عرض مشاركة واحدة
  #434  
قديم 03-05-2023, 04:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (434)
صــ 246إلى صــ 261





وقوله : " ويعلم الصابرين " ، يعني : الصابرين عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من جرح وألم ومكروه . كما : - [ ص: 247 ]

7929 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " وتصيبوا من ثوابي الكرامة ، ولم أختبركم بالشدة ، وأبتليكم بالمكاره ، حتى أعلم صدق ذلك منكم الإيمان بي ، والصبر على ما أصابكم في .

ونصب " ويعلم الصابرين " ، على الصرف . و "الصرف " ، أن يجتمع فعلان ببعض حروف النسق ، وفي أوله ما لا يحسن إعادته مع حرف النسق ، فينصب الذي بعد حرف العطف على الصرف ، لأنه مصروف عن معنى الأول ، ولكن يكون مع جحد أو استفهام أو نهي في أول الكلام . وذلك كقولهم : "لا يسعني شيء ويضيق عنك " ، لأن "لا " التي مع "يسعني " لا يحسن إعادتها مع قوله : "ويضيق عنك " ، فلذلك نصب . .

والقرأة في هذا الحرف على النصب .

وقد روي عن الحسن أنه كان يقرأ : ( ويعلم الصابرين ) ، فيكسر "الميم " من "يعلم " ، لأنه كان ينوي جزمها على العطف به على قوله : " ولما يعلم الله " .
[ ص: 248 ] القول في تأويل قوله ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ( 143 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ولقد كنتم تمنون الموت " ، ولقد كنتم ، يا معشر أصحاب محمد " تمنون الموت " ، يعني أسباب الموت ، وذلك : القتال "فقد رأيتموه " ، فقد رأيتم ما كنتم تمنونه - و "الهاء " في قوله "رأيتموه " عائدة على "الموت " ، والمعنى : [ القتال ] "وأنتم تنظرون " ، يعني : قد رأيتموه بمرأى منكم ومنظر ، أي بقرب منكم .

وكان بعض أهل العربية يزعم أنه قيل : " وأنتم تنظرون " ، على وجه التوكيد للكلام ، كما يقال : "رأيته عيانا " و "رأيته بعيني ، وسمعته بأذني " .

قال أبو جعفر : وإنما قيل : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، لأن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يشهد بدرا ، كانوا يتمنون قبل أحد يوما مثل يوم بدر ، فيبلوا الله من أنفسهم خيرا ، وينالوا من الأجر مثل ما نال أهل بدر . فلما كان يوم أحد فر بعضهم ، وصبر بعضهم حتى أوفى بما كان عاهد الله قبل ذلك ، فعاتب الله من فر منهم فقال : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، الآية ، وأثنى على الصابرين منهم والموفين بعهدهم .

ذكر الأخبار بما ذكرنا من ذلك :

7930 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، قال : غاب رجال عن بدر ، فكانوا [ ص: 249 ] يتمنون مثل يوم بدر أن يلقوه ، فيصيبوا من الخير والأجر مثل ما أصاب أهل بدر . فلما كان يوم أحد ، ولى من ولى منهم ، فعاتبهم الله أو : فعابهم ، أو : فعيبهم على ذلك . شك أبو عاصم .

7931 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه - إلا أنه قال : "فعاتبهم الله على ذلك " ، ولم يشك .

7932 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أناس من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطى الله أهل بدر من الفضل والشرف والأجر ، فكان يتمنون أن يرزقوا قتالا فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى كان في ناحية المدينة يوم أحد ، فقال الله عز وجل كما تسمعون : "ولقد كنتم تمنون الموت " ، حتى بلغ "الشاكرين " .

7933 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، قال : كانوا يتمنون أن يلقوا المشركين فيقاتلوهم ، فلما لقوهم يوم أحد ولوا .

7934 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : إن أناسا من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطاهم الله من الفضل ، فكانوا يتمنون أن يروا قتالا فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى كان بناحية المدينة يوم أحد ، فأنزل الله عز وجل : "ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، الآية .

