الموضوع: الكبائر
عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 16-07-2023, 09:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,552
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكبائر

الكبائر (21)

لبس الحرير والذهب للرجال

(موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- ومن الكبائر المهلكة (لبس الحرير والذهب للرجال): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لبسَ الحريرَ في الدُّنيا، لم يلبَسهُ في الآخِرةِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌حُرِّمَ ‌لِبَاسُ ‌الحَرِيرِ ‌وَالذَّهَبِ ‌عَلَى ‌ذُكُورِ ‌أُمَّتِي ‌وَأُحِلَّ ‌لِإِنَاثِهِمْ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

(1) أدلة تحريم الحرير والذهب على الرجال:

- عن حذيفة -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: "نَهَانَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا ‌وَعَنْ ‌لُبْسِ ‌الْحَرِيرِ ‌وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" (متفق عليه)، قال الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر: "مَن استحل لبس الحرير من الرجال فهو كافر".

- ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يد رجل خاتمًا مِن ذهب فنزعه، وقال: (يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلى جَمْرَةٍ مِن نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ) (رواه مسلم).

- صور من الاستعمال المحرم: (الخواتم والحلق - الساعات - الأنسيال - القلائد - ...).

(2) حكمة تحريم الحرير والذهب على الرجال:

- بداية المسلم مستسلم لأمر ربه ونهيه؛ سواء ظهرت له الحكمة أو لم تظهر(1): (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور: 51)، وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: 36).

- أما حكمه التحريم، فأقرب الأقوال في ذلك: "بِأَنَّهُ خُلِقَ فِي الْأَصْلِ لِلنِّسَاءِ كَالْحِلْيَةِ بِالذَّهَبِ، فَحَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَفْسَدَةِ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ مِنَ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْعُجْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ بِمُلَامَسَتِهِ لِلْبَدَنِ مِنَ الْأُنُوثَةِ وَالتَّخَنُّثِ، وَضِدُّ الشَّهَامَةِ وَالرُّجُولَةِ) (زاد المعاد).

فوائد في مسائل:

- من عظيم محاسن الشريعة، أنها جعلت تيسيرًا في الأحكام عند الأعذار: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، (مَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: 137).

- يجوز استعمال الذهب بديلًا عن السن والأنف إذا دعت الضرورة: عن عبد الرحمن بن طرفة أنَّ جده عرفجةَ بنَ أسعدَ، "أنَّه قُطِع أنفُه يومَ الكلابِ فاتَّخذ أنفًا من ورِقٍ، فأنتن عليه، فأمره النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فاتَّخذ أنفًا من ذهبٍ" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

- كذا يجوز لبس الفضة للرجال بشرط عدم الإسراف أو التشبه بالنساء: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا من فضة، وجعل فصه مما يلي كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله" (رواه البخاري)، وقال -تعالى-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) (الأعراف: 32)، ولم يرد شيء بتحريم الفضة على الرجال.

- ويجوز لبس الحرير للمريض بالحكة ونحوه، وعند لقاء العدو: عن أنس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "رَخَّصَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَوْ رُخِّصَ لِلزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ في لُبْسِ الحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ بهِمَا" (متفق عليه).

- يحرم تزين الصبيان بالذهب؛ لأنهم داخلون في ذكور الأمة، ولضرره عليهم في التعود على لبسه.

- يجوز لبس ما يسمى بالحرير الصناعي؛ لأنه ليس حريرًا، والأورع تركه؛ لما فيه من التشابه الشديد بالحرير: قال -صلى الله عليه وسلم-: (فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه) (متفق عليه).

(3) خاتمة: الذهب والحرير زينة أهل الجنة:

- مَن أطاع الله في الدنيا بامتثال أوامره، عوَّضه الله في الجنة من جنس عمله، مع الفارق بين الدارين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَنْ ‌لَبِسَ ‌الْحَرِيرَ ‌فِي ‌الدُّنْيَا ‌لَمْ ‌يَلْبَسْهُ ‌فِي ‌الْآخِرَةِ) (متفق عليه).

- لما امتنعوا عن المحرمات في الدنيا، جعل الله لهم في الجنة من جنسها أفضلها وأعظمها: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا . أُولَ?ئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف: 30-31)، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (الحج: 23)، وقال -تعالى-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَ?لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (فاطر: 32-33)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ) (الدخان: 51-53)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجنة: (آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ...) (متفق عليه)، وعن انس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: أُهْدِيَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- جُبَّةُ سُنْدُسٍ -الرقيق من الحرير-، وكانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ منها، فَقالَ: (والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجَنَّةِ أحْسَنُ مِن هَذَا) (متفق عليه).

- شبهة: كيف حرمه الله على الرجال في الدنيا، ثم يحله لهم في الآخرة؟

- الجواب: ليس هناك تلازم بين المحرمات في الدنيا وإباحتها في الآخرة، ولا الواجبات في الدنيا على عدم وجوبها في الآخرة، فلا تقاس أحكام الدنيا على الآخرة، قال -تعالى-: (‌مَثَلُ ‌الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (محمد: 15)، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

فاللهم إنا نسألك الجنة وما يقرِّب منها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب منها من قول وعمل.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عموم العبادات لا تظهر لها حكمة ظاهرة، وإنما هي من باب الامتثال والطاعة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، مثل: (عدد الركعات في الصلاة - الوضوء - إلخ).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 02-05-2024 الساعة 11:53 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.14 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]