عرض مشاركة واحدة
  #418  
قديم 11-03-2023, 11:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (418)
صــ 7 إلى صــ 21




[ ص: 7 ] القول في تأويل قوله تعالى ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( 93 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : أنه لم يكن حرم على بني إسرائيل وهم ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن شيئا من الأطعمة من قبل أن تنزل التوراة ، بل كان ذلك كله لهم حلالا إلا ما كان يعقوب حرمه على نفسه ، فإن ولده حرموه استنانا بأبيهم يعقوب ، من غير تحريم الله ذلك عليهم في وحي ولا تنزيل ، ولا على لسان رسول له إليهم ، من قبل نزول التوراة .

ثم اختلف أهل التأويل في تحريم ذلك عليهم ، هل نزل في التوراة أم لا؟ فقال بعضهم : لما أنزل الله عز وجل التوراة ، حرم عليهم من ذلك ما كانوا يحرمونه قبل نزولها .

ذكر من قال ذلك :

7399 - حدثني محمد بن الحسين ، قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " قالت اليهود : إنما نحرم ما حرم إسرائيل على نفسه ، وإنما حرم [ ص: 8 ] إسرائيل العروق ، كان يأخذه عرق النسا ، كان يأخذه بالليل ويتركه بالنهار ، فحلف لإن الله عافاه منه لا يأكل عرقا أبدا ، فحرمه الله عليهم ثم قال : " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، ما حرم هذا عليكم غيري ببغيكم ، فذلك قوله : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) [ سورة النساء : 160 ]

قال أبو جعفر : فتأويل الآية على هذا القول : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، فإن الله حرم عليهم من ذلك ما كان إسرائيل حرمه على نفسه في التوراة ، ببغيهم على أنفسهم وظلمهم لها . قل يا محمد : فأتوا ، أيها اليهود ، إن أنكرتم ذلك بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أن الله لم يحرم ذلك عليكم في التوراة ، وأنكم إنما تحرمونه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه .

وقال آخرون : ما كان شيء من ذلك عليهم حراما ، لا حرمه الله عليهم في التوراة ، وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم اتباعا لأبيهم ، ثم أضافوا تحريمه إلى الله . فكذبهم الله عز وجل في إضافتهم ذلك إليه ، فقال الله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد : إن كنتم صادقين ، فأتوا بالتوراة فاتلوها ، حتى ننظر هل ذلك فيها ، أم لا؟ فيتبين كذبهم لمن يجهل أمرهم .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 9 ]

7400 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال ، سمعت أبا معاذ ، قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " إسرائيل هو يعقوب ، أخذه عرق النسا فكان لا يبيت الليل من وجعه ، وكان لا يؤذيه بالنهار . فحلف لإن شفاه الله لا يأكل عرقا أبدا ، وذلك قبل نزول التوراة على موسى . فسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم اليهود : ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ فقالوا : نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل . فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " إلى قوله : " فأولئك هم الظالمون " ، وكذبوا وافتروا ، لم تنزل التوراة بذلك .

وتأويل الآية على هذا القول : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة وبعد نزولها ، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة بمعنى : لكن إسرائيل حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة بعض ذلك . وكأن الضحاك وجه قوله : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " إلى الاستثناء الذي يسميه النحويون "الاستثناء المنقطع" .

وقال آخرون : تأويل ذلك : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، فإن ذلك حرام على ولده بتحريم إسرائيل إياه على ولده ، من غير أن يكون الله حرمه على إسرائيل ولا على ولده . [ ص: 10 ]

ذكر من قال ذلك :

7401 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " فإنه حرم على نفسه العروق ، وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا ، فكان لا ينام الليل ، فقال : والله لإن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد وليس مكتوبا في التوراة ! وسأل محمد صلى الله عليه وسلم نفرا من أهل الكتاب فقال : ما شأن هذا حراما؟ فقالوا : هو حرام علينا من قبل الكتاب . فقال الله عز وجل : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " إلى" إن كنتم صادقين " .

7402 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال ابن عباس : أخذه - يعني إسرائيل - عرق النسا ، فكان لا يبيت بالليل من شدة الوجع ، وكان لا يؤذيه بالنهار ، فحلف لإن شفاه الله لا يأكل عرقا أبدا ، وذلك قبل أن تنزل التوراة . فقال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم : نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل على نفسه . قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، وكذبوا ، ليس في التوراة .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال : "معنى ذلك : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة ، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من غير تحريم الله ذلك عليه ، فإنه كان حراما عليهم بتحريم أبيهم إسرائيل ذلك عليهم ، من غير أن يحرمه الله عليهم في تنزيل ولا وحي قبل التوراة ، حتى نزلت التوراة ، فحرم الله عليهم فيها ما شاء ، وأحل لهم فيها ما أحب" .

