عرض مشاركة واحدة
  #40  
قديم 02-03-2024, 08:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,718
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (42)

من يظهر عيوب الآخرين ينحط في نظر المستمعين



يتلذذ بعض الناس بذكر عيوب الآخرين والانتقاص منهم، فيشغل فراغه بتتبع أخبارهم، ثم يقضي وقته في مضغ عيوبهم وفضح أسرارهم، وقد يحمله ذلك المرض على الكذب والافتراء ليزيد للخبر نكهة تحمل السامعين على مشاركته في لذة الوقيعة بالآخرين، وعدم استنكار ذلك أو الإعراض عنه.
وهذا السلوك المريض المنحرف سماه الشرع «غيبة» فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره» أخرجه مسلم، قال المناوي: «ومن أحسن تعاريفها: ذكر العيب بظهر الغيب».
وهذا المرض وللأسف شائع لدى النساء والرجال على حد السواء إلا من رحم الله وعافاه من أكل لحوم الآخرين والتفكه بأعراضهم في غيبتهم، وقد نهانا الله عز وجل عن هذا الفعل القبيح بأشد التحذير فقال عز وجل: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}، قال ابن سعدي: «وفي هذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأن الغيبة من الكبائر؛ لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر».
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس: إِنَّمَا ضَرَبَ اللَّه هَذَا الْمَثَل لِلْغِيبَةِ لِأَنَّ أَكْل لَحْم الْمَيِّت حَرَام مستقذر, وَكَذَا الْغِيبَة حَرَام فِي الدِّين وَقَبِيح فِي النُّفُوس. وَقَالَ قَتَادَة: كَمَا يَمْتَنِع أَحَدكُمْ أَنْ يَأْكُل لَحْم أَخِيهِ مَيِّتًا كَذَلِكَ يَجِب أَنْ يَمْتَنِع مِنْ غِيبَته حَيًّا.
والعلماء متفقون على أَنَّ الْغِيبَة مِنْ الْكَبَائِر, وَأَنَّ مَنْ اِغْتَابَ أَحَدًا عَلَيْهِ أَنْ يَتُوب إِلَى اللَّه عز وجل، قال ابن كثير: «وَالْغِيبَة مُحَرَّمَة بِالْإِجْمَاعِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا رُجِّحَتْ مَصْلَحَتُهُ»، والدليل على ذلك: ما أخرجه أَبو دَاوُد عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه [: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَار مِنْ نُحَاس يَخْمُشُونَ وُجُوههمْ وَصُدُورهمْ فَقُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُوم النَّاس وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضهمْ».
قال الشراح:» لما كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات جعلهما جزاء من يغتاب ويفري في أعراض المسلمين إشعارا بأنهما ليسا من صفات الرجال، بل هما من صفات النساء في أقبح حالة وأشوه صورة «.
وَعَنْ الْمُسْتَوْرِد أَنَّ رَسُول اللَّه [ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِم أَكْلَة فَإِنَّ اللَّه يُطْعِمهُ مِثْلهَا مِنْ جَهَنَّم، وَمَنْ كُسِيَ ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِم فَإِنَّ اللَّه يَكْسُوهُ مِثْله مِنْ جَهَنَّم، وَمَنْ أَقَامَ بِرَجُلٍ مَقَام سُمْعَة وَرِيَاء فَإِنَّ اللَّه يَقُوم بِهِ مَقَام سُمْعَة وَرِيَاء يَوْم الْقِيَامَة».
قال الشراح: «قوله: «مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِم أَكْلَة» أي بسبب اغتيابه والوقيعة فيه أو بتعرضه له بالأذية عند من يعاديه، قال ابن الأثير: معناه الرجل يكون صديقا ثم يذهب إلى عدوه فيتكلم فيه بغير الجميل ليجيزه بجائزة فلا يبارك الله له فيها» اهـ.
وقَوْله [:«يَا مَعْشَر مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُل الْإِيمَان قَلْبه، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ»، قال الشراح: «فيه تنبيه أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن».
