عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 11-03-2024, 12:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,468
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(5)

لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها

اعداد: الفرقان



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له منهجه وطريقه، ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، ويخسر أفراده، ويضيع كل ذلك سدى. ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.
باب: في قوله تعالى {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}
2125. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ [ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قَالَ: َفاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ [، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، كُلِّفْنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَا نُطِيقُهَا ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟! بَلْ قُولُوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} قَالُوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قَالَ: نَعَمْ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قَالَ نَعَمْ: رَبَّنَا {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قَالَ: نَعَمْ {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قَالَ: نَعَمْ.
الشرح:
الباب الرابع من كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري هو في قوله تبارك وتعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء} الآية من أواخر سورة البقرة، وقد روى فيها الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، حديثا في سبب نزولها، وقد أخرجه مسلم في الإيمان ( 125). والحديث أنه:
لما نزل على رسول الله [ أولها، وهو {لله ما في السموات وما في الأرض} أي: لله سبحانه وتعالى ما في السموات وما في الأرض مُلكاً وخلقا، فالجميع خلقه والجميع عبيده، والجميع ملكه، فرزقهم على الله، وتدبيرهم على الله، لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعا، إلا ما شاء الله، ثم قال تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ}، لما نزلت هذه الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله [، وشقّ عليهم، وهو أن الله سبحانه وتعالى يحاسبهم على ما أخفوا في الضمائر، فيحاسب الإنسان على ما أسر في نفسه، أي: ما جال في صدره، وخطر في قلبه من الخواطر، يحاسبه الله عليه، فكانت هذه شديدة على الصحابة؛ لأنه ما من إنسان، إلا ويخطر في باله أشياء قد يفعلها وقد لا يفعلها.
ولهذا قال الصحابة رضي الله عنهم: «يا رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها «فقولهم» ولا نطيقها» يعني: كيف يحاسبنا الله سبحانه وتعالى على ما نحدث به أنفسنا، ولا يسلم أحدٌ من البشر من ذلك ؟!
لكن النبي [ حذّرهم من مشابهة أهل الكتاب الذين كانوا يقولون: سمعنا وعصينا، أي: سمعنا قولك وعصينا أمرك، فكانوا يسمعون أوامر الله ثم يخالفونها عمدا! فقال: « أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا» أي: استجيبوا لله سبحانه وتعالى، وانقادوا لأمره، وقولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير.
ولما طلب منهم رسول الله [ ذلك، استجابوا وقرأوه بألسنتهم، وذلوا لأمر الله سبحانه، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تبارك وتعالى، فأنزل هذه الآية: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ...} (البقرة: 286).
- إذاً: فقول الله سبحانه وتعالى {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ}، هذا منسوخ؛ لأن راوي الحديث ينص على النسخ لفظا، وهذا لا يكون إلا بعلم من رسول الله [، والنبي [ أمرهم أن يأتوا بالسمع والطاعة لما أنزل الله عز وجل، فلما فعلوا ذلك ألقى الله سبحانه وتعالى في قلوبهم الإيمان، واستسلموا لله، وهذا هو معنى الإسلام، هو الاستسلام لله عز وجل بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، بطاعته عز وجل فيما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، لما فعلوا ذلك، رفع الله عز وجل عنهم الحرج، ونسخ عنهم هذا التكليف. ومعلوم أن النسخ له طريقان: العلم به إما بخبر من الراوي أو بخبر من رسول الله [، وإما أن يعرف النسخ بالتاريخ، وقد اجتمعا في هذه الآية، فهذه الآية فيها نص الراوي على حصول النسخ، وفيها أيضا بيان ترتيب النزول وتاريخ الخبر؛ فإن هذه الآية فيها خبر لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} فهذا خبر عن التكليف والمؤاخذة بما تحدث بها أنفسها، ثم جاء الخبر برفع الحرج والمؤاخذة.
ومن أهل العلم من قال: إنه لا نسخ في الآية؛ لأن الصحابة فهموا شيئا لا يريده الله تعالى، فقالوا: إنما أخبرهم الله عز وجل أنه يؤاخذهم بما تستقر عليه الأمور في نفوسهم، ولا يؤاخذهم بالخواطر العابرة؛ لأن ما استقر بالقلب صار همّاً وعزما، يؤاخذ به الإنسان، والله سبحانه وتعالى ما جعل في دينه من حرج، لا في الأوامر ولا في النواهي.
فالحاصل أن الأمور التي تشق على النفوس، ليست هي من دين الله عز وجل؛ لأنه ليس في دين الله عز وجل تكليف بما لا يطاق.
