية؛ فإن كتب التراث العربي لم تختفِ من رفوف المكتبات وجيوب الأطباء، بل ظلت محفوظة يسرق منها السارقون ما شاء لهم أن يسرقوا»[143].
قال جورج: وهل هناك من يشهد لتفوق المسلمين العلمي غير من ذكرت؟
قلت: كثيرون من عقلاء وعلماء الغرب الدارسون للحضارة الإسلامية يشهدون، وإني محدثك:
يقول المستشرق العلامة (جوزيف شاخت) في مقدمته لكتاب (تراث الإسلام)[144] الذي أشرف على تأليفه: «وكثيراً ما نجد كتَّاباً - مسلمين - برزوا في أكثر من ميدان علمي واحد، فلقد كان الطب والعلوم والفلسفة معارف متلازمة بعضها مع بعض، وكذلك كان علم الكلام والشريعة يشكلان زمرة واحدة، ولم يخل الأمر من أشخاص كانوا يجمعون بين جميع هذه الفروع من أمثال ابن النفيس /1288/م الذي اكتشف عن طريق الاستدلال النظري الدورة الدموية الصغرى عن طريق التجربة»[145].
- ويقول (غوستاف لوبون) في مقدمته لكتابه (حضارة العرب): «وكلما أمعنا في درس حضارة العرب وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة»[146].
ثم يقول: «والإسلام من أكثر الديانات ملاءمة لاكتشاف العلم»[147].
ويقول: «ويعزى إلى بيكون على العموم أنه أول من أقام التجربة والملاحظة اللتين هما أساس المناهج العلمية الحديثة؛ مقام الأستاذ. ولكنه يجب أن نعترف قبل كل شيء بأن ذلك كله من عمل العرب وحدهم»[148].
ثم يقول: «إن أوربة مدينة للعرب بحضارتها»[149].
ويقول العلامة (دانييل بريفولت) في كتابه (نشأة الإنسانية): «إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس فيما قدموه لنا من كشوف مدهشة، ونظريات مبتكرة، بل إنه مدين بوجوده ذاته.. ولم يكن بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلامي إلى أوربة النصرانية، وهو لم يملَّ قط من التصريح بأن اللغة العربية وعلوم العرب هما الطريق الوحيدة لمعرفة الحق»[150].
ويقول الكاتب الفرنسي الشهير (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم): «وينبغي أن نذكر أنه ما بين القرن الثامن والثاني عشر الميلادي، فترة عظمة الإسلام، حيث كانت التغيرات العلمية مرفوضة في بلادنا النصرانية؛ كانت كميات معتبرة من الأبحاث والاكتشافات قد تحققت في الجامعات الإسلامية. هناك وفي ذلك العصر؛ كنا نرى الوسائل الفائقة في التثقيف، فكانت مكتبة الخليفة في قرطبة تحتوي على /400.000/ كتاب، وكان ابن رشد يعلِّم فيها، وينقل فيها العلم اليوناني والهندي والفارسي، ولهذا كان الناس يذهبون إليها من مختلف البلدان الأوربية للدراسة؛ كما يذهبون في أيامنا هذه لإتمام بعض الدراسات في الولايات المتحدة..» إلى أن يقول: «كان الإسلام منذ القديم موضوع (الذم) في بلادنا. إن كل غربي حصَّل بعض المعارف المعمقة عن الإسلام؛ يدرك إلى أي مدى قد شوه تاريخه وعقيدته وأهدافه».[151]
وتقول (د. لويجي رينالدي): «لما شعرنا بالحاجة إلى دفع الجهل الذي كان يثقل كاهلنا؛ تقدمنا إلى العرب، ومددنا إليهم أيدينا، لأنهم كانوا الأساتذة الوحيدين في العالم»[152].
أما المؤرخ الفرنسي العلامة (سيديو) فيقول في كتابه (تاريخ العرب العام): «قال همبولد: .. والعرب هم الذين أوجدوا الصيدلية الكيميائية.. وأدت الصيدلة ومادة الطب اللتان يقوم عليهما فن الشفاء؛ إلى دراسة علم النبات والكيمياء في وقت واحد»[153].
