عرض مشاركة واحدة
  #440  
قديم 03-05-2023, 05:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (440)
صــ 337إلى صــ 351





[ ص: 337 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ( 157 ) )

قال أبو جعفر : يخاطب جل ثناؤه عباده المؤمنين ، يقول لهم : لا تكونوا ، أيها المؤمنون ، في شك من أن الأمور كلها بيد الله ، وأن إليه الإحياء والإماتة ، كما شك المنافقون في ذلك ، ولكن جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الله ، على يقين منكم بأنه لا يقتل في حرب ولا يموت في سفر إلا من بلغ أجله وحانت وفاته . ثم وعدهم على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمة ، وأخبرهم أن موتا في سبيل الله وقتلا في الله ، خير لهم مما يجمعون في الدنيا من حطامها ورغيد عيشها الذي من أجله يتثاقلون عن الجهاد في سبيل الله ، ويتأخرون عن لقاء العدو ، كما : -

8117 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، أي : إن الموت كائن لا بد منه ، فموت في سبيل الله أو قتل ، خير لو علموا فأيقنوا مما يجمعون في الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد ، تخوفا من الموت والقتل لما جمعوا من زهرة الدنيا ، وزهادة في الآخرة . .

قال أبو جعفر : وإنما قال الله عز وجل : " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، وابتدأ الكلام : "ولئن متم أو قتلتم" بحذف جواب"لئن" ، لأن في قوله : [ ص: 338 ] " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " معنى جواب للجزاء ، وذلك أنه وعد خرج مخرج الخبر .

فتأويل الكلام : ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ، ليغفرن الله لكم وليرحمنكم فدل على ذلك بقوله : " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، وجمع مع الدلالة به عليه ، الخبر عن فضل ذلك على ما يؤثرونه من الدنيا وما يجمعون فيها .

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة ، أنه إن قيل : كيف يكون : " لمغفرة من الله ورحمة " جوابا لقوله : " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم "؟ فإن الوجه فيه أن يقال فيه كأنه قال : ولئن متم أو قتلتم فذلك لكم رحمة من الله ومغفرة ، إذ كان ذلك في سبيلي ، فقال : "لمغفرة من الله ورحمة ، " يقول : لذلك خير مما تجمعون ، يعني : لتلك المغفرة والرحمة خير مما تجمعون .

ودخلت اللام في قوله : "لمغفرة من الله" ، لدخولها في قوله : و"لئن" ، كما قيل : ( ولئن نصروهم ليولن الأدبار ) [ سورة الحشر : 12 ]
[ ص: 339 ] القول في تأويل قوله ( ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ( 158 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولئن متم أو قتلتم ، أيها المؤمنون ، فإن إلى الله مرجعكم ومحشركم ، فيجازيكم بأعمالكم ، فآثروا ما يقربكم من الله ويوجب لكم رضاه ، ويقربكم من الجنة ، من الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته ، على الركون إلى الدنيا وما تجمعون فيها من حطامها الذي هو غير باق لكم ، بل هو زائل عنكم ، وعلى ترك طاعة الله والجهاد ، فإن ذلك يبعدكم عن ربكم ، ويوجب لكم سخطه ، ويقربكم من النار .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق :

8118 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولئن متم أو قتلتم " ، أي ذلك كان" لإلى الله تحشرون " ، أي : أن إلى الله المرجع ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا تغتروا بها ، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه منه ، آثر عندكم منها .

وأدخلت"اللام" في قوله : "لإلى الله تحشرون" ، لدخولها في قوله : "ولئن" . ولو كانت"اللام" مؤخرة إلى قوله : "تحشرون" ، لأحدثت"النون" الثقيلة فيه ، كما تقول في الكلام : "لئن أحسنت إلي لأحسنن إليك" بنون مثقلة . فكان كذلك قوله : ولئن متم أو قتلتم لتحشرن إلى الله ، ولكن لما حيل بين"اللام" وبين"تحشرون" بالصفة ، أدخلت في الصفة ، وسلمت"تحشرون" ، [ ص: 340 ] فلم تدخلها"النون" الثقيلة ، كما تقول في الكلام : "لئن أحسنت إلي لإليك أحسن" ، بغير"نون" مثقلة .
القول في تأويل قوله ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فبما رحمة من الله" ، فبرحمة من الله ، و"ما" صلة . وقد بينت وجه دخولها في الكلام في قوله : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) [ سورة البقرة : 26 ] . والعرب تجعل"ما" صلة في المعرفة والنكرة ، كما قال : ( فبما نقضهم ميثاقهم ) [ سورة النساء : 155\ سورة المائدة : 13 ] ، والمعنى : فبنقضهم ميثاقهم . وهذا في المعرفة . وقال في النكرة : ( عما قليل ليصبحن نادمين ) [ سورة المؤمنون : 40 ] ، والمعنى : عن قليل . وربما جعلت اسما وهي في مذهب صلة ، فيرفع ما بعدها أحيانا على وجه الصلة ، ويخفض على إتباع الصلة ما قبلها ، كما قال الشاعر :