7935 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا هوذة قال : حدثنا عوف ، [ ص: 250 ] عن الحسن قال : بلغني أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : "لإن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم لنفعلن ولنفعلن " ، فابتلوا بذلك ، فلا والله ما كلهم صدق الله ، فأنزل الله عز وجل . " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " .

7936 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهدوا بدرا ، فلما رأوا فضيلة أهل بدر قالوا : "اللهم إنا نسألك أن ترينا يوما كيوم بدر نبليك فيه خيرا "! فرأوا أحدا ، فقال لهم : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " .

7937 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أي : لقد كنتم تمنون الشهادة على الذي أنتم عليه من الحق قبل أن تلقوا عدوكم يعني الذين استنهضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على خروجه بهم إلى عدوهم ، لما فاتهم من الحضور في اليوم الذي كان قبله ببدر ، رغبة في الشهادة التي قد فاتتهم به . يقول : " فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أي : الموت بالسيوف في أيدي الرجال ، قد خلى بينكم وبينهم ، وأنتم تنظرون إليهم ، فصددتم عنهم .
[ ص: 251 ]

القول في تأويل قوله ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ( 144 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه ، داعيا إلى الله وإلى طاعته ، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه . يقول جل ثناؤه : فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو فيما الله به صانع من قبضه إليه عند انقضاء مدة أجله ، كسائر رسله إلى خلقه الذين مضوا قبله ، وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم .

ثم قال لأصحاب محمد ، معاتبهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحد : "إن محمدا قتل " ، ومقبحا إليهم انصراف من انصرف منهم عن عدوهم وانهزامه عنهم : أفإن مات محمد ، أيها القوم ، لانقضاء مدة أجله ، أو قتله عدو "انقلبتم على أعقابكم " ، يعني : ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله محمدا بالدعاء إليه ورجعتم عنه كفارا بالله بعد الإيمان به ، وبعد ما قد وضحت لكم صحة ما دعاكم محمد إليه ، وحقيقة ما جاءكم به من عند ربه "ومن ينقلب على عقبيه " ، يعني بذلك : ومن يرتدد منكم عن دينه ويرجع كافرا بعد إيمانه ، [ ص: 252 ] "فلن يضر الله شيئا " يقول : فلن يوهن ذلك عزة الله ولا سلطانه ، ولا يدخل بذلك نقص في ملكه ، بل نفسه يضر بردته ، وحظ نفسه ينقص بكفره " وسيجزي الله الشاكرين " ، يقول : وسيثيب الله من شكره على توفيقه وهدايته إياه لدينه ، بثبوته على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إن هو مات أو قتل ، واستقامته على منهاجه ، وتمسكه بدينه وملته بعده . كما : -

7938 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي في قوله : "وسيجزي الله الشاكرين " ، الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه . فكان علي رضي الله عنه يقول : كان أبو بكر أمين الشاكرين ، وأمين أحباء الله ، وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله .

7939 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن العلاء بن بدر قال : إن أبا بكر أمين الشاكرين . وتلا هذه الآية : " وسيجزي الله الشاكرين " .

7940 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وسيجزي الله الشاكرين " ، أي : من أطاعه وعمل بأمره .

وذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن انهزم عنه بأحد من أصحابه . [ ص: 253 ]

ذكر الأخبار الواردة بذلك :

7941 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " إلى قوله : " وسيجزي الله الشاكرين " ، ذاكم يوم أحد ، حين أصابهم القرح والقتل ، ثم تناعوا نبي الله صلى الله عليه وسلم تفئة ذلك ، فقال أناس : "لو كان نبيا ما قتل "! وقال أناس من علية أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم : "قاتلوا على ما قاتل عليه محمد نبيكم حتى يفتح الله لكم أو تلحقوا به "! فقال الله عز وجل : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، يقول : إن مات نبيكم أو قتل ، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم .

7942 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بنحوه وزاد فيه ، قال الربيع : وذكر لنا والله أعلم ، أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان ، أشعرت أن محمدا قد قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل ، فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم . فأنزل الله عز وجل : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، يقول : ارتددتم كفارا بعد إيمانكم . [ ص: 254 ]

7943 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد إليهم - يعني : إلى المشركين - أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال : "لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم ، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم " . وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، أخا خوات بن جبير .

ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم ، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان . فلما رأى ذلك خالد بن الوليد ، وهو على خيل المشركين ، كر . فرمته الرماة فانقمع . فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه ، بادروا الغنيمة ، فقال بعضهم : "لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "! فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر . فلما رأى خالد قلة الرماة ، صاح في خيله ثم حمل ، فقتل الرماة وحمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل ، تنادوا ، فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم . .

فأتى ابن قميئة الحارثي - أحد بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة - فرمى [ ص: 255 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته ، وشجه في وجهه فأثقله ، وتفرق عنه أصحابه ، ودخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها . وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : "إلي عباد الله! إلي عباد الله! " ، فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه ، فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنيف . فحماه طلحة ، فرمي بسهم في يده فيبست يده .

وأقبل أبي بن خلف الجمحي - وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتله - فقال : يا كذاب ، أين تفر ؟ فحمل عليه ، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في جيب الدرع ، فجرح جرحا خفيفا ، فوقع يخور خوار الثور . فاحتملوه وقالوا : ليس بك جراحة! ، [ فما يجزعك ] ؟ قال : أليس قال : "لأقتلنك " ؟ لو كانت لجميع ربيعة ومضر لقتلتهم! ولم يلبث إلا يوما وبعض يوم حتى مات من ذلك الجرح .

وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فقال بعض أصحاب الصخرة : "ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي ، فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان !! يا قوم ، إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم " . قال أنس بن النضر : "يا قوم ، إن كان محمد قد قتل ، فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم إنى أعتذر إليك مما [ ص: 256 ] يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء "! ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل .

وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس ، حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة . فلما رأوه ، وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه ، فقال : "أنا رسول الله "! ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به . فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا .

فقال الله عز وجل للذين قالوا : إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " .

7944 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن ينقلب على عقبيه " ، قال : يرتد .

7945 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه : أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل! فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل ، فقد بلغ! فقاتلوا عن دينكم .

7946 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع ، أخو بني عدي بن النجار قال : انتهى [ ص: 257 ] أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر ، وطلحة بن عبد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمد رسول الله! قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله! واستقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سمي أنس بن مالك .

7947 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : نادى مناد يوم أحد حين هزم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : "ألا إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى دينكم الأول "! فأنزل الله عز وجل : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، الآية .

7948 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : ألقي في أفواه المسلمين يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فنزلت هذه الآية : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية .

7949 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة ، والناس يفرون ، ورجل قائم على الطريق يسألهم : "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم ، فيقولون : "والله ما ندري ما فعل "! فقال : "والذي نفسي بيده ، لإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، لنعطينهم بأيدينا ، إنهم لعشائرنا وإخواننا "! وقالوا : "إن محمدا إن كان حيا لم يهزم ، ولكنه قتل "! فترخصوا في الفرار حينئذ . فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، الآية كلها . [ ص: 258 ]

7950 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية ، ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق ، قالوا يوم فر الناس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وشج فوق حاجبه وكسرت رباعيته : "قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول "! فذلك قوله : "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " .

7951 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، قال : ما بينكم وبين أن تدعوا الإسلام وتنقلبوا على أعقابكم إلا أن يموت محمد أو يقتل! فسوف يكون أحد هذين : فسوف يموت ، أو يقتل .

7952 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، إلى قوله : " وسيجزي الله الشاكرين " ، أي : لقول الناس : "قتل محمد " ، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوهم أي : أفإن مات نبيكم أو قتل ، رجعتم عن دينكم كفارا كما كنتم ، وتركتم جهاد عدوكم وكتاب الله ، وما قد خلف نبيه من دينه معكم وعندكم ، وقد بين لكم فيما جاءكم عني أنه ميت ومفارقكم ؟ "ومن ينقلب على عقبيه " ، أي : يرجع عن دينه "فلن يضر الله شيئا " ، أي : لن ينقص ذلك من عز الله ولا ملكه ولا سلطانه .

