جرائم اليهود في المسجد الأقصى
الحمد لله، الذي وسِعَ كل شيء رحمةً وعلمـًا، وأسبغ على عباده نِعَمـًا لا تُعَدُّ ولا تُحصى، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:
فالمسجد الأقصى الشريف هو أحد المساجد الثلاثة التي لها مكانة عالية في الإسلام، وأقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق:
وقت بناء المسجد الأقصى:
روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: ((قلت: يا رسول الله، أي مسجد وُضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام» ، قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى» ، قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنةً»؛ (مسلم، حديث: 520).
اسم الأقصى:
قال الإمام النووي رحمه الله: "سُمِّيَ الأقصى لبُعده من المسجد الحرام بمكة"؛ (صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 9، ص: 168).
ويُطلَق على المسجد الأقصى اسم بيت المقدس، وهو الاسم الشائع بعد فتح المسلمين لمدينة القدس، وسُمِّيَ بيت المقدس؛ لأنه قدُس؛ أي: طهُر من الشرك، وأصله من القدس؛ وهي الطهارة والبركة؛ (فضائل الشام والمسجد الأقصى، هشام العارف، ص: 26).
الأرض المقدسة هي الأقصى:
قال الله تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [الفاتحة: 21].
• قوله: (المقدسة): أي: المطهَّرة المباركة؛ [تفسير الطبري، ج: 8، ص: 285].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "الأرض المقدسة هي بيت المقدس"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 1، ص: 417، ج: 5، ص: 148].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قال تعالى مخبرًا عن تحريض موسى عليه السلام، لبني إسرائيل على الجهاد والدخول إلى بيت المقدس، الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب، لما ارتحل هو وبنوه وأهله إلى بلاد مصر أيامَ يوسفَ عليه السلام، ثم لم يزالوا بها حتى خرجوا مع موسى عليه السلام، فوجدوا فيها قومًا من العمالقة الجبارين، قد استحوذوا عليها وتملَّكوها، فأمرهم رسول الله موسى عليه السلام بالدخول إليها، وبقتال أعدائهم، وبشَّرهم بالنُّصرة والظَّفَر عليهم، فَنَكَلُوا وعصَوا وخالفوا أمره، فعُوقبوا بالذهاب في التِّيه والتمادي في سيرهم حائرين، لا يدرون كيف يتوجهون فيه إلى مقصد، مدةَ أربعين سنةً؛ عقوبةً لهم على تفريطهم في أمر الله تعالى"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 148].
حرص زوجة عمران على خدمة الأقصى:
قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: 35].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "{مُحَرَّرًا} ؛ أي: خالصًا مفرغًا للعبادة، ولخدمة بيت المقدس"؛ (تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 33).
• قال عكرمة رحمه الله: "إن امرأة عمران كانت عجوزًا عاقرًا تسمى حنَّة، وكانت لا تلد، فجعلت تغبِط النساء لأولادهن، فقالت: اللهم إن عليَّ نذرًا شكرًا، إن رزقتني ولدًا أن أتصدَّقَ به على بيت المقدس، فيكون من سَدَنَتِهِ وخُدَّامه"؛ [تفسير الطبري، ج: 6، ص: 332].
بعض بركات الأقصى:
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
• تعريف البركة: البركة: هي النماء والزيادة؛ (لسان العرب، لابن منظور، ج: 10، ص: 395).
• قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "قوله: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] يقول تعالى: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم، وحروثهم وغروسهم؛ (تفسير الطبري، ج: 17، ص: 515).
• قال الإمام مجاهد بن جبر رحمه الله: "سمَّاه مباركًا؛ لأنه مقر الأنبياء، ومهبِط الملائكة والوحي"؛ (تفسير البغوي، ج: 3، ص: 105).
حياة السيدة مريم في الأقصى:
قال سبحانه: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قال مجاهد بن جبر وغيره: يعني: وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف"؛ (تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 36).
تبشير زكريا بابنه يحيى:
قال الله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38، 39].
• قوله: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} ؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "لما رأى زكريا عليه السلام أن الله تعالى يرزق مريم عليها السلام فاكهةَ الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، طمِع حينئذٍ في الولد، وكان شيخًا كبيرًا قد ضعُف، ووهن منه العظم، واشتعل رأسه شيبًا، وإن كانت امرأته مع ذلك كبيرةً وعاقرًا، لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداءً خفيًّا".