ويقول: «اتفق للعلوم الطبيعية عند العرب مثل ما اتفق للعلوم الرياضية من الرقي، ويرى همبولد وجوب عدِّ العرب مؤسسين حقيقيين للعلوم الطبيعية بالمعنى الحديث»[154].
وبعد أن يستعرض (سيديو) أغلب وجوه الحضارة الإسلامية ينتهي إلى أن يقول: «وهكذا تجلَّى تأثير العرب في جميع فروع الحضارة الأوربية الحديثة»[155].
قال جورج: هذه الأقوال والشهادات التي ذكرتها لي عن مشاركة الحضارة الإسلامية في ميدان العلم هي نصوص إجمالية، فهل لك أن تحدثني بأمثلة تفصيلية توضح لي هذا الأمر ولا أحتاج معه إلى غيره.
قلت: حباً وكرامة يا جورج.
يقول (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): "أما العلامة الشهير همبولد فيذكر أن ما قام على التجربة والملاحظة هو أرفع درجة في العلوم، ويقول: «إن العرب ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء تقريباً».
ويقول: «وكانت دراسة العلوم الرياضية من الدراسات الذائعة لديهم، وقد تقدم علم الجبر بفضلهم حتى قيل إنهم مخترعوه. ولقد كان لهم أيضاً قصب السبق في تطبيق الجبر على الهندسة، وهم الذين أدخلوا التماس في حساب المثلثات».
ويقول: «وكان علم الفلك يدرس بحماس في مدارس بغداد ودمشق وسمرقند والقاهرة وفاس وطليطلة وقرطبة وغيرها.. تلك المدارس التي وصلت إلى اكتشافات عديدة يمكن إيجازها في القائمة التالية:
1 - إدخال خطوط التماس في الحسابات الفلكية.
2 - وضع جداول لحركة الكواكب.
3 - تحديد سمت الشمس تحديداً دقيقاً وتدرجه وتقدير تقدم الاعتدالين تقديراً صحيحاً.
4 - أول تحديد صحيح لمدة سنة.
5 - ثم إننا مدينون لهم أيضاً بإثبات ما في أكبر خط عرض للقمر من ضروب عدم الانتظام.
6 - استكشاف عدم التساوي القمري الثالث؛ المعبر عنه اليوم بالتغيير».
ثم يقول: «ومن الناحية العلمية كانت لهم هذه التحديدات الفلكية الصادقة التي هي أول أساس للخرائط. كما عملوا على تصحيح الأخطاء الفاحشة التي وقع فيها الإغريق».
ثم يقول: «أما من ناحية كشف بقاع العالم المجهولة فقد نشروا رسائل في الرحلات تعرف الناس بأقطار العالم المختلفة، التي كانت شبه مجهولة من قبل، والتي لم يسبق للأوربيين ارتيادها.. وإننا نجد في خريطة من خرائط الإدريسي ترجع إلى عام /1160م/ منابع النيل بين البحيرات الاستوائية الكبرى مرسوماً رسماً دقيقاً، وهي تلك المنابع التي لم يكشفها الأوربيون إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر».
ثم يقول: «وسِجِلُّ مكتشفاتهم في ميدان العلوم الطبيعية أعظم من ذلك. والبيان التالي يوضح أهمية تلك المكتشفات:
1 - معلومات عالية في نظريات علم الطبيعة، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الضوئية.
2 - اختراع أجهزة آلية من أبدع ما يكون.
3 - اكتشاف أعلق الأجسام بأصل علم الكيمياء؛ مثل الكحول والحامض الكبريتي، وأهم العمليات الأساسية في هذا العلم؛ كالتقطير.
4 - تطبيق الكيمياء في ميداني الصيدلة والصناعات، وبخاصة فيما يتعلق باستخراج المعادن وصناعة الفولاذ، والصياغة وغير ذلك..
