عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-03-2024, 12:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: (أحوال الناس في استقبال رمضان)



فالصوم جنة، وباب من أبواب الجنة.

قال ابن القيم- رحمه الله -: «وناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها، وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين» [10].

أيها المسلمون عباد الله، اعلموا - رحمكم الله- أن وجودنا في هذه الدنيا إنما هي لحظات، نعم هي لحظات قليلة، وأنفاس معدودة، وأعمار قصيرة، وآجال محدودة، وكما أننا سوف نستقبل هلال شهر، رمضان بعد ساعات وأيام معدودات، فإننا - والله- سوف نودِّعه عما قريب، وهل تدري يا عبد الله هل سيدخل عليك رمضان بعد هذه الساعات، أم أنه سيُقال: فلان مات؟ وإذا دخل عليك هل ستدرك بقيته، أم أنك ستكون في عداد الأموات؟ كيف لا وقد فارَقَنا، ورحل عنا العشرات، والعشرات، فأين الذين صاموا معنا في العام الماضي؟! بل أين الذين كانوا معنا في الشهر الماضي؟!
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
متى حُط ذا عن نعشه ذاك يركب


اليوم يا عبد الله أنت على ظهر الأرض، وغدًا في باطنها، اليوم تنام في غرفتك، وغدًا في خارجها:




فيا من أعرض عن الله طوال عامه، ويا من جعل الدنيا أكبر همه، ها هو رمضان قد أقبل عليك، فأقبِل عليه، يا ذا الذي ما عرف المساجد ولزم المقايل، ويأيها المفرط الغافل، التوبة التوبة، والبدار البدار، يا من هجر القرآن، ها هو شهر رمضان، شهر القرآن، يا كل معرض عن أوامر رب العالمين، إن لم تتب، وترجع إليه في هذا الشهر العظيم، الذي قد صفدت فيه الشياطين، فمتى؟ إن لم تغير من حياتك، وتعمل فيه ليوم وفاتك في هذا الشهر الكريم، فمتى؟ فالله الله يا عباد الله، الله الله يا عبد الله بالرجوع إلى الله، عُد إلى ربك، واجعل رمضان أول أيام عمرك، كفى بعدًا عن الله، كفى تضييعًا لأوقاتك التي ستُسأل عنها بين يدي الله، كفى!
كفى يا نفس ما كانا
كفاك هوًى وعصيانا
ويا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ
حتى عصى ربَّه في شهر شعبان


فاحمد الله إن أبقاك الله حيًّا لتدرك رمضان، فإن جيرانك، وأصدقاءك الذين كانوا معك، تحت أطباق الثرى يتمنون لو يفتدون بهذه الدنيا لأجل أن يصوموا رمضان، ولكن هيهات هيهات، فلا رجعة للدنيا لمن مات وفات، إن أدركت رمضان، ومتعك الله بصيام نهاره وقيام ليله، فقد أعطاك الله خيرًا كبيرًا، وفضلك على من حرم منه تفضيلًا عظيمًا.

نعم -أيها الناس- إن من يشهد رمضان ويجتهد فإن درجته في الجنة تعلو على درجة الشهيد الذي استُشهد قبل رمضان؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده، وصححه الألباني رحمهما الله عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ [وهو حَيٌّ من قُضَاعَةَ] قَدِمَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ»؟! فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً»، قَالُوا: بَلَى! قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَصَامَ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ»؟! قَالُوا: بَلَى! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»[11].

أسأل الله الكريم أن يبلغنا رمضان، وأن يجعلنا فيه بخير وسلام وأمان!

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

(الخطبة الثانية)
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله على نبينا محمد القائل: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

معاشر المسلمين، والمسلمات، لو تأملنا في حال إخواننا، في بعض الدول، والمحافظات، وهم يستقبلون رمضان في شدة حرارة الصيف، أو في ظل الظروف القاسيات، وليس معهم ما يبرد أجسادهم، ولا ما يسهل عليهم صيامهم، وفوق ذلك اندلاع الحرب التي دبَّت بينهم، فمن دخل عليه رمضان وهو في سلامة، وأمان، وغير ذلك مما فُقد في كثير من البلدان؛ فليحمد الله وليشكره؛ فإن الله شكور يحب الشاكرين.

