عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 19-02-2023, 08:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مشاهد وعبر من قصــة أصـــحــــــاب الكهــــــــف

مشاهد وعبر من سورة الكهف (23)
- قصة ذي القرنين(5)






هذه جولةٌ تأمُّليةٌ في رحاب سورة الكهف، نستهدف منها إيقاظ وعي العاملين في الدعوة الإسلامية، بأن ميادين الإصلاح متعددة، وأن بوسعهم أن يجعلوا مِن الحياة كلها محرابًا للدعوة إلى الله، والتغيير والإصلاح، وقد تضمّنَت السورة بين جنباتها أربعًا من القصص الرائعة، تحدثنا عن ثلاثة منها وفي هذه المقالات نتناول القصة الرابعة وهي قصة ذي القرنين، وقد احتوت هذه القصة على ثلاثة مشاهد، المشهد الأول: الرحلة بين المشرق والمغرب، والمشهد الثاني: بناء السد، والمشهد الثالث: مشاهد يوم العرض، واليوم مع المشهد الثالث وهو مشاهد يوم العرض، وقد تضمن هذا المشهد عددًا من الرسائل وهي: الحواس المعطلة، والأمل الضائع، وسعي ضال وعمل خاسر، والنعيم الدائم، وكلمات الله الخالدة، والرسالة الباقية.
المشهد كما عرضه القرآن
قال الله -تعالى-: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
رسائل من قلب المشهد
ينتقل بنا سياق الآيات إلى مشهدٍ مِن مشاهد يوم القيامة، وما قبله مِن علاماتٍ، فبعد أن ذكر الله -تعالى- خبر يأجوج ومأجوج، ذكر أول مشاهد يوم القيامة، وهو: النفخ في الصور، وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل -عليه السلام-، فيجمع الله جميع الخلائق، ثم أخبر -سبحانه وتعالى- عما يفعله بالكفار يوم القيامة؛ حيث إنه يُظهر لهم جهنم، ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها، ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهم والحزن لهم.
نموذج مؤلم يوم القيامة
ثم يذكر القرآن نموذجًا مؤلمًا لأناسٍ يأتون يوم القيامة بأعمالٍ باطلةٍ فاسدةٍ عملوها في الدنيا على خلاف مراد الله، وأمره ونهيه، ولكنهم يعتقدون أنهم على صواب، وأن لهم الحظوة والمكانة عند الله، وهؤلاء هم الكافرون المكذبون للرسل، مثل الذين عبدوا المسيح، وعزيرًا، والملائكة، وغيرها مِن وجوه صرف العبادة لغير الله.
ويدخل فيهم أيضًا: أهل البدع والضلال والانحراف، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ{، {فالآية عامة في كل مَن عبد الله على غير طريقةٍ مرضيةٍ يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ وعمله مردود كما قال -تعالى-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} (الغاشية: 2-3)، وقوله -تعالى-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان: 23)، وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} (النور: 39).
حال المؤمنين
ولما ذكرت الآيات حال المشركين، ناسب أن تذكر حال المؤمنين حتى تتشوق النفوس إليهم وإلى سيرتهم، فذكرتْ ما أعدَّ الله لهم مِن النعيم في الجنة، وما ينتظرهم من المنزلة الرفيعة والدرجة العالية عند الله، ثم خُتمت السورة ببيان جلال الله وعظمته وسعة علمه، ثم وجهت النداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمرته أن يقول لهؤلاء المشركين المكذبين برسالته إليهم أنه بشر، ومن يزعم أنه كاذب فليأتِ بمثل ما جاء به، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب فيما أخبرهم به من الماضي، فيما سألوا عنه من قصة أصحاب الكهف، وخبر ذي القرنين، مما هو مطابق لما عندهم في الكتب، إلا إذا كان هذا الأمر بوحي من عند الله.
الرسالة الأولى: الحواس المعطلة
قال الله -تعالى-: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا{: يحشر الله الكافرين يوم القيامة في صورةٍ مهينةٍ غير مرضيةٍ، فهم لا يقدرون على سماع آيات الله الموصلة إلى الإيمان؛ لبغضهم القرآن والرسول، كما قال -تعالى- عنهم: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} (فصلت:5)، وفي أعينهم أغطية تمنعهم من رؤية آيات الله النافعة، كما قال -تعالى-: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} (البقرة:7).
