| 
 
15-03-2023, 11:22 AM
 | 
| 
|  | قلم ذهبي مميز |  | 
تاريخ التسجيل: Feb 2019 مكان الإقامة: مصر الجنس :   
المشاركات: 164,792
 
الدولة :        |  | 
| 
 ليلة القدر:تعريفها علاماتها وفضائلها 
 
 ليلة القدر:تعريفها علاماتها وفضائلها 		
 
 كتبه
 يحيى بن موسى الزهراني
 
 
 
 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 
 الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد ان لا إله إلا    الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وأشهد ان محمداً عبده    ورسوله النبي الأمين ، عليه من ربه أزكى صلاة ، وأعطر تسليم ، وعلى آله    وأصحابه الطيبين الطاهرين ، مصابيح الدجى ، ونجوم الهدى ، ومن ابتعهم    واقنفى أثرهم ، إلى يوم الدين . . أما بعد :
 فهذه جملة من أحكام العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ، أقدمها حديقة    يانعة ، ليقتطف منها الخطيب والإمام وحتى المأموم ، لتعم الفائدة أرجاء    المسلمين ، لا سيما وهي أحكام تهم المسلم في مثل تلك الأيام المباركات من    شهر الرحمات والبركات ، وحان اون الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق :
 
 :
 لقد اختص الله تبارك وتعالى هذه الأمة المحمدية على غيرها من الأمم بخصائص    وفضلها   على غيرها من الأمم بأن أرسل إليها أفضل الرسل والأنبياء  وخاتمهم   وأخرهم ، وجعلها خير الأمم قال تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت  للناس } [  آل  عمران ].
 وقد أنزل لهذه الأمة الكتاب المبين ، والصراط المستقيم ، كتاب الله العظيم ،    كلام رب العالمين ، قال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }   [  الحجر ] ، وقال تعالى : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه   تنزيل  من حكيم حميد } [ فصلت ].
 فقد أنزل الله عز وجل القرآن الكريم في ليلة مباركة هي خير الليالي ، ليلة    اختصها الله عز وجل من بين الليالي ، ليلة العبادة فيها هي خير من عبادة    ألف شهر وهي ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريباً ، ألا وهي ليلة القدر ،    قال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر *   ليلة  القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل   أمر *  سلام هي حتى مطلع الفجر } [ القدر ] ، وقال تعالى : { إنا أنزلناه   في ليلة  مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم } [ الدخان ] ،   وسميت بليلة  القدر لعظم قدرها وفضلها عند الله تبارك وتعالى ، ولأنه يقدر   فيها ما يكون  في العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك ، كما قال تعالى : {   فيها يفرق كل  أمر حكيم } [ الدخان ] .
 
 
 أولاً : أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة ، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك    العام ، وهذا من حكمة الله عزوجل وبيان إتقان صنعه وخلقه . . .
 ثانياً : سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما تقول فلان ذو قدر عظيم ،    أي ذو شرف لقوله تعالى : { وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من    ألف شهر } وليلة خير من ألف شهر قدرها عظيم ولاشك .
 ثالثاً : وقيل لأن للعبادة فيها قدر عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "    من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " [ متفق    عليه ] . وهذا لايحصل إلا لهذه الليلة فقط ، فلو أن الإنسان قام ليلة  النصف   من شعبان ، أو ليلة النصف من رجب ، أو ليلة النصف من أي شهر ، أو  في أي   ليلة لم يحصل له هذا الأجر . [ الشرح الممتع 6/494 ] .
 يقول الشيخ ابن عثيمين : أن الإنسان ينال أجرها وإن لم يعلم بها ، لأن    النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً "    ولم يقل عالماً بها ، ولو كان العلم شرطاً في حصول هذا الثواب لبينه  الرسول   صلى الله عليه وسلم .
 