فكفى بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمد إيانا


إذا جعلت غير صلة رفعت بإضمار"هو" ، وإن خفضت أتبعت"من" ، فأعربته . فذلك حكمه على ما وصفنا مع النكرات . [ ص: 341 ]

فأما إذا كانت الصلة معرفة ، كان الفصيح من الكلام الإتباع ، كما قيل : "فبما نقضهم ميثاقهم" ، والرفع جائز في العربية .

وبنحو ما قلنا في قوله : "فبما رحمة من الله لنت لهم" ، قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8119 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " فبما رحمة من الله لنت لهم " ، يقول : فبرحمة من الله لنت لهم .

وأما قوله : "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" ، فإنه يعني ب"الفظ" الجافي ، وب"الغليظ القلب" ، القاسي القلب ، غير ذي رحمة ولا رأفة . وكذلك كانت صفته صلى الله عليه وسلم ، كما وصفه الله به : ( بالمؤمنين رءوف رحيم ) [ سورة التوبة : 128 ] .

فتأويل الكلام : فبرحمة الله ، يا محمد ، ورأفته بك وبمن آمن بك من أصحابك"لنت لهم" ، لتباعك وأصحابك ، فسهلت لهم خلائقك ، وحسنت لهم أخلاقك ، حتى احتملت أذى من نالك منهم أذاه ، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمه ، وأغضيت عن كثير ممن لو جفوت به وأغلظت عليه لتركك ففارقك ولم يتبعك ولا ما بعثت به من الرحمة ، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم ، فبرحمة من الله لنت لهم . كما : -

8120 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، أي والله ، لطهره الله من الفظاظة والغلظة ، وجعله قريبا رحيما بالمؤمنين رءوفا وذكر لنا أن نعت محمد صلى [ ص: 342 ] الله عليه وسلم في التوراة : " ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح" .

8121 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بنحوه .

8122 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، قال : ذكر لينه لهم وصبره عليهم لضعفهم ، وقلة صبرهم على الغلظة لو كانت منه في كل ما خالفوا فيه مما افترض عليهم من طاعة نبيهم .

وأما قوله : "لانفضوا من حولك" ، فإنه يعني : لتفرقوا عنك . كما : -

8123 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : قوله : " لانفضوا من حولك " ، قال : انصرفوا عنك .

8124 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " لانفضوا من حولك " ، أي : لتركوك .
[ ص: 343 ] القول في تأويل قوله ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ( 159 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فاعف عنهم " ، فتجاوز ، يا محمد ، عن تباعك وأصحابك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي ، ما نالك من أذاهم ومكروه في نفسك" واستغفر لهم ، وادع ربك لهم بالمغفرة لما أتوا من جرم ، واستحقوا عليه عقوبة منه . كما : -

8125 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "فاعف عنهم" ، أي : فتجاوز عنهم"واستغفر لهم" ، ذنوب من قارف من أهل الإيمان منهم .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم ، وما المعنى الذي أمره أن يشاورهم فيه؟

فقال بعضهم : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : " وشاورهم في الأمر " ، بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب وعند لقاء العدو ، تطييبا منه بذلك أنفسهم ، وتألفا لهم على دينهم ، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم ، وإن كان الله عز وجل قد أغناه بتدبيره له أموره ، وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم .

ذكر من قال ذلك :

8126 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " ، [ ص: 344 ] أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء ، لأنه أطيب لأنفس القوم وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه الله ، عزم لهم على أرشده .

