عرض مشاركة واحدة
  #284  
قديم 19-03-2023, 06:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,313
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (279)

صـــــ(1) إلى صــ(15)

‌‌حكم بيع الحلال والحرام وبيع ما يملك وما لا يملك صفقة واحدة
قال رحمه الله: [وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه، أو عبداً وحراً، أو خلاً وخمراً، صفقةً واحدةً: صحَّ في عبده وفي الخلِّ بقسطه].
(وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه).
نلاحظ هنا دقة العلماء في الترتيب، ففي الصور الأولى يكون الاشتراك في نفس الشيء، أي: نفس العبد رقبة واحدة، ونشترك فيه، نصفه لك ونصفه لي، رقبة البقرة أو الشاة أو الناقة أو السيارة -كما هو موجود في زماننا- أو الأرض نصفها لك ونصفها لي، فالمبيع واحد؛ لكن هنا في هذا المثال المبيع يشتمل على شيئين: سيارتك وسيارة غيرك عبدك وعبد غيرك ناقتك وناقة غيرك، فحينئذٍ أصبح ليس من الشيوع، أي: ليس في الرقبة الواحدة؛ وإنما جعل الثمن على رقبتين، إحداهما ملكٌ له والثانية ليست ملكاً له، وضابط المسألة -كما قلنا- حلال وحرام، فقال: باع عبده وعبد غيره، باع خلاً وخمراً، والخل يجوز شربه مع أن أصله من الخمر، والخمر إذا تخللت وصارت خلاً جاز أن يشرب الخل وأن ينتفع به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيح-: (نعم الإدام الخل)، فالخلّ حلال لكن الخمر حرام، فالعلماء يذكرون هذا المثال (باع خلاً وخمراً)، فالخلّ يجوز بيعه والخمر لا يجوز بيعها، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ورسوله حرم بيع الميتة والخمر)، وقال صلى الله عليه وسلم في الخمر: (إن الذي حرم شربه حرم بيعه)، فلو باعه خلاً وخمراً فحينئذٍ تكون الصفقة جامعة بين الحلال وبين الحرام لا على سبيل الشيوع، لكن كلّ منهما منفصل عن الآخر، فنقدّر قيمة الخل ونقدر قيمة الخمر، ونقول: صحّ في الخل وحرم في الخمر، فلو كان -مثلاً- قسط الخمر النصف، فاشترى الخمر والخل معاً بألف ريال؛ وصفقة الخلّ تساوي خمسمائة ريال، فنقول: صح في الخل بخمسمائة وألغي في الخمسمائة الباقية التي هي قيمة للخمر؛ لأن الله حرم عينها، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها.
قال: [أو عبداً وحراً].
كذلك العبد والحر، فلا إشكال في المثال، فالمهم أن تحفظ القاعدة: أن يجمع له بين عينين إحداهما حلال والثانية حرام، أو من جهة التصرف: إحداهما يملك التصرف فيها والثانية لا يملك التصرف فيها، فمثال الأولى التي هي حرام العين وحلال العين: (خلّ وخمر، خنزير وبرّ)، فإن الخنزير حرام والبرّ حلال، ولو باعه عسلاً ومخدراً فالمخدر حرام والعسل حلال، وقس على هذا، وأمّا بالنسبة للملكية فمثالها أن يبيع عبده وعبد غيره، وفي عصرنا الحاضر سيارته وسيارة غيره أرضه وأرض غيره، وقس على هذا.
قال: [صفقة واحدةً صحَّ في عبده، وفي الخلِّ بقسطه].
صح البيع في عبده، وصحّ في الخلّ بقسطه، وإن كان قسطه نصف القيمة صحّ بخمسمائة إذا كانت القيمة ألفاً، وكذلك أيضاً بالنسبة لبيعه لعبده وعبد غيره صحّ في عبده ولم يصحّ في عبد غيره.
قال: [ولمشترٍ الخيار إن جهل الحال].
(ولمشترٍ الخيار) الخيار: مأخوذ من قولهم خَيَّرَهُ، إذا جعل له النظر بخيري الأمرين، والمراد من هذا: أنه إذا باعه على هذا الوجه حراماً وحلالاً، ولم يعلم أنه محرم كأن يقول له: أبيعك هذا العبد وهذا العبد، وكان لا يملك العبد الثاني، والمشتري يظن أنه يملك العبدين، نقول له: أنت بالخيار، إن شئت أمضيت البيع وأمضيت الصفقة، وإن شئت ألغيت الصفقة فيهما، فالخيار له في ذلك، لماذا؟ لأنه ربما اشترى عبده لمكان العبد الثاني.