 
 1ـ قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة ، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان البر بعيداً عن الأنوار .
 2ـ زيادة النور في تلك الليلة .
 3ـ الطمأنينة ، أي طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر من المؤمن ، فإنه يجد    راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي    .
 4ـ أن الرياح تكون فيها ساكنة أي : لاتأتي فيها عواصف أو قواصف ، بل يكون الجو مناسباً .
 5ـ أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام ، كما حصل ذلك لبعض الصحابة .
 6ـ أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي .
 7- أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع ، صافية ليست كعادتها في بقية    الأيام ، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : " أخبرنا رسول    الله صلى الله عليه وسلم : " أنها تطلع يومئذ لاشعاع لها " [ أخرجه مسلم ]   .
 
 :
 ليلة القدر ليلة مباركة ، وهي في ليالي شهر رمضان ، ويمكن التماسها في    العشر الأواخر منه ، وفي الأوتار خاصة ، وأرجى ليلة يمكن أن تكون فيها هي    ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان ، فكان أبي بن كعب يقول : " والله إني    لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم    بقيامها ، وهي ليلة سبع وعشرين " [ أخرجه مسلم ] . وعن ابن عمر رضي الله    عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان متحرياً  فليتحرها   ليلة سبع وعشرين ، يعني ليلة القدر " [ أخرجه أحمد بسند صحيح ] .
 والصحيح أن ليلة القدر لا أحد يعرف لها يوماً محدداً ، فعن عبدالله بن أنيس    : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ،    وإذا بي أسجد صبيحتها في ماء وطين " قال : فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين ،    فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف ، وإن أثر الماء والطين  على   جبهته وأنفه " [ أخرجه مسلم وأحمد ] ، وعن أبي بكرة : أنه سمع رسول  الله   صلى الله عليه وسلم يقول : " التمسوها في تسع بقين ، أو سبع بقين ،  أو خمس   بقين ، أو ثلاث بقين ، أو آخر ليلة " وكان أبو بكرة يصلي في  العشرين من   رمضان صلاته في سائر السنة ، فإذا دخل العشر اجتهد " [ أخرجه  أحمد والترمذي   وصححه ] .
 وعن بن عمر رضي الله عنهما : أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم    أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله    عليه وسلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت ـ توافقت ـ في السبع الأواخر ، فمن  كان   متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " [ متفق عليه ] .
 وعن أبي سلمة قال : سألت أبا سعيد وكان لي صديقاً ، فقال : اعتكفنا مع    النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان ، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا    وقال : " إني أريت ليلة القدر ، ثم أُنْسِيُتها أو نُسيتها ، فالتمسوها   في  العشر الأواخر في الوتر ، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين ، فمن كان   اعتكف  مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع " فرجعنا وما نرى في السماء   قزعة ـ  قطعة ـ فجاءت سحابة فمطرت حتى سأل سقف المسجد ، وكان من جريد   النخل ،  وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء   والطين ،  حتى رأيت أثر الطين في جبهته " [ متفق عليه ] .
 وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحروا    ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " [ متفق عليه ] .
