عرض مشاركة واحدة
  #448  
قديم 03-05-2023, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (448)
صــ 447إلى صــ 472




8317 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري في قوله : " ولتسمعن من الذين أوتو الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا " ، قال : هو كعب بن الأشرف ، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره ، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم . فانطلق إليه خمسة نفر من الأنصار ، فيهم محمد بن مسلمة ، ورجل [ ص: 457 ] يقال له أبو عبس . فأتوه وهو في مجلس قومه بالعوالي ، فلما رآهم ذعر منهم ، فأنكر شأنهم ، وقالوا : جئناك لحاجة! قال : فليدن إلي بعضكم فليحدثني بحاجته . فجاءه رجل منهم فقال : جئناك لنبيعك أدراعا عندنا لنستنفق بها . فقال : والله لئن فعلتم لقد جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل! فواعدوه أن يأتوه عشاء حين هدأ عنهم الناس ، فأتوه فنادوه ، فقالت امرأته : ما طرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب! قال : إنهم حدثوني بحديثهم وشأنهم .

قال معمر : فأخبرني أيوب ، عن عكرمة : أنه أشرف عليهم فكلمهم ، فقال : أترهنوني أبناءكم؟ وأرادوا أن يبيعهم تمرا . قال : فقالوا : إنا نستحيي أن تعير أبناؤنا فيقال : "هذا رهينة وسق ، وهذا رهينة وسقين"! فقال : أترهنوني نساءكم؟ قالوا : أنت أجمل الناس ، ولا نأمنك! وأي امرأة تمتنع منك لجمالك! ولكنا نرهنك سلاحنا ، فقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم . فقال : ائتوني بسلاحكم ، واحتملوا ما شئتم . قالوا : فانزل إلينا نأخذ عليك وتأخذ علينا . فذهب ينزل ، [ ص: 458 ] فتعلقت به امرأته وقالت : أرسل إلى أمثالهم من قومك يكونوا معك . قال : لو وجدني هؤلاء نائما ما أيقظوني! قالت : فكلمهم من فوق البيت ، فأبى عليها ، فنزل إليهم يفوح ريحه . قالوا : ما هذه الريح يا فلان؟ قال : هذا عطر أم فلان! امرأته . فدنا إليه بعضهم يشم رائحته ، ثم اعتنقه ، ثم قال : اقتلوا عدو الله! فطعنه أبو عبس في خاصرته ، وعلاه محمد بن مسلمة بالسيف ، فقتلوه ثم رجعوا . فأصبحت اليهود مذعورين ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قتل سيدنا غيلة! فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه ، وما كان يحض عليهم ، ويحرض في قتالهم ويؤذيهم ، ثم دعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم صلحا ، قال : فكان ذلك الكتاب مع علي رضوان الله عليه .
القول في تأويل قوله ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ( 187 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : واذكر أيضا من [ أمر ] هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم ، يا محمد ، إذ أخذ الله ميثاقهم ، ليبينن للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم على بيانه للناس في كتابهم الذي في أيديهم ، وهو التوراة والإنجيل ، وأنك لله رسول مرسل بالحق ، ولا يكتمونه" فنبذوه وراء ظهورهم " ، [ ص: 459 ] يقول : فتركوا أمر الله وضيعوه . ونقضوا ميثاقه الذي أخذ عليهم بذلك ، فكتموا أمرك ، وكذبوا بك" واشتروا به ثمنا قليلا " ، يقول : وابتاعوا بكتمانهم ما أخذ عليهم الميثاق أن لا يكتموه من أمر نبوتك ، عوضا منه خسيسا قليلا من عرض الدنيا ثم ذم جل ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك فقال : " فبئس ما يشترون " .

واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية .

فقال بعضهم : عني بها اليهود خاصة .

ذكر من قال ذلك :

8318 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه ، عن ابن عباس : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " إلى قوله : "عذاب أليم" ، يعني : فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار .

8319 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس مثله . [ ص: 460 ]

8320 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " ، كان أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ، وقال : ( اتبعوه لعلكم تهتدون ) [ سورة الأعراف : 158 ] فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم قال : ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ) [ سورة البقرة : 40 ] عاهدهم على ذلك ، فقال حين بعث محمدا : صدقوه ، وتلقون الذي أحببتم عندي .