• قوله: {مِنْ لَدُنْكَ} ؛ أي: من عندك.
• قوله: {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: 38] أي: ولدًا صالحًا.
• قوله: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} ؛ أي: خاطبته الملائكة شفاهًا خطابًا أسمعته، وهو قائم يصلي في محراب عبادته، ومحل خلوته، ومجلس مناجاته، وصلاته.
• قوله: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران: 39]؛ أي: بولدٍ يوجد لك من صلبك اسمه يحيى؛ قال قتادة: "إنما سُمِّيَ يحيى؛ لأن الله تعالى أحياه بالإيمان".
• قوله: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} ؛ أي: بعيسى ابن مريم.
• قوله: {وَسَيِّدًا} ؛ قال قتادة: سيدًا في العلم والعبادة.
• قوله: {وَحَصُورًا} ؛ أي: معصومًا من الذنوب.
• قوله: {وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39]: هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته، وهي أعلى من الأولى؛ [تفسير ابن كثير، ج: 3، ص: 57:54].
نصيحة يحيي لبني إسرائيل في الأقصى:
روى الترمذي عن الحارث الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أمَرَ يحيى بن زكريا بخمسِ كلماتٍ أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد أن يُبْطِئَ بها، فقال عيسى: إن الله أمَرَكَ بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإما أن تأمرهم، وإما أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخسَف بي أو أُعذَّب، فجمع الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشُّرُف، فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن؛ أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وإن مَثَلَ من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال: هذه داري، وهذا عملي، فاعمل وأدِّ إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإن الله يَنْصِبُ وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وآمركم بالصيام؛ فإن مَثَلَ ذلك كمثل رجل في عِصابة معه صُرَّة فيها مِسْك، فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصدقة؛ فإن مَثَلَ ذلك كمثل رجل أسَرَهُ العدو، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدَّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله؛ فإن مَثَلَ ذلك كمثل رجل خرج العدو في أَثَرِهِ سِراعًا، حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يُحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله»؛ (حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 2298).
القبلة الأولى للصلاة هي المسجد الأقصى بفلسطين:
روى الإمام البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجَّه إلى الكعبة؛ فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، فتوجَّهَ نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس؛ وهم اليهود: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142]، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمرَّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة، فتحرَّف القوم، حتى توجَّهوا نحو الكعبة))؛ [البخاري، حديث: 399].
• قال قتادة بن دعامة رحمه الله: في قول الله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115]: "كان المسلمون يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثم وجَّه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام، فنسخها الله في آية أخرى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، قال: فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر القبلة"؛ [تفسير الطبري، ج: 2، ص: 452].
كان المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين في الصلاة، لمدة أربعة عشر عامًا تقريبًا منذ نزول الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة وحتى الشهر السادس عشر أو السابع عشر للهجرة المباركة إلى المدينة.
رحلة نبينا إلى المسجد وصلاته إمامًا بجميع الأنبياء:
قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
• قال ابن كثير رحمه الله: "يمجِّد تعالى نفسه، ويعظِّم شأنه؛ لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره؛ {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]؛ يعني: محمدًا صلوات الله وسلامه عليه، {لَيْلًا} [الإسراء: 1]؛ أي: في جنح الليل، {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]؛ وهو مسجد مكة {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]؛ وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء، معدِن الأنبياء - أي مكان إقامتهم - من لدن إبراهيم الخليل؛ ولهذا جُمعوا له هنالك كلهم، فأمَّهم في مَحَلَّتِهم، ودارهم، فدلَّ على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وقوله: {لِنُرِيَهُ} [الإسراء: 1]؛ أي: محمدًا، {مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]؛ أي: العِظام؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]، وقوله: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]؛ أي: السميع لأقوال عباده؛ مؤمنهم وكافرهم، مصدِّقهم ومكذبهم، البصير بهم، فيعطي كلًّا ما يستحقه في الدنيا والآخرة"؛ (تفسير ابن كثير، ج: 8، ص: 374:373).