 وعن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله    عليه وسلم يجاور ـ يعتكف ـ في رمضان ، العشر التي في وسط الشهر ، فإذا كان    حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ، ورجع  من   كان يجاور معه ، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها  ،   فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ، ثم قال : " كنت أجاور هذه العشر ثم  قد  بدا  لي أن أجاور هذه العشر الأواخر ، فمن كان اعتكف معي فليثبت في  معتكفه ،   وقد أُريت هذه الليلة ثم أُنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر  وابتغوها في   كل وتر ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين " ، فاستهلت السماء في  تلك الليلة   فأمطرت فوكف المسجد ـ خر من سقفه ـ في مصلى النبي صلى الله  عليه وسلم ليلة   إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  ونظرت إليه انصرف   من الصبح ووجهه ممتلئ طيناً وماءً " [ متفق عليه ] .
 وعن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ـ يعتكف ـ في    العشر الأواخر من رمضان ، ويقول : " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من    رمضان " [ متفق عليه ] .
 وعن بن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : "    التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر ، في تاسعة تبقى ، في سابعة    تبقى ، في خامسة تبقى " [ أخرجه البخاري ] ، قال أبو سلمة : قلت يا أبا    سعيد : إنكم أعلم بالعدد منا ، قال أجل نحن أحق بذلك منكم ، قال قلت : ما    التاسعة والسابعة والخامسة ؟ قال : إذا مضت واحدة وعشرين فالتي تليها  ثنتين   وعشرين وهي التاسعة ، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة ،  فإذا   مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة .
 وقال بن عباس رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي في    العشر ، هي في تسع يمضين ، أو في سبع يبقين " يعني ليلة القدر ، قال عبد    الوهاب عن أيوب وعن خالد عن عكرمة عن ابن عباس : " التمسوا في أربع  وعشرين  "  [ أخرجه البخاري ] .
 وعن عبادة بن الصامت قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم  ليخبرنا بليلة    القدر ، فتلاحى ـ تخاصم ـ رجلان من المسلمين فقال : " خرجت لأخبركم بليلة    القدر ، فتلاحى فلان وفلان ، فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم ، فالتمسوها في    التاسعة والسابعة والخامسة " [ أخرجه البخاري ] .
 وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " رأى رجل أن ليلة القدر ليلة    سبع وعشرين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم في العشر    الأواخر ، فاطلبوها في الوتر منها " [ أخرجه مسلم ] .
 وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "    أريت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي ، فنُسيتها فالتمسوها في العشر    الغوابر ـ البواقي ـ " [ أخرجه مسلم ] .
 وعن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله    عليه وسلم ، اعتكف العشر الأول من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة    تركية على سدتها حصير ، قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ،  ثم   أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال : " إني اعتكفت العشر الأول  ألتمس  هذه  الليلة ، ثم اعتكفت العشر الأوسط ، ثم أُتيت فقيل لي : إنها في  العشر   الأواخر ، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه ،  قال : "   وإني أريتها ليلة وتر ، وأني أسجد صبيحتها في طين وماء ، فأصبح  من ليلة   إحدى وعشرين وقد قام إلي الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد ـ  قَطَرَ الماء من   سقفه ـ فأبصرت الطين ظاهراً ، فخرج حين فرغ من صلاة  الصبح وجبينه وأنفه   كلاهما فيهما الطين ظاهرا وإذا هي ليلة إحدى وعشرين  من العشر الأواخر " [   متفق عليه ] .