يا من يدخل عليكم رمضان، وأنتم تتنعَّمون بالأجواء الجميلة، والأمطار الغزيرة، اشكروا الله على ما حباكم من جمال الطبيعة، والسلام، والأمان والطمأنينة! معاشر المسلمين والمسلمات، ونحن نعيش بفرحة تهز مشاعرنا، وبشوق يملأ قلوبنا؛ بانتظار شهر رمضان الذي عمَّا قريب سيطرق أبوابنا، دعونا نعد عدتنا، ونتأهَّب لاستقبال هذا الضيف الذي سيهلُّ علينا، وينزل بنا، فمن حق الضيف أن يُحسَن استقباله، وأن يُجهَّز له زاده، ومكانه، فمن أوائل عدتنا، وأخذ أهبتنا لاستقبال شهرنا العظيم، وضيفنا الكريم: تعلم أحكامه، ومعرفة فضله، وآدابه، فكم هي المحظورات، وكم هي الأخطاء والمخالفات التي يقع فيها كثير من الصائمين، والصائمات ولا يسألون عنها عند اقترافها، أو بعد الوقوع فيها، وكل ذلك منشؤه الجهل والتقصير، فتعلم أيها المسلم أمور دينك، لتعبد الله بالطريقة، والكيفية التي يريدها منك؛ فإن الله يبغض كل عالمٍ بأمور الدنيا؛ جاهلٍ بأمور الآخرة.

من الاستعداد كذلك لشهر لرمضان: إظهار رابطة الأُخوة والتلاحم، وتحقيق خلق التعاطف والتراحم، وخاصة في هذه الأوضاع الخطيرة، وهذه الفواجع والمواجع المريرة التي تمر بها البلاد اليمنية، وسائر البلدان الإسلامية، فرمضان جاء ليهذب نفوسنا، ويحقق تقوانا وإيماننا، فليس من التقوى والإيمان، أن يبيت الواحد منا شبعان، وجاره بجواره جوعان، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع بجواره وهو يعلم به!»[12]، ليس من التقوى والإيمان أن يظهر الجشع والهلع منا في شهر رمضان فنتنافس في احتكار السلع، أو تخزين الطعام، ليس من الإيمان أن يَظهر اغتمامنا، أو نُظهر اهتمامنا بشراء ألوان الطعام، أكثر من بقية العام، وكأنه شهرُ طعام لا شَهر صيام، فالله الله - يا أمة الإسلام- بتحقيق مقاصد الصيام، والله الله بالنظر إلى المساكين، والأيتام، والرحمة بمن لا يجدون الشراب والطعام في شهر الصيام- خاصة في هذه الأيام، وفي ظل هذه الأزمة التي تمر بها بلاد الحكمة والإيمان، فالراحمون يرحمهم الرحمن، الراحمون يرحمهم الرحمن.

كذلك من الاستعداد لشهر الصيام، ومما ينبغي أن يصرف له بالغ الاهتمام في شهر رمضان: الابتعاد والحذر، بل والتحذير من كل ما يخل بالصيام، ويمحق علينا بركة الأيام، ويبعدنا من الخيرات، والرحمات التي تتنزل في هذه الأيام العظام؛ بما في ذلك، بل وأعظم ذلك وأخطر من كل ما هنالك فتنة القنوات التي تسحق وتقتل الأوقات، وتفسد الصيام على المسلمين والمسلمات، وهذا - وربي- مقصد عظيم من مقاصد أعداء الإسلام الذين يريدون أن يفسدوا على المسلمين الصيام، ويشغلوهم عن طاعة الرحمن.

فأعظم ما نستقبل به شهر رمضان؛ هو الحذر من أعداء الإسلام الذين يبارزون الله بالمعاصي والحرام، وخاصة في هذا الشهر الكريم، وهذا الموسم العظيم، وأعظم ما نستقبل به شهر رمضان هو المحافظة على أوقاتنا، والحذر من أعدائنا الذين يريدون أن يقتلوا علينا أوقاتنا، ويفسدوا علينا صيامنا، ولنعلم أن أعداء الإسلام مذ بزغ نجم هذا الدين، من يهود، ونصارى، ومنافقين؛ ما زالوا وسيزالون يحاولون إفساد هذا الدين، بشتى وسائلهم الماكرة، وطرقهم المحرمة البائرة، لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، لا يفرقون بين مكان وبين آخر، ولا بين رمضان وبين غيره، هم العدو فاحذرهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
كلُّ العِدَا قَد جَنَّدوا طَاقَاتِهِم
ضِدَّ الهُدَى والنورِ ضِدَّ الرِّفعَةِ
إِسلامُنا هُو دِرعُنَا وَسِلاحُنَا
ومنارنا عَبرَ الدُّجَى فِي الظُّلمَةِ