8321 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " الآية ، قال : إن الله أخذ ميثاق اليهود ليبيننه للناس ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، ولا يكتمونه ، "فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا " .

8322 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين قال : سأل الحجاج بن يوسف جلساءه عن هذه الآية : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ، فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب" يهود ، "ليبيننه للناس" ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، "ولا يكتمونه فنبذوه" .

8323 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ، قال : وكان فيه إن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده ، وأن محمدا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

وقال آخرون : عني بذلك كل من أوتي علما بأمر الدين .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 461 ]

8324 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " الآية ، هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ، فمن علم شيئا فليعلمه ، وإياكم وكتمان العلم ، فإن كتمان العلم هلكة ، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به ، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين ، كان يقال : "مثل علم لا يقال به ، كمثل كنز لا ينفق منه ! ومثل حكمة لا تخرج ، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب" . وكان يقال : "طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع" . هذا رجل علم علما فعلمه وبذله ودعا إليه ، ورجل سمع خيرا فحفظه ووعاه وانتفع به .

8325 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة قال : جاء رجل إلى قوم في المسجد وفيه عبد الله بن مسعود فقال : إن أخاكم كعبا يقرئكم السلام ، ويبشركم أن هذه الآية ليست فيكم : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " . فقال له عبد الله : وأنت فأقره السلام وأخبره أنها نزلت وهو يهودي .

8326 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة بنحوه ، عن عبد الله وكعب .

وقال آخرون : معنى ذلك : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .

ذكر من قال ذلك :

8327 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان قال : حدثني يحيى بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرءون : وإذ أخذ ربك من الذين أوتوا الكتاب ميثاقهم ، قال : من النبيين على قومهم . [ ص: 462 ]

8328 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا قبيصة قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرءون : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ، ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) ، قال فقال : أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .

وأما قوله : " لتبيننه للناس " ، فإنه كما : -

8329 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثني أبي قال : حدثنا محمد بن ذكوان قال : حدثنا أبو نعامة السعدي قال : كان الحسن يفسر قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ، لتتكلمن بالحق ، ولتصدقنه بالعمل .

قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة ذلك :

فقرأه بعضهم : ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) بالتاء . وهي قراءة عظم قرأة أهل المدينة والكوفة ، على وجه المخاطب ، بمعنى : قال الله لهم : لتبيننه للناس ولا تكتمونه .

وقرأ ذلك آخرون : ليبيننه للناس ولا يكتمونه بالياء جميعا ، على وجه الخبر عن الغائب ، لأنهم في وقت إخبار الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم ، كانوا غير موجودين ، فصار الخبر عنهم كالخبر عن الغائب .

[ ص: 463 ]

قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان ، صحيحة وجوههما ، مستفيضتان في قرأة الإسلام ، غير مختلفتي المعاني ، فبأيتهما قرأ القارئ فقد أصاب الحق والصواب في ذلك . غير أن الأمر في ذلك وإن كان كذلك ، فإن أحب القراءتين إلي أن أقرأ بها : ( " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " ) ، بالياء جميعا ، استدلالا بقوله : "فنبذوه" ، إذ كان قد خرج مخرج الخبر عن الغائب على سبيل قوله : "فنبذوه" حتى يكون متسقا كله على معنى واحد ومثال واحد . ولو كان الأول بمعنى الخطاب ، لكان أن يقال : "فنبذتموه وراء ظهوركم" أولى ، من أن يقال : "فنبذوه وراء ظهورهم" .

وأما قوله : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، فإنه مثل لتضييعهم القيام بالميثاق وتركهم العمل به .

وقد بينا المعنى الذي من أجله قيل ذلك كذلك ، فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8330 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا يحيى بن أيوب البجلي ، عن الشعبي في قوله : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : إنهم قد كانوا يقرءونه ، إنما نبذوا العمل به .

8331 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن [ ص: 464 ] ابن جريج : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : نبذوا الميثاق .