 وعن عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : " أريت    ليلة القدر ، ثم أنسيتها ، وأراني صبحها أسجد في ماء وطين " قال : فمطرنا    ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم فانصرف ، وإن  أثر   الماء والطين على جبهته وأنفه . قال : وكان عبد الله بن أنيس يقول :  ثلاث   وعشرين . [ أخرجه مسلم ] .
 مما سبق ذكره من الأحاديث يتضح لنا أن ليلة القدر لا يعلم بوقتها أحد ، فهي    ليلة متنقلة ، فقد تكون في سنة ليلة خمس وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة    إحدى وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة تسع وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة  سبع   وعشرين ، فهي ليلة متنقلة ، ولقد أخفى الله تعالى علمها ، حتى يجتهد   الناس  في طلبها ، فيكثرون من الصلاة والقيام والدعاء في ليالي العشر من   رمضان  رجاء إدراكها ، وهي مثل الساعة المستجابة يوم الجمعة ، فقد أخفاها   الله  تعالى عن عباده لمثل ما أخفى عنه ليلة القدر .
 يقول البغوي رحمه الله تعالى : وفي الجملة أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة في ليالي رمضان طمعاً في إدراكها .
 وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ، ويأمر أصحابه بتحريها    ، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر الأواخر من رمضان رجاء أن يدركوا ليلة    القدر، وكان يشد المئزر وذلك كناية عن جده واجتهاده عليه الصلاة والسلام  في   العبادة في تلك الليالي ، واعتزاله النساء فيها ، فعن عائشة رضي الله   عنها  قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ، أحيا ليله ،   وأيقظ  أهله ، وشد المئزر " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، وفي رواية : " كان   رسول  الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره   " .
 فعلى المسلم أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم ، فيجتهد في العبادة ،    ويكثر من الطاعة في كل وقت وحين ، وخصوصاً في مثل هذه العشر الأخيرة من    رمضان ، ففيها أعظم ليلة ، فيها ليلة عظيمة القدر ، ورفيعة الشرف ، إنها    ليلة القدر ، فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه    وما تأخر ، يقوم ويعتكف في هذه الليالي المباركات رجاء أن يدرك ليلة   القدر  ، رجاء مغفرة الله تعالى له ، فحري بكل مسلم صادق ، يرجو ما عند   الله  تعالى من الأجر والثواب ، ويطمع فيما عند الله تعالى من الجزاء الحسن   ، ومن  يرغب في جنة الخلد وملك لا يبلى ، وحري بكل مؤمن صادق يخاف عذاب   ربه ،  ويخشى عقابه ، ويهرب من نار تلظى ، حري به أن يقوم هذه الليالي ،   ويعتكف  فيها بقدر استطاعته ، تأسياً بالنبي الكريم ، نبي الرحمة والهدى   صلى الله  عليه وسلم ، فما هي إلا ليالي عشر ، ثم ينقضي شهر الخير والبركة ،   شهر  الرحمة والمغفرة ، والعتق من النار ، ما هي إلا ليالي معدودات ،   ويرتحل  الضيف العزيز ، الذي كنا بالأمس القريب ننتظره بكل فرح وشوق ، وبكل   لهفة  وحب ، وها نحن في هذه اليالي المباركات ليالي النفحات الربانية   الكريمة ،  نتأهب جميعاً لتوديعه ، والقلوب حزينة على فرقاه ، والنفوس   يملؤها الحزن  والأسى على مغادرته وارتحاله ،  ولا ندري أيكون شاهداً لنا   أم شاهداً علينا  ، فقد أودعناه كل عمل لنا ، ونسأل الله تعالى أن يتقبل   منا صالح الأعمال  والأقوال ، وأن يتجاوز عن سيئها وسقيمها ، إنه رباً براً   رحيماً غفوراً .
