عرض مشاركة واحدة
  #432  
قديم 03-05-2023, 04:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,123
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (432)
صــ 217إلى صــ 231


7843 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "والكاظمين الغيظ " إلى "والله يحب المحسنين " ، ف " والكاظمين الغيظ " كقوله : ( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) [ ص: 217 ] [ سورة الشورى : 37 ] ، يغضبون في الأمر لو وقعوا به كان حراما ، فيغفرون ويعفون ، يلتمسون بذلك وجه الله "والعافين عن الناس " كقوله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) [ سورة النور : 22 ] ، يقول : لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة شيئا واعفوا واصفحوا .
القول في تأويل قوله ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ( 135 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أن الجنة التي وصف صفتها أعدت للمتقين ، المنفقين في السراء والضراء ، والذين إذا فعلوا فاحشة . وجميع هذه النعوت من صفة "المتقين " ، الذين قال تعالى ذكره : " وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " ، كما : -

7844 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت البناني قال : سمعت الحسن قرأ هذه الآية : "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " ، ثم قرأ : "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " إلى "أجر العاملين " ، فقال : إن هذين النعتين لنعت رجل واحد .

7845 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، قال : هذان ذنبان ، "الفاحشة " ، ذنب ، "وظلموا أنفسهم " ذنب . [ ص: 218 ]

وأما "الفاحشة " ، فهي صفة لمتروك ، ومعنى الكلام : والذين إذا فعلوا فعلة فاحشة .

ومعنى "الفاحشة " ، الفعلة القبيحة الخارجة عما أذن الله عز وجل فيه . وأصل "الفحش " : القبح ، والخروج عن الحد والمقدار في كل شيء . ومنه قيل للطويل المفرط الطول : "إنه لفاحش الطول " ، يراد به : قبيح الطول ، خارج عن المقدار المستحسن . ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد : "كلام فاحش " ، وقيل للمتكلم به : "أفحش في كلامه " ، إذا نطق بفحش .

وقيل : إن "الفاحشة " في هذا الموضع ، معني بها الزنا .

ذكر من قال ذلك :

7846 - حدثنا العباس بن عبد العظيم قال : حدثنا حبان قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن جابر : "والذين إذا فعلوا فاحشة " ، قال : زنى القوم ورب الكعبة .

7847 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أما "الفاحشة " ، فالزنا .

وقوله : " أو ظلموا أنفسهم " ، يعني به : فعلوا بأنفسهم غير الذي كان ينبغي لهم أن يفعلوا بها . والذي فعلوا من ذلك ، ركوبهم من معصية الله ما أوجبوا لها به عقوبته ، كما : -

7848 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قوله : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، قال : الظلم من الفاحشة ، والفاحشة من الظلم . [ ص: 219 ]

وقوله : "ذكروا الله " ، يعني بذلك : ذكروا وعيد الله على ما أتوا من معصيتهم إياه " فاستغفروا لذنوبهم " ، يقول : فسألوا ربهم أن يستر عليهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة عليها " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، يقول : وهل يغفر الذنوب - أي يعفو عن راكبها فيسترها عليه - إلا الله " ولم يصروا على ما فعلوا " ، يقول : ولم يقيموا على ذنوبهم التي أتوها ، ومعصيتهم التي ركبوها " وهم يعلمون " ، يقول : لم يقيموا على ذنوبهم عامدين للمقام عليها ، وهم يعلمون أن الله قد تقدم بالنهي عنها ، وأوعد عليها العقوبة من ركبها .

وذكر أن هذه الآية أنزلت خصوصا بتخفيفها ويسرها أمتنا ، مما كانت بنو إسرائيل ممتحنة به من عظيم البلاء في ذنوبها .

7849 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبى رباح : أنهم قالوا : يا نبي الله ، بنو إسرائيل أكرم على الله منا! كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه : "اجدع أذنك " ، "اجدع أنفك " ، "افعل "! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " إلى قوله : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بخير من ذلك " ؟ فقرأ هؤلاء الآيات .

7850 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني عمر بن أبي خليفة العبدي قال : حدثنا علي بن زيد بن جدعان قال : قال ابن مسعود : كانت [ ص: 220 ] بنو إسرائيل إذا أذنبوا أصبح مكتوبا على بابه الذنب وكفارته ، فأعطينا خيرا من ذلك ، هذه الآية .

7851 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت البناني قال : لما نزلت : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه " ، بكى إبليس فزعا من هذه الآية .

7852 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني قال : بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، بكى .

