عرض مشاركة واحدة
  #315  
قديم 04-08-2023, 12:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»





الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ... ﴾


قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 254، 255].

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.

قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ سبق الكلام عليه.

﴿ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ الإنفاق: بذل المال، والمراد به هنا: بذل المال في طاعة الله تعالى من النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على من تلزم النفقة عليه من الأهل والأولاد ونحوهم، وكذا النفقات المستحبة كالصدقة والهدية ونحو ذلك، وحذف المعمول ليعم الإنفاق جميع طرق الخير.

﴿ مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ «من»: تبعيضية، و«ما»: موصولة، أو مصدرية، أي: أنفقوا بعض الذي رزقناكموه، أو بعض رزقنا لكم، والرزق: العطاء.

ويحتمل أن تكون «من» بيانية، وعلى هذا فيجوز إنفاق جميع المال.

﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ﴾ «أن» والفعل «يأتي» في محل جر مضاف إليه، أي: من قبل إتيان يوم، والمراد به يوم القيامة.

﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ هذه الجملة المنفية في محل رفع صفة لـ«يوم».

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالبناء على الفتح بدون تنوين: «لا بيعَ»، «ولا خلةَ» «ولا شفاعةَ»، على اعتبار «لا»: عاملة عمل «إنَّ»، لكن بالبناء على الفتح، لا بالتنوين.

وقرأ الباقون بالضم فيها كلها مع التنوين على اعتبار «لا» ملغاة: ﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾.

﴿ لَا بَيْعٌ فِيهِ ﴾ «لا»: نافية، أي: لا بيع موجود أو كائن فيه.

والبيع: عقد المعاوضات التي يطلب بها الأرباح، ويراد به هنا- والله أعلم- ما هو أعم من ذلك وهو تبادل المنافع.

﴿ وَلَا خُلَّةٌ ﴾، أي: ولا خلة موجودة أو كائنة فيه، والخلة: أعلى المودة والصداقة والمحبة.

ومما يدل على أن الخلة أعلى المحبة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا»[1]، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «ولكن صاحبكم خليل الله»[2].

بينما قال صلى الله عليه وسلم لما سئل: من أحب الناس إليك؟ قال: «عائشة»، قيل: من الرجال؟ قال: «أبوها»[3]، فاتخذ صلى الله عليه وسلم أبا بكر حبيبًا ولم يتخذه خليلًا، كما كان يقال لأسامة بن زيد رضي الله عنه: «حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم»[4].

فالخلة أعلى وأخص من المحبة؛ لأنها تتخلل شغاف القلب والأعضاء.
قد تخللت مسلك الروح مني
وبذا سُميَ الخليل خليلًا[5]




قال الشاعر:


﴿ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ أي: ولا شفاعة موجودة أو كائنة فيه. والشفاعة: الوساطة للغير بجلب نفع أو دفع ضرٍ.

والمراد ﴿ وَلَا شَفَاعَةٌ ﴾ لأهل الكفر مطلقًا، ولا لغيرهم إلا بعد إذن الله تعالى للشافع ورضاه عن المشفوع، كما سيأتي بيانه.

فانتفت في ذلك اليوم- يوم القيامة- جميع وسائل الانتفاع التي كانت بين الناس في الدنيا من المعاوضة وتبادل المنافع بينهم، أو نفع الخليل لخليله والصديق والقريب، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 - 37].

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33]، فكلٌ منشغل بنفسه، قال كعب بن زهير[6]:
وقال كل خليل كنت آمله
لا ألهينك إني عنك مشغول




كما انتفت في ذلك اليوم الشفاعة والوساطة، كما قال تعالى: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48]، وكما يقول أهل النار: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101]، والناس في الدنيا يتبادلون المنافع بيعًا وشراءً وغير ذلك، وينتصر بعضهم لبعض، كما قال قائلهم:
أخاك أخاك إن من لا أخا له
كساع إلى الهيجا بدون سلاح[7]




كما يشفع بعضهم لبعض فيشفع القوي للضعيف وذو الجاه لغيره وهكذا.

أما في ذلك اليوم، يوم القيامة، فلا بيع ولا خلة ولا شفاعة، ولا ينفع المرء في ذلك اليوم إلا العمل الصالح بإذن الله عز وجل وما كان في الله، ولله، كما قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37].

﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ الواو: استئنافية، والكافرون جمع «كافر» والكفر: الإنكار والجحود والتكذيب.

﴿ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، أي: هم الظالمون حقًا، الذين بلغوا في الظلم غايته، فالكافرون الذين أنكروا وجود الله وجحدوا ربوبيته وألوهيته وأسماءه وصفاته وشرعه ورسله، وكذبوا بذلك أو بشيء منه، ومن ذلك جحد ما أوجبه الله تعالى من النفقات كالزكاة ونحو ذلك، أو منعها على قول بعض أهل العلم.

﴿ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ «هم» ضمير منفصل يفيد التأكيد، و﴿ الظَّالِمُونَ ﴾ جمع «ظالم»، والظلم: النقص كما قال تعالى: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴾ [الكهف: 33].

وهو أيضًا: وضع الشيء في غير موضعه على سبيل العدوان.

