
09-03-2023, 09:30 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (222)
صــــــــــ 238 الى صـــــــــــ 244
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فأقرت بانقضاء العدة أو لم تقر بها حتى ولدت ولدا لم يجاوز أربع سنين من الساعة التي وقع فيها الطلاق أو أقل فالولد أبدا لاحق بالأب لأكثر ما يكون له حمل النساء من يوم طلقها كان الأب حيا أو ميتا لا ينفى الولد عن الأب إلا بأن تأتي به لأكثر مما تحمل النساء من يوم طلقها أو يلتعن فينفيه بلعان أو تزوجت زوجا غيره فتكون فراشا وإذا [ ص: 238 ] تزوجت زوجا غيره وقد أقرت بانقضاء العدة وأقر بالدخول بها أو لم يقر حتى جاءت بولد لستة أشهر من يوم وقعت عقدة النكاح فالولد له إلا أن ينفيه بلعان . وكذلك لو قالت كذبت في قولي انقضت العدة لم تصدق على الزوج الأول ولو ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم وقعت عقدة النكاح الآخر وتمام أربع سنين أو أقل من يوم فارقها الأول كان للأول . ولو وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم فارقها الأول كان للأول . ولو وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها الآخر وأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الأول لم يكن ابن واحد منهما لأنها وضعته من طلاق الأول لما لا تحمل له النساء ومن نكاح الآخر لما لا تلد له النساء .
وإذا قال الرجل لامرأته كلما ولدت فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد وقع الطلاق بالولد الأول وانقضت عدتها بالولد الآخر ولم يقع به طلاق لأن الطلاق وقع ولا عدة عليها ولو ولدت ثلاثة في بطن وقعت تطليقتان بالولدين الأولين لأن الطلاق وقع وهو يملك الرجعة وانقضت عدتها بالثالث ولا يقع به طلاق ولو كانت المسألة بحالها وولدت أربعة في بطن وقع الثلاث بالثلاث الأوائل وانقضت العدة بالولد الرابع .
ولو قال رجل لامرأته كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين بين كل واحد منهما سنة وقع الطلاق بالأول وحلت للأزواج بالآخر وإن كان الطلاق لا يملك فيه الرجعة فلا نفقة فيه وإن كان يملك الرجعة فلها النفقة كما وصفت في أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث حيض حتى تدخل في الدم من الحيضة الثالثة .
( قال ) وإنما فرقت بين هذا والمسائل قبله لأن الزوج ابتدأ الطلاق كما يقع على الحانث بكلام تقدم قبل وضع حملها وقع بوضع حملها منه ثم لم يحدث نكاحا ولا رجعة فيلزمه بواحد منهما ولم يقر به فيلزمه إقراره وكان الولد منفيا عنه بلا لعان وغير ممكن أن يكون أبدا في الظاهر منه . فإن قال قائل : فكيف لم ينف الولد إذا أقرت أمه بانقضاء العدة ثم ولدته لأكثر من ستة أشهر بعد إقرارها ؟ قيل : لما أمكن أن تكون تحيض وهي حامل فتقر بانقضاء العدة على الظاهر والحمل قائم لم نقطع حق الولد بإقرارها بانقضاء العدة وألزمناه الأب ما أمكن أن يكون حملا منه وذلك أكثر ما تحمل له النساء من يوم طلقها وكان الذي يملك الرجعة والذي لا يملكها في ذلك سواء . ولما كان هذا هكذا كانت إذا لم تقر بانقضاء العدة وجاءت بولد لأكثر ما تلد له النساء من يوم وقع الطلاق لم أجعل الولد ولده في واحد منهما . فإن قال : فإن التي يملك عليها الرجعة في معاني الأزواج ما لم تقر بانقضاء العدة ففي بعض الأمر دون بعض . ألا ترى أنها تحل بالعدة لغيره وليس هكذا وقيل له أيحل إصابتها بعد الطلاق بغير رجعة ؟ فإن قال لا ولكنه لو أصابها جعلتها رجعة ؟ قيل : فكيف يكون عاصيا بالإصابة مراجعا بالمعصية ؟ ويقال له أرأيت لو أصابها في عدة من طلاق بائن فجاءت بولد فادعى الشبهة ؟ فإن قال يلزمه قيل فقد ألزمته الولد بالإصابة في العدة من طلاق بائن إلزامكه الولد في العدة من طلاق يملك فيه الرجعة فكيف نفيته عنه في أحدهما وأثبته عليه في الآخر وحكمهما في إلحاق الولد عندك سواء ؟
عدة الوفاة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } الآية .
