عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-02-2024, 10:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,369
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (36) ليس كل ما يلمع ذهباً



لا شك أن بعض الأشياء قد تتشابه في الظاهر ، وتتماثل في نظر بعض الناس عند الوهلة الأولى، إلا أنها تختلف في واقع الأمر، ولا تخفى حقائقها على ذوي البصائر والتمييز، فهم يعرفون الفرق بين المتماثلات ظاهرا، ويدركون أن ليس كل ما يلمع ذهبا، في حين أن بسطاء التفكير ومحدودي العلم يغترون بالمظاهر، وينجرفون وراء البريق الزائف والدعاوى العريضة التي لا تستند إلى دليل ولا يؤيدها برهان.
والنصوص الشرعية تؤكد أن العبرة بالحقائق، وتحذر من الاغترار بالمظاهر، فمن ذلك قوله تعالى عن المنافقين :{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ }، قال ابن كثير :«أَيْ وَكَانُوا أَشْكَالا حَسَنَة وَذَوِي فَصَاحَة وَأَلْسِنَة، وَإِذَا سَمِعَهُمْ السَّامِع يُصْغِي إِلَى قَوْلِهِمْ لِبَلاغَتِهِمْ ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي غَايَة الضَّعْف وَالْخَوَر وَالْهَلَع وَالْجَزَع وَالْجُبْن».
وقال الشيخ ابن سعدي:» { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } من روائها ونضارتها، { وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } أي: من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه، فأجسامهم وأقوالهم معجبة، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدي الصالح شيء، ولهذا قال: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } لا منفعة فيها، ولا ينال منها إلا الضرر المحض، { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم، والريب الذي في قلوبهم يخافون أن يطلع عليهم».
ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، فعن سهل ابن سعد قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» قال: رجل من أشراف الناس، حَرِيٌّ – والله - إن خَطَبَ أنْ يُنكح، وإنْ شَفَعَ أن يُشَفَّع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل آخر، فقال صلى الله عليه وسلم للرجل: «ما رأيك في هذا»؟ فقال: يا رسول الله! هذا رجل من فقراء المسلمين، حَرِي إنْ خَطَبَ ألا يُنكَح، وإنْ شَفَعَ ألا يُشَفَّع، وإنْ قال ألا يُسمَع لقوله، فقال [: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» أخرجه البخاري.
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاغترار بأصحاب الأهواء والبدع مهما كان ظاهرهم حسنا، كما قال صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» أخرجه البخاري، فالخوارج بالغوا في التدين إلا أن ذلك لم ينفعهم لما كانوا عليه من انحراف منهجي وضلال فكري؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين»، وعن أنس رضي الله عنه قال: ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج فيكم أو يكون فيكم قوم يتعبدون ويتدينون حتى يعجبوكم وتعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية» أخرجه ابن أبي عاصم وقال الألباني: إسناده صحيح.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له؛ فإن العامل يعمل زمانا من دهره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيئا ، وإن العبد ليعمل زمانا من دهره بعمل لو مات دخل النار ثم يتحول فيعمل عملا صالحا ، فإذا أراد الله بعبده خيرا استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح» أخرجه ابن أبي عاصم في السنة وقال الألباني :إسناده صحيح.
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا عليكم ألا تعجبوا بأحد حتى تعلموا بما يختم له» أخرجه ابن أبي عاصم وقال الألباني : إسناده صحيح.
وحذر سلف الأمة من الاغترار بالمظاهر الزائفة والدعاوى المغشوشة، فعن يونس ابن عبد الأعلى الصدفي قال: قلت للشافعي: «كان الليث بن سعد يقول: «إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء: فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة». فقال الشافعي: «قصر الليث رحمه الله، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء : فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة».
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: «ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون »، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: «إن فيما أخشى عليكم زلة عالم وجدال المنافق بالقرآن ـ والقرآن حق ـ وعلى القرآن منار كأعلام الطريق».
وعن ابن عباس: «ويل للأتباع من عثرات العالم، قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئا برأيه ثم يجد من هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منه فيترك قوله ذلك، ثم تمضي الأتباع»، وقال علي بن أبي طالب: «إياكم والاستنان بالرجال؛ فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار فيموت وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فينقلب لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة، فإن كنتم لا بد فاعلين فبالأموات لا بالأحياء» الجامع لابن عبد البر ، وقال ابن مسعود: «ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن ، وإن كفر كفر؛ فإنه لا أسوة في البشر»، وقال أيضا: «من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة ؛ أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم».
وقال عبد الله بن المبارك: «رب رجل في الإسلام له قدم حسن وآثار صالحة، كانت منه الهفوة والزلة لا يُقتدى به في هفوته وزلته»، وقال الإمام مالك: «ليس كل ما قال رجل قولا – وإن كان له فضل – يتبع عليه؛ لقول الله عز وجل: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، وقال مجاهد: «ليس من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم»، وقال ابن خزيمة: «ليس لأحد قول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح الخبر عنه».
وخلاصة القول أن الشرع المطهر قد وضع لنا معايير دقيقة وموازين عادلة للحكم على الاعتقادات والأقوال والأفعال والأشخاص والأشياء، الأخذ بها نجاة، والإعراض عنها أو تعطيلها باب الضلال والهلاك، فالمسلم يستضيء بنور الله الذي أنزله إلينا في كتابه وسنة رسوله [ ويميز بين المظاهر والحقائق، ولا يغتر بكل ناعق، ولا يشتري كل لامع؛ فليس كل ما يلمع ذهبا، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 05-05-2024 الساعة 01:17 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.66 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.41%)]