عرض مشاركة واحدة
  #236  
قديم 10-03-2023, 10:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس

الحلقة (236)
صــــــــــ 14 الى صـــــــــــ 20



(قال الشافعي): ولو كان للمقتول وليان فعفا أحدهما القصاص لم يكن للباقي إلا الدية، وإن كان محجورا فعفاها فعفوه باطل وليس لوليه إلا أخذها من القاتل، ولو عفاها وليه كان عفوه باطلا، وكذلك لو صالح وليه منها على شيء ليس بنظر له لم يجز له من ذلك إلا ما يجوز له من البيع والشراء عليه على وجه النظر.
(قال الشافعي): وإذا عفا المحجور عن القصاص جاز عفوه عنه وكانت له ولورثته معه الدية؛ لأن في عفوه عن القصاص زيادة في ماله وعفوه المال نقص فلا يجوز عفوه المال.
(قال الشافعي): ومن جاز له عفو ماله سوى الدية جاز ذلك له في الدية ومن لم يجز عفو ماله سوى الدية لم يجز له عفو الدية.
(قال الشافعي): ولو قال أحد الورثة قد عفوت عن القاتل أو قد عفوت حقي عن القاتل ثم مات قبل أن يبين كان لورثته أخذ حقه من الدية ولم يكن لهم القصاص فإن ادعى القاتل أنه قد عفا الدية والقود فعليه البينة وإن أراد إحلاف الورثة ما يعلمونه عفاهما أحلفوهم وأخذوا بحقهم من الدية.
(قال الشافعي): ولو كان العافي حيا فادعى عليه القاتل أنه قد عفا عنه الدم والمال أحلف له كما يحلف في دعواه عليه فيما سوى ذلك.
(قال الشافعي): وكل جناية على أحد فيها القصاص دون النفس كالنفس، للمجني عليه القصاص إذا أراد أو أخذ المال أو العفو بلا مال فإن مات من غير الجراح قبل أن يقتص أو يعفو فوليه يقوم في الاقتصاص والعفو مقامه والقول فيه كالقول في النفس لا يختلفان.
باب الشهادة في العفو
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا مات المجني عليه في النفس أو غيرها فشهد أحد ورثته أن أحدهم عفا القصاص أو عفا المال والقصاص فلا سبيل إلى القصاص كان الشاهد ممن تجوز شهادته أو لا تجوز شهادته إذا كان بالغا وارثا للمقتول؛ لأن في شهادته إقرارا أن دم القاتل ممنوع وإن لم تكن تجوز شهادته أحلف الشهود عليه ما عفا المال وكانت له حصته من الدية ولا يحلف ما عفا القصاص؛ لأنه لا سبيل إلى القصاص ولا أحلفه على ما إذا حلف عليه لم أطرح عنه بيمينه ما شهد به عليه.
(قال الشافعي) ولو كان ممن تجوز شهادته حلف القاتل مع شهادته له أنه عفا عنه المشهود عليه القصاص بالمال وبرئ من حصة المشهود عليه من الدية وأخذ من بقي من الورثة منهم حصصهم من الدية.
ولو شهد شاهدان على الوارث أنه قال قد عفوت عن دم أبي أو عفوت عن فلان دم أبي أو عفوت عن فلان تباعتي في دم أبي أو عفوت عن فلان ما يلزمه لأبي أو ما يلزمه لي من قبل أبي كان هذا كله عفوا للدم ولم يكن عفوا لحصته من الدية حتى يبين فيقول: قد عفوت عنه الدم والدية أو الدم وما يلزمه من المال ولو شهدوا أنه وصل كلامه فقال: قد عفوت عن القصاص والعقوبة في الذمة لم يكن هذا عفوا للمال حتى يقول: قد عفوت عنه الدم والمال الذي يلزمه لأبي، وكذلك لو قال قد عفوت عنه دما وما يلزمه؛ لأنه قد يرى العقوبة تلزمه وليس هذا عفوا للمال حتى يسميه.
(قال الشافعي): ولو وصل فقال: قد عفوت عنه الذي يلزمه في دم أبي من قصاص وعقوبة في مال لم يكن عفوا عن الدية حتى يقول: ما يلزمه لي من المال أو ما يلزمه من المال؛ لأنه قد يجهل فيرى أن عليه أن يحرق له مال أو يقطع أو يعاقب فيه فالدية ليست عقوبة وعليه في هذا كله اليمين ما عفا الدية ولو شهد اثنان من الورثة على الاثنين وشهد الاثنان المشهود عليهما على الشاهدين عليهما أنهم عفوا الدية والقصاص كانت شهادتهم جائزة وليس في شيء من شهادتهم ما يجرون به إلى أنفسهم ولا يدفعون به عنها؛ لأنه قد كان لكل واحد منهم عفو الدم وإن لم يرضه صاحبه وليست تصير حصة واحد منهم عفوا إلى صاحبه فيكون جارا بها إلى نفسه شيئا.
(قال الشافعي): وإذا كان للدم وليان: أحدهما غائب أو صغير أو حاضر لم يأمره بالقتل ولم يخيره فعدا أحد الوليين فقتل قاتل أبيه ففيها قولان: أحدهما لا قصاص بحال.
