عرض مشاركة واحدة
  #414  
قديم 11-03-2023, 10:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,491
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (414)
صــ 534 إلى صــ 549



[ ص: 534 ]

7288 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : إن اليمين الفاجرة من الكبائر . ثم تلا " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " .

7289 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن عبد الله بن مسعود كان يقول : كنا نرى ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من الذنب الذي لا يغفر : يمين الصبر ، إذا فجر فيها صاحبها .
[ ص: 535 ] القول في تأويل قوله ( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ( 78 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وإن من أهل الكتاب وهم اليهود الذين كانوا حوالي مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عهده ، من بني إسرائيل .

و " الهاء والميم " في قوله : " منهم " عائدة على " أهل الكتاب " الذين ذكرهم في قوله : " ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك " .

وقوله " لفريقا " يعني : جماعة " يلوون " يعني : يحرفون " ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب " يعني : لتظنوا أن الذي يحرفونه بكلامهم من كتاب الله وتنزيله . يقول الله - عز وجل - : وما ذلك الذي لووا به ألسنتهم فحرفوه وأحدثوه من كتاب الله ، ويزعمون أن ما لووا به ألسنتهم من التحريف والكذب والباطل فألحقوه في كتاب الله " من عند الله " يقول : مما أنزله الله على أنبيائه " وما هو من عند الله " يقول : وما ذلك الذي لووا به ألسنتهم فأحدثوه ، مما أنزله الله إلى أحد من أنبيائه ، ولكنه مما أحدثوه من قبل أنفسهم افتراء على الله .

يقول - عز وجل - : " ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " يعني بذلك : أنهم يتعمدون قيل الكذب على الله ، والشهادة عليه بالباطل ، والإلحاق بكتاب [ ص: 536 ] الله ما ليس منه ، طلبا للرياسة والخسيس من حطام الدنيا .

وبنحو ما قلنا في معنى " يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7290 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال : يحرفونه .

7291 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7292 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " حتى بلغ : " وهم يعلمون " هم أعداء الله اليهود ، حرفوا كتاب الله ، وابتدعوا فيه ، وزعموا أنه من عند الله .

7293 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

7294 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب " وهم اليهود ، كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله .

7295 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " قال : فريق من أهل الكتاب " يلوون ألسنتهم " وذلك تحريفهم إياه عن موضعه .

قال أبو جعفر : وأصل " اللي " الفتل والقلب . من قول القائل : " لوى [ ص: 537 ] فلان يد فلان " إذا فتلها وقلبها ، ومنه قول الشاعر :



لوى يده الله الذي هو غالبه


يقال منه : " لوى يده ولسانه يلوي ليا " " وما لوى ظهر فلان أحد " إذا لم يصرعه أحد ، ولم يفتل ظهره إنسان " وإنه لألوى بعيد المستمر " إذا كان شديد الخصومة ، صابرا عليها ، لا يغلب فيها ، قال الشاعر :



فلو كان في ليلى شدا من خصومة للويت أعناق الخصوم الملاويا


[ ص: 538 ] القول في تأويل قوله ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وما ينبغي لأحد من البشر .

و " البشر " جمع بني آدم لا واحد له من لفظه مثل : " القوم " و " الخلق " . وقد يكون اسما لواحد " أن يؤتيه الله الكتاب " يقول : أن ينزل الله عليه كتابه " والحكم " يعني : ويعلمه فصل الحكمة " والنبوة " يقول : ويعطيه النبوة " ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " يعني : ثم يدعو الناس إلى عبادة نفسه دون الله ، وقد آتاه الله ما آتاه من الكتاب والحكم والنبوة . ولكن إذا آتاه الله ذلك ، فإنما يدعوهم إلى العلم بالله ، ويحدوهم على معرفة شرائع دينه ، وأن يكونوا رؤساء في المعرفة بأمر الله ونهيه ، وأئمة في طاعته وعبادته ، بكونهم معلمي الناس الكتاب ، وبكونهم دارسيه . [ ص: 539 ]

وقيل : إن هذه الآية نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أتدعونا إلى عبادتك ؟ كما : -

7296 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودعاهم إلى الإسلام : أتريد يا محمد أن نعبدك ، كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الربيس : أوذاك تريد منا يا محمد ، وإليه تدعونا ! أو كما قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : معاذ الله أن نعبد غير الله ، أو نأمر بعبادة غيره ! ما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرني أو كما قال . فأنزل الله - عز وجل - في ذلك من قولهم : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة " الآية إلى قوله : " بعد إذ أنتم مسلمون " .

7297 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال أبو رافع القرظي ، فذكر نحوه .

7298 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " [ ص: 540 ] ، يقول : ما كان ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، يأمر عباده أن يتخذوه ربا من دون الله .

7299 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

- حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم ، بتحريفهم كتاب الله عن موضعه ، فقال الله - عز وجل - : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله " ثم يأمر الناس بغير ما أنزل الله في كتابه .
القول في تأويل قوله ( ولكن كونوا ربانيين )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : " ولكن " يقول لهم : " كونوا ربانيين " فترك " القول " استغناء بدلالة الكلام عليه .