توضيح ذلك: الآن لو أن رجلاً جاء إلى رجل وقال له: أبيعك هذه السيارة -وسيارته رديئة- مع هذه السيارة بعشرة آلاف، فالمشتري قد يكون رغب في السيارة الجيدة وجعل السيارة الرديئة محمولة لوجود الجيدة، فلو جئنا نقول: صحّ في سيارته وبطل في سيارة غيره معنى ذلك أن المشتري سيتضرر، وهذا هو السبب الذي جعل المصنف يقول: (ولمشترٍ الخيار) أي: أن قولنا: يصحّ في قسطه وفي حقه، يُرد إلى خيار المشتري، ونقول لك: إن شئت أن تصحح العقد صححته في القسط الحلال فيما يملك، أمّا لو قلت: لا أريد، فإما أن آخذهما الاثنين أو أتركهما الاثنين فمن حقك وهذا يقع من المشتري، أنه يشتري الصفقتين من أجل أنه يحمل وكس هذه بكمال هذه والنقص في هذه بالجمال في هذه، فكأنه اشترى الاثنين معاً من أجل أن إحدى الصفقتين تحمل الأخرى، فإذا جئت تقول للمشتري: صحّ في قسطه فمعنى ذلك أنك تضر بالمشتري وتلزمه بشيء لا يريده، فهو يريد الصفقة كلها، فاحتياطاً للحقوق قال المصنف رحمه الله: (ولمشترٍ الخيار) أي: أننا حينما حكمنا بصحة العقد فإننا نجعل للمشتري الحق أن يمضي البيع أو يفسخه، وهذا من العدل؛ لأنه اشترى الاثنين معاً، فإن كان يريدهما معاً ولا يريد أحدهما دون الآخر كان من حقه ذلك، وليس من حقنا أن نلزمه بجزء مبيع أراده كله؛ لأنه اشترى الكل، ولم يشتر البعض، فهذا هو وجه إعطاء الخيار له، فنقول: إن شئت أمضيت الصفقة في حظ من باعك، وإن شئت اعتذرت عن البيع، فهذا من حقك، ولا تُلزم بذلك
‌‌الأسئلة
‌‌بيع المرابحة صورته وحكمه

‌‌السؤال
ما حكم البيع إذا قال البائع للمشتري: أنا اشتريت السلعة بكذا فأربحني على ذلك ما شئت، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فإذا قال البائع للمشتري: اشتريت السلعة بمائة ألف فأربحني فيها لأبيعها لك، هذا يسمى عند العلماء (ببيع المرابحة)، وبيع المرابحة له صورتان: الصورة الأولى: قديمة عمل بها العلماء والفقهاء.
الصورة الثانية: حديثة ألحقت بالقديمة وزُعم أنها منها، وهي من صور الربا ويقال لها: (المرابحة الإسلامية)، وهي ربوية، ولا يجيزها تسميتها بأنها إسلامية، فإنه لا يحكم للشيء بكونه شرعياً إلا إذا دل الدليل على كونه مشروعاً.
نبين الصورة المشروعة: وهي إلى الآن لا زالت موجودة، حتى إن كبار السن يتبايعون بها، وإذا جئت إلى رجل كبير السن تقول له: بكم هذه الشاة؟ يقول: رأس مالي ألف، أي: كم تربحني، فهذا معنى قوله: رأس مالي، فتقول له: أربحك العُشْر معناها أنك ستشتريها بكم؟ بألف ومائة؛ لأن عُشر الألف مائة، فهذا يسمى بيع المرابحة.
