وقفات فقهية (7)
تعريف التوحيد وأركانه(1)
يقول الله تعالى: {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} (غافر: 65).
فأعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو توحيد الله وحده بعبادته ودعائه، لا شريك له، قولا وعملا واعتقادا {قل هو الله أحد} ويصمد إليه في جميع أمره {الله الصمد}, فهو {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد}، ويكون ذلك بما أحبه الله ورضيه، وأمر به، شرعه لرسله.
فالتوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، وأعظم ما نهى الله عنه الشرك، هو أن يتخذ مع الله معبودا أو دعوة غير الله معه، ومن أجل ذلك خلق الله الخلق: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56)، فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك كافر، ولهذا بعث الله الرسل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل: 36)، فالشرك ذنب عظيم، لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، يقول الله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} (الفرقان: 70)، فالتوحيد أمره عظيم، فقد أقام رسول الله[ في مكة ثلاثة عشر عاما من أعوام الرسالة يدعو الناس إلى التوحيد ويعلمهم إياه، وعشرة أعوام في المدينة لتثبيت التوحيد من خلال فرضية بقية الشريعة لعظم مكانة التوحيد.
تنبيه: كثيرا ما يرد في الكتب قولهم أقسام التوحيد، ويبدو لي لو قيل أركان التوحيد، لكان أقرب للمراد؛ لأن الأقسام تختار منها المناسب وتدع الأخرى مثال اختيار الماء الطهور للوضوء من أقسام المياه، أما الأركان فيجب أن تأخذ بها جميعا ليكمل الدين ويتم، مثل أركان الإسلام وأركان الإيمان، كذا أركان التوحيد. والله أعلم.
فأركان التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية.
الركن الأول: توحيد الربوبية وهو توحيد الله بأفعاله:
- أولاً: توحيد الربوبية هو الإيمان بأن الله خالق كل شيء: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء: فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام: 102)، وله الأمر: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (الأعراف: 54)، وله الملك: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} (فاطر: 13)، وهو الرزاق: {يا أيها الناس أذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} (فاطر: 3).
- ثانياً: توحيد الربوبية فطرة، فطر الله الخلق عليها، أقر ذلك المشركون ولم يعارضوا رسول الله[ فيه، يقول الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} (الزمر: 38).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي[: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، الحديث فمن الفطرة الإيمان بالخالق، أما الشرك فهو أمر طارئ.
- ثالثاً: لم ينكر توحيد الربوبية أحد إلا من كابر من المعاندين وأشهرهم فرعون {فقال أنا ربكم الأعلى} (النازعات: 24)، ولم يكن مقتنعا بقوله، فأخبره موسى بقول الله تعالى: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا} (الإسراء: 102)، وقال الله تعالى عن آل فرعون: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النمل: 14)، وممن أنكر ذلك الدهريون الملاحدة وفي حقيقة الأمر سموا الله بغير اسمه مخالفة لفطرهم، فقالوا بحكمة الطبيعة وأنها تخلق.. إلخ، ويشهد لهذا ما ثبت في صحيح مسلم قال رسول الله[ عن ربه: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»(1)، وكذا يقول كثير من مثقفي الهندوس والبوذية وغيرهم من الوثنيين فيما يعبدون من دون الله بأنهم لا يعتقدون أن تلك المعبودات تخلق أو ترزق بدليل ما ينسب عن نهرو زعيم الهند قوله: لقد بدأنا نستورد آلهتنا من اليابان، وهذا ما يعانيه كثير من الدعاة إلى الله مع المخالفين بقولهم إنهم لا يعتقدون أن الأولياء وأصحاب الأضرحة يخلقون أو يرزقون، فلم يدعونهم؟ وصدق الله: {كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} (البقرة: 113)، فهم فريقان:
1 - فريق اتبع الآباء عن جهل، وقد سأل أمثالهم نبي الله إبراهيم عليه السلام: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} (الأنبياء: 52)، وكانت صورا للصالحين فأجابوه: {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين}، فأعلمهم: {قال لقد كنتم أنتم وآباءكم في ضلال مبين}، فاستفسروا منه: {قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين}، فأكد لهم: {قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلك من الشاهدين} (52 - 56).
2 - وفريق زعم جلب المنفعة ومنع الضرر، فالكل جانب الصواب، والكل نسي الله، يقول الله تعالى: {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} (الزمر: 38)، والله تعالى يقول: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون} (الأنعام: 40 - 41).
- رابعاً: توحيد الربوبية لا يكفي وحده في دين الإسلام إلا بتحقيق معنى لا إله إلا الله نفيا وإثباتا، يقول الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون، وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} (الزخرف: 87 - 88)، رغم إقرارهم بأن الله خلقهم لم يقبل منهم بدليل: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} (الزخرف: 88)، لعدم توحيدهم لله، فالإيمان هو ما وافق قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام: 82)، وفسر رسول الله[ الظلم هنا بالشرك لقوله تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان: 13).
- الركن الثاني: توحيد الأسماء والصفات
- أولاً: توحيد الأسماء والصفات هو توحيد الله بالإيمان بأسمائه وصفاته ودعائه بها، يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 18).
- ثانياً: تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه صفاته شيء من صفات خلقه، يقول الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11)، ويقول الله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد}.
- ثالثاً: قطع الطمع في إدراك كيفية صفات الله لقوله تعالى: {ولا يحيطون به علما} (طه: 110).
- رابعاً: وجوب الإيمان بما وصف الله تعالى به نفسه، فلا أحد أعلم بالله من الله، يقول الله تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} (البقرة: 140)، وكذا بما وصفه به رسول الله[، فلا يصف الله بعد الله أحد أعلم من رسول الله[، يقول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3 - 4).
- خامساً: أنزل الله كتابه: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} (الزمر: 28)، وكتابه: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} (فصلت: 3)، فهذا القرآن أنزله الله (عربيا) و(عربي مبين) و(غير ذي عوج) من أجل {لعلهم يتقون}.
اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