8127 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " وشاورهم في الأمر " ، قال : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء ، لأنه أطيب لأنفسهم .

8128 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وشاورهم في الأمر " ، أي : لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم ، وإن كنت عنهم غنيا ، تؤلفهم بذلك على دينهم .

وقال آخرون : بل أمره بذلك في ذلك . ليبين له الرأي وأصوب الأمور في التدبير ، لما علم في المشورة تعالى ذكره من الفضل .

ذكر من قال ذلك :

8129 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم قوله : " وشاورهم في الأمر " ، قال : ما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشورة ، إلا لما علم فيها من الفضل .

8130 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن إياس بن دغفل ، عن الحسن : ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم .

وقال آخرون : إنما أمره الله بمشاورة أصحابه فيما أمره بمشاورتهم فيه ، مع [ ص: 345 ] إغنائه بتقويمه إياه وتدبيره أسبابه عن آرائهم ، ليتبعه المؤمنون من بعده فيما حزبهم من أمر دينهم ، ويستنوا بسنته في ذلك ، ويحتذوا المثال الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورته في أموره مع المنزلة التي هو بها من الله أصحابه وتباعه في الأمر ينزل بهم من أمر دينهم ودنياهم ، فيتشاوروا بينهم ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملأهم . لأن المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متبعين الحق في ذلك ، لم يخلهم الله عز وجل من لطفه وتوفيقه للصواب من الرأي والقول فيه . قالوا : وذلك نظير قوله عز وجل الذي مدح به أهل الإيمان : ( وأمرهم شورى بينهم ) [ سورة الشورى : 38 ] .

ذكر من قال ذلك :

8131 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال : قال سفيان بن عيينة في قوله : " وشاورهم في الأمر " ، قال : هي للمؤمنين ، أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه ، تألفا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان وتعريفا منه أمته مأتى الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها ، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم ، فيتشاوروا فيما بينهم ، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله . فأما النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الله كان يعرفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك . وأما أمته ، فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك ، على تصادق وتآخ للحق ، وإرادة [ ص: 346 ] جميعهم للصواب ، من غير ميل إلى هوى ، ولا حيد عن هدى ، فالله مسددهم وموفقهم .

وأما قوله : "فإذا عزمت فتوكل على الله" ، فإنه يعني : فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك ، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك ، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به ، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك ، أو خالفها"وتوكل" ، فيما تأتي من أمورك وتدع ، وتحاول أو تزاول ، على ربك ، فثق به في كل ذلك ، وارض بقضائه في جميعه ، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم" فإن الله يحب المتوكلين " ، وهم الراضون بقضائه ، والمستسلمون لحكمه فيهم ، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه . كما : -

8132 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ""فإذا عزمت" ، أي : على أمر جاءك مني ، أو أمر من دينك في جهاد عدوك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك ، فامض على ما أمرت به ، على خلاف من خالفك وموافقة من وافقك و"توكل على الله" ، أي : ارض به من العباد"إن الله يحب المتوكلين " .

8133 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فإذا عزمت فتوكل على الله " ، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ، ويستقيم على أمر الله ، ويتوكل على الله .

8134 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " فإذا عزمت فتوكل على الله " ، الآية ، أمره الله إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل عليه .
[ ص: 347 ] القول في تأويل قوله ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 160 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : "إن ينصركم الله" ، أيها المؤمنون بالله ورسوله ، على من ناوأكم وعاداكم من أعدائه والكافرين به" فلا غالب لكم " من الناس ، يقول : فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد ، ولو اجتمع عليكم من بين أقطارها من خلقه ، فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عددهم ، ما كنتم على أمره واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله ، فإن الغلبة لكم والظفر ، دونهم" وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده " ، يعني : إن يخذلكم ربكم بخلافكم أمره وترككم طاعته وطاعة رسوله ، فيكلكم إلى أنفسكم"فمن ذا الذي ينصركم من بعده" ، يقول : فأيسوا من نصرة الناس ، فإنكم لا تجدون [ ناصرا ] من بعد خذلان الله إياكم إن خذلكم ، يقول : فلا تتركوا أمري وطاعتي وطاعة رسولي فتهلكوا بخذلاني إياكم" وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ، يعني : ولكن على ربكم ، أيها المؤمنون ، فتوكلوا دون سائر خلقه ، وبه فارضوا من جميع من دونه ، ولقضائه فاستسلموا ، وجاهدوا فيه أعداءه ، يكفكم بعونه ، ويمددكم بنصره . كما : -