لكن لماذا العلماء جعلوا لهذا النوع اسماً خاصاً وهو بيع المرابحة؟ السبب في هذا: أنه ربما قال لك: رأس مالي مائة ألف، وتبين أنه اشتراها بثمانين ألفاً، أو بخمسين ألفاً، فحينئذٍ أنت مظلوم، فاحتاج العلماء أن يجعلوا لهذا النوع من البيوع مبحثاً مستقلاً وهو كيف يفصل في حال ما إذا تبين كذب البائع -وهذه حالة-، أو خطأ البائع؟ ففي بعض الأحيان يخطئ البائع ولا يقصد الكذب، فيقول لك: رأس مالي مائة ألف وقد اشترى أرضين: أرضاً بمائة ألف وأرضاً بخمسين، فظن أن هذه الأرض التي باعك إياها أنها هي التي بمائة ألف وتبين أنها هي التي اشتراها بخمسين، فحينئذٍ يكون له نصف القيمة الأصلية، وإن شاء الله سنتكلم على هذا النوع في الفصل الذي بعد هذا، في بيع المرابحة والمواضعة والتولية، وهذه ثلاثة أنواع من البيوع، فالبيع الأول المرابحة: كم تربحني؟ والمواضعة: أن يضع من البيع بقدر أي: اشتراها بمائة فيقول لك: أنا رضيت أن أخسر فيها العُشر، فيضع من السعر، فيتفقان على الضعة من رأس المال، والتولية: أن يولي لك، فيقول لك: بكم تعطيني أنا قبلت، فيجعل لك التولية، أي: أن تتولى تقييم سلعته.
أما المرابحة التي يسمونها اليوم مرابحة إسلامية: وهي أن تأتي إلى المؤسسة أو تأتي إلى الشركة تريد أن تشتري سيارةً أو أرضاً أو أثاثاً للبيت، فيقول لك: اذهب إلى أي شركة وخذ منها الفواتير، وحدد ما تريد أن تشتريه، وائتنا بالفواتير ونحن ننظر فيها، ثم بعد ذلك نشتريها ولا نلزمك بالبيع، وهذه يسمونها -كما قلنا- المرابحة الإسلامية، والواقع أنها من صور الربا؛ لأن حقيقة الأمر أن هذا المتاع الذي قيمته مائة ألف ريال بدل أن يعطيك المائة ألف ويقول: ردها أقساطاً مائة وعشرين أدخل السلعة حيلة في الصفقة، وهذا يحتاج إلى دقة في مسألة حقيقة العقد.
وتوضيح ذلك: أنه في ظاهره حلال؛ لكن في باطنه تذرّع به إلى الربا، وانظروا إلى بيع العينة حتى تكون الصورة واضحة فيما يسمى بالمرابحة الآن، أن يقول: أبيعك هذه الدار بمائة ألف ريال إلى نهاية السنة، فإذا جئت تنظر إلى مائة ألف لقاء الدار إلى نهاية السنة القيمة صحيحة والبيع صحيح، ثم أشتريها منك بخمسين ألفاً نقداً، فلا توجد أي شبهة، هل تلاحظون أي شيء على مائة ألف لقاء سلعة إلى أجل؟ أو خمسين ألفاً نقداً لقاء سلعة تستحق الخمسين؟ أبداً ليس فيه أي إشكال؛ لكن الشريعة ألغت البيعتين الاثنتين، ونظرت إلى أن حقيقة الأمر أنه أعطاه الخمسين الألف النقد في مقابل المائة ألف إلى أجل.
فالذي يقول بجواز بيع المرابحة، لا شك أنهم علماء ومنهم بعض الأجلاء، وهذا اجتهادهم، لكن الذي نحن نمنع منه قضية تسميته مرابحة إسلامية، وإدخال مصطلح له ضوابط معروفة عند العلماء على شيء لا يمتّ إليه بصلة، فالمرابحة مفاعلة من الربح وليس لها علاقة بمسألة اذهب واختر السلعة ثم بعد ذلك نشتريها نحن ونقسطها عليك، فهذا لا يسمى مرابحة، بل كأنه في هذه الحالة بدل أن يقول له: خذ المائة ألف وردها مائة وعشرين، قال له: أدفع لك المائة ألف إلى المؤسسة وتردها لي مائة وعشرين، فهذا حقيقة الأمر.