7953 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : قال : أهل المرض والارتياب والنفاق ، حين فر الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم : "قد قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول "! فنزلت هذه الآية . [ ص: 259 ]

قال أبو جعفر : ومعنى الكلام : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفتنقلبون على أعقابكم ، إن مات محمد أو قتل ؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا فجعل الاستفهام في حرف الجزاء ، ومعناه أن يكون في جوابه . وكذلك كل استفهام دخل على جزاء ، فمعناه أن يكون في جوابه . لأن الجواب خبر يقوم بنفسه ، والجزاء شرط لذلك الخبر ، ثم يجزم جوابه وهو كذلك ومعناه الرفع ، لمجيئه بعد الجزاء ، كما قال الشاعر :


حلفت له إن تدلج الليل لا يزل أمامك بيت من بيوتي سائر


فمعنى "لا يزل " رفع ، ولكنه جزم لمجيئه بعد الجزاء ، فصار كالجواب . ومثله : ( أفإن مت فهم الخالدون ) [ سورة الأنبياء : 34 ] و ( فكيف تتقون إن كفرتم ) [ سورة المزمل : 17 ] ، ولو كان مكان "فهم الخالدون " ، "يخلدون " ، وقيل : "أفإن مت يخلدوا " ، جاز الرفع فيه والجزم . وكذلك لو كان مكان "انقلبتم " ، "تنقلبوا " ، جاز الرفع والجزم ، لما وصفت قبل . وتركت إعادة الاستفهام ثانية مع قوله : "انقلبتم " ، اكتفاء بالاستفهام في أول الكلام ، وأن الاستفهام في أوله دال على موضعه ومكانه .

وقد كان بعض القرأة يختار في قوله : ( أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون [ ص: 260 ] ) [ سورة الإسراء : 82 - سورة الصافات : 16 - سورة الواقعة : 47 ] ، ترك إعادة الاستفهام مع "أإنا " ، اكتفاء بالاستفهام في قوله : "أإذا كنا ترابا " ، ويستشهد على صحة وجه ذلك بإجماع القرأة على تركهم إعادة الاستفهام مع قوله : "انقلبتم " ، اكتفاء بالاستفهام في قوله : "أفإن مات " ، إذ كان دالا على معنى الكلام وموضع الاستفهام منه . وكان يفعل مثل ذلك في جميع القرآن .

وسنأتي على الصواب من القول في ذلك إن شاء الله إذا انتهينا إليه .
القول في تأويل قوله ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما يموت محمد ولا غيره من خلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لحياته وبقائه ، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه الله له ، وأذن له بالموت ، فحينئذ يموت . فأما قبل ذلك ، فلن يموت بكيد كائد ولا بحيلة محتال ، كما : -

7954 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " ، أي : إن لمحمد أجلا هو بالغه ، إذا أذن الله له في ذلك كان . [ ص: 261 ]

وقد قيل إن معنى ذلك : وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله .

وقد اختلف أهل العربية في معنى الناصب قوله : "كتابا مؤجلا " .

فقال بعض نحويي البصرة : هو توكيد ، ونصبه على : "كتب الله كتابا مؤجلا " . قال : وكذلك كل شيء في القرآن من قوله : ( حقا ) إنما هو : أحق ذلك حقا " . وكذلك : ( وعد الله ) ( رحمة من ربك ) ، ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) ( كتاب الله عليكم ) ، إنما هو : صنع الله هكذا صنعا . فهكذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا ، فإنه كثير .

وقال بعض نحويي الكوفة في قوله : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " ، معناه : كتب الله آجال النفوس ، ثم قيل : "كتابا مؤجلا " ، فأخرج قوله : "كتابا مؤجلا " ، نصبا من المعنى الذي في الكلام ، إذ كان قوله : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " ، قد أدى عن معنى : "كتب " ، قال : وكذلك سائر ما في القرآن من نظائر ذلك ، فهو على هذا النحو .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]