( قال الشافعي ) حفظت عن غير واحد من أهل العلم [ ص: 239 ] بالقرآن أن هذه الآية نزلت قبل نزول آي المواريث وأنها منسوخة وحفظت أن بعضهم يزيد على بعض فيما يذكر مما أحكي من معاني قولهم وإن كنت قد أوضحت بعضه بأكثر مما أوضحوه به وكان بعضهم يذهب إلى أنها نزلت مع الوصية للوالدين والأقربين وأن وصية المرأة بمتاع سنة وذلك نفقتها وكسوتها وسكنها وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ولم يحظر عليها أن تخرج ولم تخرج ولم يحرج زوجها ولا وارثه بخروجها إذا كان غير إخراج منهم لها ولا هي لأنها إنما هي تاركة الحق لها وكان مذهبهم أن الوصية لها بالمتاع إلى الحول والسكنى منسوخة بأن الله تعالى ورثها الربع إن لم يكن لزوجها ولد والثمن إن كان له ولد . وبين أن الله عز وجل أثبت عليها عدة أربعة أشهر وعشرا ليس لها الخيار في الخروج منها ولا النكاح قبلها قال ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن عليها أن تمكث في بيت زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله إلا أن تكون حاملا فيكون أجلها أن تضع حملها بعد أو قرب ، ويسقط بوضع حملها عدة أربعة أشهر وعشر .
( قال ) وما وصفت من نسخ الوصية لها بالمتاع إلى الحول بالميراث ما لا اختلاف فيه من أحد علمته من أهل العلم . وكذلك لا اختلاف علمته في أن إليها عدة الأربعة أشهر وعشر وقول الأكثر من أهل العلم مع السنة أن أجلها إذا كانت حاملا وكل ذات عدة أن تضع حملها .
( قال ) وكذلك قول الأكثر بأن عليها أن تعتد في بيت زوجها وليس لها الخيار في أن تخرج مع الاستدلال بالسنة .
( قال ) وكان قول الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } يحتمل أن يكون على كل زوجة حرة وأمة حامل وغير حامل ، واحتمل أن يكون على الحرائر دون الإماء وغير ذوات الحمل دون الحوامل ، ودلت السنة على أنها على غير الحوامل من الأزواج وأن الطلاق والوفاة في الحوامل المعتدات سواء وأن أجلهن كلهن أن يضعن حملهن . ولم أعلم مخالفا في أن الأمة الحامل في الوفاة والطلاق كالحرة تحل بوضع حملها أخبرنا مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سئل ابن عباس وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما عن المتوفى عنها زوجها وهي حامل ؟ فقال ابن عباس آخر الأجلين . وقال أبو هريرة إذا ولدت فقد حلت فدخل أبو سلمة على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت : { ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر كهل فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلل وكان أهلها غيبا ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد حللت فانكحي من شئت } أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال ابن عباس آخر الأجلين وقال أبو سلمة إذا نفست فقد حلت قال فجاء أبو هريرة فقال أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فبعثوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم أنها قالت : { ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها قد حللت فانكحي } أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة { أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في أن تنكح فأذن لها } .
أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه { أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بأيام فمر بها أبو السنابل بن بعكك بعد ذلك بأيام فقال قد تصنعت للأزواج إنها أربعة أشهر وعشر فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال كذب أبو السنابل وليس كما قال إنك قد حللت فتزوجي } . أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها [ ص: 240 ] زوجها وهي حامل فقال ابن عمر إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت .
( قال الشافعي ) وليس للمتوفى عنها نفقة حاملا كانت أو غير حامل . أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث .
( قال الشافعي ) وكذلك لو كانت مشركة أو مملوكة لا ترث لم يكن لها النفقة لأن ملكه عن المال قد انقطع بالموت وإذا وضعت المتوفى عنها جميع حملها حلت للأزواج مكانها ولم تنتظر أن تطهر وكان لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر ، وهكذا هي إن كانت مطلقة وهكذا المعتدة من الطلاق إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حل لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر فإذا ولدت ولدا وكانت تجد حركة تخاف أن يكون ولدا ثانيا أو وضعت ثانيا وخافت أن تكون الحركة ولدا ثالثا لم تنكح حتى تعلم أن ليس في بطنها ولد غير الذي ولدت أولا ، وإن نكحت بعد ولاد الأول والثاني وهي تجد حركة فالنكاح موقوف فإن ولدت فالنكاح مفسوخ وإن علم أنه ليس ولدا فالنكاح ثابت فإن كانت مطلقة لزوجها عليها الرجعة فوضعت ولدا فارتجعها زوجها وهي تجد حركة وقفت الرجعة فإن ولدت آخر أو أسقطته قد تبين بعض خلقه فالرجعة ثابتة ، وإن لم تضعه فالرجعة باطلة .
( قال ) وسواء ولدته سقطا أو تماما أو ضربه إنسان أو هي فألقته ميتا أو حيا تخلو عدتها بذلك كله لأنها قد وضعت حملها وهي ومن ضربه آثمان بضربه ، وهذا هكذا في الطلاق وكل عدة على كل امرأة بوجه من الوجوه وسواء هذا في الاستبراء وفي كل عدة من نكاح فاسد تحل بوضع الحمل ولا تحل به حتى يتبين له خلق من خلف بني آدم رأس أو يد أو رجل أو ظفر أو عين أو شعر أو فرج أو ما يعرف به أنه من خلق الآدميين ، فأما ما لا يعرف به أنه خلق آدمي فلا تحل به وعدتها فيه ما فرض عليها من العدة غير عدة أولات الأحمال وسواء في الخروج بوضع الحمل من العدة بالوفاة والطلاق والنكاح الفاسد والمفسوخ والاستبراء كل امرأة حرة وأمة وذمية وبأي وجه اعتدت وأي أمة استبرأت وتعتد المتوفى عنها زوجها الحرة المسلمة والذمية من أي زوج كان حر أو عبد أو ذمي لحرة ذمية عدة واحدة إذا لم تكن حاملا أربعة أشهر وعشرا ينظر إلى الساعة التي توفي فيها الزوج فتعتد منها بالأيام فإذا رأت الهلال اعتدت بالأهلة .
( قال ) كأنه مات نصف النهار وقد بقي من الشهر خمس ليال سوى يومها الذي مات فيه فاعتدت خمسا ثم رئي الهلال فتحصي الخمس التي قبل الهلال ثم تعتد أربعة أهلة بالأهلة وإن اختلفت فكان ثلاث منها تسعا وعشرين وكان واحد منها ثلاثين أو كانت كلها ثلاثين إنما الوقت فيها الأهلة فإذا أوفت الأهلة الأربعة اعتدت أربعة أيام بلياليهن واليوم الخامس إلى نصف النهار حتى يكمل لها عشر سوى الأربعة الأشهر ، وإن مات وقد مضى من الهلال عشر ليال أحصت ما بقي من الهلال فإن كان عشرين أو تسعة عشر يوما حفظتها ثم اعتدت ثلاثة أشهر بالأهلة ثم استقبلت الشهر الرابع فأحصت عدد أيامه فإذا كمل لها ثلاثون يوما بلياليها فقد أوفت أربعة أشهر واستقبلت عشرا بلياليها ، فإذا أوفت لها عشرا إلى الساعة التي مات فيها فقد مضت عدتها ، ولو كانت محبوسة أو عمياء لا ترى الهلال ولا تخبر عنه أو أطبق عليها الغيم اعتدت بالأيام على الكمال الأربعة الأشهر مائة وعشرين يوما والعشر بعدها عشر فذلك مائة وثلاثون يوما ولم تحل في شيء من ذلك من زوجها حتى توفي هذه العدة أو يثبت لها أن قد خلت عدتها قبله بالأهلة والعشر كما وصفت وليس عليها أن تأتي في الأربعة الأشهر والعشر بحيضة لأن الله عز وجل جعل للحيض موضعا فكان بفرض الله العدة لا الشهور فكذلك إذا جعل الشهور والأيام عدة فلا موضع [ ص: 241 ] للحيضة فيها ، ومن قال تأتي فيها بحيضة جعل عليها ما لم يجعل الله عليها . أرأيت لو كانت تعرف أنها لا تحيض في كل سنة أو سنتين إلا مرة أما يكون من جعلها تعتد سنة أو سنتين جعل عليها ما ليس عليها ؟ ولكن لو ارتابت من نفسها استبرأت نفسها من الريبة كما يكون ذلك في جميع العدد ، وكذلك لو جاءت في الأربعة الأشهر والعشر بحيضة وحيض ثم ارتابت استبرأت من الريبة .