وهذا قول قالته جماعة من أهل التأويل ، وهو معنى قول ابن عباس الذي ذكرناه قبل .

ذكر بعض من قال ذلك : [ ص: 11 ]

7403 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة " ، وإسرائيل ، هو يعقوب " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " يقول : كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة . إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ، فلما أنزل الله التوراة حرم عليهم فيها ما شاء وأحل لهم ما شاء .

7404 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة بنحوه .

واختلف أهل التأويل في الذي كان إسرائيل حرمه على نفسه .

فقال بعضهم : كان الذي حرمه إسرائيل على نفسه العروق .

ذكر من قال ذلك :

7405 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو بشر ، عن يوسف بن ماهك قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال إنه جعل امرأته عليه حراما ، قال : ليست عليك بحرام . قال : فقال الأعرابي : ولم؟ والله يقول في كتابه : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه "؟ قال : فضحك ابن عباس وقال : وما يدريك ما كان إسرائيل حرم على نفسه؟ قال : ثم أقبل على القوم يحدثهم فقال : إسرائيل عرضت له الأنساء فأضنته ، فجعل لله عليه إن شفاه الله منها لا يطعم عرقا . قال : فلذلك اليهود تنزع العروق من اللحم .

7406 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، [ ص: 12 ] عن أبي بشر . قال : سمعت يوسف بن ماهك يحدث : أن أعرابيا أتى ابن عباس ، فذكر رجلا حرم امرأته فقال : إنها ليست بحرام . فقال الأعرابي : أرأيت قول الله عز وجل : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " ؟ فقال : إن إسرائيل كان به عرق النسا ، فحلف لإن عافاه الله أن لا يأكل العروق من اللحم ، وإنها ليست عليك بحرام .

7407 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز في قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال ، إن يعقوب أخذه وجع عرق النسا ، فجعل لله عليه أو : أقسم ، أو : آلى : لا يأكله من الدواب . قال : والعروق كلها تبع لذلك العرق .

7408 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن الذي حرم إسرائيل على نفسه : أن الأنساء أخذته ذات ليلة ، فأسهرته ، فتألى إن الله شفاه لا يطعم نسا أبدا ، فتتبعت بنوه العروق بعد ذلك يخرجونها من اللحم .

7409 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة بنحوه وزاد فيه . قال : فتألى لإن شفاه الله لا يأكل عرقا أبدا ، فجعل بنوه بعد ذلك يتتبعون العروق ، فيخرجونها من اللحم . وكان"الذي حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة" ، العروق .

7410 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال ، اشتكى [ ص: 13 ] إسرائيل عرق النسا فقال : إن الله شفاني لأحرمن العروق! فحرمها .

7411 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان إسرائيل أخذه عرق النسا ، فكان يبيت له زقاء ، فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل العروق . فأنزل الله عز وجل : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال سفيان : "له زقاء" ، يعني صياحا .

7412 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال ، كان يشتكي عرق النسا ، فحرم العروق .

7413 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

7414 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عباس في قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة " قال : كان إسرائيل يأخذه عرق النسا ، فكان يبيت وله زقاء ، فحرم على نفسه أن يأكل عرقا .

وقال آخرون : بل " الذي كان إسرائيل حرم على نفسه " ، لحوم الإبل وألبانها .

ذكر من قال ذلك :

7415 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن [ ص: 14 ] جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : سمعنا أنه اشتكى شكوى ، فقالوا : إنه عرق النسا ، فقال : رب ، إن أحب الطعام إلي لحوم الإبل وألبانها ، فإن شفيتني فإني أحرمها علي قال ابن جريج ، وقال عطاء بن أبي رباح : لحوم الإبل وألبانها حرم إسرائيل .

7416 - حدثنا محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " قال ، كان إسرائيل حرم على نفسه لحوم الإبل ، وكانوا يزعمون أنهم يجدون في التوراة تحريم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل وإنما كان حرم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل قبل أن تنزل التوراة ، فقال الله : " فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، فقال : لا تجدون في التوراة تحريم إسرائيل على نفسه ، أي لحم الإبل .

7417 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال ، حدثنا سعيد ، عن ابن عباس : أن إسرائيل أخذه عرق النسا ، فكان يبيت بالليل له زقاء يعني : صياح قال : فجعل على نفسه لإن شفاه الله منه لا يأكله يعني : لحوم الإبل قال : فحرمه اليهود ، وتلا هذه الآية : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، أي : إن هذا قبل التوراة .

