الموضوع: وقفات فقهية
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-10-2023, 12:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,593
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (3)

- تعريف العبادة


يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: 25) وهنا وقفات لابد لنا من مراعاتها:
- أولا: العبادة لغة هي التذلل، ومنه: طريق معبد، أي مذلل، وشرعا هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من قول وعمل ظاهر وباطن، شرعه الله لعباده من أمر ونهي، وجعل الله فعله أو تركه قربة له، ويتضح ذلك كله في إخلاص الدعاء لله وحده بمحبة وخوف ورجاء.
يقول الله تعالى: {وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف: 29)، وقوله: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} (الأعراف: 55)، وقد بيّن لنا رسول الله [ أن: «الدعاء هو العبادة»، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي [ قال: «الدعاء هو العبادة»، وقرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر: 60)، وادعوني هنا بمعنى اعبدوني لقوله بعدها: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} فمن لم يدع الله لم يعبده، ومن دعا معه غيره فقد أشرك به.
- ثانيا: الله قريب مجيب، يقول تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة: 186) ويقول تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون} (النمل: 62) فالدعاء هو العبادة، فلا عذر لمشرك يدعو مع الله غيره.
- ثالثا: فمن يدع أحدا من دون الله فهو ظالم لنفسه، يقول الله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 106)، وهو ضال، يقول تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} (الأحقاف: 5-6). فقوله: {يدعو من دون الله} أي يعبد من دونه؛ لقوله في ختام الآية {وكانوا بعبادتهم كافرين}، ولا مخرج له: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} (الأعراف: 37)، وهذا موقف من جهل معنى العبادة وأن الدعاء هو العبادة، فيدعو مع الله غيره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله [ يوما فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
- رابعا: ضعف الداعي والمدعو من دون الله، يقول الله تعالى: {إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون} (النحل: 22)، وعبادة الأولياء، لا تقرب إلى الله زلفى، يقول تعالى: {ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3) كذبهم الله بختام هذه الآية، ولا تحقق لهم شفاعة، ولا تجلب رزقا، يقول الله تعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17).
- خامسا: فطر الله الناس حنفاء، ففي صحيح مسلم: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»، فهم يدعون الله في الشدائد مخلصين له الدين؛ استجابة للحق واتباعا للفطرة، ولكنهم في الرخاء يشركون به، يقول تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت: 65) وقوله تعالى: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} (يونس: 12).
- سادسا: أحب الدعاء إلى الله هو التضرع، قال الله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} (الأعراف: 205)، فالتضرع إلى الله هو: شدة الخضوع والتذلل لله مع قوة الرجاء والمحبة له، وهو دعاء الطامع المحب الخائف المخلص الوجل، وهو وسيلة للنجاة والقبول، يقول الله تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} (الأنعام: 43) فلو تضرعوا لنجوا.
فمما مر بنا من النصوص تبين لنا أن الدعاء هو العبادة، فالإسلام، والإيمان، والإحسان، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والمحبة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، والتضرع، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها تصرف لله تعالى وحده، وكل ذلك دعاء أو وسيلة للدعاء أو شفاعة بالدعاء أو مقدمة للدعاء، ليقبل الله العبادة ويستجيب للدعاء {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62).
- سابعا: وللعبادة أركان وشروط: فأما ركناها فهما: الإخلاص لله تعالى واتباع الرسول [، وأما شروطها فهي:
1- أن تكون موافقة للشريعة في سببها بدليل من الكتاب والسنة.
2- أن تكون شرعية في جنسها، فلا تقبل الأضحية بفرس.
3- أن تكون شرعية في قدرها، فلا زيادة في ركعات الصلاة ولا غيرها.
4- أن تكون شرعية في كيفيتها، فلا صلاة بلا طهارة صحيحة.
5- أن تكون شرعية في زمانها، فلا يصام رمضان في غيره.
6- أن تكون شرعية في مكانها، فالوقوف بعرفة لا بغيرها.
وإن لم تتوفر تلك الشروط فالعبادة بين الرد، والفساد.
- ثامنا: ومن المخالفين إذا تتلى عليهم آيات التوحيد كقوله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، وقوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} (الأحقاف: 5)، وقوله تعالى: {... والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر: 13، 14).. إلخ، فمنهم من يوافقك من باب التقية، أو يدعي أن لها تفسيرا لا يعلمه، مع وضوح تلك الآيات، ومنهم من يأتي بتأويل عجيب، أو زعم غريب، بأن تلك الآيات نزلت في مشركي قريش وليس لهم علاقة بعموم هذه الآيات! علما أن من تلك الآيات ما وجه إلى النبي [ وهو أبعد الخلق عن كل ذنب كقوله تعالى: {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} (الشعراء: 213)، وقوله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 106) بل النهي عن الشرك خوطب به جميع الأنبياء والرسل دون استثناء، كقوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} (الزمر: 65، 66). للتحذير من الشرك، وغالبا أن من لديهم أمور باطنية لا يستطيعون التعبير عنها أو لا يرغبون ذلك {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} فأي عقيدة لا تُظهر للعامة ما يُبطنه خواصها فهي عقيدة تخشى النور وتحتمي بالظلام. ومهما اختلفت فرق الباطنية في أصولها ومعتقداتها وأهدافها فإن حجتهم في التكتم والسرية هي حجة واحدة، تتلخص في أن هناك علما للعامة وآخر للخاصة وهناك علم لخاصة الخاصة، فالجامع الذي يجمعهم هو إما ضعف الحجة، وإما فساد المعتقد، مع قصر الإدراك وبلادة التفكير أو ذلك كله مجتمعا، فسلاحهم الفعال هو جهل الناس؛ لذا فهم يبذلون جهدهم للحفاظ على إدامة الجهل في مجتمعاتهم وتنميته، بالإصرار على منهجهم وتأليب الناس على المخالفة وشغلهم بالتفاهات والسخافات، فما عبدوا الله حق عبادته إذ أشركوا به والله تعالى يقول: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما} (الفرقان: 77).
خلاصة القول: قول الله تعالى: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} (الرعد: 14) فلنحذر جميعا من دعاء الأموات، مهما كانوا أو الاستعانة بهم أو الاستغاثة بهم عند قبورهم وأضرحتهم أو في البعد عنها؛ فإن دعاءهم عبادة لهم وشرك بالله، يقول الله تعالى: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون} (المؤمنون: 117).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]