عرض مشاركة واحدة
  #377  
قديم 10-02-2023, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,470
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
المجلد الثامن
صـ 3051 الى صـ 3065
الحلقة (377)




[ ص: 3051 ] وقد أثنى تعالى على المهاجرين والأنصار في غير ما آية في كتابه الكريم ـ والله أعلم ـ .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 75 ] والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم .

والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم أي : من جملتكم ، أي : المهاجرون والأنصار ، في استحقاق ما استحقيتموه من الموالاة والمناصرة ، وكمال الإيمان والمغفرة والرزق الكريم .

وهل المراد من قوله : ( من بعد ) هو من بعد الهجرة الأولى ، أو من بعد الحديبية . وهي الهجرة الثانية ، أو من بعد نزول هذه الآية ، أو من بعد يوم بدر ؟ أقول :

واللفظ الكريم يعمها كلها ، والتخصيص بأحدهما تخصيص بلا مخصص .

وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله أي : في حكمته وقسمته ، أو في اللوح ، أو في القرآن ، لأن كتاب الله يطلق على كل منها إن الله بكل شيء عليم فيقضي بين عباده بما شاء من أحكامه ، التي هي منتهى الصواب والحكمة والصلاح .

تنبيهات :

الأول : إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والمناصرة عند من فسر ما تقدم من قوله : بعضهم أولى ببعض وما بعده بالتوارث .

أخرج أبو داود من حديث ابن عباس قال : كان الرجل يحالف الرجل ، ليس بينهما [ ص: 3052 ] نسب ، فيرث أحدهما من الآخر ، فنسخ ذلك آية الأنفال فقال :

وأولو الأرحام إلخ ، إلا أن في إسناده من فيه مقال .

وأما من فسر الموالاة المتقدمة بالنصرة والمعونة والتعظيم ، فيجعل هذه الآية إخبارا منه سبحانه وتعالى بأن القرابات بعضهم أولى ببعض ، وذلك أن تلك الآية ، لما كانت محتملة للولاية بسبب الميراث ، بين الله تعالى في هذه الآية أن ولاية الإرث إنما تحصل بسبب القرابة ، إلا ما خصه الدليل ، فيكون المقصود من الآية إزالة هذا الوهم .

قال الرازي : وهذا أولى ، لأن تكثير النسخ من غير ضرورة وحاجة ، لا يجوز .

الثاني : استدل بالآية من ورث ذوي الأرحام ، وهم من ليسوا بعصبات ، ولا ذوي سهام . قال : ويعضده حديث : « الخال وارث من لا وارث له » ، وأجاب من منع توريثهم بأن المراد من الآية من ذكر الله من ذوي السهام والعصبات ، ومن الحديث : « من كان وارثه الخال فلا وارث له » ، ورد بأنها عامة فلا موجب للتخصيص ، وبأن معنى الحديث : من كان لا وارث له غيره ، لحديث : « أنا عماد من لا عماد له » .

ثم إن الذين أثبتوا ميراثهم اختلفوا في أنهم هل يرثون بالقرب ، أو بالتنزيل ، وهل يرث القريب مع البعيد ، وهل يفضل الذكر على الأنثى أو لا ؟ والآية محتملة . أفاده بعض مفسري الزيدية .

قال ابن كثير : ليس المراد بقوله : وأولو الأرحام خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين لا فرض لهم ولا عصبة ، بل يدلون بوارث كالخالة والخال ، والعمة وأولاد البنات وأولاد الأخوات ونحوهم ، كما يزعمه بعضهم ، ويحتج بالآية ويعتقد ذلك صريحا في المسألة ، بل الحق أن الآية عامة ، تشمل جميع القرابات ، كما نص عليه ابن عباس [ ص: 3053 ] ومجاهد وعكرمة ، والحسن وقتادة وغير واحد ، وعلى هذا فتشمل ذوي الأرحام بالاسم الخاص ، ومن لم يورثهم يحتج بأدلة ، من أقواها حديث : « إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث » .

قالوا : فلو كان ذا حق لكان ذا فرض في كتاب الله مسمى ، فلما لم يكن كذلك ، لم يكن وارثا . انتهى .

ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال ، إذ لا يلزم من ثبوت الحق تعيين الفرض ، على أن معنى الحديث أعطى كل ذي حق حقه مفصلا ومجملا ، وقد أعطاهم حق الأولوية العامة ، ووكل بيان ما يفهم من إجمال الإرث بعمومها لاستنباط الراسخين وفهمهم على قاعدة عمومات التنزيل .

وقد رأيت في هذه المسألة مقالة بديعة أوردها الحسن الصابئ في ( " تاريخ الوزراء " ) في أخبار وزارة أبي الحسن بن الفرات ، نأثرها هنا ، لأنها جمعت فأوعت ، قال رحمه الله :

ونسخة ما كتب به أبو خازم إلى بدر المعتضدي جواب كتابة إليه في أمر المواريث : وصل كتاب الأمير ، يذكر أنه احتيج إلى كتابي بالذي أراه واجبا من مال المواريث لبيت المال ، ومالا أراه واجبا منه ، وتلخيص ذلك وتبيينه - وأنا أذكر للأمير الذي حضرني من الجواب في هذه المسألة والحجة فيما سأل عنه ليقف على ذلك إن شاء الله - .

الناس مختلفون في توريث الأقارب ، فروي عن زيد بن ثابت أنه جعل التركة - إذا لم يكن للمتوفى من يرثه من عصبة وذي سهم - لجماعة من المسلمين وبيت مالهم ، وكذلك يقول في الفصل بعد السهمان المسماة ، إذا لم تكن عصبة ، ولم يرو ذلك عن أحد من الصحابة سوى زيد بن ثابت .

وقد خالفه عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وجعلوا ما يفضل من السهمان ردا على أصحاب السهام من القرابة ، وجعلوا [ ص: 3054 ] المال لذي الرحم إذا لم يكن وارث سواه .

والسنة تعاضد ما روي عنهم ، وتخالف ما روي عن زيد بن ثابت ، وتأويل القرآن يوجب ما ذهبوا إليه ، وليس لأحد أن يقول في خلاف السنة والتنزيل بالرأي .

قال الله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم فصير القريب أولى من البعيد ، وإلى هذا ذهب عمر وعلي وعبد الله رضي الله عنهم ومن تابعهم من الأئمة ، وعليه اعتمدوا ، وبه تمسكوا - والله أعلم _ .

ولو كان في هذه المسألة ما يدل عليه شاهد من الكتاب والسنة ، لكان الواجب تقليد الأفضل والأكثر من السابقين الأولين ، وترك قبول من سواهم ممن لا يلحق بدرجتهم بسابقته .

وإذا رد أمر الناس إلى التخيير من أقاويل السلف ، فهل يحيل أو يشكل على أحد أن زيدا لا يفي علمه بعلم عمر وعلي وعبد الله ؟ وإذا فضلوا في السابقة والهجرة ، فمن أين وجب أن يؤخذ بما روي عن زيد بن ثابت ، واطراح ما روي عنهم ، وقد استدلوا مع ذلك بالكتاب فيما ذهبوا إليه ، وبالسنة فيما أفتوا به ؟ والرواية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتوريث من لا فرض له في الكتاب من القرابة .

فمن ذلك ما ذكر لنا عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهروي عن المقدام ابن معدي كرب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الخال وارث من لا وارث له يرث ماله ، ويعقل عنه » .

وكذلك بلغنا عن شريك بن عبد الله عن ليث ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وعن ابن جريج عن عمر بن سلمة ، عن طاوس عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ذلك .

وذكر عن عبادة بن أبي عباد عن محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال : توفي ثابت بن أبي الدحداح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعاصم بن عدي : « أله فيكم نسب » ؟

[ ص: 3055 ] قال : فدفع تركته إلى ابن أخته فقد أوجب عليه السلام
، بما نقلته عنه هذه الرواية ، توريث من لا سهم له من القرابة مع عدم أصحاب السهمان المبينة في الكتاب .