7418 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " قال ، حرم العروق ولحوم الإبل . قال : كان به عرق النسا ، فأكل من لحومها فبات بليلة يزقو ، فحلف أن لا يأكله أبدا . [ ص: 15 ]

7419 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد في قوله : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " . قال : حرم لحم الأنعام .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب ، قول ابن عباس الذي رواه الأعمش ، عن حبيب ، عن سعيد عنه : أن ذلك : العروق ولحوم الإبل ، لأن اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمها ، كما كان عليه من ذلك أوائلها . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك خبر ، وهو : ما : -

7420 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس : أن عصابة من اليهود حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا ، فطال سقمه منه ، فنذر لله نذرا لإن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل ، وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا : اللهم نعم .

وأما قوله : " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " ، فإن معناه : قل ، يا محمد ، للزاعمين من اليهود أن الله حرم عليهم في التوراة العروق ولحوم الإبل وألبانها : " ائتوا بالتوراة فاتلوها " ، يقول : قل لهم : جيئوا بالتوراة فاتلوها ، حتى يتبين لمن خفي عليه كذبهم وقيلهم الباطل على الله من أمرهم : أن ذلك ليس مما [ ص: 16 ] أنزلته في التوراة " إن كنتم صادقين " ، يقول : إن كنتم محقين في دعواكم أن الله أنزل تحريم ذلك في التوراة ، فأتونا بها ، فاتلوا تحريم ذلك علينا منها .

وإنما ذلك خبر من الله عن كذبهم ، لأنهم لا يجيئون بذلك أبدا على صحته ، فأعلم الله بكذبهم عليه نبيه صلى الله عليه وسلم ، وجعل إعلامه إياه ذلك حجة له عليهم . لأن ذلك إذ كان يخفى على كثير من أهل ملتهم ، فمحمد صلى الله عليه وسلم وهو أمي من غير ملتهم ، لولا أن الله أعلمه ذلك بوحي من عنده كان أحرى أن لا يعلمه . فكان ذلك له صلى الله عليه وسلم ، من أعظم الحجة عليهم بأنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، إليهم . لأن ذلك من أخبار أوائلهم ، كان من خفي علومهم الذي لا يعلمه غير خاصة منهم ، إلا من أعلمه الذي لا يخفى عليه خافية من نبي أو رسول ، أو من أطلعه الله على علمه ممن شاء من خلقه .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون ( 94 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : فمن كذب على الله منا ومنكم ، من بعد مجيئكم بالتوراة ، وتلاوتكم إياها ، وعدمكم ما ادعيتم من تحريم الله العروق ولحوم الإبل وألبانها فيها " فأولئك هم الظالمون " يعني : فمن فعل ذلك منهم "فأولئك" ، يعني : فهؤلاء الذين يفعلون ذلك " هم الظالمون " ، يعني : فهم الكافرون ، القائلون على الله الباطل ، كما : - [ ص: 17 ]

7421 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن زكريا ، عن الشعبي : " فأولئك هم الظالمون " قال ، نزلت في اليهود .
القول في تأويل قوله تعالى جل ثناؤه ( قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( 95 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "قل" ، يا محمد " صدق الله " ، فيما أخبرنا به من قوله : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " ، وأن الله لم يحرم على إسرائيل ولا على ولده العروق ولا لحوم الإبل وألبانها ، وأن ذلك إنما كان شيئا حرمه إسرائيل على نفسه وولده بغير تحريم الله إياه عليهم في التوراة ، وفي كل ما أخبر به عباده من خبر ، دونكم . وأنتم ، يا معشر اليهود ، الكذبة في إضافتكم تحريم ذلك إلى الله عليكم في التوراة ، المفترية على الله الباطل في دعواكم عليه غير الحق " فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " ، يقول : فإن كنتم ، أيها اليهود ، محقين في دعواكم أنكم على الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله " فاتبعوا ملة إبراهيم " ، خليل الله ، فإنكم تعلمون أنه الحق الذي ارتضاه الله من خلقه دينا ، وابتعث به أنبياءه ، ذلك الحنيفية - يعني الاستقامة على الإسلام وشرائعه - دون اليهودية والنصرانية والمشركة . [ ص: 18 ]