8332 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا مالك بن مغول : قال : نبئت عن الشعبي في هذه الآية : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : قذفوه بين أيديهم ، وتركوا العمل به .

وأما قوله : " واشتروا به ثمنا قليلا " ، فإن معناه ما قلنا ، من أخذهم ما أخذوا على كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب ، كما : -

8333 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " واشتروا به ثمنا قليلا " ، أخذوا طمعا ، وكتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله : " فبئس ما يشترون " ، يقول : فبئس الشراء يشترون في تضييعهم الميثاق وتبديلهم الكتاب ، كما : -

8334 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فبئس ما يشترون " ، قال : تبديل اليهود التوراة .
[ ص: 465 ] القول في تأويل قوله ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ( 188 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : عني بذلك قوم من أهل النفاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا العدو ، فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا .

ذكر من قال ذلك :

8335 - حدثنا محمد بن سهل بن عسكر وابن عبد الرحيم البرقي قالا حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال : حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجالا من المنافقين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو ، تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله . وإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم من السفر اعتذروا إليه ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا . فأنزل الله تعالى فيهم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية .

8336 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : هؤلاء المنافقون ، يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : لو قد خرجت لخرجنا معك! فإذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم تخلفوا وكذبوا ، ويفرحون بذلك ، ويرون أنها حيلة احتالوا بها .

[ ص: 466 ]

وقال آخرون : عني بذلك قوم من أحبار اليهود ، كانوا يفرحون بإضلالهم الناس ، ونسبة الناس إياهم إلى العلم .

ذكر من قال ذلك :

8337 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس أو سعيد بن جبير : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " إلى قوله : "ولهم عذاب أليم" ، يعني فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار ، الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، أن يقول لهم الناس علماء ، وليسوا بأهل علم ، لم يحملوهم على هدى ولا خير ، ويحبون أن يقول لهم الناس : قد فعلوا .

8338 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه عن ابن عباس بنحو ذلك إلا أنه قال : وليسوا بأهل علم ، لم يحملوهم على هدى .

وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من اليهود ، فرحوا باجتماع كلمتهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم ، ويحبون أن يحمدوا بأن يقال لهم : أهل صلاة وصيام .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 467 ]

8339 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، فإنهم فرحوا باجتماعهم على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : "قد جمع الله كلمتنا ، ولم يخالف أحد منا أحدا [ أن محمدا ليس بنبي ] . وقالوا : "نحن أبناء الله وأحباؤه ، ونحن أهل الصلاة والصيام" ، وكذبوا ، بل هم أهل كفر وشرك وافتراء على الله ، قال الله : " يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " .

8340 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : كانت اليهود أمر بعضهم بعضا ، فكتب بعضهم إلى بعض : "أن محمدا ليس بنبي ، فأجمعوا كلمتكم ، وتمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم" ، ففعلوا وفرحوا بذلك ، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

8341 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي [ ص: 468 ] قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، ففرحوا بذلك ، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .

8342 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، وفرحوا بذلك حين اجتمعوا عليه ، وكانوا يزكون أنفسهم فيقولون : "نحن أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الزكاة ، ونحن على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم" ، فأنزل الله فيهم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، من كتمان محمد صلى الله عليه وسلم" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، أحبوا أن تحمدهم العرب ، بما يزكون به أنفسهم ، وليسوا كذلك .

8343 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين قال : سأل الحجاج جلساءه عن هذه الآية : " لا تحسبن الذي يفرحون بما أتوا " ، قال سعيد بن جبير : بكتمانهم محمدا " ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : هو قولهم : "نحن على دين إبراهيم عليه السلام" .

8344 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، هم أهل الكتاب ، أنزل عليهم الكتاب فحكموا بغير الحق ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وفرحوا بذلك ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا . فرحوا بأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله ، وهم يزعمون أنهم يعبدون الله ، ويصومون ويصلون ، ويطيعون الله . فقال الله جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، كفرا بالله وكفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، من الصلاة والصوم ، فقال الله جل وعز لمحمد صلى الله عليه وسلم : " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " . [ ص: 469 ]

وقال آخرون : بل معنى ذلك : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، من تبديلهم كتاب الله ، ويحبون أن يحمدهم الناس على ذلك .