وأعطى الجدة السدس من الميراث ، ولا فرض لها ، وفي ذلك الاتفاق ، وفيما صير لها من السدس ، دليل على أن من لا سهم له من القرابة في معناها ؟ إذا بطلت السهام ولم يكن من أهلها ، وأنه أولى بالميراث من الأجنبي .

والمروي عن زيد بن ثابت أنه جعل المفضل عن سهام الفرائض وكل المال ، إذا سقطت السهام بعد أهلها ، لجماعة المسلمين ، فجعلهم كلهم وارثا ، وجعل ما يصير لهم من ذلك - في خلاف مال الفيء المصروف إلى الشحنة وأرزاق المقاتلة وإلى المصالح إذا كان ذلك - يكون فيما روي عنه للناس كافة ، وعددهم لا يحصى ، فغير ممكن أن يقسم ذلك فيهم وهم متفرقون في أقطار الأرض ، مشارقها ومغاربها .

وإذا امتنع ذلك وخرج إلى ما ليس بممكن ، فسد وثبت ما قلناه من قول أكابر الأئمة .

وقد تأول بعض المتأولين قول الله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب فقال فيه : كان الناس يتوارثون بالحلف دون القرابة ، فلما أوجب الله المواريث لأهلها من الأقارب ، منع الحليف بما فرض من السهمان فغلطوا وصرفوا حكم الآية إلى الخصوص ، فذلك غير واجب مع عدم الدليل ، لأن مخرجها في السمع مخرج العموم .

وبعد ، فلو كان تأويلها ما ذهبوا إليه ، وكانت السهام التي نسخت ما يرثه الحليف قبل نزول الفرائض ، لوجب في بدء ، وما قالوا إذا كان لا وارث للميت من أصحاب السهام أن يكون الحليفان في التوارث على أول فرضهما ، وعلى المقدم من حكمها ، لأن الذي منعهما إذا ثبت هذا التأويل ( من له سهم ) دون ( من لا سهم له ) ، فإذا ارتفع المانع ، رجع الحكم إلى بدئه .

ولا اختلاف بين الفريقين أن الحليف لا يرث الحليف اليوم ، وإن كان لا وارث سواه ، وهذا يدل على فساد تأويلهم ، وعلى أن المراد في الآية التي أوجبت الحق للأقارب غير الذي ذهبوا إليه ، فإن الله سبحانه إنما أراد بمعناها اختصاص القريب بالإرث دون البعيد . [ ص: 3056 ] وقد يلزم من ذهب إلى الرواية عن زيد ، وترك الرواية عن عمر وعلي وعبد الله عليهم السلام جانبا ، وأسقط التعاقل بين الأجنبي والقريب ، وأن يجعل ذا الرحم أولى ، لأنه لا يفضل الأجنبي بالقرابة .

وترتيب المواريث في الأصل ، يجري على من تقدمه من فضل غيره في المناسبة ، كالأخ للأب والأم ، والأخ للأب ، وابن العم للأب والأم ، وابن العم للأب واختصاصهما قرابة أولاهما بالميراث عند جمع الجميع ، قال الله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وولد الولد ، من سفل منهم ومن ارتفع ، يعمهم هذا الاسم ، إلا أن الأقرب منهم في معنى الآية ، أحق من الأبعد ، فإذا كان ذلك كذلك ، كان القريب أولى من الأجنبي بالتركة للرحم التي تقرب بها دونه .

وبعد ، فإن العلماء نفر يسير لا يعرفون الصواب في هذه المسألة ، إلا فيما روي عن الخليفتين عمر وعلي صلوات الله عليهما ، وما روي عن ابن مسعود ، ثم لم يقتصروا في المبالغة والدليل في توريث ذي الرحم ، إلا على ما روي عن عبد الله بن العباس جد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، وترجمان القرآن ، وبحر العلم ، ومن كان إذا تكلم سكت الناس ، ومن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم ! فقهه في الدين وعلمه التأويل ، ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم مستجابة ، ومن كان أعلم بتأويل القرآن فاتباعه فيه أوجب .