وعن سعيد بن زيد عن النبي [ قال: «إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق» أخرجه أبو داود، قال الشراح: «أي من أكثر الربا وبالا وأشده تحريما إطالة اللسان في عرض المسلم، أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه بنحو قذف أو سب، وإنما يكون أشد تحريما لأن العرض أشد على النفس من المال» «أهـ.
وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رضي الله عنه: «إِيَّاكُمْ وَذِكْر النَّاس فَإِنَّهُ دَاء , وَعَلَيْكُمْ بِذِكْرِ اللَّه فَإِنَّهُ شِفَاء»، وقال الحسن: «والله للغيبة، أسرع في دين الرجل من الأكلة في الجسد».
ما واجب المسلم تجاه الغيبة؟
أولاً: يجب على المسلم أن يتجنب الغيبة ويتوب منها ويقلع عنها؛ لما ورد فيها من الوعيد الشديد والترهيب الرهيب كما تقدم، وقد أخرج أبو داود والترمذي عن عائشة أنها قالت للنبي [: «حسبك من صفية أنها كذا وكذا» تعني قصيرة، فقال [: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» أي عكرته.
ثانياً: إذا ابتلي المسلم بالغيبة فعليه أن يعالج نفسه منها، وذلك بالعلم والعمل كما قال الغزالي: «إعلم أن مساوئ الأخلاق كلها إنما تعالج بمعجون العلم والعمل، وعلاج كف اللسان عن الغيبة إجمالا: أن يعلم أنه يتعرض لسخط الله تعالى إذا اغتاب لارتكابه ما نهى الله عنه، فمهما آمن العبد بما ورد من الأخبار في الغيبة لم يطلق لسانه بها خوفا من ذلك».
وينفعه أيضا أن يتدبر في نفسه، فإذا وجد فيها عيبا اشتغل بعيب نفسه [، وفي الأثر: «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس».
ومهما وجد عيبا فينبغي أن يستحيي من أن يترك ذم نفسه ويذم غيره، بل ينبغي أن يتحقق أن عجز غيره عن نفسه بالتنزه عن ذلك العيب كعجزه، هذا إذا كان ذلك عيبا يتعلق بفعله واختياره، وإن كان أمرا خلقيا، فالذم له ذم للخالق؛ فإن من ذم صنعة فقد ذم الصانع، وإذا لم يجد العبد عيبا في نفسه فليشكر الله تعالى ولا يلوثن نفسه بأعظم العيوب، فإن ثلب الناس وأكل لحم الميتة من أعظم العيوب؛ بل لو أنصف لعلم أن ظنه بنفسه أنه بريء من كل عيب جهل بنفسه، وهو من أعظم الذنوب.
وينفعه أيضا أن يعلم أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له؛ فإذا كان لا يرضى لنفسه أن يُغتاب، فينبغي ألا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه.
وبالجملة: فمن قوي إيمانه انكف عن الغيبة لسانه. اهـ.
ثالثا: على المسلم إذا سمع غيبة مسلم أن يدافع عنه ما استطاع ويزجر قائلها، فعن أبي الدرداء أن النبي [ قال: «من رد عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة»، وقال رسول الله [: «من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار» أخرجه أحمد، وقَالَ رَسُول اللَّه [: «مَا مِنْ امْرِئ يَخْذُل امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِع تُنْتَهَك فِيهِ حُرْمَته وَيُنْتَقَص فِيهِ مِنْ عِرْضه إِلَّا خَذَلَهُ اللَّه تَعَالَى فِي مَوَاطِن يُحِبّ فِيهَا نُصْرَته، وَمَا مِنْ امْرِئ يَنْصُر اِمْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِع يُنْتَقَص فِيهِ مِنْ عِرْضه وَيُنْتَهَك فِيهِ مِنْ حُرْمَته إِلَّا نَصَرَهُ اللَّه عز وجل فِي مَوَاطِن يُحِبّ فِيهَا نُصْرَته» أخرجه أَبُو دَاوُدَ.
فنسأل الله تعالى أن يعافينا جميعا من الغيبة وسائر آفات اللسان، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 10-05-2024 الساعة 11:52 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.04 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]