وأما قوله : " كونوا ربانيين " فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .

فقال بعضهم : معناه : كونوا حكماء علماء .

ذكر من قال ذلك :

7301 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : " كونوا ربانيين " قال : حكماء علماء .

7302 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين : " كونوا ربانيين " قال : حكماء علماء . [ ص: 541 ]

7303 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن أبي رزين مثله .

7304 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين : " ولكن كونوا ربانيين " حكماء علماء .

7305 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : " كونوا ربانيين " قال : كونوا فقهاء علماء .

7306 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " كونوا ربانيين " قال : فقهاء .

7307 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7308 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال أخبرني القاسم ، عن مجاهد قوله : " ولكن كونوا ربانيين " قال : فقهاء .

7309 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولكن كونوا ربانيين " قال : كونوا فقهاء علماء .

7310 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن منصور بن المعتمر ، عن أبي رزين في قوله : " كونوا ربانيين " قال : علماء حكماء قال معمر : قال قتادة .

7311 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " كونوا ربانيين " أما " الربانيون " فالحكماء الفقهاء .

7312 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا سفيان ، عن [ ص: 542 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : " الربانيون " الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار .

7313 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولكن كونوا ربانيين " يقول : كونوا حكماء فقهاء .

7314 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن يحيى بن عقيل في قوله : ( الربانيون والأحبار ) [ سورة المائدة : 63 ] ، قال : الفقهاء العلماء .

7315 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس مثله .

7316 - حدثني ابن سنان القزاز قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : " كونوا ربانيين " قال : كونوا حكماء فقهاء .

7317 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " كونوا ربانيين " يقول : كونوا فقهاء علماء .

وقال آخرون : بل هم الحكماء الأتقياء .

ذكر من قال ذلك :

7318 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قوله : " كونوا ربانيين " قال : حكماء أتقياء . [ ص: 543 ]

وقال آخرون : بل هم ولاة الناس وقادتهم .

ذكر من قال ذلك :

7319 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " كونوا ربانيين " قال : الربانيون : الذين يربون الناس ، ولاة هذا الأمر ، يربونهم : يلونهم . وقرأ : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) [ سورة المائدة : 63 ] ، قال : الربانيون : الولاة ، والأحبار العلماء .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب في " الربانيين " أنهم جمع " رباني " وأن " الرباني " المنسوب إلى " الربان " الذي يرب الناس ، وهو الذي يصلح أمورهم ، و " يربها " ويقوم بها ، ومنه قول علقمة بن عبدة :



وكنت امرأ أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني ، فضعت ، ربوب



يعني بقوله : " ربتني " : ولي أمري والقيام به قبلك من يربه ويصلحه ، فلم يصلحوه ، ولكنهم أضاعوني فضعت .

يقال منه : " رب أمري فلان ، فهو يربه ربا ، وهو رابه " . فإذا أريد به المبالغة في مدحه قيل : " هو ربان " كما يقال : " هو نعسان " من قولهم : " نعس ينعس " . وأكثر ما يجيء من الأسماء على " فعلان " ما كان من الأفعال ماضيه على " فعل " مثل قولهم : " هو سكران ، وعطشان ، وريان " من " سكر يسكر ، وعطش يعطش ، وروي يروى " . وقد يجيء مما كان ماضيه على " فعل يفعل " نحو ما قلنا من " نعس ينعس " و " رب يرب " .

فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا وكان " الربان " ما ذكرنا ، [ ص: 544 ] و " الرباني " هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفت وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين ، يرب أمور الناس ، بتعليمه إياهم الخير ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم وكان كذلك الحكيم التقي لله ، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق ، بالقيام فيهم بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم ، وعائدة النفع عليهم في دينهم ، ودنياهم كانوا جميعا يستحقون أن [ يكونوا ] ممن دخل في قوله - عز وجل - : " ولكن كونوا ربانيين " .

ف " الربانيون " إذا ، هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا . ولذلك قال مجاهد : " وهم فوق الأحبار " لأن " الأحبار " هم العلماء ، و " الرباني " الجامع إلى العلم والفقه ، البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية ، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم .
القول في تأويل قوله ( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ( 79 ) )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه عامة قرأة أهل الحجاز وبعض البصريين : ( بما كنتم تعلمون ) بفتح " التاء " وتخفيف " اللام " يعني : بعلمكم الكتاب ودراستكم إياه وقراءتكم . [ ص: 545 ]

واعتلوا لاختيارهم قراءة ذلك كذلك ، بأن الصواب كذلك ، لو كان التشديد في " اللام " وضم " التاء " لكان الصواب في : " تدرسون " بضم " التاء " وتشديد " الراء " .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( بما كنتم تعلمون الكتاب ) بضم " التاء " من " تعلمون " وتشديد " اللام " بمعنى : بتعليمكم الناس الكتاب ودراستكم إياه .