وقد روي عن ابن عباس مثل ذلك من قول عمر وعلي [ ص: 3057 ] وعبد الله والجماعة ، وما زالت الخلفاء من أجداد أمير المؤمنين ، أعزه الله ، يستقضون الحكام ، فيقضون برد المواريث على الأقارب ، ولا ينكرون ذلك على من قضى به من قضاتهم ، ولا تردونه متجاوزا للحق فيه ، وما عرفت الجماعة بغير هذا الاسم إلا منذ نحو عشرين سنة ، وأمير المؤمنين أولى من اتبع آثار السلف ، واقتدى بخلفاء الله ، ومال إلى أفضل المذهبين ، وإلى الله الرغبة في عصمة الأمير ، وتسديده ، والحمد لله رب العالمين . انتهى .

ونقل أبو الحسن الصابي قبل نسخة أبي الحسن محمد بن جعفر بن ثوابة في المواريث ، وفيها نقل ما كتبه عبد الحميد في كتاب مواريث أهل الملة ، وأنه حكى فيه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم ومن اتبعهم من الأئمة الهادين رحمة الله عليهم ، رأوا أن يرد على أصحاب السهام من القرابة ما يفضل عن السهام المفترضة في كتاب الله تبارك وتعالى من المواريث ، وإذا لم يكن للمتوفى عصبة يحوز باقي ميراثه ، وجعلوا رضي الله عنهم تركة من يتوفى ولا عصبة له لذوي رحمه ، إن لم يكن له وارث سواهم ، ممتثلين في ذلك أمر الله سبحانه إذ يقول : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في توريثه من لا فرض له في كتاب الله تعالى من الخال وابن الأخت والجدة . انتهى .

الثالث : استدل بالآية الإمامية على تقديم الإمام علي كرم الله وجهه على غيره في الإمامة ، لاندراجها في عموم الأولوية .

والجواب - على فرض صحة هذه الدلالة - أن العباس رضي الله عنه كان أولى بالإمامة ، لأنه كان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من علي رضي الله عنه .

[ ص: 3058 ] [ ص: 3059 ]
[ ص: 3060 ] سورة التوبة

هي مدنية بإجماعهم . قيل : سوى آيتين في آخرها لقد جاءكم رسول من أنفسكم فإنهما نزلتا بمكة . وفيه نظر . فقد روى البخاري عن البراء أنها آخر سورة نزلت ، واستثنى بعضهم ما كان للنبي . . - لما ورد أنها نزلت في قوله صلى الله عليه وسلملأبي طالب : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك .

وهي مائة وتسع وعشرون آية ولهذه السورة عشرة أسماء :

1- براءة : سميت بها لافتتاحها بها ، ومرجع أكثر ما ذكر فيها إليها .

2- التوبة : لتكرارها فيها ، كقوله تعالى : فإن تبتم فهو خير لكم فإن تابوا وأقاموا الصلاة وقوله : ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء وقوله : فإن يتوبوا يك خيرا لهم وقوله: عسى الله أن يتوب عليهم وقوله : لقد تاب الله على النبي وقوله تعالى : ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة وقوله : التائبون العابدون وهما أشهر أسمائها .

3- الفاضحة : أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس :

سورة [ ص: 3061 ] التوبة ، قال : التوبة هي الفاضحة ، ما زالت تنزل : ومنهم ومنهم ، حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم إلا ذكر فيها .

4- سورة العذاب : رواه الحاكم عن حذيفة ، وذلك لتكرره فيها .

5- المقشقشة : رواه أبو الشيخ عن ابن عمر ، والقشقشة معناها التبرئة ، وهي مبرئة من النفاق .

6- المنقرة : أخرجه أبو الشيخ عن عبيد بن عمير لأنها نقرت عما في قلوب المشركين . أي بحثت .

7- البحوث : بفتح الباء ، صيغة مبالغة ، رواه الحاكم عن المقداد .