7853 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عثمان مولى آل أبي عقيل الثقفي قال : سمعت علي بن ربيعة يحدث ، عن رجل من فزارة يقال له أسماء - : وابن أسماء - ، عن علي قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا نفعني الله بما شاء أن ينفعني [ منه ] ، فحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما من عبد - قال شعبة : وأحسبه قال : مسلم - يذنب ذنبا ، ثم يتوضأ ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب [ إلا غفر له ] وقال شعبة : وقرأ إحدى هاتين الآيتين : ( من يعمل سوءا يجز به ) ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) . [ ص: 221 ]

7854 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي وحدثنا الفضل بن إسحاق قال : حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن علي بن ربيعة الوالبي ، عن أسماء بن الحكم الفزاري ، عن علي بن أبي طالب قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته . وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من رجل يذنب ذنبا ثم يتوضأ ، ثم يصلي قال أحدهما : ركعتين ، وقال الآخر : "ثم يصلي ويستغفر الله ، إلا غفر له " . [ ص: 222 ]

7855 - حدثنا الزبير بن بكار قال : حدثني سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أخيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب أنه قال : ما حدثني أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سألته أن يقسم لي بالله لهو سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أبا بكر ، فإنه كان لا يكذب . قال علي رضي الله عنه : فحدثني أبو بكر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من عبد يذنب ذنبا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتوضأ ، ثم يصلي ركعتين ، ويستغفر الله من ذنبه ذلك ، إلا غفره الله له .

وأما قوله " ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " ، فإنه كما بينا تأويله .

وبنحو ذلك كان أهل التأويل يقولون :

7856 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أي إن أتوا فاحشة "أو ظلموا أنفسهم " بمعصية ، [ ص: 223 ] ذكروا نهي الله عنها ، وما حرم الله عليهم ، فاستغفروا لها ، وعرفوا أنه لا يغفر الذنوب إلا هو .

وأما قوله : " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، فإن اسم "الله " مرفوع ولا جحد قبله ، وإنما يرفع ما بعد "إلا " بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد ، كقول القائل : "ما في الدار أحد إلا أخوك " . فأما إذا قيل : "قام القوم إلا أباك " ، فإن وجه الكلام في "الأب " النصب . و "من " بصلته في قوله : " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، معرفة . فإن ذلك إنما جاء رفعا ، لأن معنى الكلام : وهل يغفر الذنوب أحد أو : ما يغفر الذنوب أحد إلا الله . فرفع ما بعد "إلا " من [ اسم ] الله ، على تأويل الكلام لا على لفظه .

وأما قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "; فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويل "الإصرار " ، ومعنى هذه الكلمة .

فقال بعضهم : معنى ذلك : لم يثبتوا على ما أتوا من الذنوب ولم يقيموا عليه ، ولكنهم تابوا واستغفروا ، كما وصفهم الله به .

ذكر من قال ذلك :

7857 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، فإياكم والإصرار ، فإنما هلك المصرون ، الماضون قدما ، لا تنهاهم مخافة الله عن حرام حرمه الله عليهم ، ولا يتوبون من ذنب أصابوه ، حتى أتاهم الموت وهم على ذلك . [ ص: 224 ]

7858 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ؟ قال : قدما قدما في معاصي الله!! لا تنهاهم مخافة الله ، حتى جاءهم أمر الله .

7859 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، أي : لم يقيموا على معصيتي ، كفعل من أشرك بي ، فيما عملوا به من كفر بي .

وقال آخرون : معنى ذلك : لم يواقعوا الذنب إذا هموا به .

ذكر من قال ذلك :

7860 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا " ، قال : إتيان العبد ذنبا إصرار ، حتى يتوب .

7861 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ولم يصروا على ما فعلوا " ، قال : لم يواقعوا .

وقال آخرون : معنى "الإصرار " ، السكوت على الذنب وترك الاستغفار .

ذكر من قال ذلك :

7862 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، أما "يصروا " فيسكتوا ولا يستغفروا . [ ص: 225 ]

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا ، قول من قال : "الإصرار " ، الإقامة على الذنب عامدا ، وترك التوبة منه . ولا معنى لقول من قال : "الإصرار على الذنب هو مواقعته " ، لأن الله عز وجل مدح بترك الإصرار على الذنب مواقع الذنب ، فقال : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، ولو كان المواقع الذنب مصرا بمواقعته إياه ، لم يكن للاستغفار وجه مفهوم . لأن الاستغفار من الذنب إنما هو التوبة منه والندم ، ولا يعرف للاستغفار من ذنب لم يواقعه صاحبه ، وجه .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة " .

7863 - حدثني بذلك الحسين بن يزيد السبيعي قال : حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن عثمان بن واقد ، عن أبي نصيرة ، عن مولى لأبي بكر ، عن أبي بكر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 226 ]

فلو كان مواقع الذنب مصرا ، لم يكن لقوله "ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة " ، معنى لأن مواقعة الذنب إذا كانت هي الإصرار ، فلا يزيل الاسم الذي لزمه معنى غيره ، كما لا يزيل عن الزاني اسم "زان " وعن القاتل اسم "قاتل " ، توبته منه ، ولا معنى غيرها . وقد أبان هذا الخبر أن المستغفر من ذنبه غير مصر عليه ، فمعلوم بذلك أن "الإصرار " غير المواقعة ، وأنه المقام عليه ، على ما قلنا قبل .

واختلف أهل التأويل ، في تأويل قوله : " وهم يعلمون " .