( قال ) ولو طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها حتى يكون لا يملك رجعتها وهو صحيح ثم مات لم ترثه واعتدت عدة الطلاق ، ولو طلقها مريضا ثم صح من مرضه ثم مات وهي في العدة لم ترثه واعتدت عدة الطلاق لأنه قد صح في حال لو ابتدأ طلاقها فيها ثم مات لم ترثه فكان في الصحة مطلقا ولم يحدث رجعة ولو طلقها مريضا ثم مات من مرضه وهي في العدة فإن كان الطلاق يملك فيه الرجعة ورثته وورثها لو ماتت لأنها في معاني الأزواج ، وهكذا لو كان هذا الطلاق في الصحة .
( قال ) ولو طلقها لا يملك فيه رجعتها وهو مريض ثم مات في العدة لم يرثها ، وإن مات وهي في العدة فقول كثير من أهل الفتيا أنها ترثه في العدة وقول بعض أصحابنا إنها ترثه وإن مضت العدة وقول بعضهم لا ترث مبتوتة .
هذا مما أستخير الله عز وجل فيه .
( قال الربيع ) وقد استخار الله تعالى فيه فقال لا ترث المبتوتة طلقها مريضا أو صحيحا .
( قال الربيع ) من قبل أنه لو آلى منها لم يكن موليا ولو تظاهر منها لم يكن مظاهرا ولو قذفها كان عليه الحد ولو ماتت لم يرثها فلما كانت خارجة من معاني الأزواج وإنما ورث الله تعالى الزوجة فقال { ولهن الربع } وإنما خاطب الله عز ذكره الزوجة فكانت غير زوجة في جميع الأحكام لم ترث وهذا قول ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف طلقها على أهنا لا ترث إن شاء الله عنده .
( قال الشافعي ) واختلف أصحابنا فيها إن نكحت فالذي أختار إن ورثت بعد مضي العدة أن ترث ما لم تتزوج فإذا تزوجت فلا ترثه فترث زوجين وتكون كالتاركة لحقها بالتزويج وقد قال بعض أصحابنا ترثه وإن تزوجت عددا وترث أزواجا ، وقال غيرهم ترث في العدة لا ترث بعدها . أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن المرأة يطلقها الرجل فيبتها ثم يموت وهي في عدتها فقال ابن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتها ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان فقال ابن الزبير فأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة . وقال غيرهم إن كانت مبتوتة لم ترثه في عدة ولا غيرها وهذا قول يصح لمن قال به ، وقد ذهب إليه بعض أهل الآثار والنظر فقال : وكيف ترثه امرأة لا يرثها ولا يحل له وإنما ورث الله تعالى عز ذكره الأزواج وهي ليست بزوجة وجعل على الأزواج العدة ؟ فإن قلتم لا تعتد لأنها ليست بزوجة فكيف ترثه من لا تعتد منه من وفاته ؟ فإن قلتم تعتد فكيف تعتد منه غير زوجة له ؟ وإن مضت بها ثلاث حيض قبل موته أفتعتد امرأة أربعة أشهر وعشرا بعد ثلاث حيض ، وإن كانت إذا مضت لها ثلاث حيض وهو مريض فنكحت جاز لها النكاح أفتعتد منه إن توفي وهي تحل لغيره ؟ ومن ورثها في العدة أو بعد مضيها انبغى أن يقول أورثها بالاتباع ولا أجعل عليها عدة لأنها ليست من الأزواج وإنما جعل الله تعالى العدة على الأزواج ، وإذا مات عنها فلم تعلم وقت موته اعتدت من يوم تستيقن موته أربعة أشهر وعشرا .
( قال ) وإن لم يبلغها موته حتى يمضي لها أربعة أشهر وعشر ثم قامت بينة بموته فقد مضت عدتها ولا تعود لعدة ولا إحداد .