5 - صناعة الورق من الخرق، والاستعاضة به عن رقِّ الغزال وورق البردي والحرير الصيني.
6 - ومن المحتمل أنهم أول من استخدم البوصلة في الملاحة، ومن المحقق أنهم أدخلوا هذا الاختراع الأساسي إلى أوربة.
7 - وأخيراً؛ فهم قد اكتشفوا الأسلحة النارية؛ ففي عام /1205/م استخدم الأمير يعقوب المدفعية في حصار مدينة المهدية- في المغرب -.
وفي عام /1273/م استخدمها السلطان أبو يوسف في حصار مدينة سجلماسة-في المغرب- وقد حضر كونت دربي وكونت سالسبري الإنجليزيان حصار مدينة الجزيرة- في الأندلس- التي دافع عنها العرب بالمدافع، فشاهدا نتائج استخدام البارود، فنقلا ذلك الاختراع إلى بلادهما، فاستخدمه الإنكليز في معركة كريس بعد ذلك بأربع سنوات».
ثم يقول: «أما فيما يتعلق بالطب، فقد استوفى العرب أولاً كتب الإغريق، ثم ساروا بهذا الفن خطوات هامة إلى الأمام.. وتكاد تكون سائر المعارف الطبية في أوربة خلال عصر النهضة ماخوذة عن العرب. وأهم ما حققه العرب في ميدان الطب يتعلق بالجراحة ووصف الأمراض، وبالأدوية والصيدلة. وقد ابتكروا وسائل علاجية متعددة؛ ظهر بعضها في العالم الطبي حديثاً بعد ان قضت عليها قرون من النسيان؛ مثال ذلك استخدام الماء البارد لطب الحمى التيفودية..
والطب مدين لهم بكثير من المواد الطبية مثل: خيار الشنبر- السنا المكي- الراوند- التمر هندي- الكافور- الكحول- القلي، وغير ذلك..
وإننا مدينون لهم بكثير من المستحضرات المستعملة اليوم مثل: الأشربة وصنوف اللعوق واللزوق والمراهم والأدهان والماء المقطر وغير ذلك..».
ثم يقول: «كذلك الجراحة؛ كان للعرب الفضل في تقدمها الأول؛ فكانت مؤلفاتهم هي المراجع الأساسية التي تدرس بالمعاهد الطبية إلى عهد قريب جداً. لقد كانوا- في القرن الحادي عشر الميلادي- يعرفون علاج الماء الذي ينصب في العين؛ بالتحويل أو استخراج البلورية، ويعرفون كيفية تفتيت الحصا، وعلاج النزيف بصب الماء البارد.
كما كانت لهم خبرة باستخدام الكاويات، والأحزمة، والكي بالنار لتطهير الجراح.
وإن التخدير الذي يظن الناس أنه اكتشاف حديث؛ يبدو أن العرب لم يجهلوه، فقد كانوا يوصون باستعمال نبات الزؤان- قبل العمليات المؤلمة- لتنويم المريض حتى يفقد الوعي والإحساس.. وكانت لهم ثقة عظمى بالوسائل الصحية لعلاج الأمراض، وكانوا يعتمدون كثيراً على القوى الطبيعية، والطب النظري الذي يبدو اليوم وكأنه الكلمة الأخيرة للعلم الحديث، يوافق هذه الفكرة في استدلالاته..»}[156].
وأردفت: وليس هذا فقط؛ بل لقد شاركت الحضارة الإسلامية في قوانين أوربة ذاتها.
قال جورج: كيف؟
قلت: يقول المؤرخ الإنجليزي (ويلز) في كتابه (ملامح تاريخ الإنسانية): «إن أوربة مدينة للإسلام بالجانب الأكبر من قوانينها الإدارية والتجارية».
أما المؤرخ الفرنسي (سيديو) فيؤكد أن قانون نابليون منقول عن كتاب فقهي في مذهب الإمام مالك هو (شرح الدردير على متن خليل)[157].