وقد يتعذرون بأن البنك لا يلزم المشتري بالسلعة، وهذا ليس بمؤثر؛ لأن البنك ما اشترى إلا من أجل المشتري، ولا عرف هذه السلعة إلا بتعيين المشتري، بل الأدهى والأمر أن المشتري هو الذي جاءه بالفواتير، بل وحدد له المكان الذي يشتري منه، فالأمر واضح جداً، فالبنك لا يريد أن يشتري السلعة ولا يرغب فيها، وأعجب من هذا أن البنك يتفق مع من يتعامل معه أنه إذا لم يوافق (الزبون) أو المشتري أننا سنردها عليك، ولذلك تجد بعض من يتعامل بهذه (المرابحة الإسلامية) لا يتعامل إلَاّ مع محلات معينة؛ لأنه اتفق معها أنه إذا نكص المشتري عن الشراء فله الرد، وهذا أمر موجود وذائع، ولا شك أنه من بيوع الربا، وأقلّ ما في هذا النوع من البيع أنه من المشتبهات، والمشتبه: هو الذي فيه شبهة من الحل وشبهة من الحرمة.
وعلى هذا: فإنه لا يصح البيع على هذا الوجه، أما إن كان البنك يشتري السيارة أو يشتري السلعة ثم يعرضها عليك مقسطة فلا بأس، لكن أن تأتي أنت وتحدد له سلعة معينة أو أثاثاً معين هذا لا شك أنه عين الربا؛ بل حينما يعطي البنك المائة ألف لشخص ويقول له: خذ المائة ألف وردها مائة وعشرين، فهذا -والله- أرحم من أن يلزمه بصفقة معينة؛ لأنه على الأقل أخذ المائة ألف وذهب يشتري ما يريد وربما يشتري شيئاً يربح فيه؛ لكن من ذكاء البنك أو المؤسسة أنه حين يتعامل معك بهذه الصورة يريد أن يضمن أنك قد أخذت بها شيئاً، ولذلك يجعلك تشتري السلعة ولا يدفع لك المال إلا إذا ضمن أنك تشتري بها سلعة، وأيّاً ما كان فهذا ليس من البيوع المباحة؛ إنما هو من بيوع الذرائع الربوية التي يتوصل بها إلى الحرام، فإن قالوا: إنها مرابحة؛ لأن البنك ربح أو قصد الربح من هذا النوع من البيوع، فلا إشكال في أنه ربح من جنس الفائدة الربوية.
والله تعالى أعلم

‌‌عدم القطع في الأجرة

‌‌السؤال
إذا قال صاحب سيارة الأجرة للراكب: أوصلك بعشرة، وإن ركب أحد معنا فبخمسة، فهل تصح هذه الإجارة، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
إذا قال له: أوصلك إلى دارك بعشرة، فهذه إجارة صحيحة بثمن معلوم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من استأجر أجيراً فليعلمه أجره)، فإن قال له: إن ركب معنا أحد أوصلك بخمسة وحدد المكان الذي فيه الركوب، فإن بعض العلماء يمنع من هذا؛ لأنها صفقتين في صفقة واحدة، فلا يُدرى هل يئول الأمر إلى الخمسة أو يئول إلى العشرة، فكان من باب البيعتين في بيعة، ومسائل الإجارة مفرعة على مسائل البيع.
وقال بعض العلماء: إنه إذا قال له: إن ركب معنا أحد فآخذ منك خمسة فإنه يجوز ذلك؛ لأنه معلّق على وجهٍ لا يقطع بت البيع الأول.
إذاً: إذا قال له: أوصلك بعشرة وإن ركب معنا راكب فبخمسة فهذا إذا حدَّد المكان أو عين المكان فلا إشكال كما ذكرنا، لكن هناك في بعض الأحوال يكون هذا النوع من الإجارة فيه جهالة وفيه غرر؛ وذلك أنك قد تركب من أجل أن تصل إلى مكانك المعين بعشرة وتريد أن تصل بسرعة فَيُدخل عليك راكباً ثانياً قد يتسبب في تأخيرك أو تعطيلك، وقد يضرك من يركب معه بدخان أو بكلام أو نحو ذلك مما فيه أذية وضرر، ففي مثل هذه الأحوال إذا كان السائق يريد أن يدخل على الراكب ما فيه غرر بمثل هذه الصور فلا إشكال في عدم الجواز، وأنه ينبغي على المستأجر أو الراكب أن يبتّ معه فإما أن يستأجره بعشرة وينهي الإجارة على عشرة ولا يركب معه أحد، وإما أن يعتذر عن أخذه إلى غيره، ومثال ما فيه الغرر كما لو جئت نازلاً من المطار فقال لك: أنزلك من المطار إلى وسط المدينة بخمسين إذا كنت لوحدك، وإن وجدت معك راكباً فسآخذ منك خمسةً وعشرين، لكن هذا الراكب الذي سيركب معك قد يقول: أنت تريد منتصف المدينة أو وسط المدينة وأنا أريد قبل منتصف المدينة.