(قال الشافعي): وإنما يسقط من قال هذا - القود عنه إذا لم يجمع ورثة المقتول عليه للشبهة وإن قول الله عز وجل {فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} يحتمل أي ولي قتل كان أحق بالقتل وقد كان يذهب إلى هذا أكثر مفتي أهل المدينة فيقولون لو قتل رجل له مائة ولي فعفا تسعة وتسعون كان للباقي الذي لم يعف القود وينزل منزلة الحد يكون للرجل فيموت فيعفو أحد بنيه أن للآخر القيام به فبهذا أسقط من قال هذا القصاص عن القاتل والتعزير إن كان ممن يجهل وإن كان ممن لا يجهل عزر بالتعدي بالقتل دون غيره من ولاة الدم، ثم قيل لولاة الدم معه لكم حصة من الدية فإن عفوتموها تركتم حقكم وإن أردتم أخذها فهي لكم والقول ممن يأخذونها واحد من قولين: أحدهما أنها لهم في مال القاتل ويرجع بها ورثة القاتل في مال قاتله ومن قال هذا قال إن عفوا عن القاتل الدية رجع ورثة قاتل المقتول على قاتل صاحبهم بحصة الورثة معه من الدية.
(قال الشافعي): القول الثاني أنها للورثة في مال أخيهم؛ لأنه قاتل أبيهم؛ لأن الدية إنما كانت تلزمه لو كان لم يقتله ولي فإذا قتله ولي يدرأ عنه القصاص فلا يجتمع عليه القتل ويوجب الدية في ماله.
(قال الشافعي): والقول الثاني أن على من قتل من الأولياء قاتل أبيه القصاص حتى يجتمعوا على القتل وإذا قتل الرجل الرجل فقال قتل ابني أو رجلا أنا وليه طلب بالبينة فإن أقامها بأنه قتله عمدا عزر ولم يكن عليه عقل ولا قود ولا كفارة وإن لم يقمها اقتص منه.
ولو قتل رجل له وليان فقتل أحدهما قاتل أبيه وادعى أن الولي معه أذن له أحلف الولي المدعى عليه فإن حلف كان له نصيبه من الدية على ما وصفت وإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ من نصيبه من الدية.
ولو أن رجلا له وليان أو أولياء فعفا أحد
أوليائه القصاص، ثم عدا عليه أحد الأولياء فقتله وقال لم أعلم عفو من معي ففيها قولان: أحدهما أن عليه القصاص فإذا اقتص منه فنصيبه من الدية في مال القاتل المقتول الذي اقتص منه والآخر أن يحلف ما علم عفوه، ثم عوقب ولم يقتص منه وأغرم ديته حالة في ماله يرفع عنه منها بقدر نصيبه من دية المقتول الذي هو وارثه وإن لم يحلف حلف أولياء المقتول الآخر لقد علم، ثم في القصاص منه قولان: أحدهما أن يقتص منه والآخر لا قصاص منه ومن قال يقتص منه جعل لورثة المقتول الأول في مال القاتل نصيبهم من الدية وللذي قتل به حصته من الدية لما أخذ منه القصاص.
(قال الشافعي): فإذا عفا أحد الورثة القصاص فحكم الحاكم لهم بالدية فأيهم قتل القاتل قتل به إلا أن يدع ذلك ورثته.
باب عفو المجني عليه الجناية
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا جنى الرجل على الرجل الجناية فيها قصاص فقال المجني عليه قد عفوت عن الجاني جنايته علي وبرأ المجني عليه من الجناية سقط القصاص عن الجاني وسأل المجني عليه فإن قال قد عفوت له القصاص والمال جاز عفوه للمال إن كان يلي ماله وإن كان لا يلي ماله جاز عفوه للقصاص وأخذ له المال؛ لأنه ليس له أن يهب من ماله شيئا وهكذا إن مات من جناية الجاني وهو يلي ماله سئل ورثته فإن قالوا: لا نعلمه عفا المال، أحلفوا: ما علموه عفا المال وأخذوا المال من مال الجاني إلا أن يأتي الجاني ببينة على عفوه المال والقصاص معا فيجوز له العفو، ولو جاء الجاني ببينة أنه قال قد عفوت عنه ما يلزمه في جنايته علي لم يكن هذا عفو المال حتى يبين فيقول من قصاص وأرش فيجوز عفو المال ولو مات المجني عليه من جناية الجاني بعد قوله قد عفوت عن الجاني جنايته علي سقط القصاص وكان عليه في ماله دية النفس، وكذلك لو قال قد عفوت عنه ما لزمه في جنايته علي من عقل وقود وما يحدث منها كان هكذا.
ولو قال: قد عفوت عنه ما لزمه في جنايته علي من عقل وقود فلم يمت من الجناية وصح قبل أن يموت ومات من غيرها جاز العفو فيما لزمه بالجناية نفسها ولم يجز فيما لزمه بزيادتها؛ لأن الزيادة لم تكن وجبت له يوم عفا، ولم تكن وصية بحال وكانت كهبة وهبها مريضا، ثم صح فتجوز جواز هبة الصحيح ولو كانت المسألة بحالها فلم يصح حتى جرحه رجل آخر فخرج الأول من أن يكون قاتلا كان أرش الجرح كله وصية جائزة يضرب بها مع أهل الوصايا؛ لأنه ليس بقاتل.