8- الحافرة : ذكره ابن الغرس ، لأنها حفرت عن قلوب المنافقين ، أي بحثت عنها ، مجازا .

9- المثيرة : رواه ابن أبي حاتم عن قتادة لأنها أثارت مثالبهم وعوراتهم أي أخرجتها من الخفاء إلى الظهور .

10- المبعثرة : لأنها بعثرت أسرارهم أي أظهرتها .

11- المدمدمة : أي المهلكة لهم .

12- المخزية .

13- المنكلة : أي المعاقبة لهم .

14- المشردة : أي الطاردة لهم والمفرقة جمعهم .

وليس في السور أكثر أسماء منها ومن الفاتحة .

تنبيه :

للسلف في وجه ترك كتابة البسملة في هذه السورة والتلفظ بها أقوال :

1-

روى الحاكم في ( المستدرك ) عن ابن عباس قال : سألت علي بن أبي طالب : لم لم تكتب في ( براءة ) البسملة؟ قال : لأنها أمان . وبراءة نزلت بالسيف .

أي فنزولها لرفع [ ص: 3062 ] الأمان الذي يأبى مقامه التصدير بما يشعر ببقائه من ذكر اسمه تعالى ، مشفوعا بوصف الرحمة . ولذا قال ابن عيينة : اسم الله سلام وأمان ، فلا يكتب في النبذ والمحاربة . قال الله تعالى : ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا قيل له : فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد كتب إلى أهل الحرب البسملة . قال : إنما ذلك ابتداء منه يدعوهم ، ولم ينبذ إليهم . ألا تراه يقول : سلام على من اتبع الهدى؟

فمن دعي إلى الله عز وجل فأجاب ، ودعي إلى الجزية فأجاب ، فقد اتبع الهدى ، فظهر الفرق . وكذا قال المبرد : إن التسمية افتتاح للخير ، وأول هذه السورة وعيد ونقض عهود ، فلذلك لم تفتتح بالتسمية .

2- عن ابن عباس قال : قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا سطر البسملة ، ووضعتموها في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك؟ قال عثمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وإذا نزلت عليه الآية يقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت ( الأنفال ) من أوائل ما نزل بالمدينة ، وكانت ( براءة ) من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وظننت أنها منها . وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها أو من غيرها ، من أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب البسملة ، ووضعتها في السبع الطوال . أخرجه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ورواه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه ، والحاكم وصححه .

[ ص: 3063 ] قال الزجاج : والشبه الذي بينهما أن في ( الأنفال ) ذكر العهود ، وفي ( براءة ) نقضها .

3- أخرج أبو الشيخ عن أبي روق قال : ( الأنفال ) و ( براءة ) سورة واحدة .

ونقل مثله عن مجاهد ، وأخرجه ابن أبي حاتم عن سفيان . وقال ابن لهيعة : يقولون إن ( براءة ) من ( الأنفال ) ، ولذلك لم تكتب البسملة في ( براءة ) ، وشبهتهم اشتباه الطرفين ، وعدم البسملة . ويرده تسمية النبي صلى الله عليه وسلم كلا منهما .

وقال الحاكم : استفاض النقل أنهما سورتان .

وقال أبو السعود : اشتهارها بهذه الأسماء- يعني الأربعة عشر اسما المتقدمة- يقضي بأنها سورة مستقلة ، وليست بعضا من سورة الأنفال ، وادعاء اختصاص الاشتهار بالقائلين باستقلالها خلاف الظاهر ، انتهى .

ونقل صاحب ( الإقناع) أن البسملة ثابتة لـ ( براءة) في مصحف ابن مسعود قال : ولا يؤخذ بها .

وعن مالك أن أولها لما سقط سقطت معه البسملة ، فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها ، كذا في ( الإتقان) .

ثم اعلم على أن القراء أجمعوا على ترك البسملة في آخر هذه السورة اتباعا لسقوطها في الرسم من مصحف الإمام ، إلا ابن منادر فإنه يسمي في أولها ، كما في مصحف ابن مسعود .

وقال السخاوي في ( جمال القراء) : إنه اشتهر تركها فى أول براءة .

