عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-04-2023, 06:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ اَلْحِجْرِ
المجلد العاشر
صـ 3736 الى صـ 3750
الحلقة (421)



القول في تأويل قوله تعالى :

[40] رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء .

رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء أي : عبادتي ، كذا في (" التنوير ") .

[ ص: 3736 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[41] ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب .

ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب أي: مجازاة العباد على أعمالهم. قرئ {ولوالدي } بالإفراد ، وكأن هذا قبل تبين أمره له عليه السلام .
القول في تأويل قوله تعالى :

[42] ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار .

ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون يعني مشركي أهل مكة . أي : لا تحسبه ، إذا أنظرهم وأجلهم ، أنه غافل عنهم ، مهمل لهم ، لا يعاقبهم على عملهم ، بل هو يحصيه عليهم ويعده عليهم عدا . وفيه تسلية للرسول صلوات الله عليه ، ووعد له أكيد ، ووعيد للكفرة وسائر الظالمين شديد .

إنما يؤخرهم أي : بإمهالهم متمتعين بشهواتهم ، ولا يعجل عقوبتهم : ليوم تشخص فيه الأبصار أي : ترتفع فيه أبصار أهل الموقف ، لهول ما يرون . فلا تقر أعينهم في أماكنها ولا تطرف .
القول في تأويل قوله تعالى :

[43] مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء .

مهطعين أي : مسرعين إلى الداعي الذي يدعوهم إلى المحشر . وهذا بيان لكيفية قيامهم من قبورهم ، وعجلتهم إلى المحشر ، كقوله تعالى : مهطعين إلى الداع وقوله : يوم يخرجون من الأجداث سراعا

[ ص: 3737 ] مقنعي رءوسهم أي : رافعيها إلى السماء : لا يرتد إليهم طرفهم أي : لا يطرفون ، ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك للأجفان : وأفئدتهم هواء أي : لا قوة فيها ولا ثبات ; لشدة الفزع .

قال الزمخشري : الهواء : الخلاء الذي لم تشغله الأجرام ، فوصف به . فقيل : قلب فلان هواء ، إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جراءة . ويقال للأحمق أيضا : قلبه هواء . والمعنى : أن القلوب يومئذ زائلة عن أماكنها والأبصار شاخصة ، والرؤوس مرفوعة إلى السماء من هول ذلك اليوم وشدته وخوف ما يقع فيه .
القول في تأويل قوله تعالى :

[44] وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال .

قوله : وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب يعني يوم القيامة : فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا أي : ردنا إلى الدنيا وأمهلنا : إلى أجل قريب أي : أمد من الزمان قريب : نجب دعوتك أي : إلى الإقرار بتوحيدك وأسمائك الحسنى : ونتبع الرسل أي : دعونا إليه من الشرائع .

أولم تكونوا أقسمتم على إضمار القول . أي : فيقال لهم توبيخا وتبكيتا تكونوا تحلفون : من قبل يعني في الدنيا : ما لكم من زوال أي : من دار الدنيا إلى دار أخرى للجزاء . كقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت

[ ص: 3738 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[45] وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال .

وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم كعاد وثمود : وتبين لكم كيف فعلنا بهم أي : بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم ، وما تواتر عندكم من أخبارهم : وضربنا لكم الأمثال أي : صفات ما فعلوا وما فعل بهم . أي : ومع ذلك فلم يكن لكم فيهم معتبر ولا مزدجر .
القول في تأويل قوله تعالى :

[46] وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال .

وقد مكروا أي : بالنبي صلوات الله عليه : مكرهم أي : العظيم ، أي : الذي استفرغوا فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل : وعند الله مكرهم أي : جزاء مكرهم : وإن كان مكرهم أي : في العظم والشدة : لتزول منه الجبال أي : مسوى ومعدا لإزالة الجبال عن مقارها ، لتناهي شدته .