(قال أبو محمد) والقول الثاني أنه قاتل مع غيره فلا تجوز له وصية إلا أن يكون الجارح الثاني قد ذبحه أو قطعه باثنين فيكون هو القاتل وتجوز الوصية للأول؛ لأن الثاني هو القاتل.
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها فقال قد عفوت عنه الجناية وما يحدث فيها وما يلزمه منها من عقل وقود ثم مات من الجناية فلا سبيل إلى القود بحال العفو عنه والنظر إلى أرش الجناية نفسها فكان فيها قولان. أحدهما: أنه جائز العفو عنه من ثلث مال العافي عنه كأن كان شجه موضحة فعفا عقلها وقودها فيرفع عنه من الدية نصف عشرها؛ لأنه وجب للمجني عليه في الجناية ويأخذ الباقي؛ لأنه عفا عما لم يجب له فلا يجوز عفوه فيه.
والقول الثاني: أن يؤخذ بجميع الجناية؛ لأنها صارت نفسا وهذا قاتل لا تجوز له وصية بحال (قال الربيع) وهذا أصح القولين عندي.


(قال الشافعي): ولو كانت الجناية يدين ورجلين، ثم مات منها وعفا جاز له العفو في القول الأول من الثلث؛ لأن الدية وجبت له أكثر إلا أن ذلك نقص بالموت ولم يجز له في القول الثاني؛ لأنها صارت نفسا وهذا قاتل.