( قال الشافعي ) وكذا المطلقة في هذا كله ، ولو ارتد زوج المرأة عن الإسلام أمرناها تعتد عدة الطلاق فإن قضتها قبل أن يرجع إلى الإسلام فقد بانت منه وإن لم تقضها حتى تاب الزوج بالرجوع إلى الإسلام ثم مات قبل مضي آخر عدتها أو بعده فسواء وترثه في هذا كله لأنها زوجته بحالها ، ولو اختلفت هي وورثة الزوج [ ص: 242 ] فقالوا قد مضت عدتك قبل أن يتوب وقالت لم تمض حتى تاب وهم يتصادقون على توبة الزوج فالقول قول المرأة مع يمينها ، ولو أقرت بانقضاء العدة قبل أن يتوب فلا شيء لها في ماله وكانت عليها عدة الوفاة والإحداد تأتي فيها بثلاث حيض لأنها مقرة بأن عليها العدتين في إقرارتين مختلفين ، ولو لم يمت ولكن قالت قد انقضت عدتي قبل أن يتوب ثم قالت بعد ما تاب وقبل أن يموت لم تنقض عدتي كانت امرأته بحالها وأصدقها أن عدتها لم تنقض . وهكذا كل مطلقة لزوجها عليها الرجعة قالت قد انقضت عدتي ثم قالت لم تنقض فلزوجها الرجعة ، وإن قالت قد انقضت عدتي فكذبها الزوج أحلفت فإن حلفت فالقول قولها مع يمينها وإن لم تحلف حلف هو على البت ما انقضت عدتها فإن نكل لم ترد عليها .
وإذا مات الرجل وله امرأتان قد طلق إحداهما طلاقا لا يملك فيه الرجعة ولا تعرف بعينها اعتدتا أربعة أشهر وعشرا تكمل كل واحدة منهما فيها ثلاث حيض والله الموفق .
مقام المتوفى عنها والمطلقة في بيتها ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى في المطلقات { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .
( قال ) فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج المتوفى عنهن لأنهن في معناهن في العدة .
( قال ) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن على المتوفى عنها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن فيكون على زوج المطلقة أن يسكنها لأنه مالك ماله ولا يكون على زوج المرأة المتوفى عنها سكنها لأن ماله مملوك لغيره وإنما كانت السكنى بالموت إذ لا مال له والله تعالى أعلم . أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن { الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان في طرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيت له فقال كيف قلت ؟ قالت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله } قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا . قالت فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به . قال : وبهذا نأخذ .
( قال ) وإذا طلق الرجل المرأة فلها سكناها في منزل حتى تنقضي عدتها ما كانت العدة حملا أو شهورا كان الطلاق يملك فيه الرجعة أو لا يملكها .
( قال ) وإن كان المنزل بكراء فالكراء على الزوج المطلق أو في مال الزوج الميت ولا يكون للزوج المطلق إخراج المرأة من مسكنها الذي كانت تسكن معه كان له [ ص: 243 ] المسكن أو لم يكن ، ولزوجها إذا تركها فيما يسعها من المسكن وستر بينه وبينها أن يسكن فيما سوى ما يسعها .
( قال ) وإن كان على زوجها دين لم يبع مسكنها فيما يباع من ماله حتى تنقضي عدتها .
( قال ) وهذا إذا كان قد أسكنها مسكنا له أو منزلا قد أعطى كراءه .
( قال ) وذلك أنها قد ملكت عليه سكناها فيما يكفيها طلاقها كما يملك من اكترى من رجل مسكنه سكنى مسكنه دون مالك الدار حتى ينقضي كراؤه .
( قال ) فأما إن كان أنزلها منزلا عارية أو في كراء فانقضى أو بكراء لم يدفعه وأفلس . فلأهل هذا كله أن يخرجوها منه وعليه أن يسكنها غيره إلا أن يفلس فإن أفلس ضربت مع الغرماء بأقل قيمة سكنى ما يكفيها بالغا ما بلغ واتبعته بفضله متى أيسر .
( قال ) وهكذا تضرب مع الغرماء بنفقتها حاملا وفي العدة من طلاقه .
( قال ) ولو كانت هذه المسائل كلها في موته كان القول فيها واحدا من قولين .
أحدهما : ما وصفت في الطلاق لا يخالفه . ومن قال هذا قال : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم للفريعة " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " دليل على أن للمتوفى عنها السكنى .