والآية وإن كان المقصود بها الكافرون المعاندون؛ إلا أن مداومة الإنسان على المعصية وشدة تعلقه بها تجعله على خطر عظيم، فربما أدمن فعلها حتى تصبح له بمنزلة العادة، فقد تبدأ المعصية كتجربة عابرة يقع فيها الإنسان بدافع الرغبة في التجربة أو التقليد، ثم تصير مع الوقت خُلُقًا وعادة؛ لذلك أمرنا الله بالمداومة على الاستغفار والتوبة؛ لأنها تحمي صاحبها من أن تتحول عنده المعصية إلى عادة متجذِّرة يصعب الفكاك منها.
كما أن الإعراض عن الهداية والتوبة عندما تلوح للإنسان فرصة اغتنامها قد يكون جزاؤه الحرمان الأبدي منها، قال الله -تعالى-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الأنعام:110)، وقال -تعالى-: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} (التوبة:83).
الرسالة الثانية: الأمل الضائع
قال الله -تعالى-: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا}: الكفار يسيرون على طريق إمامهم إبليس الذي يسعى لإغواء المؤمنين وفتنتهم، والله -تعالى- يقول لهم على وجه الاستفهام والإنكار -لظنهم المتقرِّر بطلانه في العقول-: هل تظنون أنكم تتخذون مِن عبادي أنصارًا لكم وأولياء يوالونكم مِن دوني؟! إن هذا لا يكون أبدًا؛ لأن المؤمن الحق لا يوالي معاديًا لله قط.
وتأكيدًا على العقيدة الصحيحة التي يعتقدها المؤمن في كل مَن كفر بالله، وهي أن مصير هؤلاء في جهنم، فقد ذكر الله أنه أعد لعذابهم نزلًا مهيأً لاستقبالهم، ويا له مِن نزلٍ أليمٍ موحشٍ؛ ليس كالنزل الكريم الذي يُعد لاستقبال الضيوف الكرماء الأبرار، كما قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}، وقال -عز وجل-: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة:19)، وقال -تعالى-: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} (آل عمران:198).
الرسالة الثالثة: سعي ضال وعمل خاسر
قال الله -تعالى-: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}، أمر مؤلم أن يظن الإنسان بنفسه خيرًا وهو على خلاف ذلك، والأكثر منه ألمًا ومرارة أن يكتشف الإنسان هذا الأمر متأخرًا، بحيث لا يتمكن من التغيير والإصلاح؛ لذلك من رحمة الشرع بنا أن جعل المؤمن مرآة أخيه، يرى من خلاله عيوبه دون تعيير أو شماتة أو فضيحة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ»، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ أَخِيهِ، إِذَا رَأَى فِيهَا عَيْبًا أَصْلَحَهُ».
فهذه الآية تجعل الإنسان في خوفٍ وقلقٍ على أعماله التي يظن أنها صالحة، وقد تكون عند الله ليست كذلك؛ لذا ترشدنا الآية إلى ضرورة إصلاح العمل بأن يكون خالصًا لله موافقا للسنة، كما أكدت الآيات ذلك في خاتمة هذه السورة، فما أصعب أن يبذل الإنسان التعب والجهد ثم يجد عمله مردودًا عليه! قال -تعالى-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (الفرقان:23)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ»، وقال اقرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}.
فهناك أعمال لا يقبلها الله ابتداءً، وهي التي فقدت أحد شرطي قبول العمل، وهما: الإخلاص والمتابعة، وهي التي يظن أصحابها أنهم يحسنون العمل في الدنيا وهم عند الله ليسوا كذلك، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وهناك أعمال تُسقط عن فاعلها الفريضة، لكن لا يكون له فيها الأجر والثواب، كما قال - صلى الله عليه وسلم - عن بعض أصناف الصائمين: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

أحمد الشحات





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]