(قال الشافعي): وإذا قال الرجل للرجل قد عفوت عنك العقل والقود في كل ما

جنيت علي فجنى عليه بعد القول لم يكن هذا عفوا وكان له العقل والقود؛ لأنه عفا عنه ما لم يجب له.
(قال الشافعي): وإذا جنى الرجل على أبي الرجل جرحا فقال ابنه وهو وارثه: قد عفوت عن جنايتك على أبي في العقل والقود معا لم يكن هذا عفوا؛ لأن الجناية لأبيه ولا يكون له القيام بها إلا أن يموت أبوه وله إذا مات أبوه أن يأخذ العقل أو القود؛ لأنه لم يعف بعد ما وجب له ولو عفاه بعد موت أبيه لم يكن له عقل ولا قود إذا عفاهما معا.
جناية العبد على الحر فيبتاعه الحر والعفو عنه
(قال الشافعي): وإذا جنى عبد على حر جناية فيها قصاص فعليه القصاص أو الأرش والجناية والدية كلها في رقبة العبد فإن عفا القصاص والأرش جاز العفو إن صح منها من رأس المال، وإن مات منها أو من غيرها قبل أن يصح جاز العفو؛ لأنه من الثلث يضرب به سيد العبد في ثلث مال الميت مع أهل الوصايا بالأقل من الدية والأرش ما كان أو قيمة رقبة عبده ليس عليه غيره وإنما أجزناها هنا أنها وصية لسيد العبد وسيده ليس بقاتل، ولو كانت جناية العبد على الحر موضحة فقال: قد عفوت عنه القصاص والعقل وما يحدث في الجناية جاز له العفو عن الموضحة ولم يجز له ما بقي؛ لأنه عفا عما لم يجب له ولم يوص إن وجب له أن يعفو عنه، ولو أنه قال إن مت من الموضحة أو ازدادت فزيادتها بالموت وغيره وصية له جاز العفو من الثلث، ألا ترى أن رجلا لو كان له في يدي رجل مال فقال: ما ربح فيه فلان فهو هبة لفلان لم يجز ولو قال وصية لفلان جاز.
(قال الشافعي): ولو كان العبد جنى على الحر جناية أقر بها العبد ولم تقم بها بينة فقال الحر: قد عفوت الجناية وعقلها أو ما يحدث فيها لم يكن له قصاص بحال العفو وكان العقل إنما يجب على العبد إذا عتق فكان عفوه عنه العقل كعفوه عن الحد يجوز للعبد منه إذا عتق ما يجوز للجاني الحر المعفو عنه ويرد عنه ما يرد عن الحر.
ولو جنى عبد على حر موضحة عمدا فابتاع الحر العبد من سيده بالموضحة كان هذا عفوا للقصاص فيها ولم يجز البيع إلا أن يعلما معا أرش الموضحة فيبتاع المجني عليه العبد فيكون البيع جائزا، وهكذا لو كانت أكثر من موضحة أو أقل؛ لأن الأثمان لا تجوز إلا معلومة عند البائع والمشتري (قال الشافعي): ولو وجد المشتري بالعبد عيبا كان له رده وكان له في عنقه أرش الجناية بالغا ما بلغ، ولو أخذه بشراء فاسد فمات في يدي المشتري كانت على المشتري قيمته يحاص بها من أرش الجناية التي وجبت له في عنقه.
ولو أن عبدا جنى على حر عمدا فأعتق سيد العبد العبد وهو يعلم بالجناية أو لا يعلم فسواء وللحر القود إلا أن يشاء العقل فإن شاء فعلى السيد المعتق الأقل من أرش العقل أو قيمة رقبة العبد وجناية العبد على الحر عمدا وخطأ سواء.
جناية المرأة على الرجل فينكحها بالجناية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنت المرأة على الرجل موضحة عمدا أو خطأ فنكحها على الموضحة فالنكاح عليها عفو للجناية ولا سبيل إلى القود، والنكاح ثابت وإن كانا قد علما أرش الجناية كان مهرها أرش الجناية في العمد خاصة فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أرش الموضحة

وإن نكحها على أرش موضحة خطأ كان النكاح جائزا وكان لها مهر مثلها وله على عاقلتها أرش موضحة؛ لأنه إنما نكحها بدين له على غيرها ولا يجوز صداق دين على غير المصدق وهذا كله إذا عاش من الجناية فإن كانت الجناية خطأ أو عمدا فمات منها فكان الصداق جائزا وزادها فيه على صداق مثلها ردت إلى صداق مثلها ورجع عليها بالفضل؛ لأنها تصير وصية لوارث فلا تجوز، ولو جنت على عبد له جناية فنكحها عليها جاز كنكاحه إياها على جناية نفسه في المسائل كلها إلا في أن الصداق إذا كان جائزا وكان أكثر من مهر مثلها ومات العبد جائز؛ لأنها لم تجن على السيد فيكون قابلا ولم يكن صداقها في معنى الوصايا بحال فلا يجوز منه ما جاوز صداق مثلها. .