لكن الحديث يدل على حصول النسخ، وأنهم لما أمروا بذلك وشق عليهم، رفع الله تعالى عنهم ذلك، لما ذلوا لله وانقادوا لله سبحانه وتعالى.
وهاتان الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه...ِ} (البقرة: 285 - 286)، هما آيتان عظيمتان، وقد جاء في الحديث أنهما نزلتا من كنز تحت العرش، وورد في الحديث: « أنهما لا تقرأن في دار فيقربها شيطان ثلاث ليال «. وورد في الحديث عند مسلم أيضا: «من قرأ بالآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كفتاه «. قال أهل العلم: أي كفتاه من كل شر. وقال بعضهم: كفتاه من قيام الليل؛ لعظمة ما في هاتين الآيتين.
وأما المعنى الإجمالي لهاتين الأيتين: فأولا ابتدأ الله تعالى قوله {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} ابتدأه بالشهادة لرسوله عليه الصلاة والسلام بإيمانه بما أنزل إليه من ربه، وصار كالمؤمنين في ذلك الإيمان، فالمؤمنون شاركوا الرسول عليه الصلاة والسلام في الإيمان بما أنزل إليه من ربه، ومن آمن بما أنزل إليه من ربه، فقد ضمن إعطاءه ثواب الإيمان من الله عز وجل. وقال أهل العلم: إن إيمان الرسول عليه الصلاة والسلام بما أنزل إليه من ربه، هو زيادة على ثواب الرسالة والنبوة، لأنه شارك المؤمنين في الإيمان، وامتاز عنهم بالرسالة والنبوة. وقوله تعالى: {بما أنزل إليه من ربه} يتضمن أن القرآن كلام الله، ومنه نزل لا من غيره، كما قال تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بالحق} (النحل: 102). وقال {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} (الواقعة: 80).
ثم شهد تعالى للمؤمنين بأنهم آمنوا بما آمن به رسولهم من الإيمان بالله تعالى، وملائكته وكتبه ورسله، وهذه قواعد الإيمان الخمسة التي لا يكون أحدٌ مؤمنا إلا بها، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
ثم حكى عن أهل الإيمان أنهم قالوا {لا نفرق بين أحد من رسله} أي: لا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؛ لأنهم لو فعلوا ذلك ما نفعهم إيمانهم بالله، فلو آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم ما نفعهم الإيمان؛ ولذلك هم لا يفرقون في الإيمان بين أحد من رسله؛ لأن الجميع جمعتهم الرسالة الإلهية، فالذي يفرق بينهم يكون مؤمناً ببعض كلام الله كافرا ببعضه، مصدقا ببعض كلام الله مكذبا ببعضه. وتضمنت أيضا هذه الآية: الإقرار بركني الإيمان الذي لا يقوم الإيمان إلا بهما: وهما أولا: السمع {وَقَالُواْ سَمِعْنَا} فالسمع هاهنا بمعنى القبول، لا مجرد سماع الصوت لأن سماع الصوت أمر مشترك بين المؤمنين والكافرين، لكن قولهم: سمعنا، بمعنى: قبلنا.
الركن الثاني: الطاعة {وأطعنا} أي: انقدنا لأمر الله سبحانه وتعالى، وامتثلنا أمره، وهذا عكس عمل الأمة الغضبية، وهم اليهود الذين قالوا: سمعنا وعصينا. ثم قالوا: {غفرانك ربنا وإليك المصير} لما علموا أنهم لن يوفوا مقام الإيمان حقه من الطاعة والانقياد الذي يقتضيه منهم، بل لا بد أن تحصل منهم غلبات الطباع، والدواعي البشرية للوقوع في بعض التقصير في واجبات الإيمان، وعند ذلك لا بد لهم من مغفرة الله سبحانه وتعالى لهم.
{وإليك المصير} مصيرهم ومردهم الذي لا بد لهم منه، هو الرجوع إلى الله عز وجل، وهو المرجع لجميع الخلائق.
ثم قال سبحانه وتعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، في هذه الآية نفى الله عز وجل ما توهموه، من أنه يعذبهم بالخطرات التي لا يملكون دفعها، وبين أنهم غير مؤاخذين بمجرد الخواطر القلبية، وأخبر عز وجل أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها. ودلت هذه الآية أيضا: على أن جميع ما يكلف به الإنسان في الإسلام هو مما يطيق؛ لأن الله تعالى قال في هذه الآية: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة: 286)، فهذا دليل على أن ما كلفك الله عز وجل به أنت مطيق له.