أيها الغيورون على أعراضهم، ومبادئهم، وقيمهم، وأخلاقهم، إن أعداء الإسلام يعرفون تمام المعرفة، أين، ومتى، وكيف يفتكون بالإسلام وأهله، يعرفون خير شهورنا، وأيامنا، وساعاتنا؛ فلذلك هم يُلقون شرَّ سموماتهم، ومكايدهم للمسلمين في خير أوقاتهم، حتى يصرفوهم عن صيامهم وعن طاعة ربهم، لكن أنى لهم أن يُفلحوا، أنى لهم أن ينجحوا ما تمسكنا بديننا، وعقيدتنا:
لن تستطيع حصار فكري ساعة
أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي
ربي وربي ناصري ومعيني

أمة محمد صلى الله عليه وسلم، اعلموا أن أمتنا أمة الإسلام ما فضلت على غيرها إلا بمزاياها، وفضائلها، ومن أبرز مزاياها أنها لا تقر منكرًا، وتأمر بالمعروف، وإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما بقي لها إلا أيامٌ معدودات حتى تستقبل هلال شهر رمضان، حتى يدخل عليها شهر الخيرات، والبركات، شهرٌ تُصَفَّد فيه الشياطين، وتُفتَح فيه أبواب الجنان، وتغَلَّق فيه أبواب النيران، شهر الصيام والقيام، شهر الرحمة والغفران، شهر يطعم فيه المسكين، ويكسى فيه اليتيم.
الخير بادٍ فيك والإحسان
والذكر والقرآن يا رمضان
والليل فيك نسائم هفهافة
حنت لطيب عبيرها الرهبان

وإن غاية المقصود من هذه الإشارات، وهذه المقدمات أن نعلم أن أصحاب القنوات، وأصحاب الأفلام والمسلسلات، يبارزون الله بالمعاصي في رمضان أكثر من بقية شهور العام، ألسنا نشاهد في رمضان منكرات، ومسلسلات ما رأيناها ولا شاهدناها في غير رمضان؟ أليس إعلام من ينتسبون إلى الإسلام، يبثون تمثيليات وأغنيات وأفلامًا، ساعات معدودة، وفي أوقات محدودة قبل رمضان، ثم إذا جاء رمضان تراهم يشحنون اليوم شحنًا بالأفلام والتمثيليات، واللقاءات والمسرحيات، ولا يذكرون الله إلا قليلًا، وتراهم يلعبون بعقول المسلمين، ويسرقون أوقاتهم، ليصرفوهم عن طاعة رب العالمين، حتى في أوقات الصلوات، وحتى في الليالي الأخيرة، وفي الأوقات المباركات.

إذًا أليس إعلام المسلمين يبارزون الله بالمعاصي في رمضان، أكثر من بقية شهور العام؟ فيا بن الإسلام، ويا من منَّ الله عليك بحلول شهر رمضان، حذارِ ثم حذارِ من أن تُخِلَّ بصومك، وتضيع من وقتك، ووقت أولادك وأهلك.

إياك ثم إياك، أن تسكت على هذه المنكرات التي في بيتك، وعلى هذه القنوات التي ستسأل عنها بين يدي ربك، والتي هي - والله - من أعظم ما يُعصى الله بها في هذا الشهر العظيم، وقتَك وقتَك يا عبد الله، إياك إياك أن يأخذه عليك أعداء الله، فتخرج من هذا الشهر الكريم مفلسًا، خاسرًا لم تشملك مغفرة الله، ولا رحمة الله؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال من أدركه رمضان ولم يغفر له».


فإياك إياك أن يمرَّ عليك يوم من رمضان، وأن تنسلخ عليك ليلة من تلك الليالي العظام، وما عمرتها بذكر وطاعة الرحمن.

فاجتهد -رحمك الله - واجتهدي يا بنة الإسلام، ويا أمة الرحمن، لنجتهد جميعًا من أول ساعات هذا الشهر العظيم، ولنملأ نهاره وليله بما يقربنا من رحمة الرب الكريم، ويبيض وجوهنا يوم لقاء الله رب العالمين:
مضى رجبٌ وما أحسنتَ فيهِ
وهذا شهرُ شعبانَ المبارَكْ
فيا من ضيَّع الأوقات جهلًا
بحرمتها أفِق واحذر بَواركْ


أسأل الله العظيم أن يبلغنا وإياكم رمضان سالمين، غانمين، وأن يغفر لنا ولكم ولجميع المسلمين.

[1] رواه البخاري (1898)، ومسلم (1079).

[2] المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم (3/ 136).

[3] رواه الترمذي (682) وابن ماجه (1642).

[4] رواه أحمد (23070).

[5] رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151).

[6] رواه البخاري (1894).

[7] رواه مسلم (1151).

[8] فتح الباري (4/ 108).

[9] لطائف المعارف (ص146).

[10] مفتاح دار السعادة (2/3).

[11] رواه أحمد (1403).

[12] رواه الطبراني في الكبير (751).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]