5- تهمة التضييق على حرية الرأي:
قال جورج: حسبي؛ وإني لأعجب كيف وُجدتْ هذه النهضة العلمية في حضارة إسلامية تضيِّق على حرية الرأي، بل تكاد تخنقها أحياناً!
قلت: من قال هذا؟
قال: كثيرون من الغربيين كتبوا عن انعدام حرية الرأي عند المسلمين.
قلت: أتدري عمَّن أخذ الغربيون فكرة حرية الرأي يا جورج؟
قال: عمَّن؟
قلت: لقد أخذوها عن المسلمين.
فقال متعجباً: كيف؟!
قلت: يقول (أتيين دينيه) في كتابه (محمد رسول الله): «إلى الفيلسوف المسلم ابن رشد[158] - الذي عاش في الأندلس /1120-1198م/ - يرجع الفضل في إدخال حرية الرأي- التي يجب أن لا نخلط بينها وبين الإلحاد- في أوربة، وتحمس أحرار الفكر في العصر الوسيط الأوربي لشروحه لأرسطو، وكانت هذه الشروح مصبوغة بصبغة إسلامية قوية. ويمكن أن نعتبر بحق؛ أن التيار الفكري الذي نشأ عن هذا التحمس لابن رشد كان أصل التفكير المنطقي الحديث، فضلاً عن كونه من أصول الإصلاح الديني»[159].
قال جورج: عجباً؛ إذاً لماذا ننكر نحن الغربيين هذا الأثر الإسلامي على الحضارة الغربية؟ مع أننا ندعو إلى حرية الرأي!
قلت: لقد أجاب دينيه نفسه في كتابه السالف على هذا السؤال فقال: «السبب في هذا أن الواقع يشهد بأن حرية الرأي مسألة ظاهرية أكثر منها حقيقة، وأن الإنسان ليس حر التفكير على الإطلاق كما يشاء في مسائل معينة، ثم إن التعصب الموروث لدى النصارى ضد الإسلام وأتباعه، قد عاش فيهم دهوراً طويلة، حتى أصبح جزءاً من كيانهم. فإذا أضفنا إلى هذا مناهج الدراسة القديمة التي تسير عليها مدارسنا؛ وهي أن كل العلوم والآداب الماضية يرجع الفضل فيها إلى الإغريق واللاتين وحدهم، أدركنا في يسر كيف ينكر الناس عامةً؛ ذلك الأثر العظيم الذي كان للعرب في تاريخ الحضارة الأوربية. وسوف يبدو دائماً لبعض العقول أن من المهانة أن تدين أوربة النصرانية للمسلمين بإخراجها من ظلمات البربرية والتوحش»[160].
- أسباب الصورة المشوهة عن الإسلام لدى الغربيين:
قال جورج: إني لتستوقفني في نص دينيه السالف، عبارة: «إن التعصب الموروث لدى النصارى ضد الإسلام وأتباعه، قد عاش فيهم دهوراً طويلة حتى أصبح جزءاً من كيانهم» ترى ما أسباب هذا التعصب الذي رفضه واستقبحه كثير من النخبة الذين حدثتني عنهم؟ ثم إذا كان نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية؛ إذا كانت هذه الثلاثة واضحة كل هذا الوضوح في أذهان النخبة من علماء الغربيين، فلماذا تناقل عامة الغربيين صورة مشوهة عنها على مر الأيام؟
قلت: حياك الله يا جورج؛ هذا سؤال يرغب الكثيرون في معرفة جوابه، وإليك الجواب على لسان بعض النخبة من علماء الغربيين؛ مبيناً التسلسل التاريخي لهذه الصورة المشوهة.