وفيه ردٌ صريح على من زعم خلاف ذلك، فالله سبحانه وتعالى أمر خلقه بعبادته، وضمن لهم أرزاقهم، فكلفهم من الأعمال ما يطيقون وأعطاهم من الرزق ما يسعهم، فهذا هو اللائق برحمة الله سبحانه وتعالى وفضله وبره وإحسانه وحكمته وغناه.
ثم أخبر الله عز وجل أن هذا التكليف يعني أن هذه الأعمال الصالحة ثمرتها عائدة عليهم، وأنه سبحانه وتعالى لا يستغني بكسب العباد شيئا، ولا يتضرر بتركهم للاكتساب، فقال تعالى {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فلا يتضرر الله عز وجل بتركنا للأعمال الصالحة، بل الكسب نفعه لنا وتركه ضرره علينا، فمن رحمة الله عز وجل أن أمر عباده بما يحتاجونه، ونهاهم عما يضرهم، فهذا من رحمة الله وإحسانه.
وقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} دليل على أن الإنسان لا يؤاخذ بكسب غيره، بل أنت مسؤول عن عملك ولست مسؤولا عن كسب غيرك.

وأيضا: أنت لا تأخذ كسب غيرك ونفعه وثوابه، بل كل إنسان يأخذ ثواب عمله هو، فلا الأبناء يأخذون اكتساب آبائهم، ولو كانوا أبناء الأنبياء فإنهم لن يأخذوا ما اكتسب آباؤهم من الأعمال الصالحة، والدرجات العالية، والعكس أيضا صحيح، فلا يضرهم ما فعل آباؤهم، كما قال الله عز وجل: {ولاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقال عز وجل: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم: 39).
وأيضا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ردٌ على الجبرية الذين يقولون: الإنسان ليس له فعل ولا كسب، وأنه مجبور على عمله ؟! فهذا فيه إثبات الكسب، وأن الإنسان يدخل في طاقته اكتساب الأعمال الصالحة.
ثم قال عز وجل: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، كما قلنا لما كلف الله سبحانه وتعالى عباده بما هو عبارة عن عهود ووصايا وأوامر يجب مراعاتها والمحافظة عليها، وألا يقصر العبد في شيء منها، لكن الإنسان تغلبه طباعه أحيانا التي فيها النسيان والخطأ والضعف والتقصير والغفلة؛ لذلك أرشدهم الله عز وجل أن يسألوه مسامحتهم، وأن يغفر لهم فقالوا: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا}.
ثم قال {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً} والإصر هو العهد الثقيل، {كما حملته على الذين من قبلنا} فالله عز وجل قد شدد على بعض الأمم، بعصيانهم وفسوقهم وخروجهم عن الطاعة، كما شدد الله عز وجل على أهل الكتاب فقال: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً} (النساء: 160). فسألوا الله عز وجل التخفيف، ثم سألوه سبحانه وتعالى العفو والمغفرة والرحمة والنصر على الأعداء، وهذه الأربعة تتم بها النعمة المطلقة، فسألوه سبحانه وتعالى أولا العفو والمغفرة، والعفو يعني ترك المؤاخذة على ما فعلوا من سيئات، والمغفرة تعني محو ما بدر منهم من السيئات، والرحمة معروفة وهي تطلق على أشياء كثيرة، ومن أعظمها الجنة، فالجنة أعظم رحمة خلقها الله سبحانه وتعالى، كما قال: {يدخل من يشاء في رحمته}، ثم سألوه النصر على الأعداء الكافرين به، فهذه الأربعة تتم بها النعمة المطلقة، ولا يصفو عيش في الدنيا والآخرة إلا بها، وعليها مدار السعادة والفلاح.
وبالنصر على الأعداء يتمكن الإنسان من إعلاء دينه، ومن إعلاء كلمة الله عز وجل في الأرض ، فبالنصر يحصل قهر الأعداء، وشفاء الصدور منهم وذهاب غيظ القلوب، فتوسلوا إلى الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء بأنه عز وجل مولاهم الحق الذي لا مولى لهم سواه، وهو ناصرهم وهاديهم وكافيهم ومعينهم ومجيب دعواتهم سبحانه وتعالى.
هذه كلمات مختصرة في معرفة مقدار هذه الآيات عظيمة الشأن، والتي خص الله سبحانه وتعالى بها محمدا [ وأمته من كنز تحت العرش، كما قلنا.
وقد قال أهل العلم: أوتينا من العلوم والحكم والمعارف ما تعجز عقول البشر عن الإحاطة به.
نسأل الله عز وجل ألا يحرمنا وإياكم الفهم في كتابه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 29-04-2024 الساعة 03:21 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.22 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]