عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-02-2024, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,803
الدولة : Egypt
افتراضي رسالة إلى المتزوجين حديثا

رسالة إلى المتزوجين حديثا
عدنان بن سلمان الدريويش

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]؛ أما بعد:
فقد شَرَعَ الله الزواج لِحِكَمٍ كثيرة؛ منها: إعفاف الزوجين وصيانتهما من الوقوع في المحرمات، والاستمتاع بالحلال، وتحقيق السَّكِينة والمودة، والرحمة والاطمئنان بين الزوجين، وتكوين ذرية صالحة، وتوثيق العلاقات والروابط بين الأُسَرِ والعائلات.

يا عباد الله: وبعد مرور أيام وشهور على الزواج، تصبح السنة الأولى من الزواج من أصعب مراحل الحياة الأُسَرِية؛ فهي كالاختبار الصعب إذا تم تجاوزه بنجاح، سارت الحياة الزوجية بأقل المشاكل والخلافات، وهي مرحلة انتقالية من العزوبية إلى حياة مشتركة مع شريك آخر، يشاركه اختياراته وقراراته وهمومه.

وتتميز السنة الأولى بظهور خلافات ومشاكل مفاجئة بشكل غير متوقَّع وغير محسوب، حتى إن الأزواج أنفسهم يتفاجؤون بحجم المشاكل وتداخلها، والبعض الآخر يقف حيرانَ لا يعرف كيف يتعامل معها، مشاكل متنوعة في الدراسة والسهر، والنفقة والطعام واللباس، وأغراض البيت والسرير، والأهل، واختلاف القيم والعادات، وغيرها.

يا عباد الله: تقول فتاة: أول سنة زواج كانت أسوأ سنة في حياتي، رغم أن زواجنا كان عن حبٍّ، وزوجي رجل ذو خُلُقٍ ومحترم، لكن اختلاف الطبع وتدخُّل الأهل بحياتنا، وصِغَر سنِّي، كلها أمور أدت إلى مشاكل كثيرة، ثم إلى الطلاق، ثم عُدنا، والآن تجاوزنا كل تلك الخلافات، ونعيش حياةً سعيدةً، ولا نسمح لأحد أن يتدخل في حياتنا.

ويقول شاب: الاختيار يلعب الدور الأكبر في حياة الأزواج، عشت مع زوجتي سنة وأربعة أشهر، كانت فترة سيئة جدًّا من حياتنا، كلها مشاكل وخلافات، استنفدنا جميع المحاولات إلى أن وصلنا للطلاق؛ لأن اختياري كان غير مناسب، أنا لا أتهم طليقتي أنها سيئة، لكني اكتشفت أنها لا تصلح لي، فهناك أشخاص جيدون جدًّا في المجتمع، لكن لا يستطيعون العيش معًا كأزواج.

يا عباد الله: رسالتي إلى المتزوجين حديثًا، عليكم في السنة الأولى أن تتصرفوا بحكمة ورَوِيَّة، مع الانتباه للنقاط الآتية:

أولًا: اكتشاف الحياة الجديدة بهدوء، وعدم التصرف بشكل متسرع ومنفرد، مع الابتعاد عن ردَّات الفعل الغاضبة.

ثانيًا: غالبًا ما تتراجع قوة المشاعر العاطفية والرومانسية بين الزوجين بعد أشهر قليلة من بداية الزواج، وهذا لا يعتبر موتًا للحب بعد الزواج، وإنما انتقال إلى مرحلة جديدة من الترابط العاطفي، وهذا تطور طبيعي للعلاقة الزوجية.

نفعني الله وإياكم بهدي نبيه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله، خلق فسوى، وقدر فهدى، وصلى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [الرعد: 38].

يا عباد الله: وعلى المتزوجين حديثًا أن ينتبهوا كذلك على النقاط الآتية:
ثالثًا: عدم الاعتماد على التوقُّعات والتصورات المسبَقة عن الزواج وعن شريك الحياة؛ لأنها تقود إلى المزيد من التوتر، بل عليه التأقلم مع الواقع الحقيقي للعلاقة الزوجية ومحاولة التعارف، ثم التآلف مع الشريك الجديد.

رابعًا: في الشهور الأولى قد يُهْمِل الزوجان أو أحدهما مسؤولياته والتزاماته، وهذا طبيعي بسبب المرحلة الجديدة؛ لذا فإن الحوار المفتوح بين الزوجين من أقصر الطرق وأفضلها لفضِّ الخلافات والمشاكل المتعلقة بالالتزام.

خامسًا: قد يشعر أحدهما بالندم وخيبة الأمل على الزواج؛ بسبب المشاكل وعدم القدرة على التعامل مع شريك الحياة، وهذا أمر طبيعي بسبب عدم التكيف الجيد من الطرفين؛ لذا عليهما تقبُّل هذه المشاعر وفهمها، وعدم وضع المسؤولية على الشريك الآخر، مع عدم التصريح بهذه المشاعر.

سادسًا: معظم العادات اليومية المزعجة عند الزوجين لا تظهر قبل الزواج؛ مثل: الفوضى، وعدم التنظيم، وعادات الطعام والاستحمام، وهنا عليك التكيُّف مع عادات شريك الحياة، ومساعدته على تغيير السلوكيات السلبية.

سابعًا: الشِّجار بين الزوجين في السنة الأولى ليس مشكلة، إنما المشكلة دائمًا كيف ينتهي هذا الشجار؟ وهل النهاية ممتدة لمشاكل جديدة أو تنتهي في وقتها؟ إن اكتساب الزوجين لمهارات حل المشكلات وغيرها من خلال حضور الدورات التدريبية، والاستماع للمتخصصين تُقلِّل من هذه المشاكل.

ثامنًا: غالبًا ما يكون الاندماج مع أسرة الشريك الآخر مرحلةً صعبةً، تحتاج إلى الكثير من الصبر والحكمة؛ لتجنُّبِ خلافات عميقة ومُزْمِنة، وهنا يجب عليهما الاتفاق المسبق على آلية التعامل مع الأسرة، مع الحرص على كسب أسرة الشريك الآخر؛ لأنها تقلل التصرفات المزعجة من قِبل الجميع.

تاسعًا: يستقبل العروسان في السنة الأولى من النصائح أكثر مما يستقبلان من التهاني، وعادةً ما تقود هذه النصائح إلى مزيد من التوتر والخلافات، وهنا على الزوجين عدم تعميم التجارب السلبية على الشريك الآخر، وعند الحاجة لعلاج المشكلة طلب الاستشارة من مستشار مختص بالعلاقات الأسرية والزوجية.

أخيرًا: قرار الإنجاب من أكثر القضايا تعقيدًا في السنة الأولى من الزواج، والأفضل أن يكون الإنجاب قرارًا مشتركًا مخططًا له، وليس فجأة أو حيلة.

هذا، وصلوا وسلموا - عباد الله - على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأعْلِ بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لِما تحب وترضى، وخُذْ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقِنْ دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عنا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، رُدَّ عنا كيد الكائدين، وعدوان المعتدين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، حسبنا الله ونعم الوكيل.

اللهم أبْرِمْ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.

اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، وردَّهم سالمين غانمين.

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، ﴿ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]