• روى ابن جرير الطبري عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، وهو رجل من قومه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلًا يقول: أحد الثلاثة، فأُتيت بطَسْتٍ من ذهب فيها من ماء زمزم، فشُرح صدري إلى كذا وكذا، قال قتادة: قلت: ما يعني به؟ قال: إلى أسفل بطنه، قال: فاستُخرج قلبي فغُسل بماء زمزم، ثم أُعيد مكانه، ثم حُشِيَ إيمانًا وحكمةً، ثم أُتيت بدابة أبيضَ، وفي رواية أخرى: بدابة بيضاء يُقال له البُراق، فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه منتهى طرفه، فحُملت عليه، ثم انطلقنا حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه بالنبيين والمرسلين إمامًا، ثم عُرج بي إلى السماء الدنيا» "؛ (حديث صحيح، تفسير الطبري، ج: 17، ص: 493:492، الإسراء والمعراج، للألباني، ص: 92).
• روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن رحلة الإسراء والمعراج: «قد رأيتُني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضَرْبٌ جَعْدٌ، كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي، أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم -يعني نفسه- فحانت الصلاة فَأَمَمْتُهم»؛ (مسلم، حديث: 172).
• روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُتيتُ بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركِبتُه حتى أُتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربِط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترتَ الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء»؛ (مسلم، حديث: 162).
• قال علي الهروي رحمه الله: "قوله: (فصليت فيه ركعتين)؛ أي: تحية المسجد، والظاهر أن هذه هي الصلاة التي اقتدى به الأنبياء وصار فيها إمام الأصفياء"؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 8، ص: 3765].
ثواب إقامة الصلاة في الأقصى:
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشُدُّوا الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى»؛ (مسلم، حديث: 827).
• قال الإمام النووي رحمه الله: "في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة، وفضيلة شد الرحال إليها؛ لأن معناه عند جمهور العلماء لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها"؛ (مسلم بشرح النووي، ج: 9، ص: 168).
روى ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا: حكمًا يصادف حكمه، ومُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وألَّا يأتي هذا المسجدَ أحد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، -فقال النبي صلى الله عليه وسلم:- أما اثنتان فقد أُعطيهما، وأرجو أن يكون قد أُعطيَ الثالثة»؛ (حديث صحيح، صحيح ابن ماجه للألباني، حديث: 1156).
• قوله: (حكمًا يصادف حكمه)؛ أي: يوافق حكم الله، والمراد: التوفيق للصواب في الاجتهاد وفصل الخصومات بين الناس.
• قوله: (وملكًا لا ينبغي)؛ أي: لا يكون.
• قوله: (ألَّا يأتي هذا المسجد)؛ أي: لا يدخل فيه؛ (حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ج: 1، ص: 430).
روى الحاكم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: ((تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مسجد بيت المقدس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولَنِعْمَ الْمُصلَّى، وليوشكن ألَّا يكون للرجل مثل شَطَنِ فَرَسِهِ من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس، خيرٌ له من الدنيا جميعًا، أو قال: خير من الدنيا وما فيها»؛ (حديث صحيح، السلسلة الصحيحة للألباني، ج: 6، ص: 955).
• قوله: (شطن فرسه): أي: حبل الفرس.
أرض المحشر في الشام هي القدس:
روى أبو جعفر الطحاوي والبيهقي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: الصلاة في مسجدك أفضل أم الصلاة في بيت المقدس؟ فقال: «الصلاة في مسجدي مثل أربع صلوات في مسجد بيت المقدس، ولَنِعْمَ الْمُصلَّى هو؛ أرض المحشر، وأرض الْمَنْشَر»؛ (حديث صحيح، السلسلة الصحيحة للألباني، ج: 6، ص: 954).
• روى أحمد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستخرج نار قبل يوم القيامة من بحر حضرموت، أو من حضرموت تحشر الناس، قالوا: فبم تأمرنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالشام»؛ (حديث صحيح، مسند أحمد، ج: 9، ص: 145، حديث: 5146).
• روى أبو الحسن الربعي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشام أرض المحشر والمنشر»؛ (حديث صحيح، صحيح الجامع للألباني، حديث: 3726).
• قوله: (الشام أرض المحشر والمنشر): أي: البقعة التي يُجمع الناس فيها إلى الحساب ويخرجون من قبورهم ثم يُساقون إليها، وخُصَّت بالشام؛ لأن أكثر الأنبياء بُعثوا منها، فانتشرت في العالم شرائعهم، فناسب كونها أرض المحشر والمنشر؛ [التيسير بشرح الجامع الصغير، عبدالرؤوف المناوي، ج: 2، ص: 81].
يتبع