والظلم قسمان: ظلم للنفس بإقحامها الكفر والموبقات وتعريضها لعذاب الله، وظلم للغير وهو أيضًا من ظلم النفس؛ لأن وبال ذلك عليها.

وقد أكد عز وجل وصف الكافرين بالظلم وحصره فيهم بكون الجملة اسمية مُعَرَّفة الطرفين، وبضمير الفصل «هم»؛ وذلك لعظم ظلمهم، حيث صرفوا حق الله عز وجل الذي هو أعظم الحقوق، وهو عبادته وحده لا شريك له، صرفوا ذلك لغيره وهو سبحانه الذي خلقهم ورزقهم وعافاهم، ولهذا كان الشرك أعظم الظلم، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

وقال صلى الله عليه وسلم، وقد سئل: أي الذنب أكبر؟ فقال: «أن تجعل لله ندًا وقد خلقك»[8].

وكل كفر ظلم، وليس كل ظلم كفرًا، ولهذا قال عطاء بن دينار رحمه الله: «الحمد لله الذي قال: ﴿ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ولم يقل: «والظالمون هم الكافرون»»[9].

قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾.

هذه الآية أعظم آية في كتاب الله عز وجل، وهي مشتملة على عشر جمل خبرية مستقلة، فيها إثبات عدد من صفات الله عز وجل العظيمة، منها: كمال ألوهيته ووحدانيته، وحياته وقيوميته، وعموم ملكه، وقوة سلطانه، وسعة علمه، وسعة كرسيه وقوته وقدرته وعلوه وكمال عظمته.

عن أُبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله، فقال: «أي آية في كتاب الله أعظم؟» قال: آية الكرسي. فضرب النبيُّ صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: «ليهنك العلم أبا المنذر»[10].

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان قال: فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فلا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح»[11].

قوله: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ «الله»: مبتدأ، وجملة ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ في محل رفع خبره.

و«الله» علم على الرب تبارك وتعالى، وهو أصل الأعلام، وأعرف المعارف، وهو أصل أسماء الله عز وجل، وتأتي أسماء الله تعالى كلها تابعة له، كما في قوله تعالى في سورة الحشر: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22].

وقد يأتي تابعًا كما في قوله تعالى في سورة إبراهيم: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]، فلفظ الجلالة (الله) أتى بعد اسمه تعالى (الحميد)، لكنه لا يعرب صفة، وإنما يعرب بدلًا أو عطف بيان.

ومعنى (الله) أي: المألوه المعبود بحق محبة وتعظيمًا، أي: الذي له وحده جميع معاني الألوهية.

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ «لا»: نافية للجنس تعمل عمل «إنَّ»، تفيد العموم والاستغراق في النفي لجميع أفراده، ﴿ إِلَهَ ﴾: اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب، وخبرها محذوف، تقديره: حق، أي: لا إله حق إلا هو، أي: لا معبود حق سواه- سبحانه وتعالى.

وكل ما يعبد من دونه فهو باطل، ولا ينفع ولا يضر، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [هود: 101].

و﴿ الحي ﴾: خبر ثان، أو صفة للفظ الجلالة «الله»، وقيل غير ذلك.

و«أل» فيه للاستغراق، يدل على أنه عز وجل ذو الحياة الكاملة الدائمة الباقية أزلًا وأبدًا والتي لا يعتريها نقص، ولم يسبقها عدم، ولا يلحقها فناء أو زوال، والتي هي أصل جميع الصفات، قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58]، فقوله: ﴿ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ من الصفات المنفية التي تتضمن إثبات كمال ضدها، وهو الحياة الجامعة لكمال الأوصاف، كمال السمع والبصر والعلم والقدرة، والإرادة والقوة والرحمة والعفو والمغفرة وغيرها من الصفات الذاتية، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27]، وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [النمل: 60].

﴿ القيوم ﴾: خبر ثالث، أو صفة ثانية للفظ الجلالة «الله»، وقيل غير ذلك.

و﴿ القيوم ﴾: اسم من أسماء الله عز وجل، و«أل» فيه للاستغراق، يدل على أنه عز وجل ذو القيومية التامة، والدال على كمال جميع صفاته الفعلية، القائم بنفسه الغني عما سواه، المقيم لغيره من الخلق، القائم عليهم، المدبر لهم.

فكل المخلوقات لا قوام لها إلا به- سبحانه وتعالى- كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [الروم: 25]، وقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33].

وفي «الحي»: كمال صفاته عز وجل، وفي «القيوم»: كمال أفعاله، وفي اجتماعهما: كمال ذاته عز وجل.

﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾: تأكيد لقوله: ﴿ الحي القيوم ﴾.

والسِّنَةُ: النعاس، وهو مقدمة النوم، أي: لا يعتريه نعاس ﴿ وَلَا نَوْمٌ ﴾ ولا سهو ولا غفلة؛ لكمال حياته وقيوميَّته وعلمه.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: «إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»[12].

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ «له»: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، ﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ مبتدأ مؤخر، و«ما» في الموضوعين: اسم موصول يفيد العموم.

واللام في قوله: ﴿ لَهُ ﴾ مع تقديم الخبر للدلالة على الحصر والاختصاص، أي: له وحده جميع الذي في السموات والذي في الأرض، خلقًا وملكًا وتدبيرًا، وكلهم عبيده، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93 - 95].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]