عرض مشاركة واحدة
  #49  
قديم 14-02-2023, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,717
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 726الى صــ 735
(49)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(19)




817 - وعن أبي سعيد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان, ثم اعتكف العشر الأوسط, في قبة تركية, على سدتها حصير». قال: «فأخذ الحصير بيده, فنحاها في ناحية القبة, ثم أطلع رأسه, فكلم الناس, فدنوا منه». رواه مسلم بهذا اللفظ, وهو في «الصحيحين» , قد تقدم.

وقد تقدم في الصلاة: أنه اتخذ حجرة من حصير في رمضان, فصلى فيها ليالي, فصلى بصلاته ناس.
وينبغي أن يكون استتار المعتكف مستحبّاً؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم, وليجمع له فضل الصلاة في المسجد, وفضل إخفاء العمل, وليجمع عليه قلبه بذلك, فلا يشتغل برؤية الناس وسماع كلامهم, ولينقطع الناس عنه فلا يجالسونه ويخاطبونه.

الفصل الخامس: أن الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة والجماعة أفضل؛ لأنه إذا اعتكف في غيره؛ لم يجز له ترك الجمعة, فيجب عليه الخروج من معتكفه, وقد كان يمكنه الاحتراز عن هذا الخروج بالاعتكاف في المسجد الأعظم, و
هذا إنما يكون في اعتكاف تتخلله جمعة.
فأما إن لم تتخلله جمعة؛ فإن اعتكف في غير مسجد الجمعة, وخرج للجمعة؛ جاز؛ لما تقدم من
الحديث المرفوع وأقاويل الصحابة: أن الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة, لا سيما والاعتكاف الغالب إنما يكون في العشر الأواخر من رمضان, ولا بد أن يكون فيها جمعة.
818 - وقد روي ذلك صريحاً عن علي رضي الله عنه؛ قال: «إذا اعتكف الرجل؛ فليشهد الجمعة, وليحضر الجنازة, وليعد المريض, وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم». رواه سعيد.

ولم يستثنوا ذلك.
فأما قول الزهري المتقدم؛ فليس هو متصلاً, وهو من صغار التابعين, ويشبه أن يكون م
حمولاً على الاستحباب.
وأيضاً؛ فإن الخروج للجمعة خروج لحاجة لا تتكرر, فلم يقطع الاعتكاف؛ كالخروج
للحيض.
وأيضاً؛ فإن من أصلنا أن قطع التتابع في الصيام والاعتكاف لعذر لا يمنع البناء, وإن أمكن الاحتراز منه؛ كما سنذكر إن شاء الله تعالى.
وأيضاً؛ فإن اعتكاف العشر الأواخر سنة, وتكليف الناس يعتكفوا في المسجد الأعظم فيه مشقة عظيمة, وربما لم يتهيأ ذلك لكثير من الناس, فعفي عن الخروج للجمعة كما عفي عن الخروج لحاجة الإِنسان.

وأيضاً؛ فإن من أصلنا أنه يجوز له اشتراط الخروج لما له منه بد؛ فالخروج الذي يقع مستثنى بالشرع أولى وأحرى, سواء كان الاعتكاف واجباً أو مستحبّاً تطوعاً, وسواء كان نذراً متتابعاً أو نذراً مطلقاً, وسواء كان الاعتكاف قليلاً يمكن فعله في غير يوم الج
معة أو لا بد من تخلل يوم الجمعة له.
وركن الاعتكاف شيئان:
أحدهما: لزوم المسجد, فلو خرج منه لغير حاجة؛ بطل اعتكافه؛ كما نبين إن شاء الله تعالى.
الثاني: النية؛ فلا يصح الاعتكاف حتى يقصد لزوم المسجد لعبادة الله, فلو لزم المسجد من غير قصد؛ لم يكن معتكفاً؛ ولو قصد القعود فيه
لعبادة يعملها؛ كصلاة مكتوبة, أو تعلم علم أو تعليمه.
[و] إذا قطع النية بأن نوى ترك الاعتكاف؛ بطل في قياس قول أصحابنا؛ كما قلنا في الصوم والصلاة والطواف ونحوها.
ويتخرج على قول ابن حامد.
فأما الصوم؛ فإن السنة للمعتكف أن يكون صائماً؛ لأن الله سبحانه ذكر آية الاعتكاف في ضمن آية
الصوم, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاعتكاف بفعله, وإنما كان يعتكف في شهر رمضان وهو صائم.
وقد أجمع الناس على استحباب الصوم للمعتكف, ولأن الصوم أعون له على كف النفس على الفضول؛ فإنه مفتاح العبادة, فيجتمع له حبس النفس عن الخروج, وحبسها عن الشهوات, فيتم مقصود الاعتكاف.
فإن اعتكف بدون الصوم؛ فهل يصح؟ على روايتين:

إحداهما: لا يصح.
819 - لما روى عبد الرحمن بن إسحاق, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً, ولا يشهد جنازة, ولا يمس امرأة, ولا يباشرها, ولا يخرج لحاجة؛ إلا لما لا بد منه, ولا اعتكاف إلا بصوم, ولا اعتكاف
إلا في مسجد جامع». رواه أبو داوود, وقال: غير ابن إسحاق, لا يقول فيه: قالت: السنة. جعله قول عائشة.
820 - ورواه الدارقطني من حديث ابن جريج, عن ابن شهاب, عن سعيد وعروة, عن عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان, وأن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإِنسان, ولا يتبع جنازة, ولا يعود مريضاً, ولا يمس امرأة, ولا يباشرها, ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة, ويأمر من اعتكف أن يصوم».