 فليحرص الجميع على أداء صلاتي التراويح والتهجد جماعة في بيوت الله تعالى    طمعاً في رحمته ، وخوفاً من عذابه ، كما يحرص الواحد منا على جمع ماله ،    فكم هم الناس اليوم الذين نجدهم حول آلات الصرف الآلي ، وكم هم الناس  اليوم   الذين نجدهم على الأرصفة ، وحول شاشات التلفاز ، والفضائيات ،  متحلقين  وقد  غشيتهم السكينة ، وهدأت منهم الحركات ، فهم جمود لا يتكلمون ،  وأسرى  شاشات  لا يُطلقون ، وكلهم مسيئون ومذنبون ، والعياذ بالله ، فهل  من عودة  صادقة  لدين الله تعالى ، وهل من مراجعة للنفس ، قبل أن يداهمها  ملك الموت ،  فتقضي  نحبها ولا تدري ما الله فاعل بها ، لا بد ان نعرض  أنفسنا على كتاب  ربنا ،  وسنة نبينا فهما ميزانا العدل والحق ، فحاسبوا  أنفسكم في هذه  الدنيا ما دام  انكم في دار المهلة ، فاليوم عمل ولا حساب ،  وغداً حساب ولا  عمل ، حاسبوا  أنفسكم قبل ان تحاسبوا ، فهي عشر ليالي  نتطلع فيها جميعاً  لرحمة أرحم  الراحمين ، لعلنا أن نكون فيها من  الصائيمين المحتسبين ، ومن  القائيمين  الوجلين ، وليلة القدر لا تخرج بحال  عن ليلة من إحدى تلك  الليالي فعلينا أن  نجتهد ونخلص العمل لله تعالى  رجاء الحصول على ليلة  القدر ، فمن وفق فيها  للقيام والعمل الصالح ، ومن  ثم نالها فقد وقع أجره  على الله تعالى ، بمغفرة  ما تقدم من ذنوبه ، وكل  ابن خطاء ، وكل الناس  صاحب خطأ وزلل ، وذنب وخطيئة  ، فعلينا أن نصبر  ونصابر ونرابط في هذه  الليالي المباركات ، لعلنا أن ندرك  ليلة القدر ،  فيغفر الله لنا ما تقد من  ذنوبنا ، فنفوز برضى الرب تبارك  وتعالى .
 وهذه العشر هي ختام شهر رمضان ، والأعمال بالخواتيم ، ولعل أحدنا أن يدرك    ليلة القدر وهو قائم يصلي بين يدي ربه سبحانه وتعالى ، فيغفر الله له ما    تقدم من ذنبه .
 وعلى المسلم أن يحث أهله وينشطهم ويرغبهم في قيام هذه الليالي للاستزاده من    العبادة ، وكثرة الطاعة وفعل الخير ، لا سيما ونحن في موسم عظيم ، لا   يفرط  فيه إلا محروم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى   الله  عليه وسلم ، يقول لأصحابه : " قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ،  كتب  الله  عليكم صيامه ، فيه تفتَّح أبواب الجنة ، وتغلق أبواب الجحيم ،  وتغل   الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم " [  أخرجه  أحمد  والنسائي ] ، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً : "  أتاكم  رمضان ،  شهر بركة ، يغشاكم الله فيه ، فينزل الرحمة ، ويحط الخطايا  ،  ويستجيب فيه  الدعاء ، ينظر إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ،  فأروا  من أنفسكم  خيرا ، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله " [ أخرجه  الطبراني  ورواته ثقات ] .
 فتنافسوا عباد الله في طاعة ربكم ، وأروا ربكم منكم خيراً ، وارباؤوا    بأنفسكم عن مواطن الريب والشك ، واحذروا من الوقوع في الذنوب والمعاصي فكل    مؤاخذ بما فعل ، وبما قال ، قال تعالى : " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب    عتيد " [ ق 18 ] ، وقال تعالى : " ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم  شهوداً   إذ تفيضون فيه " [ يونس 61 ] .
 وورد عن بعض السلف الاغتسال والتطيب في ليالي العشر تحرياً لليلة القدر التي شرفها الله ورفع قدرها .
 ولهذا ينبغي أن يتحراها المؤمن في كل ليالي العشر عملاً بقوله صلى الله    عليه وسلم : " التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " [ متفق عليه    ] ، وقد أخفى الله عز وجل علمها ، حتى يجتهد الناس في العبادة في تلك    الليالي ، ويجدوا في طلبها بغية الحصول عليها ، فيظنون أنها في كل ليلة ،    فترى الكثير من الناس في تلك الليالي المباركة ما بين ساجد وقائم وداع  وباك   ، فاللهم وفقنا لقيام ليلة القدر ، واجعلها لنا خيراً من ألف شهر ،   فالناس  بقيامهم تلك الليالي يثابون بإذن الله تعالى على قيامهم كل ليلة ،   كيف لا  وهم يرجون ليلة القدر أن تكون في كل ليلة ، ولهذا كان من سنة  النبي  صلى  الله عليه وسلم الإعتكاف في ليالي العشر من رمضان .
 وليلة القدر لاتختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل هي تنتقل ، أي قد تكون    في عام ليلة خمس وعشرين ، وفي عام آخر ليلة ثلاث وعشرين وهكذا فهي غير    ثابتة بليلة معينة في كل عام . كما سبق ذكره من الأدلة .
 