الشهادة في الجناية

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويقبل في القتل والحدود سوى الزنا شاهدان. وإذا كان الجرح والقتل عمدا لم يقبل فيه إلا شاهدان ولا يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين ولا يمين وشاهد إلا أن يكون الجرح عمدا مما لا قصاص فيه بحال، مثل الجائفة ومثل جناية من لا قود عليه من معتوه أو صبي أو مسلم على كافر أو حر على عبد أو أب على ابنه فإذا كان هذا قبل فيه شهادة رجل وامرأتين ويمين وشاهد؛ لأنه مال بكل حال فإن كان الجرح هاشمة أو مأمومة لم يقبل فيه أقل من شاهدين؛ لأن الذي شج هاشمة أو مأمومة إن أراد أن آخذ له القصاص من موضحة فعلت؛ لأنها موضحة وزيادة فإذا كانت الجناية الأدنى إن أراد أن آخذ له فيها قودا أخذتها لم أقبل فيها شهادة شاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين وإذا كانت لا قصاص في أدنى شيء منها ولا أعلاه قبلت فيها شاهدا وامرأتين وشاهدا ويمينا.
وإذا ادعى رجل على رجل قتل عمد وقال قد عفوت القود أو قال لي القود أو المال وأنا آخذ المال وسأل أن يقبل له شاهد وامرأتان أو يمين وشاهد لم يكن ذلك له؛ لأنه لا يجب له مال حتى يجب له قود.
وإذا ادعى رجل على رجل جرحا عمدا أو خطأ لم أقبل له شهادة وارث له بحال؛ لأنه قد يكون نفسا فيستوجب بشهادته الدية ولو أن رجلا له ابن وابن عم فادعى جرحا فشهد له ابن عمه قبلت شهادته؛ لأنه ليس بوارث له فإن لم يحكم بها حتى مات ابنه طرحت شهادة ابن عمه؛ لأنه قد صار وارثا للمشهود له؛ لأنه لو مات ورثه وإن حكم بها، ثم مات ابنه فصار ابن عمه الوارث لم ترد؛ لأن الحكم قد مضى بها في حين لا يجر إلى نفسه بها شيئا.
الشهادة في الأقضية

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل على الرجل شاهدين بقتل عمدا وهو ممن يستقاد منه للمقتول فأتى المشهود عليه برجلين من عاقلته غير ولده أو والده يشهدان له على جرح الشاهدين اللذين شهدا عليه قبلت شهادتهما؛ لأنهما لا يعقلان عنه في العمد فيدفعان عن أنفسهما بشهادتهما عقلا ولو ادعى عليه قتل خطأ وأقام به عليه شاهدين فجاء المشهود عليه برجلين من عاقلته يجرحان الشاهدين

لم تجز شهادتهما؛ لأنهما يدفعان عن أنفسهما ما يلزمهما من العقل، وكذلك لو كانا من عاقلته فقيرين لا يلزمهما لذلك عقل لم تقبل شهادتهما؛ لأنه قد يكون لهما مال في وقت العقل فيؤخذ منهما العقل فيكونا دافعين بشهادتهما عن أنفسهما ولو شهد شاهدان على رجل بقتل أو جرح خطأ فجاء المشهود عليه برجال من عصبته يجرحونهما انبغى للحاكم أن ينظر فإن كان الذين جرحوهما ممن يلزمه أن يعقل عن الشهود عليه حين شهدوا إن حكم بشهادتهما لم تقبل شهادتهما، وذلك أن لا يكون من هو أقرب إليه نسبا منهما يحمل العقل عنه وإن كان من هو أقرب إليه نسبا منهما يحمل العقل عنه حتى لا يخلص إلى أن يعقل الشاهدان عنه إلا بعد موت الذين يحملون العقل عنه من العاقلة أو حاجتهم قبلت شهادتهما؛ لأنهما حين شهدا من غير عاقلته.