واعتلوا لاختيارهم ذلك ، بأن من وصفهم بالتعليم ، فقد وصفهم بالعلم ، إذ لا يعلمون إلا بعد علمهم بما يعلمون . قالوا : ولا موصوف بأنه " يعلم " إلا وهو موصوف بأنه " عالم " . قالوا : فأما الموصوف بأنه " عالم " فغير موصوف بأنه معلم غيره . قالوا : فأولى القراءتين بالصواب أبلغهما في مدح القوم ، وذلك وصفهم بأنهم كانوا يعلمون الناس الكتاب ، كما : -

7320 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن ابن عيينة ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد أنه قرأ : " بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون " مخففة بنصب " التاء " وقال ابن عيينة : ما علموه حتى علموه !

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأه بضم " التاء " وتشديد " اللام " . لأن الله - عز وجل - وصف القوم بأنهم أهل عماد للناس في دينهم ودنياهم ، وأهل إصلاح لهم ولأمورهم وتربية .

يقول - جل ثناؤه - : " ولكن كونوا ربانيين " على ما بينا قبل من معنى " الرباني " [ ص: 546 ] ثم أخبر تعالى ذكره عنهم أنهم صاروا أهل إصلاح للناس وتربية لهم بتعليمهم إياهم كتاب ربهم .

و " دراستهم " إياه : تلاوته .

وقد قيل : " دراستهم " الفقه .

وأشبه التأويلين بالدراسة ما قلنا : من تلاوة الكتاب ، لأنه عطف على قوله : " تعلمون الكتاب " " والكتاب " هو القرآن ، فلأن تكون الدراسة معنيا بها دراسة القرآن ، أولى من أن تكون معنيا بها دراسة الفقه الذي لم يجر له ذكر .

ذكر من قال ذلك :

7321 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : قال يحيى بن آدم قال : أبو زكريا : كان عاصم يقرؤها : ( بما كنتم تعلمون الكتاب ) ، قال : القرآن ( وبما كنتم تدرسون ) ، قال : الفقه .

فمعنى الآية : ولكن يقول لهم : كونوا ، أيها الناس ، سادة الناس ، وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم ، ربانيين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام ، وفرض وندب ، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم ، وبتلاوتكم إياه ودراستكموه .
[ ص: 547 ] القول في تأويل قوله ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ( 80 ) )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : " ولا يأمركم " .

فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة : ( ولا يأمركم ) ، على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يأمركم ، أيها الناس ، أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا . واستشهد قارئو ذلك كذلك بقراءة ذكروها عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها ، وهي : ( " ولن يأمركم " ) ، فاستدلوا بدخول " لن " على انقطاع الكلام عما قبله ، وابتداء خبر مستأنف . قالوا : فلما صير مكان " لن " في قراءتنا " لا " وجبت قراءته بالرفع .

وقرأه بعض الكوفيين والبصريين : ( ولا يأمركم ) ، بنصب " الراء " ، عطفا على قوله : " ثم يقول للناس " . وكان تأويله عندهم : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب ، ثم يقول للناس ، ولا أن يأمركم بمعنى : ولا كان له أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك : " ولا يأمركم " بالنصب على الاتصال بالذي قبله ، بتأويل : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا . لأن الآية نزلت في سبب القوم الذين قالوا لرسول [ ص: 548 ] الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتريد أن نعبدك " ؟ فأخبرهم الله - جل ثناؤه - أنه ليس لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه ، ولا إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا . ولكن الذي له : أن يدعوهم إلى أن يكونوا ربانيين .

فأما الذي ادعى من قرأ ذلك رفعا ، أنه في قراءة عبد الله : " ولن يأمركم " استشهادا لصحة قراءته بالرفع ، فذلك خبر غير صحيح سنده ، وإنما هو خبر رواه حجاج ، عن هارون الأعور أن ذلك في قراءة عبد الله كذلك . ولو كان ذلك خبرا صحيحا سنده ، لم يكن فيه لمحتج حجة . لأن ما كان على صحته من القراءة من الكتاب الذي جاء به المسلمون وراثة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، لا يجوز تركه لتأويل على قراءة أضيفت إلى بعض الصحابة ، بنقل من يجوز في نقله الخطأ والسهو . [ ص: 549 ]

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : وما كان للنبي أن يأمركم ، أيها الناس ، " أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " يعني بذلك آلهة يعبدون من دون الله ، كما ليس له أن يقول لهم : كونوا عبادا لي من دون الله .

ثم قال - جل ثناؤه - نافيا عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر عباده بذلك : " أيأمركم بالكفر " أيها الناس ، نبيكم ، بجحود وحدانية الله " بعد إذ أنتم مسلمون " يعني : بعد إذ أنتم له منقادون بالطاعة ، متذللون له بالعبودة أي أن ذلك غير كائن منه أبدا . وقد : -

7322 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : " ولا يأمركم " النبي - صلى الله عليه وسلم - " أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]