وقال الدارقطني: يقال: إن قوله: «إن السنة للمعتكف. . .» إلى آخره: ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنه من كلام الزهري, ومَنْ أدرجه في الحديث فقد وهم.
821 - 823 - وعن ابن عمر وابن عباس وعائشة: أنهم قالوا: «لا اعتكاف إلا بصوم». رواه سعيد.

ولأن الاعتكاف لبث في مكان مخصوص, فلم يكن قربة, حتى ينضم إليه قربة أخرى؛ كالوقوف بعرفة ومزدلفة, لا يكون قربة حتى ينضم إليه الإِحرام, ولأن المعتكف ممنوع مما يمنع منه الصائم من القبلة ونحوها؛ فلأن يمنع مما منعه الصائم ك
الأكل والشرب أولى.
فعلى هذه الرواية: لا يصح إفراده بالزمان الذي لا يصح صومه؛ كليلة مفردة, ويوم العيد, وأيام التشريق.
ولو نذر اعتكافاً؛ لزمه الصوم.
فأما إن اعتكف يوم العيد ويوماً آخر معه؛ فإنه يصح على ظاهر ما قالو
ه.
وهل يصح اعتكاف بعض يوم أو ليلة وبعض يوم إذا صام اليوم كله؟ فيه وجهان:
أحدهما": لا يجزيه. قاله القاضي في «المجرد» وأبو الخطاب في «الهداية».
والثاني: يجزيه.

ولو نذر على هذا أن يعتكف, ولم يسم شيئاً؛ لزمه أن يصوم مع اعتكافه.
وهل يجزيه صوم يوم أو بعض يوم؟. . . .
وإن اعتكف تطوعاً:

فقال في رواية حنبل, وقد سئل عن الاعتكاف في غير شهر رمضان؟ فقال: لا يكون إلا في شهر رمضان؛ إلا النذر, فإن كان نذراً؛ فلا بأس, وإنما الاعتكاف في شهر رمضان؛ لأنه لا اعتكاف إلا بصوم.

وظاهره أنه لا اعتكاف إلا بصوم واجب, وربما يكون وجهه أن الاعتكاف يلزم بالشروع, وصوم التطوع لا يلزم بالشروع, فإذا اعتكف في غير رمضان صائماً متطوعاً؛ كان مخيراً في ترك الصوم دون الاعتكاف.
ويحتمل أن يكون كلامه يُخَرَّج على عادة الناس. . . .
وقال القاضي: إذا قلنا: من شرطه الصوم؛ فلا بد أن يكون صائماً في الجملة تطوعاً أو رمضا
ن أو قضاء رمضان أو نذراً. . . .
والرواية الثانية: يصح بغير صوم, والاستحباب له أن يصوم. وهذا اختيار أصحابنا؛ لأن الله سبحانه قال: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: آية 125] , وقال تعالى في موضع: وَالْقَائِمِينَ} [الحج: آية 26].
فعلم أن المقام في بيت الله هو العكوف فيه من غير شرط, وأنه عبادة بنفسه؛ كما كان الطواف والركوع والسجود عبادة بنفسه.
ولأن العكوف في اللغة: الإِقبال على الشيء على وجه المواظبة, وهذا يحصل من الصائم والمفطر, وهو لفظ معروف, ولا إجمال فيه.
ولأن العاكفين على الأصنام ولَهاً سمُّوا بذلك بمجرد احتباسهم عليها, وإن لم يصوموا؛ فالمحتبس لله في بيته عاكف له, وإن لم يكن صائماً.
ولأن الله سبحانه أطلق قوله: {عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] , ولم يخصص به صائماً من غيره.

نعم؛ لما أباح المباشرة للصائم بالليل, وقد يكون معتكفاً؛ نهاه أن يباشر في حال عكوفه؛ ليتبين أن كل واحد من الصوم والعكوف [مانع] من المباشرة.
824 - وأيضاً؛ ما روى ابن عمر: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال: «فأوف بنذرك». رواه الجماعة إلا أبا داود.

825 - وفي لفظ للبخاري: «أوف بنذرك, اعتكف ليلة». فاعتكف ليلة.
ولو كان الصوم شرطاً في صحته؛ لما جاز اعتكاف ليلة؛ لأن الليل لا صوم فيه. . . .
فإن قيل: معنى الحديث: نذرت أن أعتكف ليلة بيومها؛ فإن العرب تذكر الليالي وتدخل الأيام فيها تبعاً:

بدليل ما روي عن ابن عمر عن عمر: أنه جعل على نفسه يوماً يعتكفه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك».
وفي رواية في الصحيح لهما أو لأحدهما: أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة, بعد أن رجع من الطائف, فقال: يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام؛ فكيف ترى؟ قال: «اذهب؛فاعتكف يوماً». رواه مسلم.
قال: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه جارية من الخمس, فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس. فقال عمر: يا عبد الله! اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]