8135 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : [ ص: 348 ] إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ، أي : إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس لن يضرك خذلان من خذلك ، وإن يخذلك فلن ينصرك الناس"فمن الذي ينصركم من بعده" ، أي : لا تترك أمري للناس ، وارفض [ أمر ] الناس لأمري ، وعلى الله ، [ لا على الناس ] ، فليتوكل المؤمنون .
القول في تأويل قوله ( وما كان لنبي أن يغل )

اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته جماعة من قرأة الحجاز والعراق : ( وما كان لنبي أن يغل ) ، بمعنى : أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم من أموال أعدائهم . واحتج بعض قارئي هذه القراءة : أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطيفة فقدت من مغانم القوم يوم بدر ، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم : "لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها!" ، ورووا في ذلك روايات ، فمنها ما : -

8136 - حدثنا به محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا خصيف قال : حدثنا مقسم قال : حدثني ابن عباس : أن هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " ، نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، قال : فقال بعض الناس : أخذها! قال : فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله عز وجل : "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" .

8137 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا [ ص: 349 ] خصيف قال : سألت سعيد بن جبير : كيف تقرأ هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " أو : "يغل"؟ قال : لا بل"يغل" ، فقد كان النبي والله يغل ويقتل .

8138 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس : " وما كان لنبي أن يغل " ، قال : كان ذلك في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر ، فقال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : "فلعل النبي أخذها"! فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " [ قال سعيد : بلى والله ، إن النبي ليغل ويقتل ] .

8139 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خلاد ، عن زهير ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت قطيفة فقدت يوم بدر ، فقالوا : "أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم!" . فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " . [ ص: 350 ]

8140 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مالك بن إسماعيل قال : حدثنا زهير قال : حدثنا خصيف ، عن سعيد بن جبير وعكرمة في قوله : "وما كان لنبي أن يغل" ، قالا يغل قال قال عكرمة أو غيره ، عن ابن عباس ، قال كانت قطيفة فقدت يوم بدر ، فقالوا : أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم"! قال : فأنزل الله هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " .

8141 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا قزعة بن سويد الباهلي ، عن حميد الأعرج ، عن سعيد بن جبير قال : نزلت هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " ، في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة .

8142 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن سليمان الأعمش قال : كان ابن مسعود يقرأ : ( وما كان لنبي أن يغل ) ، فقال ابن عباس : بلى ، ويقتل قال : فذكر ابن عباس أنه إنما كانت في قطيفة قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلها ، يوم بدر . فأنزل الله : " وما كان لنبي أن يغل " .

وقال آخرون ممن قرأ ذلك كذلك ، بفتح"الياء" وضم"الغين" : إنما نزلت هذه الآية في طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم في وجه ، ثم غنم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم ، يعلمه فيها أن فعله الذي فعله خطأ ، وأن الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطلائع مثل ما قسم لغيرهم ، ويعرفه الواجب عليه من الحكم فيما [ ص: 351 ] أفاء الله عليه من الغنائم ، وأنه ليس له أن يخص بشيء منها أحدا ممن شهد الوقعة - أو ممن كان ردءا لهم في غزوهم - دون أحد .

ذكر من قال ذلك :

8143 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " ، يقول : ما كان للنبي أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسم ، ولكن يقسم بالعدل ، ويأخذ فيه بأمر الله ، ويحكم فيه بما أنزل الله . يقول : ما كان الله ليجعل نبيا يغل من أصحابه ، فإذا فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استنوا به .

8144 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : أنه كان يقرأ : " ما كان لنبي أن يغل " ، قال : أن يعطي بعضا ، ويترك بعضا ، إذا أصاب مغنما .

8145 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع ، فغنم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " .

8146 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك : "ما كان لنبي أن يغل " ، يقول : ما كان لنبي أن يقسم لطائفة من أصحابه ويترك طائفة ، ولكن يعدل ويأخذ في ذلك بأمر الله عز وجل ، ويحكم فيه بما أنزل الله .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]