سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ) رضي الله عنه
هجرته
لَزِمَ عليٌّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بمكة، وكان من أقرب الناس إليه، وبات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته، وبقي بعده ثلاثة أيام ليؤدّي عن النبي صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده، ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار جعل علياً معه.
- قال معمر بن راشد: أخبرني عثمان الجزري، أن مقسماً مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس: في قوله {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} ، قال: (تشاورت قريش ليلةً بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح؛ فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: بل اقتلوه.
وقال بعضهم: بل أخرجوه.
فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك؛ فبات عليٌّ على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً، يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه؛ فلما رأوا علياً ردَّ الله مكرهم؛ فقالوا: أين صاحبك هذا؟
قال: لا أدري.
فاقتصوا أثره؛ فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل؛ فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت؛ فقالوا: لو دخل هاهنا، لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال). رواه أحمد، وابن جرير الطبري، وأبو جعفر الطحاوي.
وعثمان الجزري قال فيه أحمد: (روى أحاديث مناكير، زعموا أنّه ذهب كتابه).
- وقال ابن كثير: (وهذا إسناد حسن، وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار).
- وقال محمد بن إسحاق: أخبرني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة قال: حدثني رجالٌ قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فذكر الحديث في خروج النبي صلى الله عليه وسلم، قال فيه: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ثلاث ليالٍ وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه البيهقي في السنن الكبرى.
زواجه بفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم
تزوّج عليّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر، وقبل غزوة أحد، وكان بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن علي قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لي مولاة لي:
هل سمعت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقلت: لا.
قالت: فقد خُطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزوجك.
فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟!
فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوَّجك؛ فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلال وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما استطعت أن أتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟! فسكت.
فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت.
فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟
فقلت: نعم.
فقال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟
فقلت: لا والله يا رسول الله.
فقال: ما فعلت درعٌ سلحكتها، فوالذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما ثمنها أربعة دراهم.
فقلت: عندي.
فقال: قد زوجتكها فابعث بها إليها فاستحلها بها؛ فإن كانت لصداق فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ورواية مجاهد عن عليّ منقطعة.
- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني علي بن حسين، أن حسين بن علي رضي الله عنهما أخبره أن علياً قال: «كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفاً من الخمس؛ فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلاً صواغاً من بني قينقاع أن يرتحل معي؛ فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين، وأستعين به في وليمة عرسي». رواه البخاري ومسلم.
- وقال زائدة بن قدامة: حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن علي قال: (جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خَميل، وقِرْبَة، ووسادة أدم حشوها ليفُ الإذخِر). رواه أحمد.
- وقال يونس بن بكير: سمعت ابن إسحاق قال: (فولدت فاطمة لعلي: الحسن، والحسين، ومحسن، فذهب محسن صغيراً، وولدت له: أم كلثوم وزينب).
- وقال زائدة، عن أبي حصين، عن سعد بن عبيدة، قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر محاسن عمله، قال: لعل ذاك يسوءك؟
قال: نعم.
قال: فأرغم الله بأنفك.
ثم سأله عن علي؛ فذكر محاسن عمله، قال: (هو ذاك بيته، أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم).
ثم قال: لعل ذاك يسوءك؟
قال: أجل.
قال: (فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد عليَّ جهدك). رواه البخاري.
جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
شهد عليّ المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليها إلا غزوة تبوك خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ليصلي بالناس وينوب عنه في مصالح المسلمين، وقال له: (( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )).
وكان له في عامة المشاهد التي شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم مواقف مأثورة
- ففي غزوة بدر كان أحد المبارزين، وقاتل فيها قتال الأبطال.
- وفي غزوة أحد كسر جفن سيفه لما فرّ من فرّ ودخل في القوم يقاتل قتالاً شديداً حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في الجبل، ثمّ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في آثار المشركين لينظر خبرهم، ثم تولى مداواة النبي صلى الله عليه وسلم هو وفاطمة رضي الله عنهما.
- وفي غزوة الخندق: بارز عمرو بن عبد ودّ العامري وقتله، وكان من شجعان قريش المذكورين، وخبر مقتل عمرو بن عبد ود مبارزة مروي من طرق متعددة مراسيل حسان منها مرسل الزهري، ومرسل محمد بن إسحاق، ومرسل عروة بن الزبير، ومرسل عاصم بن عمر بن قتادة، ومرسل محمد بن كعب القرظي.
- وشهد بيعة الرضوان، وكان هو كاتب صحيفة الصلح بالحديبية.
- وشهد خيبر وهو الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية فيها، وفتح الله له.
- وشهد فتح مكة، وكانت له فيه مواقف مأثورة.
- وشهد حنين، وثبت مع من ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.