عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 31-08-2023, 05:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,435
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفهم الصحيح للحياة (قواعد - ونتائج)

هي الأمور كما شاهدتها دول
من سرَّه زمن ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقى على أحد
ولا يدوم على حال لها شانُ

عباد الله، ومن قواعد الفهم الصحيح لهذه الحياة أيضًا: أنها دار غربة، لا دار وطن، فأهلها منتقلون عنها ولا بد.

قال ابن القيم: "الناس منذ خُلِقوا لم يزالوا مسافرين وليس لهم حطٌّ عن رحالهم إلا في الجنة أو النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يُطلَب فيه نعيم ولذة وراحة، إنما ذلك بعد انتهاء السفر"[23].

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: ((أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبي، فقال: كُنْ في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساء، وخُذْ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك))[24].

فإذا أيقن الإنسان في هذه الدنيا أنه في سفر، فإن السفر يحتاج إلى زاد.

فما زاد المسافر في هذه الدنيا؟
قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

وحين يعلم المؤمن أنه في دار غربة وسفر، فإن وطنه الحقيقي هو الجنة، وبلوغ ذلك الوطن الكريم لا يكون إلا باستعداد تام من العمل الصالح الخالص.

فالعجب ممن يعلم بهذه الحقيقة ثم يغفُل عن الاستعداد لها!

فـ"الناس كلهم في هذه الدار غرباء؛ فإنها ليست لهم بدار مقام، ولا هي الدار التي خلقوا لها...
وحيَّ على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها الْمُخَيَّمُ
ولكننا سَبْيُ العدوِّ فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلَمُ
وأي اغتراب فوق غربتنا التي
لها أضحت الأعداء فينا تحكمُ


وكيف لا يكون العبد في هذه الدار غريبًا، وهو على جناح سفر، لا يحل عن راحلته إلا بين أهل القبور؟ فهو مسافر في صورة قاعد، وقد قيل:
وما هذه الأيام إلا مراحل
يحثُّ بها داعٍ إلى الموت قاصدُ
وأعجب شيء لو تأملت أنها
منازلُ تُطوَى والمسافر قاعدُ[25]



فيا أيها المسلمون، لنصحح أفهامنا عن هذه الدنيا؛ حتى نفوز في الآخرة، وذلك بأن نعلم أننا خُلِقْنا لعبادة الله وحده، فلننشغل بالعمل لهذه الغاية حياتنا كلها.

وإذا علمنا أن هذه الدنيا فانية، والآخرة باقية، فلن ننشغل بالفاني وننسى الباقي.

ومتى علمنا أن عمرنا قصير، وأجلنا فيه مجهول، فلنعمر هذا العمر القصير بما يُسْعِدنا في العمر الأخروي الطويل الذي لا نهاية له.

وحين أدركنا أن هذه الحياة مشوبة بالغُصَصِ والمكاره، فلنصبر على ذلك ونطلب تمام لذاتنا وراحاتنا في الجنة، ويكون ذلك بالاستعداد الصادق لها.

وعندما نرى أن الدنيا تتقلب أحوالها، وتتبدل أطوار أهلها، فلا نحيد عن الحق في محابِّها، ولا نيأس من تبدُّل مكارهها إلى ما نحب.

وها نحن أدركنا بيقين أن هذه الحياة دار سفر، وممرٌّ ومَعْبَرٌ؛ لذلك لا ننشغل بها عن دار الوطن الخالد، فإن الأيقاظ من الأنام من طلَّقوا الدنيا، وتمسَّكوا بحب الآخرة:
إن لله عبادًا فُطَنا
طلَّقوا الدنيا وخافوا الفِتنا
نظروا فيها فلما علِموا
أنها ليست لحيٍّ وطنا
جعلوها لُجَّةً واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا[26]



نسأل الله أن يرزقنا حسن الأفهام، وسلامة الأحلام، وصلاح الجوارح، والتنافس على العمل الصالح.

هذا وصلوا وسلموا على خير الورى...

[1] ألقيت في جامع الشوكاني في: 2/ 2/ 1445هـ، 18/ 8/ 2023م.

[2] إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 95).

[3] ديوان إيليا أبو ماضي.

[4] رياض الصالحين (ص: 5).

[5] الفوائد لابن القيم (ص: 122).

[6] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: 262).

[7] الذخائر والعبقريات (1/ 254).

[8] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.

[9] تاريخ الإسلام (2/ 982).

[10] روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار (ص: 139).

[11] ثمار القلوب في المضاف والمنسوب (ص: 671).

[12] آراء ابن الجوزي التربوية (ص: 164).

[13] صيد الخاطر (ص: 399).

[14] شرح الحكم العطائية (ص: 36).

[15] شرح الحكم العطائية (ص: 37).

[16] أدب الدنيا والدين (ص: 109).

[17] الزهد لابن أبي الدنيا (ص: 92).

[18] الزهد لابن أبي الدنيا (ص: 92).

[19] المارستان: المصحة والمشفى.

[20] تسلية أهل المصائب (ص: 22).

[21] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 208).

[22] زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 174).

[23] الفوائد لابن القيم (ص: 190).

[24] رواه البخاري.

[25] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/ 190).

[26] رياض الصالحين (ص: 6).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]