فمعنى ذلك أنه سينحرف عن طريقك إلى طريقه، وقد يستغرق توصيله ربع ساعة أو ثلث ساعة وقد يستغرق نصف ساعة، ومن جرب ذلك يعلم، فهذا النوع من الإجارات فيه مصلحة لسائق السيارة لكن فيه ضرر على الراكب، حتى إننا نذكر من بعض المشايخ حفظهم الله الذين يخرجون للدعوة في الخارج يقولون: نقع في أشياء من أغرب ما تكون إذا جئنا ننزل من المطارات إلى الفنادق، فيقولون: يركب معك أحد ونأخذ منك كذا، فنستهين بالأجرة، فإذا بالذي يركب معنا يذهب ويدور به المدينة كلها ولا يصل بنا إلى مكاننا.
ومثل هذا يضر بمصالح المرء، خاصة إذا كان يريد أن يقضي حاجة أو يريد أن يدرك مريضاً أو أن يصل إلى غرض من معاملة أو نحو ذلك، فهذا يضر بمصالح الناس، ويوجب الشحناء والبغضاء بينهم، لأنه من بيوع الغرر.
والعلماء دائماً يقيسون الإجارة على البيع.
ومما ذكر بعض المشايخ حفظه الله يقول: ذات مرة نزلنا من المطار فوجدنا اثنتي عشرة رجلاً -أي: قائد سيارة- وكنا مستعجلين جداً -كانوا في مهمة دعوة- يقول: وقد كنا منهكين لبقائنا قرابة ساعة ونحن في السفر من منطقة إلى منطقة في الطائرة، الشاهد: أنه لما نزلنا قال لنا السائق: أوصلكم بكذا، فإذا بسعره مغر، قال: فقط أريد طلباً واحداً؟ قالوا: ما هو؟ فأشار إلى رجل وقال: هذا الرجل الذي ينزل والذي تلاحظوه معه دولارات -التي يسمونها العملة الصعبة- أريد أن أصطرف معه، وما أريد أن يسبقني إلى عقد الصفقة معه أحد، فكل الذي أريده منكم أنه إذا نزل نذهب وراءه حيث ينزل وأشتري منه وأعقد الصفقة ثم أوصلكم، يقول: فأصبحنا في داخل المدينة نذهب من مكان إلى مكان، بل ربما ما ترك مكاناً في المدينة إلا ذهب إليه؛ لأن هذا يريد أن يفرّ من هذا، وهذا وراءه، فجلسنا قرابة ساعة ونصف ونحن وراءه، حتى إنه من شدة حرصه كان يسرع حتى خفنا على أنفسنا، فصممنا وقلنا: أنزلنا واتبع صاحبك، قال: لا يمكن أن تضيع الأجرة التي بيني وبينكم، فقلنا: خذ الأجرة، قال: إذا أوقفتكم ذهب عني، أي: لم يقبل على الرغم من عرضنا عليه الأجرة كاملة على أن ينزلنا.
فهو يقول: إذا أوقفتكم ذهبت الدولارات، وإذا ركبتم معي فإن هذا يضر بكم، لكن ما لكم إلا الصبر، فأيَّاً ما كان فهذا النوع من العقود كونه يقول أوصلك ويعلق شيئاً آخر على الإيصال فهذا الذي نريد أن نصل إليه أنه يوجب الشحناء ويوجب البغضاء، ويعرّض مصالح الإنسان وحوائج الإنسان إلى الضرر، فالأفضل والأكمل أن تكون الإجارة على البتّ خالية من الغرر.