وروي عن عاصم التسمية فى أولها، وهو القياس . لأن إسقاطها ، إما لأنها نزلت بالسيف أو لأنهم لم يقطعوا بأنها سورة مستقلة ، بل من الأنفال . ولا يتم الأول ، لأنه مخصوص بمن نزلت فيه ، ونحن إنما نسمي للتبرك وأما الابتداء بما بعد أول براءه ، فلا نص للمتقدمين من أئمة القراء فيه ، وظاهر إطلاق كثير التخيير فيها ، واختار السخاوي [ ص: 3064 ] الجواز ، وقال: ألا ترى أنه يجوز بغير خلاف أن يقول : ( بسم الله الرحمن الرحيم وقاتلوا المشركين وإلى منعها ذهب الجعبري ، وتعقبه السخاوي فقال : إن كان نقلا فمسلم، وإلا فرد عليه ، لأنه تفريغ على غير أصل .

وقال ابن الجزري في ( النشر ) : من اعتبر بقاء أثر العلة التي من أجلها حذفت البسملة أولها ، وهي نزولها بالسيف ، لم يبسمل . ومن لم يعتبر ذلك، أو لم يرها، بسمل بلا نظر والله أعلم .

وقوله تعالى :

القول في تأويل قوله تعالى :

[ 1 ] براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين .

وقوله تعالى :

براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين خبر لمحذوف ، وتنوينه للتفخيم ، أي : هذه براءة ، أو مبتدأ مخصص بصفة ، وخبره : ( إلى الذين ) .

و ( البراءة ) في اللغة انقطاع العصمة ، يقال : برئت من فلان براءة ، أي : انقطعت بيننا العصمة ، ولم يبق بيننا علقة .

فإن قيل : حق البراءة أن تنسب إلى المعاهد ، فلم لم تنسب إليهم ، ونسبت إلى الله ورسوله ؟

أجيب : أن ( عاهدتم ) إخبار عن سابق صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة ، فنسب إلى الكل ، كما هو الواقع ، وإن كان بإذن الله أيضا .

وأما البراءة فهي إخبار عن متجدد ، فكيف ينسب إليهم ، وهم لم يحدثوه بعد ، وإنما يسند إلى من أحدثه ؟

وقال الناصر : إن سر ذلك أن نسبة العهد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في مقام نسب فيه النبذ إلى المشركين ، لا يحسن أدبا ، ألا ترى إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 3065 ] لأمراء السرايا حيث يقول لهم :

« إذا نزلت بحصن فطلبوا النزول على حكم الله ، فأنزلهم على حكمك ، فإنك لا تدري أصادفت حكم الله فيهم أو لا ! وإن طلبوا ذمة الله ، فأنزلهم على ذمتك ، فلأن تخفر ذمتك ، خير من أن تخفر ذمة الله » !

فانظر إلى أمره صلى الله عليه وسلم بتوقير ذمة الله ، مخافة أن تخفر ، وإن كان لم يحصل بعد ذلك الأمر المتوقع ، فتوقير عهد الله ، وقد تحقق من المشركين النكث ، وقد تبرأ منه الله ورسوله بألا ينسب العهد المنبوذ إلى الله أحرى وأجدر . فلذلك نسب العهد إلى المسلمين دون البراءة منه .

وقال الشهاب : ولك أن تقول : إنما أضاف العهد إلى المسلمين ، لأن الله علم أن لا عهد لهم ، فلذا لم يضف العهد إليه ، لبراءته منهم ، ومن عهدهم في الأزل .

وهذا نكتة الإتيان بالجملة اسمية خبرية ، وإن قيل : إنها إنشائية للبراءة منهم ، ولذا دلت على التجدد . انتهى .

قال ابن إسحاق : نزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم ، ألا يصد عن البيت أحد جاءه ، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام . وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين الناس من أهل الشرك .

وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب خصائص إلى آجال مسماة ، فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه في ( تبوك ) ، وفي قول من قال منهم ، فكشف الله سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]