عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-12-2023, 07:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,689
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حافظوا على أوقاتكم فكل يوم يمضي يقربكم إلى قبوركم

الخطبة الثانية

لا إله إلا الله! لله درهم، ما أحلى حياتهم، وما أعظم هممهم، وأشد حرصهم على استغلال أوقاتهم، ما أحلى هذه الحياة، حين يعرف الإنسان قدر وقته، حين تمر عليه الساعات وما عمل بها شيئًا فيتحسر عليها؛ لأنه يعلم أنها لن تعود، وأنها من ضمن حياته وعمره الذي سيسأل عنه بين يدي ربه سبحانه وتعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله أن يبارك لنا في أعمارنا، ويجعلها شاهدة لنا لا شاهدة علينا!

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم!

الحمد لله أمر بتقواه، وأخبر أن من اتَّقاه وقاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله، إن المتأمل إلى حال سلفنا الكرام مع أوقاتهم، كيف استخدموها، وشغلوها بالخير، والنفع للإسلام والمسلمين، ثم ينظر إلى حال الناس في هذا الزمان، كيف يقتلون أوقاتهم، كيف يشغلونها بما يضرهم، لا بما ينفعهم! كيف ينسلخ عمر الواحد منا وما شعر ببركته! كيف يقتل الواحد شبابه وما كأنه مر بعمر الشباب، نعم ما كأنه مر بعمر الشباب، وما ذاك إلا لجهل الناس بقيمة الأوقات، وما ذاك إلا لأنهم يغفلون، أو يتغافلون عن ذهاب أعمارهم، وأن كل يوم يمضي عليهم هو من أعمارهم.

ألم تعلموا- يا عباد الله - أننا منذ أن خلقنا ونحن مسافرون، ولن نحط رحالنا إلا في جنةٍ أو في نار- والعياذ بالله - ونسأل الله حسن الختام، وأن يجعلنا من أهل الجنان؟!

ألم تعلم - يا عبد الله - أن كل يومٍ يمر عليك يقربك من الموت منذ خُلقت، وأنت تدري، أو لا تدري، وأنك منذ خلقت وخرجت من بطن أمك وأنت تقتل أوقاتك، وحياتك؟!

يقول ابن الجوزي رحمه الله: «يا بن آدم، يا من أيام عمره في حياته معدودة، وجسمه بعد مماته مع دودة، ومع ذلك لجهل الإنسان يفرح بمرور الأيام، وانقضاء الأعوام» [8].

إنا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يومٍ مضى يدني من الأجلِ




ألم تعلم - يا عبد الله - أن كل يوم يمر عليك، ينهش من جسمك، ويضعف من قوتك وأنت لا تشعر، ولا تدري:
كل يومٍ مضى يذهب بعضي
يورث القلب حسرةً ثم يمضي.




وما حالك مع الأيام إلا كقطعة الثلج الواقفة تحت حرارة الشمس، كلما طال بقاؤها تضاءل حجمها، وذهب جِرمها.

يسر المرء ما ذهب الليالي
وكان ذهابُهُن له ذهابًا




يقول داود الطائي: «يا بن آدم، فرحت ببلوغ أملك، وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك، سوفت بعملك كأن منفعته لغيرك».

ودخل رجلٌ على داود الطائي يومًا، فقال: «إن في سقف بيتك جذعًا مكسورًا»، فقال: «يا بن أخي، إن لي في البيت منذ عشرين سنة ما نظرت إلى السقف!». منذ عشرين سنة ما نظر إلى السقف! لأنهم منشغلون بما ينفعهم بعد موتهم، أما هذه الدنيا فهي، وكل ما فيها من أمور الدنيا حقيرة، بل هي ملعونة، كما قال عليه الصلاة والسلام: «الدنيا ملعونة، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله، أو عالمًا، أو متعلمًا»[9].

