شبه القبوريين والرد عليها (10-9)
فيصل بن قزار الجاسم
شبه القبوريين أنواع:
منها: ما هو قصص وحكايات، لا يعجز عن مثلها كل مُبطل.
ومنها: أحاديث موضوعة على النبي [.
ومنها: أحاديث ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها، وغالبها يخالف نصوصا من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع.
ومنها: أحاديث صحيحة - وهي قليلة - إلَّا أنها لا تدل على باطلهم، بل تدل على خلافه، مثلها مثل ما يستدلون به من آيات ويفسرونها بما تهواه أنفسهم من غير سلف من الصحابة والتابعين.
ومنها: ما هو قول عالم متأخر لا يعد قوله حجة في دين الله لو سلم من المعارضة، فكيف إذا خالف الكتاب والسُّنَّة وما أجمعت عليه الأمة؟! ومعلوم أن أقوال العلماء وإن عظموا يُحتجّ لها، ولا يُحتجّ بها، فكل يؤخذ من قوله ويُرد.
الشبهة الثامنة عشرة
استدلالهم بجواز الاستغاثة بالنبي [، ومناداته بعد موته بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه خدرت رجله، فقال رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: محمد». وفي لفظ قال: «يا محمداه».
وروي مثله عن ابن عباس ]، أنه أمر رجلا خدرت رجله بذلك، فقال: محمد؛ فذهب خدره.
والجواب عنها من وجوه:
الأول: أن هذا الحديث ضعيف لا يثبت، فأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما، فإن مداره على أبي إسحاق السبيعي، وهو وإن كان من الثقات الأثبات إلا أنه مشهور بالتدليس، وقد عنعنه ولم يصرح في أي من طرق الحديث بالسماع، وهذه علة.
والعلة الأخرى أن أبا إسحاق قد اختلط في آخر عمره، وقد اضطرب في هذا الحديث على وجوه عدة، ولعل هذا من اختلاطه؛ فمرة رواه عن الهيثم بن حنش - وهو مجهول - عن ابن عمر. ورواه مرة عن عبدالرحمن بن سعد القرشي العدوي عن ابن عمر. ورواه مرة عن أبي سعيد - ولا يعرف - عن ابن عمر. ورواه مرة عمن سمع ابن عمر به، ولم يسمّه.
ولا سبيل لترجيح إحدى الروايات؛ لأن رواة هذه الطرق المختلفة عنه من ثقات أصحابه مثل شعبة، وسفيان، وإسرائيل، وزهير بن معاوية؛ مما يجعل الأثر مضطربا، كما أن ألفاظه مختلفة، فتارة يقول فيه: «محمد»، وتارة: «يا محمد».
وأما أثر ابن عباس ] فهو ضعيف جدا، بل موضوع على ابن عباس ]؛ إذ فيه غياث بن إبراهيم، وهو كذاب، قال أبوداود: «كذاب»، وقال ابن معين: «كذاب خبيث».
الثاني: أنه على التنزل بصحة الأثر، فليس فيه دليل على جواز الاستغاثة ومنادة النبي [؛ إذ غاية ما فيه: ذكر محبوب تسكن إليه النفس، وتتحرك فتنشط لذكره وذكر اسمه فيذهب خدرها.
قال المحدث فضل الله الجيلاني: «وعلى كل حال، فصورة النداء في بعض الروايات ليس على حقيقته، ولا يتوهم زنه للاستعانة أو الاستغاثة، وإنما المقصود إظهار الشوق وإضرام نار المحبة، وذكر المحبوب يسخن القلب وينشطه؛ فيذهب انجماد الدم فيجري في العروق، وهذا هو الفرح، والخطاب قد يكون لا على إرادة الاسماع».
الثالث: أن الأثر عامّ بذكر أحب الناس لمن خدرت رجله، فهو عام في الأشخاص، وخاص بخدر الرِّجْل.
وعلى هذا فقد يذكر الإنسان من يحب ولو كان فاسقا، أو كافرا كزوجته أو ابنه، فهل يقول المستدلون به بجواز أن يستغيث العبد بكل من يحب؟ فإن قالوا: لا، فيقال لهم: فما وجه تخصيصه بالنبي [ مع كون الأثر - لو صح - فيه ذكر المحبوب وليس مخصوصا بالنبي [؟! ولذلك ورد عن بعض السلف والشعراء ذكر هذا الأمر في بيان حبهم للمحبوب، كما روي عن ابن سيرين أنه قال:
إذا خدرت رجلي تذكرت قولها
فناديت لبنى باسمها ودعوت
دعوت التي لو أن نفسي تطيعني
لألقيت نفسي نحوها فقضيت
وقال الخليفة يزيد بن عبدالملك في حياته:
أثيبي مغرما كلفا محبا
إذا خدرت له رجل دعاك
وهذا يبين أن هذا الباب ليس من باب الاستغاثة والدعاء، وإنما من باب تنشيط النفس بذكر المحبوب.
ثم إنه خاص بذكر المحبوب عند خدر الرجل خاصة، فكيف يقال بعمومه في كل الأحوال، وهل هذا إلا مروق من دين الإسلام؟!
اعداد: فيصل بن قزار الجاسم