الموضوع: غصون رمضانية
عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 01-03-2023, 02:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,435
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غصون رمضانية

غصون رمضانية (14) سلاح المؤمن


عبدالله بن عبده نعمان العواضي








تتقاطر على الإنسان في هذه الحياة جيوشُ المكاره جيشًا تلو جيش، فمنها ما يقيم ويأبى المغادرة، ولا تنجع معه وفود الوساطات، ولا عوامل التهدئة، ولا الحلول البشرية. ومنها ما يلم به، وينزل به ضيفًا غير مقيم، ولكن تختلف مُدد إقامته طولاً وقصراً.




فكم يعاني الإنسان في ليله ونهاره من الأوجاع والآلام، وكم يبقى في أيدي الهموم والأحزان، حتى يطول ليله، ويظلم نهاره:



وليلٍ كموج البحر أرخى سدولهُ

عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي




ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلي

بصُبْحٍ وما الإصْباحَ مِنك بأمثَلِ[1]









ويجافي النوم عينيه، ويستضيفه السهاد لديه:

نام الخَليُّ من الهُمومِ وبات لِي ♦♦♦ ليلٌ أُكَابِدُه وهَمٌّ مُضْلِعُ [2]

♦♦♦





مَن تستضفْه الهمومُ لم يَنَمِ

إلاَّ كَنومِ المريض ذي السّقم




ولا يزَلْ قلبُه يكابِد ما

تُولد فيه الهمومُ من ألم[3]









وكم تلجّ به الأشواق والحنين لشيء يروم وصاله، ودون لقائه خرط القتاد:



تمادى البعدُ دونهمُ فأمستْ

دموعُ العين لجّ بها التّمادي




لقد مُنع الرقادُ فبتُّ ليلي

تجافيني الهمومُ عن الوِساد[4]








وكم يطوّق مسارَّ الإنسان الخوفُ والاضطراب، فيظل مِقلاقًا يترنّح على قارب صغير في بحر هائج كبير.




وكم من أمانٍ تُرجى وطال طريق بلوغها، وكم من مخاوف مازالت أنياب بؤسها مكشرة لم يولد المخلِّص منها. وبين رجاء الفرج ونيل المنى يظل الإنسان أعزل محتاجًا إلى سلاح ماضٍ يدفع به ما يكره، ويصل به إلى ما يبغي.



إنَّ القلوبَ رواجفٌ

من أن يمسَّكَ شوكُ حاطبْ








فجعلتها سوراً عليـ

ـكَ من الحوادثِ والنوائبْ[5]









فكان دعاء الإنسان ربه تعالى دون غيره هو ذاك السلاح الذي لا ينبو، والسهم الذي لا يطيش، والعدة الحربية التي لا يستطاع حظرها، ولا يمكن تحديد مداها، ولا يثقل حملها، ولا تقف أمام إصابتها -إذا قبلها الله- كلّ الدفاعات البشرية، فهو عابر الحدود، وهادم السدود، وممزق الحصون الجائرة، ومعجز الموانع البشرية القادرة.




لكن هذا السلاح الفتاك لا يحسن استعماله كل إنسان؛ " فإن السيف بضاربه:



إن السيوف مع الذين قلوبهم

كقلوبهن إذا التقى الجمعان




تلقى الحسامَ على جراءة حدّه

مثل الجبان بكف كل جبان[6]









فالدعاء يفتقر إلى شروط وآداب تحمله على معارج القبول حتى يتحقق المأمول، فالداعي المخلص، الحاضر القلب، الآكل من الطيبات، المختار للأوقات والأحوال المناسبة، الصابر على دوام الطلب يوشك أن يصل إلى هدفه:



لا تَيْأَسَنَّ وإنْ طالَتْ مُطالبَةٌ

إذا استعنَت بصبر أن ترى فَرَجا








أَخْلِقْ بذي الصبرِ أن يحظَى بحاجته

ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبواب أن يَلِجَا[7]










إن للدعاء في رمضان الصيامِ خصوصيةً تجعل المسلم يسارع إلى بسط طلباته بين يدي ربه الكريم فيه، فالنفس في هذا الشهر منكسرة، والروح إلى القُرَب شفافة، والعبد الصالح على باب الله منيب مخبت، والزمان شريف، ورحمات الله فيه منهمرة؛ لذلك كانت الدعوة قريبة الإجابة ليلاً ونهاراً، فينبغي للعبد أن يغتنم هذه الأحوال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم)[8].




وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني: في رمضان - وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة) [9].




فيا من انبسطت في ساحته البلايا، وضيقت عليه سعةَ الدنيا، وأدمع عيونه وأسهرها مرُّ الشكوى، ولم يجد لها من دون الله كاشفة، ويامن طال زمن حَمل آماله، وأمضّه انتظار ميلادها السعيد، ويامن لجأ إلى الخلق لحاجته فلم تقضَ على أيديهم حاجته، هذا باب الدعاء يفتح مصراعيه في وجه المتوجعين والراجين والمردودين، فاطرقوا الباب طرقَ موقن موحد، وألحوا ولا تستحسروا فأنتم تطرقون باب غني كريم، قدير رحيم، سميع قريب ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].





[1] ديوان امرئ القيس (ص: 5).




[2] الأغاني، للأصفهاني (4/ 309).




[3] البيتان لطاهر بن الحسين الأغاني (20/ 109).




[4] ديوان كثير عزة (ص: 73).





[5] المنتحل، للثعالبي (ص: 78).




[6] البيتان لأبي الطيب، شرح ديوان المتنبي (2/ 130).




[7] الأبيات لمحمد بن بشر، الأغاني، للأصفهاني (14/ 43).




[8] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.




[9] رواه البزار، وقال الألباني: صحيح لغيره.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]