فقال بعضهم : معناه : وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا .

ذكر من قال ذلك :

7864 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما "وهم يعلمون " ، فيعلمون أنهم قد أذنبوا ، ثم أقاموا فلم يستغفروا .

وقال آخرون : معنى ذلك : وهم يعلمون أن الذي أتوا معصية لله .

ذكر من قال ذلك :

7865 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "وهم يعلمون " ، قال : يعلمون ما حرمت عليهم من عبادة غيري .

قال أبو جعفر : وقد تقدم بياننا أولى ذلك بالصواب . [ ص: 227 ]
القول في تأويل قوله ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ( 136 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أولئك " ، الذين ذكر أنه أعد لهم الجنة التي عرضها السماوات والأرض ، من المتقين ، ووصفهم بما وصفهم به . ثم قال : هؤلاء الذين هذه صفتهم "جزاؤهم " ، يعني ثوابهم من أعمالهم التي وصفهم تعالى ذكره أنهم عملوها ، "مغفرة من ربهم " ، يقول : عفو لهم من الله عن عقوبتهم على ما سلف من ذنوبهم ، ولهم على ما أطاعوا الله فيه من أعمالهم بالحسن منها "جنات " ، وهي البساتين "تجري من تحتها الأنهار " ، يقول : تجري خلال أشجارها الأنهار وفي أسافلها ، جزاء لهم على صالح أعمالهم "خالدين فيها " يعني : دائمي المقام في هذه الجنات التي وصفها "ونعم أجر العاملين " ، يعني : ونعم جزاء العاملين لله ، الجنات التي وصفها ، كما : -

7866 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين " ، أي ثواب المطيعين .
[ ص: 228 ] القول في تأويل قوله ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( 137 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " قد خلت من قبلكم سنن " ، مضت وسلفت مني فيمن كان قبلكم ، يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به ، من نحو قوم عاد وثمود وقوم هود وقوم لوط ، وغيرهم من سلاف الأمم قبلكم "سنن " ، يعني : مثلات سير بها فيهم وفيمن كذبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم ، بإمهالي أهل التكذيب بهم ، واستدراجي إياهم ، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم ، ثم أحللت بهم عقوبتي ، وأنزلت بساحتهم نقمي ، فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرا " فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول : فسيروا - أيها الظانون ، أن إدالتي من أدلت من أهل الشرك يوم أحد على محمد وأصحابه ، لغير استدراج مني لمن أشرك بي ، وكفر برسلي ، وخالف أمري - في ديار الأمم الذين كانوا قبلكم ، ممن كان على مثل الذي عليه هؤلاء المكذبون برسولي والجاحدون وحدانيتي ، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي ، وما الذي آل إليه غب خلافهم أمري ، وإنكارهم وحدانيتي ، فتعلموا عند ذلك أن إدالتي من أدلت من المشركين على نبيي محمد وأصحابه بأحد ، إنما هي استدراج وإمهال ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم . [ ص: 229 ] ثم إما أن يؤول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم : من تعجيل العقوبة عليهم ، أو ينيبوا إلى طاعتي واتباع رسولي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7867 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، فقال : ألم تسيروا في الأرض فتنظروا كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح ، والأمم التي عذب الله عز وجل ؟

7868 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن " ، يقول : في الكفار والمؤمنين ، والخير والشر .

7869 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قد خلت من قبلكم سنن " ، في المؤمنين والكفار .

7870 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : استقبل ذكر المصيبة التي نزلت بهم يعني بالمسلمين يوم أحد والبلاء الذي أصابهم ، والتمحيص لما كان فيهم ، واتخاذه الشهداء منهم ، فقال تعزية لهم وتعريفا لهم فيما صنعوا ، وما هو صانع بهم : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، أي : قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي : عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ، فسيروا في الأرض تروا مثلات قد مضت فيهم ، ولمن كان على مثل ما هم عليه من ذلك [ ص: 230 ] مني ، وإن أمليت لهم ، أي : لئلا تظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوي ، للدولة التي أدلتها‌‌ عليكم بها ، لأبتليكم بذلك ، لأعلم ما عندكم .

7871 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول : متعهم في الدنيا قليلا ثم صيرهم إلى النار .

قال أبو جعفر : وأما "السنن " فإنها جمع "سنة " ، "والسنة " ، هي المثال المتبع ، والإمام المؤتم به . يقال منه : "سن فلان فينا سنة حسنة ، وسن سنة سيئة " ، إذا عمل عملا اتبع عليه من خير وشر ، ومنه قول لبيد بن ربيعة :


من معشر سنت لهم آباؤهم ، ولكل قوم سنة وإمامها


[ ص: 231 ]

وقول سليمان بن قتة :


وإن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا


وقال ابن زيد في ذلك ما : -

7872 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن " ، قال : أمثال .
القول في تأويل قوله عز وجل ( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ( 138 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه ب "هذا " .

فقال بعضهم : عنى بقوله "هذا " ، القرآن .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]