ما تقبل عليه الشهادة في الجناية

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا أقبل في الشهادة على الجناية إلا ما أقبل في الشهادة على الحقوق إلا في القسامة فلو أن رجلا جاء بشاهدين يشهدان أن رجلا ضربه بسيف وقفتهما فإن قالا: أنهر دمه ومات مكانه من ضربه قبلت شهادتهما وإن قالا ما ندري أنهر دمه أو لم ينهر. لم أجعله بها جارحا ولو قالا: ضربه في رأسه فرأينا دما سائلا لم أجعله جارحا إلا بأن يقولا سال من ضربته، ثم لم أجعلها دامية حتى يقولا وأوضحها وهذه هي نفسها أو هي في موضع كذا وكذا فإن برأ منها فأراد القصاص لم أقضه إلا بأن يقولا هي هذه بعينها أو يصفاها طولها وعرضها فإن قالا أوضحه ولا ندري كم طول الموضحة لم أقضه منه وإن قالا أوضحه في رأسه ولا نثبت أين موضع الموضحة لم أقضه؛ لأني لا أدري أين آخذ منه القصاص من رأسه وجعلت عليه الدية؛ لأنهما قد أثبتا على أنه أوضحه في رأسه ولو قالا ضربه فقطع إحدى يديه، والمقطوع إحدى يديه مقطوع اليد الأخرى، قصاص إذا لم يثبتا اليد التي قطع وعلى الجاني الأرش في ماله؛ لأنهما أثبتا قطع يده ولو قالا قطع إحدى يديه ولم يثبتا أي اليدين هي أيده المقطوعة هي أم يده الأخرى قيل أنتم ضعفاء ليست له إلا يدان بينوا فإن فعلوا قبلت وإن لم يفعلوا قبلت وقضي عليه وكان هؤلاء ضعفاء.

(قال الشافعي): وهكذا في رجليه وأذنيه وكل ما ليس فيه منه إلا اثنان فقطع أحدهما ولو شهدا أن هذا قطع يد هذا وقال هذا يوم الخميس وقال هذا يوم الجمعة لم تقبل شهادتهما إن كان عمدا لاختلافهما فإن كل واحد منهما يبرئ الجاني أن يكون فعل في اليوم الذي زعم الآخر أنه فعل فيه، وكذلك لو شهد عليه شاهدان أنه قتل بمكة يوم كذا وشهد آخران أنه قتل بمصر ذلك اليوم أو أنه قتل إنسانا بمصر في ذلك اليوم أو جرحه أو أصاب حدا سقط كل هذا عنه؛ لأن كل واحدة من البينتين تبرئه مما شهدت به عليه الأخرى وهذا في العمد والخطأ سواء إذا لم يكن إلا أن يكون أحدهما قد كان والآخر لم يكن وبطلتا معا عنه؛ لأن الحكم عليه بإحداهما ليس بأوجب عليه من الحكم عليه بالأخرى وأحلف كما يحلف المدعى عليه بلا بينة وليس كالذي يظاهر عليه من الأخبار التي تقر في نفس الحاكم أنه كما قالوا لا يبرأ من تلك الشهادة وإن لم تكن قاطعة بمعنى غيرهم فيكون في
هذا القسامة ولا يكون ذلك في المسألة الأولى ولا يكون ذلك إلا بدلالة ولو شهد شاهد أنه قتله يوم الخميس وآخر أنه قتله يوم الجمعة كان باطلا؛ لأن كل واحد يكذب الآخر ولا يكون قاتلا له يوم الخميس ويوم الجمعة وهكذا لو شهد رجل أنه قتله بكرة والآخر أنه عشية والآخر أنه خنقه حتى مات والآخر أنه ضربه بسيف حتى مات كانت هذه شهادة متضادة لا تلزمه.

ولو أن رجلين شهدا على رجلين أنهما قتلا رجلا وشهد الشهود عليهما أن الشاهدين قتلاه وكانت شهادتهما في مقام واحد فإن صدقهما أولياء الدم معا فالشهادة باطلة وكذلك إن كذبوهما وإن ادعوا شهادتهما فشهدا قبل أن يشهد الآخر إن قبلت شهادتهما وجعلت المشهود عليهما اللذين شهدا بعد ما شهد عليهما بالقتل دافعين عن أنفسهما بشهادتهما وأبطلت شهادتهما وإن ادعوا شهادة اللذين شهدا آخرا أبطلت الشهادة؛ لأن الأولين قد شهدا عليهما فدفعا عن أنفسهما ما شهد به عليهما قبل أن يشهدا وإن لم يدعوا شيئا تركتهم حتى يدعوا كما وصفت لك.