وقوله : " وما كان من المشركين " ، يقول : لم يكن يشرك في عبادته أحدا من خلقه . فكذلك أنتم أيضا ، أيها اليهود ، فلا يتخذ بعضكم بعضا أربابا من دون الله تطيعونهم كطاعة إبراهيم ربه ، وأنتم يا معشر عبدة الأوثان ، فلا تتخذوا الأوثان والأصنام أربابا ، ولا تعبدوا شيئا من دون الله ، فإن إبراهيم خليل الرحمن كان دينه إخلاص العبادة لربه وحده ، من غير إشراك أحد معه فيه . فكذلك أنتم أيضا ، فأخلصوا له العبادة ولا تشركوا معه في العبادة أحدا ، فإن جميعكم مقرون بأن إبراهيم كان على حق وهدى مستقيم ، فاتبعوا ما قد أجمع جميعكم على تصويبه من ملته الحنيفية ، ودعوا ما اختلفتم فيه من سائر الملل غيرها ، أيها الأحزاب ، فإنها بدع ابتدعتموها إلى ما قد أجمعتم عليه أنه حق ، فإن الذي أجمعتم عليه أنه صواب وحق من ملة إبراهيم ، هو الحق الذي ارتضيته وابتعثت به أنبيائي ورسلي ، وسائر ذلك هو الباطل الذي لا أقبله من أحد من خلقي جاءني به يوم القيامة .

وإنما قال جل ثناؤه : " وما كان من المشركين " ، يعني به : وما كان من عددهم وأوليائهم . وذلك أن المشركين بعضهم من بعض في التظاهر على كفرهم . ونصرة بعضهم بعضا . فبرأ الله إبراهيم خليله أن يكون منهم أو [ من ] نصرائهم وأهل ولايتهم . وإنما عنى جل ثناؤه بالمشركين ، اليهود والنصارى وسائر الأديان ، غير الحنيفية . قال : لم يكن إبراهيم من أهل هذه الأديان المشركة ، ولكنه كان حنيفا مسلما .
[ ص: 19 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ( 96 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : تأويله : إن أول بيت وضع للناس ، يعبد الله فيه مباركا وهدى للعالمين ، الذي ببكة . قالوا : وليس هو أول بيت وضع في الأرض ، لأنه قد كانت قبله بيوت كثيرة .

ذكر من قال ذلك :

7422 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة قال : قام رجل إلى علي فقال : ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال : لا ولكنه أول بيت وضع في البركة مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا .

7423 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن سماك قال : سمعت خالد بن عرعرة قال : سمعت عليا ، وقيل له : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " ، هو أول بيت كان في الأرض؟ قال : لا! قال : فأين كان قوم نوح؟ وأين كان قوم هود؟ قال : ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا وهدى . [ ص: 20 ]

7424 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء قال ، سأل حفص الحسن وأنا أسمع عن قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " قال ، هو أول مسجد عبد الله فيه في الأرض .

7425 - حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال ، حدثنا ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر في قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " قال : قد كانت قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للعبادة .

7426 - حدثني محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا عباد ، عن الحسن قوله : " إن أول بيت وضع للناس " ، يعبد الله فيه " للذي ببكة " .

7427 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " قال ، وضع للعبادة .

وقال آخرون : بل هو أول بيت وضع للناس .

ثم اختلف قائلو ذلك في صفة وضعه أول .

فقال بعضهم : خلق قبل جميع الأرضين ، ثم دحيت الأرضون من تحته .

ذكر من قال ذلك :

7428 - حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال ، حدثنا عبيد الله بن موسى قال ، أخبرنا شيبان ، عن الأعمش ، عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة ، وكان - إذ كان عرشه على الماء - زبدة بيضاء ، فدحيت الأرض من تحته . [ ص: 21 ]

7429 - حدثني محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال ، حدثنا خصيف قال : سمعت مجاهدا يقول : إن أول ما خلق الله الكعبة ، ثم دحى الأرض من تحتها .

7430 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " إن أول بيت وضع للناس " ، كقوله : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ سورة آل عمران : 110 ]

7431 - حدثني محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " ، أما" أول بيت " ، فإنه يوم كانت الأرض ماء ، كان زبدة على الأرض ، فلما خلق الله الأرض ، خلق البيت معها ، فهو أول بيت وضع في الأرض .

7432 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) قال : أول بيت وضعه الله عز وجل ، فطاف به آدم ومن بعده .

وقال آخرون : موضع الكعبة ، موضع أول بيت وضعه الله في الأرض .

ذكر من قال ذلك :

7433 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط ، قال : أهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي . فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين ، حتى إذا كان زمن الطوفان ، زمن أغرق الله قوم نوح ، رفعه الله وطهره من أن يصيبه عقوبة أهل الأرض ، فصار معمورا في السماء . ثم إن إبراهيم تتبع منه أثرا بعد ذلك ، فبناه على أساس قديم كان قبله .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.21%)]