وجوز في {إن} كونها نافية واللام مؤكدة له . والمعنى : ومحال أن تزول الجبال بمكرهم ، على أن الجبال مثل (أي : استعارة تمثيلية) لآيات الله وشرائعه ; لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتا وتمكنا . وينصره قراءة ابن مسعود: {وما كان مكرهم } وقرئ {لتزول} بلام الابتداء أي : هو من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع من أماكنها .

[ ص: 3739 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[47] فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام .

فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله أي : من نصرهم المبين في قوله تعالى : إنا لننصر رسلنا كتب الله لأغلبن أنا ورسلي وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض الآية .

واستظهر أبو السعود : أن المعنى بالوعد هنا عذابهم الأخروي المتقدم في قوله تعالى : إنما يؤخرهم ليوم إلخ ، ولا يخفى أن الوعد قد بين في مثل الآية الأخيرة والأوليين في معناها . والبيان يرفع اللبس. وإنما أوثر تقديم المفعول الثاني ، أعني (وعده ) على الأول وهو (رسله) للإيذان بالعناية به . فإن الآية في سياق الإنذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله به على ألسنة الرسل . فالمهم في التهديد ذكر الوعيد . كذا في (" الانتصاف ") .

وفي (" الكشف ") تقديمه للاعتناء به وكونه المقصود بالإفادة . وما ذكره ممن وقع الوعد على لسانه ، إنما ذكر بطريق التبع للإيضاح ، والتفصيل بعد الإجمال . وهو من أسلوب الترقي كما في قوله : رب اشرح لي صدري و : إن الله عزيز أي : غالب لا يماكر : ذو انتقام من أعدائه ، نصرا لأوليائه .
القول في تأويل قوله تعالى :

[48] يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار .

يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وذلك أنه تسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى ، فلا يرى فيها عوج ولا أمت . وتبدل السماوات [ ص: 3740 ] بانتثار كواكبها ، وكسوف شمسها ، وخسوف قمرها ، وانشقاقها ، وكونها أبوابا و (يوم) بدل من (يوم يأتيهم ) أو ظرف للانتقام أو مقدر بـ (اذكر) أو ( لا يخلف وعده) .

وبرزوا أي : الخلائق أو الظالمون من أجداثهم : لله الواحد القهار أي : لحسابه وجزائه .

قال أبو السعود : والتعرض للوصفين لتهويل الخطب وتربية المهابة وإظهار بطلان الشرك وتحقيق الانتقام في ذلك اليوم على تقدير كونه ظرفا له . وتحقيق إتيان العذاب الموعود على تقدير كونه بدلا من (يوم يأتيهم العذاب ) فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب ; كان في غاية الشدة والصعوبة .
القول في تأويل قوله تعالى :

[49] وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد .

وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد جمع (مقرن) وهو من جمع في قرن (بفتحتين) الوثاق الذي يربط به . أي : قرن بعضهم مع بعض حسب اقترانهم في الجرائم والفساد . فيجمع بين النظراء والأشكال منهم ، كل صنف إلى صنف . كما قال تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وقال : وإذا النفوس زوجت أو : قرنوا مع الشياطين ، لقوله تعالى : لنحشرنهم والشياطين أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال . وقوله تعالى : في الأصفاد أي : القيود أو الأغلال ، جمع صفد بفتحتين بمعنى القيد أو الغل . والقيد هو الذي يوضع في الرجل . والغل * بالضم * ما في اليد والعنق وما يضم به اليد والرجل إلى العنق . والجار متعلق بـ : { مقرنين } أو حال من ضميره أي : مصفدين ، وقوله تعالى :

[ ص: 3741 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[50] سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار .

سرابيلهم من قطران تشبيه لهم بأكره ما يوجد منظرا عند العرب ، وهو الإبل الجربى التي تطلى بالقطران . وإعلام بأن لهم أعظم ما ينال الجلد داء وهو تقرحه بالجرب. وأخبث ما يكون دواء لقبحه لونا وريحا ، وهو القطران ، فإنه أسود منتن الريح .

قال الزمخشري : تطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ، وهي القمص لتجتمع عليهم الأربع : لذع القطران ، وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح ، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين . وكل ما وعده الله وأوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهده من جنسه ما لا يقادر قدره ، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة . فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه. ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه . انتهى .