 
 1ـ أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن ، قال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } .
 2ـ أنها ليلة مباركة ، قال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } .
 3ـ يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام ، قال تعالى : { فيها يفرق كل أمر حكيم } .
 4ـ فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالي ، قال تعالى : { ليلة القدر خير من ألف شهر } .
 5ـ تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة و الرحمة والمغفرة ، قال    تعالى : { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } .
 6ـ ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر ،    وتكثر فيها السلامة من العذاب ولايخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في    غيرها فهي سلام كلها ، قال تعالى : { سلام هي حتى مطلع الفجر } .
 7ـ فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عزوجل ، قال    صلى الله عليه وسلم : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما    تقدم من ذنبه " [ متفق عليه ] .
 فليلة هذه فضائلها وخصائصها وهباتها ، ينبغي علينا أن نجتهد فيها ونكثر من    الدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة ، فإنها فرصة العمر ، والفرص لاتدوم ،    فأي فضل أعظم من هذا الفضل لمن وفقه الله ، فاحرصوا رحمكم الله على طلب   هذه  الليلة واجتهدوا بالأعمال الصالحة لتفوزوا بثوابها فإن المحروم من  حرم   الثواب ، ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملاً بذنوبه بسبب غفلته    وإعراضه وعدم مبالاته فإنه محروم ، أيها العاصي تب إلى الله واسأله  المغفرة   فقد فتح لك باب التوبة ، ودعاك إليها وجعل لك مواسم للخير تضاعف  فيها   الحسنات وتمحى فيها السيئات فخذ لنفسك بأسباب النجاة.
 فالبدار البدار إلى اغتنام العمل فيما بقي من هذا الشهر ، فعسى أن نستدرك    به ما فات من ضياع العمر ، فيما لا فائدة فيه ، فكم نشيع كل يوم ميت ،    ونودعه وندفنه ، فتسال الدموع على الوجنات ، ثم ما نلبث أن ننسى ونعود إلى    ما كنا عليه من غفلة وضياع ، فهذه العشر الأخيرة من رمضان قد تكون آخر    ليالي ندركها فالموت بالمرصاد ، إن لم يأت اليوم فغداً آت لا محالة ،    فاستعدوا بالعمل الصالح ، والرغبة فيما عند الله تعالى من النعيم المقيم    الذي لا يزول ولا يحول ، فعلينا بالجهاد الذي لا قتال فيه ، ألا وهو جهاد    النفس ، فنجاهدها نهاراً بالصيام ، ونجاهدها ليلاً بالقيام ، فمن جمع  لنفسه   بينهما ، ووفى بحقوقهما فهو من الصابرين الذين يوفين أجرهم بغير  حساب .
 وما أعظم أن يرغم العبد أنفه لربه تبارك وتعالى ، بكثرة السجود ، وكثرة    الركوع ، وطول القيام ، لمناجاة الخالق جل جلاله ، فذلك من أعظم منازل    الصبر ، أن يصبر الإنسان على طاعة ربه ، كيف لا ، وهو لم يخلق إلا من أجل    العبادة ، فلنحرص على أن نتحلى بالصبر على طاعة الله تبارك وتعالى ، لأن    صلاة التهجد تحتاج إلى ذلك ، وفضلها عظيم ، فهي قرصة العمر ، وغنيمة الزمن  ،   لمن وفقه الله تعالى .
 وقد كان السلف الصالح من هذه الأمة يطيلون صلاة الليل متأسين بنبيهم صلى    الله عليه وسلم الذي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه وتتشقق من طول    قيامه لله ، ومناجاة لمولاه ، قال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة    حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً " [ الأحزاب ] ،    فلم عرف الصحابة ، وصالح سلف الأمة ما تدل عليه الآية ، اقتدوا بنبيهم  عليه   أفضل الصلاة وأزكى السلام ، يقول السائب بن يزيد : أمر عمر بن  الخطاب رضي   الله عنه ، أبي بن كعب ، وتميماً الداري رضي الله عنهما أن  يقوما للناس   بإحدى عشرة ركعة ، قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى  كنا نعتمد على   العصي من طول القيام ، وما ننصرف إلا في فروع الفجر " ،  وعن عبد الله بن   أبي بكر قال : سمعت أبي يقول : كنا ننصرف في رمضان  فنستعجل الخدم بالطعام   مخافة الفجر " .
 لما ذا يفعلون ذلك ؟ هل هذه الصلاة واجبة عليهم ؟ لا ، ولكنهم أيقنوا أن    الجنة حفت بالمكاره ، والثمن باهض ، والطريق طويل ، فلا بد من إحضار المهر ،    وقطع الطريق بالصالح من العمل .
 فلنحرص على الاتصاف بتلك الصفات الصالحة ، ولنأخذ من نبينا صلى الله عليه    وسلم أسوة حسنة ، ولنقتد بصالح سلف الأمة رضوان الله عليهم أجمعين .
 
 
 
__________________  سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك  فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى. 
 |