عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 07-10-2023, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,110
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (31)

إن أردت التنعم بما تستحق هب الآخريـن ما يستحقــون


العدل من أهم القيم الإسلامية ، ومن أعظم الأسس التي يقوم عليها التشريع والمجتمع والأخلاق، والعدل يقتضي القيام بحقوق الله تعالى، والقيام بحقوق العباد تامة غير منقوصة ، فبعض الناس - وهم قلة - يطالبون بحقوقهم وزيادة، لكنهم لا يؤدون واجباتهم تجاه الله تعالى ولا تجاه العباد، وهذا ليس من العدل ولا الإنصاف، فميزان القسط يقتضي التوازن بين الحقوق والواجبات، بحيث يؤدي الإنسان ما عليه من واجبات قبل أن يطالب بما له من حقوق، أما العكس فهي أثرة مقيتة وأنانية كريهة، إذا غرست بذورها في الأفراد والمجتمع أنبتت آثارا وخيمة من الفساد والبغضاء والحقد والفوضى والتذمر من ضياع الحقوق واستئثار البعض بالفرص ، وربما تجاوز الأمر القول إلى الفعل بإلحاق الأذى بالآخرين انتقاما منهم وعقوبة لهم .
ولهذا ذم الشرع الأثرة وحذر من آثارها، وأمر بالصبر والمطالبة بالحقوق وفق السبل المشروعة واجتناب الفوضى أو سلوك الطرق غير المشروعة .
فعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَلاَ بِرَسُولِ اللهِ [ فَقَالَ: أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاَنًا؟ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِيَ أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ»، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ [ : «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ».
فمن العدل أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملونك، وذلك بأداء الحقوق والتزام الواجبات ومراعاة الآخرين، ولذا قيل: «إن أردت التنعم بما تستحق هب الآخرين ما يستحقون»، وهذا المبدأ هو ما دلت عليه السنة المطهرة ،فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي [ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» متفق عليه.
قال النووي: «معناه لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة، والمراد يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات، ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث: «حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه».
ومن كمال الإيمان أن يحب المسلم لإخوانه ما يحب لنفسه، وأن يبغض لهم ما يبغضه لنفسه، قال ابن رجب: «والمقصود أن من جملة خصال الإيمان الواجبة أن يحب المرء لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه، فإذا زال ذلك عنه فقد نقص إيمانه، وقد روي أن النبي [ قال لأبي هريرة: «أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا» أخرجه الترمذي وهو حسن‏(ص.ج:7833)
ومن النصوص الشرعية التي تؤكد هذا المعنى قوله [ : «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه» رواه مسلم.
قال النووي: «هذا من جوامع كلمه [ وبديع حكمه، وهذه مهمة، فينبغي الاعتناء بها، وأن الإنسان يلزم أن لا يفعل مع الناس إلا ما يحب أن يفعلوه معه».
فالمؤمن صحيح الإيمان يراعي إخوانه المسلمين، فيقوم لهم بما يستحقونه منه، كما يحب منهم أن يقوموا له بما يستحقه عليهم، سواء ما تعلق بالأمور المالية أومالسلوكية، فإذا كنت تحب أن يحترمك الناس فاحترمهم، وإذا كنت تكره منهم أن يغشوك أو يأكلوا مالك بغير حق فلا تفعل ذلك بهم، وإذا كنت تريد منهم أن يحفظوا غيبتك ويحترموا خصوصيتك فابدأ بنفسك واحفظ غيبتهم واحترم خصوصيتهم، وهكذا في كل الأمور، فلو وضع الإنسان نفسه مكان غيره لعرف التصرف الصحيح في كل موقف، إلا أن بعض الناس يظن أنه يعيش في هذه الدنيا منفردا فيفعل ما يريد دون مراعاة لحقوق الآخرين أو مشاعرهم، أو يتوهم أنه مركز الكون فعلى الناس أن يدوروا حوله مؤدين الحقوق والواجبات له، وليس لهم عليه شيء ولا أن يطالبوه بحق ولا أداء واجب، ولاشك أن هذه أنانية مفرطة ونرجسية بغيضة، فالمؤمن يحب لنفسه ما يحب لإخوانه ويكره لهم ما يكرهه لنفسه .
وقد كان النبي [ يطبق هذا المبدأ عمليا مع أصحابه ، فقد قال لأبي ذر رضي الله عنه : « يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنّ على اثنين، ولا تولين مال يتيم»، قال ابن رجب:» وإنما نهاه عن ذلك لما رأى من ضعفه، وهو يحب هذا لكل ضعيف، وإنما كان يتولى أمور الناس لأن الله قواه على ذلك وأمره بدعاء الخلق كلهم إلى طاعته، وأن يتولى سياسة دينهم ودنياهم»اهـ.
ويبين ابن رجب أن تحصيل هذه الصفة الطيبة إنما يكون بسلامة الصدر من أمراض القلوب فقال: «وحديث أنس الذي نتكلم الآن فيه يدل على أن المؤمن يسره ما يسر أخاه المؤمن ويريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه من الخير، وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغش والغل والحسد، فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في خير أو يساويه فيه، لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله وينفرد بها عنهم والإيمان يقتضي خلاف ذلك، وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء «اهـ.
وفي الختام، فإن دعوى الأخوة الإيمانية تحتاج إلى دليل عملي يصدقها، ولا أدل على ذلك من حسن الخلق مع المؤمنين كما قال النبي [ : «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»، ورأس ذلك أن يقيم المسلم أخوانه مقام نفسه، فيحب لهم ما يحب لها، ويكره لهم ما يكره لها، كما وصف الله تعالى عباده المؤمنين بقوله : {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.
كما أن المجتمعات تتقدم وتزدهر بالتعاون والتكامل، وأن يقدم كل فرد أحسن ما عنده لخدمة إخوانه ومجتمعه كما أمر الله تعالى عباده فقال: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، أما الأنانية والأثرة فباب الفساد والشر، وعنوان العداوة والقطيعة ، نسأل الله تعالى العافية والسلامة من كل إثم، وبالله التوفيق .



اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 29-04-2024 الساعة 04:48 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.33 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.47%)]