رأيتك في نقصان مذ أنت في المهد
تقربك الساعات عن ساعة اللحد
ودنياك ساعاتٌ سراع الزوالِ
وإنما العقبى بلوغ المآلِ
فهل تبيع الخلد يا غافلًا
وتشتري دنيا المنى والضلال



فيا عبد الله،أدرِك ما بقي من عمرك، حاسب نفسك ما دامت روحك في جسدك، انظر ماذا قدمت لنفسك في صحيفة عملك؟ كم هي الأوقات التي تقضيها في طاعة ربك؟

هل سألت نفسك يا بن الثلاثين، والخمسين، والستين، كم هي الساعات التي تقضيها في نومك؟ وكم ساعات تصرفها في أكلك وشربك، وغير ذلك؟! ألم تعلم يا بن الستين، أنك لو نمت في اليوم ثمان ساعات، لكان رصيد نومك في حياتك - يا بن الستين - عشرين سنة؟!

عشرون سنة في صحيفتك أنك نائمٌ فيها، هذا في النوم، قل مثل ذلك في الأكل، والشرب، والمقايل التي تقتل الأوقات، وتسحقها.

قل لي بربك كم حظ الصلاة،والعبادة، وقراءة القرآن من وقتك؟! فانتبه يا عبد الله، انتبه لما بقي من عمرك، عسى الله أن يغفر لك ما مضى من حياتك. إذا غربت عليك شمس اليوم، وما قدمت في صحيفتك شيئًا لدينك، من حضور الصلوات في أوقاتها، ومن قراءة آيات القرآن وسماعها، وسماع ما يفيدك وينفعك، إلى غير ذلك من أبواب الخير، فابْكِ على هذا اليوم، ابكِ على هذا اليوم الذي ذهب منك، وسيشهد عليك لا لك!

إذا مر بك يومٌ وقد قتلت ساعاته في النوم والمقايل، والسهر فيما لا يعود عليك خيره وفائدته، فابكِ عليه، نعم، ابكِ عليه، فإنه ذهب بذمِّك، لا بمدحك، وسيكون شاهدًا عليك لا لك.

مرت سنونٌ بالوصال، وبالهنا
فكأنها من قصرها أيام
ثم انثنت أيام هجرٍ بعدها
فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام


فيا عبد الله، ويا أَمَة الله،لنتقِ الله جميعًا في أوقاتنا، ولنعلم أننا سنسأل عن لحظات حياتنا، وأعمارنا.

اتقوا الله يا عباد الله،واعمروا أوقاتكم بذكر الله، وبما يقربكم من الله!

يا أصحاب المقايل، إن كان ولا بد منها، وليس لكم غنًى عنها، فاعمُروها بذكر الله، وبما ينفعكم في دينكم ودنياكم، لتكن شاهدةً لكم لا عليكم.

أيها الرجال، أيتها النساء، تعلموا أمور دينكم، وتفقهوا بالذي يريده الله منكم، فإن الله يبغض كل عالم بأمور الدنيا، وكل جاهلٍ بأمور الآخرة.

أيها الناس اعرفوا قدر أوقاتكم، فإنها حياتكم، وما سيمضي منها هو من أعماركم ويقربكم إلى آجالكم، نظِّموا أوقاتكم، رتِّبوها لتعرفوها، لتعرفوها ولتستلذوا بها، واتقوا الله فيها لتسعدوا بها، لتدخلوا جنة الدنيا التي مَن حُرمها فلن يدخل جنة الآخرة.

أسأل الله العظيم بمنِّه وكرمه أن يجعل حياتنا وأعمارنا عامرةً بطاعته، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.......

[1] رواه الترمذي (2332).

[2] رواه أحمد في مسنده (10943).

[3] الجواب الكافي (ص159).

[4] رواه الترمذي (2416).

[5] الدرر المنتقاة (5/ 418).

[6] قيمة الزمن عند العلماء (ص53)، وعلو الهمة (ص202).

[7] صيد الخاطر (ص240).

[8] المدهش (ص353).

[9] رواه ابن ماجه (4112).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]