عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-01-2024, 03:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سلسلة شرح الأربعين النووية

الحديث 4: ((إن أحدكم يُجمَع خَلْقُه في بطن أمه))

عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يُجمَع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقةً مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك، ثم يُرسَل الْمَلَكُ فينفخ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم لَيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها))[1].

عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه تعرض لأطوار ومراحل خلق الإنسان، الذي كرمه الله على سائر المخلوقات، وبيان ما يُكتَب ويُقدَّر للإنسان لحظة نفخ الملك للروح من الرزق والأجل والعمل، ثم بيَّن أن الأعمال بالخواتيم، فيُختم له بحسب عمله الصالح أو الفاسد، فما هي الفوائد التي نفيدها من هذا الحديث؟

نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- الإكثار من حمد الله على نعمة الخلق والإيجاد في أحسن صورة، بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم مراحل تكوين الجنين في بطن أمه، ففي المرحلة الأولى: يكون نطفةً؛ أي: التقاء الحيوان المنوي ببويضة المرأة أربعين يومًا، وفي المرحلة الثانية: يكون علقةً؛ أي: عبارة عن دم جامد غليظ متعلق بجدار الرحم لمدة أربعين يومًا؛ قال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 2]، وفي المرحلة الثالثة: يكون مضغةً؛ أي: بقدر قطعة من اللحم تُمضَغ لمدة أربعين يومًا، إذًا مجموع الأيام السابقة، مائة وعشرون يومًا، على رأسها يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح، وهذا ما لا نقدر على الخوض في تفاصيله؛ قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، ثم تستكمل المراحل الأخرى؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14]، فالواجب – أيها الإخوة المؤمنون - أن نشكر الله على نعمة الخلق والإيجاد، والتصوير في أحسن صورة، ففضله وإنعامه علينا يفوق العَدَّ والحصر.

2- الإيمان بالقضاء والقدر طمأنينة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ويُؤمَر بأربع كلمات: بكَتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد))، بعد نفخ الروح يُؤمَر الْمَلَكُ بكتب أربع كلمات:
الكلمة الأولى: ما قدره الله عليه من رزق في عمره؛ فاطمئن على رزقك، واقنع بما أعطاك الله، وخذ بالأسباب المشروعة في تحصيله، ولا تَبِعْ دينك بعَرَضٍ قليل من الدنيا؛ ورحمة الله على القائل: "علمتُ أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأنَّ قلبي".

الكلمة الثانية: ما قدره الله عليه من أجل؛ أي: إنه سيعيش كذا وكذا من السنين، فالعاقل من عمَّر العُمْرَ بالطاعات والعمل الصالح، حتى إذا جاء أجله فرِح بلقاء ربه؛ ورحمة الله على القائل: "وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربي".

الكلمة الثالثة: ما قدره الله عليه من عمل صالح أو طالح، فالله أعطى لك الحرية والإرادة فاجتهد في العمل الصالح، واترك العمل الفاسد؛ ورحمة الله على القائل: "وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري، فشُغِلت به وحدي"، وهذا العمل سبب لِما يأتي في:
الكلمة الرابعة: وهي ما قدره الله عليه من شقاوة أو سعادة؛ تبعًا لعمله الصالح أو الفاسد؛ ورحمة الله على القائل: "وعلمت أن الله مطَّلِع عليَّ فاستحييت أن يراني على معصية".

قيل لأحد الصالحين: ما سر السَّكِينة التي تعتريك؟ فقال: "قرأت: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾ [يونس: 3]، فتركت أمري لصاحب الأمر، وقرأت: ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 6]، فأيقنت أن العسر زائل لا محالة، وقرأت: ﴿ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 87]، فأدركت أن خير الله قادم لا محالة".

فاللهم اجعلنا من السعداء، ونعوذ بك من الشقاوة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد عباد الله:
فنستفيد كذلك أن:
3- الأعمال بالخواتيم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم لَيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم لَيعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها))، نستفيد من هذا المقطع من الحديث النبوي:
أن الأعمال سبب دخول الجنة والنار؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124]، وقال في أهل النار: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ﴾ [طه: 74]، والآيات في المعنى كثيرة.

ونستفيد أن الأعمال بالخواتيم، فمن خُتِمَ له بالعمل الصالح فهو من أهل الجنة، ولو كان يعمل بعمل أهل النار؛ لأنها توبة ورحمة من الله أن هداه لذلك، وحسن الخاتمة من توفيق الله سبحانه وتعالى للعبد؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفِّقه لعمل صالح قبل الموت))[2]، فمن عرف هذا سارع إلى التوبة من قريب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 17، 18]، وفُسِّرت من قريب بأن يتوب إلى الله قبل الغَرْغَرَةِ، وقبل خروج الروح؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر))[3]، وكم من رجل صالح خُتِم له بعمل صالح؛ وهو يصلي أو يقرأ القرآن أو في الحج أو وهو صائم! وبالمقابل كم من شخص قُبِضت روحه وهو في حالة سُكْرٍ أو في حادثة سير مع فتاة يجمعهما الحرام!

فاللهم اختم لنا بالعمل الصالح وتوفَّنا عليه، آمين.


(تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 8، ومسلم، رقم: 16.

[2] رواه الترمذي، رقم: 2142.

[3] رواه أحمد، رقم: 6160.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 09-05-2024 الساعة 07:49 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.77 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]