(قال الشافعي): - رحمه الله - فإن جاءوا جميعا معا لم أقبل شهادتهم؛ لأنه ليس في شهادة أحد منهم شيء إلا في شهادة الآخر مثلها فليس واحد منهم أولى بالرد ولا القبول من الآخر.

ولو شهد شاهد على رجل أنه أقر أنه قتل رجلا خطأ في يوم غير اليوم الذي شهد به صاحبه كان قول العامة إن هذا جائز؛ لأنه شهادة على قول وهكذا إقرار الناس في يوم بعد يوم ومجلس بعد مجلس وهو مخالف للفعل ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه قتله عمدا وشهد الآخر أنه أقر أنه قتله ولم يقل عمدا ولا خطأ جعلته قاتلا وجعلت القول قول القاتل فإن قال عمدا ففيه القصاص وإن قال خطأ حلف ما قتله عمدا وكانت الدية في ماله في مضي ثلاث سنين ولو شهد أحدهما: أنه أقر أنه قتله عمدا والآخر أنه أقر أنه قتله خطأ سألته وجعلت القول قوله فإن قال خطأ أحلفته على العمد وجعلته عليه في ثلاث سنين؛ لأن كليهما يشهد بالإقرار بالقتل أحدهما عمدا والآخر خطأ وقد يكونان صادقين؛ لأنهما يشهدان على قول بلا فعل.
(قال الشافعي): ولو كانا شهدا على قتل فقال أحدهما قتله بحديدة وقال الآخر بعصا كانت شهادتهما باطلة؛ لأنهما متضادان ولا يكون قاتله بحديدة حتى يأتي على نفسه وبعصا حتى يأتي عليها ولو شهد أحدهما على أنه قتله وشهد الآخر على أنه أقر بقتله لم تجز شهادتهما ولم تكن هذه شهادة متضادة يكذب بعضها بعضا ولكني لم أجزها؛ لأنها ليست بمجتمعة على شيء وإن كان القتل المشهود عليه أو المقر به خطأ أحلف أولياء الدم مع شاهدهم واستحقوا الدية بما تستحق به الحقوق وإن كان عمدا أحلفوا أيضا قسامة؛ لأن مثل هذا يوجب القسامة في الدم واستحقوا الدية بالقسامة.
ولو شهد شاهدان أن هذا قتل فلانا أو هذا قد أثبتا أحدهما بغير عينه لم تكن هذه شهادة قاطعة وكانت في هذا قسامة على أحدهما كما تكون على أهل القرية قتله بعضهم ولو شهدا أن هذا الرجل بعينه قتل عبد الله بن محمد أو سالم بن عبد الله لا يدري أيهما قتل لم تكن هذه شهادة ولا في هذا قسامة؛ لأن أولياء كل واحد منهما إذا طلبوا لم يكونوا بأحق من غيرهم.
(قال الشافعي): ولا أقبل الشهادة حتى يثبتوها فإن قالوا نشهد أنه ضربه في رأسه ضربة بسيف أو حديدة أو عصا فرأيناه مشجوجا هذه الشجة لم أقص منه حتى يقولوا فشجه بها هذه الشجة.
(قال الشافعي): وهكذا لو قالوا نشهد أنه ضربه وهو ملفف فقطعه باثنين أو جرحه هذا الجرح ولم يبينوا أنه كان حيا حين ضربه لم أجعله قاتلا ولا جارحا حتى يقولوا ضربه وهو حي أو تثبت بينة أنه حين ضربه كان حيا أو كانت فيه الحياة بعد ضربه إياه فيعلم أن الضربة كانت وهو حي وأقبل قول الجاني مع يمينه إذا لم تقم بينة بأن هذه الشجة لم تكن من فعله وأنه ضربه ميتا وهكذا لو شهدوا أن قوما دخلوا بيتا فغابوا، ثم هدمه هذا عليهم فقال هدمته بعد ما ماتوا جعلت القول قوله حتى تثبت البينة أن الحياة كانت فيهم حين هدم هذا البيت.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]