ويؤيد ما بيناه من أن في الآية إشارة إلى ابتلائهم بجرب جهنم : ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة على الميت ، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب » .

وقد وقفت على رسالة لشمس البلغاء الخوارزمي أنفذها لمن شكا إليه داء الجرب ، جاء منها قوله : الجرب حكة مادتها يبوسة وحرارة ، ووقود والتهاب ، وعسكر من عساكر البلاء تمده القذارة ، كما تزيد فيه اليبوسة والحرارة ، وعلة تدل على تضييع واجب النفس من التعهد ، [ ص: 3742 ] وعلى التفريط في العلاج والتفقد ، تنطق بأن صاحبها ضعيف المنة في التوقي ، أسير في يد الحرص والتشهي ، غاش لنفسه ، قليل البقيا على روحه . وهذه العلة تكسب صاحبها خزيا وحياء ، وتورثه خجلا واسترخاء ، ينظر إلى الناس بعين المريب ، ويتستر عنهم كتستر المعيب . تنفر عنه الطباع ، وتستقذره النفوس ، وتنبو عن مواكلته العيون . وأقل ما يصيبه أنه يحرم آلة المطاعم وهي يداه ، وآلة اللقاء والزيارة وهي رجلاه . ولو لم يكن من دقائق آفاتها ومن عجيب هباتها. إلا أنها تشيخ الفتيان، وتمسخ الإنسان ، وتجعله أميا بعد أن كان غير أمي ، وأعجميا وليس بأعجمي . تنفر عن نفسه نفسه ، وتهرب من فراشه عرسه ، ويتباعد عنه أقرب الناس منه . ثم هي ربع من أرباع الخذلان وقسم من أقسام الحرمان . قال الشاعر :


أعاذك الله من أشياء أربعة: الموت والعشق والإفلاس والجرب


وما الظن بداء قد سارت به الأمثال وقيلت فيه دون سائر الأدواء الأقوال .

قال أبو تمام :


لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب


[ ص: 3743 ] وقال لبيد :


ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب


فجعله رأس الأدواء ، ووصفه بأنه غاية البلاء . انتهى . وقوله تعالى :

وتغشى وجوههم النار أي : تعلوها وتحيط بها النار التي تمس جسدهم المسربل بالقطران . وتخصيص الوجوه ; لكونها أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه ، كالقلب في باطنه ، ولذلك قال : تطلع على الأفئدة ولكونها مجمع الحواس التي خلقت لإدراك الحق . وقد أعرضوا عنه ، ولم يستعملوها في تدبره . كما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة ومحل المعرفة ، قد ملؤوها بالجهالات . أفاده الزمخشري وأبو السعود .
القول في تأويل قوله تعالى :

[51] ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب .

ليجزي الله كل نفس ما كسبت الجار متعلق بمحذوف . أي : يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي ، إلخ . و (النفس) مخصوصة بالنفس المجرمة بقرينة المقام . أو عام للبرة والفاجرة . وعليه فيجوز تعلقه بقوله : وبرزوا وما بينهما اعتراض أو بـ (ترى ) : إن الله سريع الحساب أي : محاسبة الخلائق يوم القيامة ; لأنه لا يشغله شأن عن شأن . وجميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم ، كقوله : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة أو المعنى : سريع حسابه ، أي : مجيئه كقوله : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون وقوله تعالى:
[ ص: 3744 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[52] هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب .

هذا إشارة إلى القرآن أو السورة وقوله : بلاغ للناس أي : كفاية لهم لما فيه من العظة والتذكير . وقوله : ولينذروا به أي : ليخوفوا وليوعظوا به عن الجرائم التي أخذ بها الأولون : وليعلموا أنما هو إله واحد أي : يستدلوا بما فيه من الحجج والدلائل على أنه لا إله إلا هو . وإنما قدم إنذارهم ; لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به ; دعتهم المخافة إلى النظر حتى يتوصلوا إلى التوحيد; لأن الخشية أم الخير كله؛ أفاده الزمخشري : وليذكر أولو الألباب أي : ليتعظ به ذوو العقول ، فيقبلوا على ما فيه نجاتهم وسعادتهم .
[ ص: 3745 ] سُورَةُ اَلْحِجْرِ

سُمِّيَتْ بِهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ اَلْحِجْرِ اَلْمُرْسَلِينَ ، إِلَى قَوْلِهِ: مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ اَلدَّالِّ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِمْ لِمُجَرَّدِ تَكْذِيبِ اَلرُّسُلِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ آيَاتِ اَللَّهِ، بِأَدْنَى وُجُوهِ اَلْمُؤَاخَذَةِ، مَعَ غَايَةِ تَحَصُّنِهِمْ. فَفِيهِ غَايَةُ تَعْظِيمِ اَلرُّسُلِ وَالْآيَاتِ. وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ اَلْقُرْآنِ: أَفَادَهُ الْمَهَايِمِيُّ. وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ.

[ ص: 3746 ] بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ

اَلْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :

[1] الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ .

الر تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ فِي مِثْلِهِ : تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ اَلْإِشَارَةُ إِلَى : الر لِأَنَّهُ اِسْمٌ لِلسُّورَةِ ، أَيْ : تِلْكَ اَلسُّورَةُ اَلْعَظِيمَةُ آيَاتُ اَلْكِتَابِ اَلْكَامِلِ وَآيَاتُ قُرْآنٍ عَظِيمِ اَلشَّأْنِ ، مُبَيِّنٍ لِلْحُكْمِ وَالْأَحْكَامِ وَلِسَبِيلِ اَلرُّشْدِ وَالْغَيِّ . مِنْ (أَبَانَ) اَلْمُتَعَدِّي . أَوِ اَلظَّاهِرُ مَعَانِيهِ أَوْ أَمْرُ إِعْجَازِهِ، وَكَوْنُهُ آيَةً قَاهِرَةً مِنْ (أَبَانَ) اَللَّازِمِ . أَوِ اَلْإِشَارَةُ إِلَى آيَاتِ اَلسُّورَةِ، أَوْ إِلَى جَمِيعِ آيَاتِ اَلْقُرْآنِ. وَتَعْرِيفُ اَلْكِتَابِ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ ، كَتَنْكِيرِ ( قُرْآنٍ) . وَقَوْلُهُ :
القول في تأويل قوله تعالى :

[2] ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .

ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بظهور دينه . وأنه سوف يأتي أيام يتمنى الكافرون بها أن لو سبق لهم الإسلام فكانوا من السابقين; لما يرون من إعلاء كلمة الدين وظهوره على رغم الملحدين ; لأن من تأخر إسلامه منهم ، وإن ناله من الفضل ما وعد به الحسنى ، ولكن لا يلحق السابقين : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة وفيه تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم على الصدع بالدعوة والصبر عليها ; لما أن العاقبة له . وإنما جيء بصيغة التقليل جريا على مذهب العرب في قولهم : لعلك ستندم على فعلك ، ترفعا واستغناء عن التصريح بالغرض بناء على ادعاء ظهوره .

[ ص: 3747 ]
القول في تأويل قوله تعالى:

[3] ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون .

ذرهم يأكلوا ويتمتعوا أي: بدنياهم وتنفيذ شهواتهم : ويلههم الأمل أي : يشغلهم عن التوبة والتذكير ، أمل استقامة الحال . وأن لا يلقوا إلا خيرا في المآل : فسوف يعلمون أي : لمن تكون له العقبى .

قال الزمخشري : فيه تنبيه .
ثم بين تعالى سر تأخير عذابهم بقوله :

القول في تأويل قوله تعالى :

[4] وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم .

وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم أي : أجل مقدر ليتأمل في أسباب الهلاك ليتخلص عنها ، وذلك بما قام من الحجة عليها ، بتقدم الإنذار وتكرره على سمعهم .
القول في تأويل قوله تعالى :

[5] ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون .

ما تسبق من أمة أجلها أي : لا تهلك قبله : وما يستأخرون أي : عنه ; للزوم الحجة وارتفاع الأعذار. ثم أخبر تعالى عن عتوهم في كفرهم بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :

[6] وقالوا يا أيها الذي نـزل عليه الذكر إنك لمجنون .

وقالوا يا أيها الذي نـزل عليه الذكر إنك لمجنون أي : يا أيها المدعي ذلك ! إنك لمجنون في دعائك إيانا إلى اتباعك ، وترك ما وجدنا عليه آباءنا . أو في دعواك تنزيل الذكر . أو نادوه بذلك استهزاء وتهكما . أو هو من كلامه تعالى تبرئة له عما نسبوه إليه من أول الأمر .

[ ص: 3748 ]
القول في تأويل قوله تعالى :

[7-8] لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننـزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين .

لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين أي : هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك على إنذارك كقوله : لولا أنـزل إليه ملك فيكون معه نذيرا وقول فرعون : فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين

ثم أشار إلى جواب مقالهم ، ورد مقترحهم بقوله تعالى : ما ننـزل الملائكة أي : عليهم فيأتونهم ويشاهدونهم : إلا بالحق أي : الحكمة التي جرت بها السنة الإلهية ، وهو العذاب : وما كانوا إذا منظرين أي : مؤخرين . كقوله تعالى : وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنـزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا

ثم أشار إلى رد إنكارهم التنزيل مع تسلية وبشارة عظيمة ، بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :

[9] إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون .

إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون أي : من كل من بغى له كيدا . فلا يزال نور ذكره يسري ، وبحر هداه يجري ، وظلال حقيته في علومه تمتد على الآفاق ، [ ص: 3749 ] ودعائم أصوله الثابتة تطاول السبع الطباق ، رغما عن كيد الكائدين ، وإفساد المفسدين : يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون وفي إيراد الجملة الثانية اسمية ; دلالة على دوام الحفظ .
القول في تأويل قوله تعالى :

[10-11] ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون .

ولقد أرسلنا أي : رسلا : من قبلك في شيع الأولين أي : فرقهم وطوائفهم . جمع ( شيعة) وهي الفرقة المتفقة على مذهب وطريقة. و الأولين نعت لمحذوف . أي : الأمم . أو الكلام من إضافة الصفة للموصوف .

وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون أي : كما يفعله هؤلاء المشركون .
القول في تأويل قوله تعالى :

[12-13] كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين .

كذلك نسلكه أي : الذكر المنزل : في قلوب المجرمين أي : الكافرين. وقوله : لا يؤمنون به أي: بالذكر حال من ضمير ( نسلكه ) أي : مكذبا مستهزأ به غير مقبول .

قال الزمخشري : كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت : كذلك أنزلها باللئام . تعني مثل هذا الإنزال أنزلها بهم ، مردودة غير مقضية. وقيل: الجملة بيان لما قبلها. وجوز في ضمير (نسلكه ) أن يعود إلى الاستهزاء والتكذيب المعلوم. وقوله تعالى: [ ص: 3750 ] وقد خلت سنة الأولين استئناف جيء به تكملة للتسلية ، وتصريحا بالوعيد والتهديد . أي : قد مضت السنة فيهم من هلاكهم ، وزهوق باطلهم ، ونصر الرسل وغلبة جنود المؤمنين عليهم واستعمارهم ديارهم ،
ثم بين تعالى أنهم لا يتركون الاستهزاء بالرسل وإن أتتهم الآيات التي تشبه الملجئة لقوة عنادهم وبغيهم ، بقوله تعالى :

القول في تأويل قوله تعالى :

[14-15] ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون .

ولو فتحنا عليهم أي : على هؤلاء المستهزئين : بابا من السماء فظلوا أي : فصاروا طول نهارهم : فيه يعرجون أي : يصعدون مستوضحين لما يرونه فيها من العجائب .

لقالوا إنما سكرت أبصارنا أي : حيرت أو حبست من الإبصار ، وما نراه شيء نتخايله لا حقيقة له : بل نحن قوم مسحورون



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]