( قال ) ويجعل لها السكنى في مال الميت بعد كفنه من رأس ماله ويمنع منزلها الذي تركها فيه أن يباع أو يقسم حتى تنقضي عدتها ويتكارى لها إن أخرجت من منزل كان بيده عارية أو بكراء . والقول الثاني : أن الاختيار لورثته أن يسكنوها وإن لم يفعلوا هذا فقد ملكوا المال دونه ولم يكن لها السكنى حين كان ميتا لا يملك شيئا ولا سكنى لها كما لا نفقة لها ومن قال هذا قال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم امكثي في بيتك يحتمل ما لم تخرجي منه إن كان لغيرك لأنها قد وصفت أن المنزل ليس لزوجها . فإن كان لها المنزل أو للقوم فلم يخرجوها منه لم يجز أن تخرج منه حتى تنقضي عدتها .
( قال ) وإذا أسكنها ورثته فلهم أن يسكنوها حيث شاءوا لا حيث شاءت إذا كان موضعها حريزا ولم يكن لها أن تمتنع من ذلك ، وإن لم يسكنوها اعتدت حيث شاءت من المصر .
( قال ) ولو كانت تسكن في منزل لها معه فطلقها وطلبت أن تأخذ كراء مسكنها منه كان لها في ماله أن تأخذ كراء أقل ما يسعها من المسكن فقط .
( قال ) ولو كان نقلها إلى منزل غير منزله الذي كانت معه فيه ثم طلقها أو مات عنها بعد أن صارت في المنزل الذي نقلها إليه اعتدت في ذلك المنزل الذي نقلها إليه وأذن لها أن تنتقل إليه ، ولو كان أذن لها في النقلة إلى منزل بعينه أو أمرها تنتقل حيث شاءت فنقلت متاعها وخدمها ولم تنتقل ببدنها حتى مات أو طلقها اعتدت في بيتها الذي كانت فيه ولا تكون منتقلة إلا ببدنها . فإذا انتقلت ببدنها وإن لم تنتقل بمتاعها ثم طلقها أو مات عنها اعتدت في الموضع الذي انتقلت إليه بإذنه .
( قال ) سواء أذن لها في منزل بعينه أو قال لها انتقلي حيث شئت أو انتقلت بغير إذنه فأذن لها بعد في المقام في ذلك المنزل ، كل هذا في أن تعتد فيه سواء .
( قال ) ولو انتقلت بغير إذنه ثم يحدث لها إذنا حتى طلقها أو مات عنها رجعت فاعتدت في بيتها الذي كانت تسكن معه فيه . وهكذا السفر يأذن لها به فإن لم تخرج حتى يطلقها أو يتوفى عنها أقامت في منزلها ولم تخرج منه حتى تنقضي عدتها وإن أذن لها بالسفر فخرجت أو خرج بها مسافرا إلى حج أو بلد من البلدان فمات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فسواء ولها الخيار في أن تمضي في سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضي سفرها فلا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه إلا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو في النقلة إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر .
وإن كان أخرجها مسافرة أقامت ما يقيم المسافر مثلها ثم رجعت فإن بقي من عدتها شيء أكملته في بيته وإن لم يبق منها شيء فقد انقضت عدتها .
( قال ) وسواء كانت قريبا من مصرها الذي خرجت منه إذا مات أو طلقها أو بعيدا وإذنه لها بالسفر وخروجها فيه كإذنه بالنقلة وانتقالها لأن نقلة المسافر هكذا . [ ص: 244 ] وإن رجعت قبل أن ينقضي سفرها اعتدت بقية عدتها في منزله ولها الرجوع لأنه لم يأذن لها بالسفر إذن مقام فيه إلا مقام مسافر ، وإن كان أذن لها بالنقلة إلى مصر أو مقام فيه فخرجت ثم مات أو بقي حيا فإذا بلغت ذلك المصر . فله - إن كان حيا ولوليه إن كان حاضرا أو وكيل له - أن ينزلها حيث يرضى من المصر حتى تنقضي عدتها ، وعليه سكناها حتى تنقضي عدتها في ذلك المصر ، وإن لم يكن حاضرا ولا وكيل له ولا وارث حاضر كان على السلطان أن يحصنها حيث ترضى لئلا يلحق بالميت أو بالمطلق ولد ليس منه .