ذكر من قال ذلك :

8345 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " ، قال : يهود ، فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه ، ولا تملك يهود ذلك .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنهم فرحوا بما أعطى الله تعالى آل إبراهيم عليه السلام .

ذكر من قال ذلك :

8346 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية : " ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : اليهود ، يفرحون بما آتى الله إبراهيم عليه السلام .

8347 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة عن أبي المعلى العطار ، عن سعيد بن جبير قال : هم اليهود ، فرحوا بما أعطى الله تعالى إبراهيم عليه السلام .

وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من اليهود ، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه ، ففرحوا بكتمانهم ذلك إياه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 470 ]

8348 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أن علقمة بن أبي وقاص أخبره : أن مروان قال لرافع : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : "لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا ، ليعذبنا الله أجمعين"! فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه! إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود ، فسألهم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استجابوا لله بما أخبروه عنه مما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه . ثم قال : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ، الآية .

8349 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن أبي مليكة : أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره : أن مروان بن الحكم قال لبوابه : يا رافع ، اذهب إلى ابن عباس فقل له : "لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا ، لنعذبن جميعا"! فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت في أهل الكتاب! ثم تلا ابن عباس : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " إلى قوله : " أن يحمدوا بما لم يفعلوا " . قال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما قد سألهم عنه ، فاستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه .

[ ص: 471 ]

وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من يهود ، أظهروا النفاق للنبي صلى الله عليه وسلم محبة منهم للحمد ، والله عالم منهم خلاف ذلك .

ذكر من قال ذلك :

8350 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن أعداء الله اليهود ، يهود خيبر ، أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به ، وأنهم متابعوه ، وهم متمسكون بضلالتهم ، وأرادوا أن يحمدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لم يفعلوا ، فأنزل الله تعالى : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، الآية .

8351 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : إن أهل خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا : "إنا على رأيكم وسنتكم ، وإنا لكم ردء" . فأكذبهم الله فقال : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآيتين .

8352 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : إن كعبا يقرأ عليك السلام ويقول : إن هذه الآية لم تنزل فيكم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " ، قال : أخبروه أنها نزلت وهو يهودي .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية ، قول من قال : "عني بذلك أهل الكتاب الذين أخبر [ ص: 472 ] الله جل وعز أنه أخذ ميثاقهم ، ليبينن للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يكتمونه ، لأن قوله : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية ، في سياق الخبر عنهم ، وهو شبيه بقصتهم مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك .

فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : لا تحسبن ، يا محمد ، الذين يفرحون بما أتوا من كتمانهم الناس أمرك ، وأنك لي رسول مرسل بالحق ، وهم يجدونك مكتوبا عندهم في كتبهم ، وقد أخذت عليهم الميثاق بالإقرار بنبوتك ، وبيان أمرك للناس ، وأن لا يكتموهم ذلك ، وهم مع نقضهم ميثاقي الذي أخذت عليهم بذلك ، يفرحون بمعصيتهم إياي في ذلك ، ومخالفتهم أمري ، ويحبون أن يحمدهم الناس بأنهم أهل طاعة لله وعبادة وصلاة وصوم ، واتباع لوحيه وتنزيله الذي أنزله على أنبيائه ، وهم من ذلك أبرياء أخلياء ، لتكذيبهم رسوله ، ونقضهم ميثاقه الذي أخذ عليهم ، لم يفعلوا شيئا مما يحبون أن يحمدهم الناس عليه" فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " .

وقوله : " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب " ، فلا تظنهم بمنجاة من عذاب الله الذي أعده لأعدائه في الدنيا ، من الخسف والمسخ والرجف والقتل ، وما أشبه ذلك من عقاب الله ، ولا هم ببعيد منه ، كما : -

8353 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب " ، قال : بمنجاة من العذاب .

قال أبو جعفر : "ولهم عذاب أليم" ، يقول : ولهم عذاب في الآخرة أيضا مؤلم ، مع الذي لهم في الدنيا معجل .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]