والله تعالى أعلم

‌‌حكم بيع الشيء ومعه جائزة

‌‌السؤال
لو قيل: اشتر سيارة -مثلاً- واحصل على سيارة ثانية من نفس النوع مجاناً، فهل يجوز هذا، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
إذا قيل: اشتر سيارة من نوع كذا أو اشتر طعاماً أو شيئاً معيناً وتحصل على جائزة مجهولة، فهذا لا يجوز، وهو كما ذكرنا بيع معلوم ومجهول؛ لأنه اشترى السيارة ومعها شيء مجهول، واشترى وهو يريد الربح فإذا به لا يربح شيئاً، فإذا قال له: اشتر سيارة وتربح، حتى ولو سميت الجوائز: الأول له كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، فهذا كله يعتبر من بيع الغرر؛ لأنه أدخل المجهول على المعلوم، وفي هذه الحالة كأنه باعه السيارة وشيئاً ما لا يُدْرى أهو الجائزة الأولى إذا فاز بها أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو لا شيء، فإذا كان لم يخرج له شيء فحينئذٍ كأنه غَرّر به، مثل (اليانصيب) ادفع مالاً وتربح، وعلى هذا فإنه لا يصح بيع الجوائز إذا كانت مجهولة أو كانت معلومة مقرونة بالمبيع.
وتوجد حالة يصح فيها بيع الجائزة مقرونة بالمبيع، مثل: أن يعطيك (النيدو) -مثلاً- وعليه كأس، فالجائزة هنا معلومة ومعروفة، ويصبح كأنه باعك هذا الحليب مع الكأس، فهذا بيع معلوم وليس فيه أي إشكال؛ لكن إذا قال لك: تربح جائزة مجهولة، ووضع الجائزة داخل الحليب، فقد تكون ريالات، وقد تكون ذهباً، وقد تكون لعبة، أو لا يكون بداخلها إلا الحليب، فإذاً: معنى ذلك أنك تشتري على غرر، وهذا من بيع المجهول الذي لا يصح.
والله تعالى أعلم

‌‌مدة الإجارة وحكم إتمام عقدها

‌‌السؤال
وقع عقد إيجار بيني وبين المستأجر لخمس سنوات واستلمت إيجار السنة الأولى، وبعد خمسة أشهر أبدى عدم رغبته في مواصلة الإيجار، فما الحكم في ذلك، أثابكم الله؟


‌‌الجواب
إذا أجر الشخص داره أكثر من سنة فلا تخلو الإجارة من حالتين: الحالة الأولى: أن تكون إلى زمانٍ لا غرر فيه كالسنة والسنتين، وتكون الدار متحملة، بحيث يغلب على الظن بقاؤها إلى سنة وسنتين ومنافعها باقية، فتصح الإجارة ولا بأس.
الحالة الثانية: أن تكون إلى مدة لا نضمن معها بقاء العين، وذكر العلماء من ذلك أمثلة، أن يقول له: أجرتك داري ثلاثين سنة، أو أجرتك أرضي للزراعة ثلاثين سنة أو خمسين سنة، فهذه العقود الطويلة لا يُدْرى فيها كيف يكون حال الأعيان فيكون من إجارة الغرر، فلا يصح في هذه الحالة.
إذاً: لو قلت له: أجرتك الشقة أو العمارة أو الأرض لخمس سنوات وكانت الشقة أو العمارة تتحمل خمس سنوات فالعقد صحيح والإجارة صحيحة، فإن جاءك بعد العقد وبعد أن افترقتما ولو بلحظة يقول لك: رد عليَّ أو لا أريد، فليس من حقه، وأنت بالخيار -صاحب العمارة- إن شئت ألزمته وتأخذ الأجرة كاملة، وإن شئت عفوت عنه وقلت له: خذ المدة التي تريد على قدر ما دفعت واترك لي داري يعوضني الله خيراً منك، وإن فعلت هذا فهو أفضل وأكمل؛ لأنه من الإقالة، وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم من طلب الأجر؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا رفقت بأخيك المسلم وأقلته وهو نادم أقال الله عثرتك، وكان سبباً لتفريج الكربة عنك؛ لأنك كما فرجت عن أخيك يفرّج الله عنك كربة من كرب يوم القيامة، فإذا جاءك أخوك وقال لك: لا أستطيع، أو جاءتني ظروف، أو أصبح حالي عسيراً، فإنه في هذه الحالة يكون الأفضل والأكمل أن تعفو عنه، فإن أصررت وقلت: لا أريد، وطالبت بحقك، فمن حقك وتلزمه بدفع الأجرة في السنوات القادمة، ويلزمه أن يتم العقد؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]