عرض مشاركة واحدة
  #305  
قديم 03-06-2023, 04:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,277
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»





الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ... ﴾



قال الله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 238، 239].

ذكر الله عز وجل في الآيات السابقة أحكام النكاح والطلاق والرجعة والخلع والرضاع، ونحو ذلك مما يتعلق بحقوق الخلق التي يجب مراعاتها فيما بينهم، ثم أتبع ذلك بالأمر بالمحافظة على الصلاة، وهي من حقوقه عز وجل التي بينه وبين العبد.

قوله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾.

سـبب النـزول:
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: «كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾، فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام»[1].

وفي رواية: «إن كنا نتكلم في الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ﴾، فأمرنا بالسكوت»[2].

لكن يشكل على هذا أن سورة البقرة كلها نزلت في المدينة، وتحريم الكلام في الصلاة كان بمكة، كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا نسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي، سلمنا عليه، فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، إنا كنا نسلم عليك فترد علينا؟ قال: إن في الصلاة شغلًا»[3].

وفي رواية قال عبدالله بن مسعود: «فلما قدمنا - يعني من الحبشة - سلمت عليه فلم يرد عليَّ، فأخذني ما قرب وما بعد، فلما سلم قال: «إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة، وإن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث، ألا تكلموا في الصلاة»[4].

وفي رواية فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله أحدث في الصلاة ألا تكلموا إلا بذكر الله، وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين»[5].

وعلى هذا فيحتمل أن زيد بن أرقم أراد بقوله: «يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة» الإخبار عن جنس الكلام، واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها[6].

ويحتمل أن المراد بقول ابن مسعود رضي الله عنه «فلما رجعنا من عند النجاشي» رجوعه من الهجرة الثانية إلى الحبشة أي: رجوعه الثاني الذي قدم بعده على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وهو يتجهز لغزوة بدر[7].

وقد يكون تحريم الكلام في الصلاة جاء في السنة- كما في حديث ابن مسعود، فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة كان بعضهم لم يبلغه التحريم[8]، فنزلت الآية[9].

قوله: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ﴾ الأمر للوجوب، والمحافظة على الصلاة: المواظبة والمداومة عليها، كما قال تعالى في وصف المؤمنين: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 9]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 34].

والصلاة في اللغة: الدعاء، قال تعالى: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].

والصلاة في الشرع: التعبد لله عز وجل بأقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم؛ أي: حافظوا على الصلوات الخمس: صلاة الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، بأدائها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها في أوقاتها المحددة لها، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].

وقال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]؛ أي: أدُّوها كاملة الشروط والأركان والواجبات والسنن.

وقال تعالى في مدح المؤمنين ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92].

وقال تعالى في الوعيد للساهين عنها الذين يؤخرونها عن وقتها: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5].

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»[10].

﴿ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ من عطف الخاص على العام؛ أي: وحافظوا على الصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارًا»[11].

وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الوسطى صلاة العصر»[12].

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر. ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارًا»، أو قال: «حشا الله أجوافهم وقبورهم نارًا»[13].

فهي الوسطى بين الصلوات وقتًا وفضلًا، فهي من حيث الوقت وسط بين صلاة النهار وصلاة الليل، وهي من حيث الفضل الفضلى بين الصلوات، أي: أفضل الصلوات، ولهذا خصها الله عز وجل بتأكيد المحافظة عليها - بعد الأمر بالمحافظة على جميع الصلوات؛ لعظم مكانتها فهي أفضل من صلاة الفجر، وهما أفضل الصلوات، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «من صلى البردين دخل الجنة»[14]؛ يعني الفجر والعصر.

وقال صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا»[15].

وقال صلى الله عليه وسلم: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»[16].

وعن بريدة رضي الله عنه قال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»[17].

وعن أبي بَصْرَة الغفاري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمُخَمَّصِ، فقال: «إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم»[18].

وقد روى أبو يونس مولى عائشة رضي الله عنها قال: «أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذِنِّي: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾، فلما بلغتها آذنتها، فأملت عليّ: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾، وصلاة العصر ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾، قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم»[19].

وهذا وما روي في معناه محمول على التفسير.

﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ القيام هنا يشمل القيام على القدمين في الصلاة وغيرها.

والقيام بمعنى الدوام والاستمرار على الشيء.

﴿ لله ﴾؛ أي مخلصين لله ذليلين له.

﴿ قَانِتِينَ ﴾: القنوت يطلق على دوام الطاعة؛ كما في قوله تعالى عن مريم عليها السلام: ﴿ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 12].

أي: وكانت من المطيعين لله عز وجل المستمرين على ذلك، وقال تعالى مخاطبًا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 31]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]