وإذا أذن الرجل لامرأته أن تنتقل إلى أهلها أو غيرهم أو منزل من المنازل أو قال أقيمي في أهلك أو في منزل فلم تخرج حتى طلقها طلاقا لا رجعة له عليها فيه أو مات اعتدت في منزله . وإن خرجت إلى ذلك الموضع فبلغته أو لم تبلغه . ثم طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة أو مات عنها مضت إليه وحين زايلت منزله بإذنه إلى حيث أمرها أن تنتقل أو تقيم فمنزلها حيث أمرها وسواء في هذا كله أخرجت متاعها أو تركته أو منعها متاعها أو تركها وإياه . وهكذا إن قال لها : أقيمي فيه حتى يأتيك أمري وقوله هذا وسكوته سواء لأن المقام ليس بموضع زيارة وليس عليها - لو نقلها ثم أمرها - أن تعود إلى منزله أن تعود إليه وسواء قال إنما قلت هذا لها لتزور أهلها أو لم يقله إذا طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها لم يكن له نقلها عن الموضع الذي قال لها انتقلي إليه أقيمي فيه حتى يراجعها فينقلها إن شاء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إن كان أذن لها في زيارة أهلها أو غيرهم أو النزهة إلى موضع في المصر أو خارجا منه فخرجت إلى ذلك الموضع الذي أذن لها فيه ثم مات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة . فعليها أن ترجع إلى منزله فتعتد فيه لأن الزيارة ليست مقاما . فإن قال في هذا كله قبل الطلاق أو الموت إنما نقلتها إليه ولم تعلم هي كان لها أن تقيم حيث أقر أنه أمرها أن تنتقل لأن النقلة إليه وهي متنقلة لم يكن لها أن ترجع ، ولو أذن لها بعد الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة أو يملكها قبل أن يرتجعها أو قال لها في مرضه إذا مت فانتقلي حيث شئت فمات لم يكن لها أن تعتد في غيره .
( قال ) ولو كان أذن لها فيما وصفت فنوت هي النقلة وقالت أنا أنتقل ولم ينو هو النقلة . وقال هو إنما أرسلتك زائرة . ثم مات أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة كان عليها أن ترجع فتعتد في بيته لأن النقلة ليست لها إلا بإذنه .
( قال ) وإذنه لها في المصر إلى موضع معلوم وإلى أين شاءت سواء إن أذن لها في النقلة ثم طلقها لم يكن عليها أن ترجع إلى منزله حتى تنقضي عدتها إلا أن يراجعها فيكون أحق بها . وإن أذن لها في الزيارة أو النزهة ثم طلقها فعليها أن ترجع إلى منزله لأن الزيارة والنزهة ليست بنقلة ولو انتقلت لم يكن ذلك لها ولا له وكان عليها أن ترجع فتعتد في بيته
( قال ) ولو كان أذن لها أن تخرج إلى الحج فلم تخرج حتى طلقها أو مات عنها . لم يكن لها أن تخرج ، ولو خرجت من منزله ففارقت المصر أو لم تفارقه إلا أنها قد فارقت منزله بإذنه للخروج إلى الحج ثم مات عنها أو طلقها كان لها أن تمضي في وجهها وتقيم فيه مقام الحاج ولا تزيد فيه وتعود مع الحاج فتكمل بقية عدتها في منزله إلا أن يكون أذن لها في هذا أن تقيم بمكة أو في بلد غيرها إذا قضت الحج فتكون هذه كالنقلة وتقيم في ذلك البلد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا تخرج إلى الحج بعد مضي العدة إلا مع ذي محرم إلا أن تكون حجة الإسلام وتكون مع نساء ثقات فلا بأس أن تخرج مع غير ذي محرم ولو أذن لها إلى سفر يكون مسيرة يوم وليلة غير حجة الإسلام لم يكن لها أن تخرج إلا مع ذي محرم ، فإن خرجت من منزله ولم تبلغ السفر حتى طلقها أو مات عنها كان عليها أن ترجع فتعتد في منزله . ولو بلغت ذلك الموضع وقد سمى لها وقتا تقيمه في ذلك الموضع أو قال زوري أهلك فنوت هي النقلة أو لم تنوها أو خرجت إليه فلا أنظر إلى نيتها هي في النقلة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|