- يقول المستشرق الباحث (مكسيم رودنسون) في الفصل الأول من كتاب (تراث الإسلام)[161]: «لقد أوجدت الحروب الصليبية حاجة كبيرة وملحة للحصول على صورة كاملة ومسلية ومرضية لأيديولوجية الخصوم. وكان رجل الشارع- الأوربي- يرغب في صورة تبين الصفة الكريهة للإسلام عن طريق تمثيله بشكل فج، على أن تكون في الوقت ذاته مرسومة بشكل يرضي الذوق الأدبي الميال إلى كل ما هو غريب، وهو ميل يشكل سمة بارزة في جميع الأعمال في ذلك الوقت
كان الشخص العادي يريد صورة لأبرز السمات الغريبة التي أدهشت الصليبيين في تعاملهم مع المسلمين.
وهكذا حدث أن الكتاب اللاتينيين الذين أخذوا بين عامي /1100-1140/م على عاتقهم إشباع هذه الحاجة لدى الإنسان العامي؛ أخذوا يوجهون اهتمامهم نحو حياة محمد دون أي اعتبار للدقة، فأطلقوا العنان (لجهل الخيال المنتصر)- كما جاء في كلمات ر. و. ساوثرن- فكان محمد في عرفهم ساحراً هدم الكنيسة في إفريقية وفي الشرق عن طريق السحر والخديعة! وضمن نجاحه بأن أباح الاتصالات الجنسية!
واستُعملت أساطير من الفولكلور العالمي، ومن الأدب الكلاسيكي، ومن القصص البيزنطية عن الإسلام، وحتى من المصادر الإسلامية- بعد تشويهٍ باطل من قِبل النصارى الشرقيين- كل هذه الأشياء استخدمت لتزيين الصورة.
يحدثنا ساوثرن أن جيلبرت دونوجنت اعترف بأنه لا يوجد لديه مصادر مكتوبة، وأشار فقط إلى آراء العامة، وأنه لا يوجد لديه أي وسيلة للتمييز بين الخطأ والصواب.
وكما هو الحال دائماً؛ فإن الرؤية ترسمها الأعمال التي تخاطب عامة الناس؛ لا بد أنها قد أسهمت في تكوين الصورة التي حفظتها الأجيال اللاحقة؛ أكثر من الرؤية التي تبينها الأعمال ذات الصبغة الجدية والعلمية.
ولقد قدر لهذه الصورة أن تزداد زخرفاً في الكثير من الأعمال الأدبية؛ فقد اختطت الروايات المحضة التي كان هدفها الوحيد إثارة اهتمام القارئ على نِسبٍ متفاوتة؛ بالعرض المشوه للعقيدة التي ألهبت حقد العدو. ووصلت الملاحم إلى أعلى ذرى الابتكارات الخيالية؛ فقد اتهم المسلمون بعبادة الأوثان.. وكان- في عرف تلك الملاحم- محمد هو صنمهم الرئيس، وكان معظم الشعراء الجوالة يعتبرونه كبير آلهة الشرقيين، وكانت تماثيله- حسب أقوالهم- تصنع من مواد غنية وذات أحجام هائلة..»[162].
ثم يقول: «وهكذا منذ فترة ما بين القرنين العاشر والثالث عشر الميلاديين التي شهدت ترجمة الكثير من العلوم عن اللغة العربية- أخذت تتشكل في أذهان المفكرين الغربيين صورة أخرى للعالم الإسلامي بوصفه مهداً لفلاسفة عظام. وكانت الصورة مضادة تماماً للصورة السابقة؛ صورة الكيان السياسي الذي يسيطر عليه دين معاد ومغلوط، وهي الصورة التي خلقتها الخرافات السخيفة والكريهة في أذهان الناس. وكان من الصعب التوفيق بين هاتين الصورتين»[163].
ثم يقول: «ففي بداية القرن الرابع عشر الميلادي أخرج دانتي من النار كلاً من ابن سينا وابن رشد وصلاح الدين ووضعهم في المطهر، وهؤلاء هم المحدَثون الوحيدون الذين انضموا إلى حكماء العالم القديم وأبطاله.
وفي عام /1312م/ صادق مجلس فيينا على أفكار بيكون وليل بخصوص تعلم اللغات وبخاصة اللغة العربية»[164].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.95 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]