عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15-03-2024, 04:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,640
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(10)

باب في قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}


اعداد: الفرقان


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
2131- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ[ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ فَرَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِ[َ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَقْتُلُهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْن}.
الشرح :
الباب التاسع من كتاب التفسير من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري، هو في قوله تبارك وتعالى من سورة النساء وهي الآية الثامنة والثمانون: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}، والآية بتمامها يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (النساء: 88).
هذه الآية أورد فيها الإمام مسلم رحمه الله، حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقد ذكره في كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم: أن النبي[ خرج إلى أُحد، فرجع ناسٌ ممن كان معه، فكان أصحاب النبي[ فئتين، قال بعضهم: نقتلهم، وقال بعضهم: لا، فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}.
وشرح الحديث: أن النبي[لما خرج إلى غزوة أحد، خرج معه عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، فلما كانوا ببعض الطريق خذلوا رسول الله[ ورجعوا إلى المدينة؟! كيدا ومكراً! فحصل من جراء ذلك خلخلة وبلبلة في جيش المسلمين، لرجوع بعض الجند منهم ، بعد ما خرجوا من المدينة وعزموا على ملاقاة عدوهم . قال ابن إسحاق: أن عبدالله بن أبي رجع بثلث الجيش، رجع بثلاثمئة وبقي النبي[ في سبعمائة.
وهم أرادوا أن يحصل مثل هذا، في صفوف أصحاب رسول الله، فلما قرب القتال اعتذروا بأعذار واهية، وقالوا كما حكاه القرآن: {وليَعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ}، وهذا كذبٌ منهم، فإنهم يعلمون حنق المشركين وغيظهم على المسلمين ، وأنهم يتحرقون على قتالهم، بما أصابوا منهم يوم بدر، من قتل ومال، قال تعالى: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم}؛ لأنهم منافقون، يظهرون مالا يبطنون في قلوبهم، ومنه قولهم هنا {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ}، ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر يروج على المؤمنين ، قال الله تعالى مهددا لهم: {والله أعلم بما يكتمون}.
فكان أصحاب النبي[ بعد ذلك، لما رجعوا إلى المدينة اختلف فيهم أصحاب النبي[ فيهم فرقتين، فقالت فرقة: نقتلهم، لأنه حصل منهم خيانة عظيمة للنبي[ وللمسلمين، وخذلان للإسلام، ومحاولة لبث الفرقة والزعزعة في صفوف الجيش وإضعافه.
وقالت طائفة: لا نقتلهم؛ لأنهم مسلمون يظهرون الإسلام، فنزلت الآية: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (النساء: 88).
فلأنهم يظهرون الإسلام، توقف فيهم بعض أصحاب النبي[، ولكنهم في الحقيقة منافقون، ودلّت أعمالهم على ما في قلوبهم.
قال زيد بن ثابت فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْن}.
وقوله: {وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ} يعني: أن أعمالهم وما كسبت أيديهم، سبب في ارتكاسهم في الكفر، ووقوعهم فيه, ومثل هذه الأعمال الكفرية، يستدل بها على كفر الإنسان، وعلى خبث طويته، وظلمة قلبه .
وقوله: «أتريدون أن تهدوا من أضل الله» فمن أضله الله فلا هادي له، وهؤلاء قد أضلهم الله بسبب ما كسبت أيديهم، وما أضمروه من العداوة لله والرسول، ومجرد إظهار الإسلام، لا يدل على إسلامهم؛ لأن قرائن أفعالهم يحكم بها العاقل عليهم .
وقال بعض أهل التفسير: المراد بالمنافقين هنا، هم من أظهروا الإسلام ولم يهاجروا إلى رسول الله[، فقد كانت الهجرة واجبة في زمن النبي[ قبل الفتح، وكل من أسلم، وجب عليه أن يهاجر إلى رسول الله[، وأن يفارق قومه المشركين إلى المدينة النبوية، فقال الله تعالى لهم: لا تتحرجوا من قتالهم.
ولكن الآية التي بعدها تبين أن المراد بالمنافقين هاهنا، هم المنافقون الذين لم يهاجروا، أظهروا الإسلام ولكنهم لم يهاجروا، بدليل قوله تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} (النساء: 89)، هذا أيضا مما أطلعنا الله سبحانه وتعالى من ضمائرهم، وما انطوت عليه قلوبهم، وهو أنهم يودون لو أن المسلمين كفروا وارتدوا عن إيمانهم وإسلامهم إلى الكفر، فيكونون سواء، يعني: لا يقتل بعضهم بعضا، لأن الجميع سواسية في الكفر ، فلا تفضلونهم بالإسلام ! فهذا خبر من الله عز وجل عن هؤلاء المنافقين .
وهذا والعياذ بالله من الأمراض القلبية، أن الإنسان إذا انحرف عن الصراط المستقيم، يود لو أن الناس كلهم صاروا مثله، فبعضهم إذا رأى شابا مستقيما، تضايق وحاول أن يغريه ويضله عن سبيل الله؛ لأنه يكره أن يراه متميزا عليه بالصلاة وبالاستقامة وبالخوف من الله، واتقاء حدود الله عز وجل ومحارمه، فيود لو أنه انحرف كما انحرف، وكفر كما كفر، وفسق كما فسق، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} (النساء: 89).
فالآية تبين أن المنافقين الذين حصل فيهم الاختلاف وانقسم فيهم الصحابة إلى فرقتين، هم هؤلاء المنافقين الذين أظهروا الإسلام ولم يهاجروا ، والسبب في إظهارهم الإسلام هو أنهم يريدون أن يأمنوا جانب النبي[ وأصحابه فلا يقاتلونهم، ولم يهاجروا في سبيل الله لأنهم مستفيدون بالبقاء في أهليهم وديارهم وفي أموالهم، فلا يريدون أن يخسروا شيئا بالهجرة.
ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ} (النساء: 89) أي: إن تولوا عن الهجرة، يعني: لم يهاجروا، فلا تتحرجوا من قتالهم، بل {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ} (النساء: 89) أي: في أي وقت وزمان، وفي أي محل ومكان.
وهذه الآية من الأدلة التي يستدل بها على نسخ القتال في الأشهر الحرم، كما هو قول الجمهور؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ}، والمخالفون يقولون: هذا نص عام، تقيده نصوص تحريم القتال في الأشهر الحرم.
ثم استثنى الله سبحانه وتعالى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فرق: فرقتين أمر بتركهم وأوجب ذلك ، الفرقة الأولى: من يصل إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، فمن يصل من هؤلاء المنافقين إلى قوم بينكم أيها المسلمون وبينهم ميثاق وعهد، فهؤلاء لا تقاتلونهم لأنهم صاروا في صفوفهم وحكمهم، فمن انضم إلى قومِ صار له حكمهم بالدم والمال.
والفرقة الثانية: من قال تعالى فيهم: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ} (النساء: 90) يعني: ضاقت أنفسهم بقتالكم، فلم تسمح أنفسهم بقتالكم، فتركوا قتالكم، وتركوا قتال قومهم ، فهؤلاء أيضا أمر الله سبحانه وتعالى أن يتركوا، وألا يقاتلوا، وأخبر سبحانه أنه لو شاء لسلط هذه الفرقة التي تركت قتالكم، فقال: {ولو شاء لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} فاقبلوا من الله عافيته واحمدوه .
أما الفرقة الثالثة: فهم قوم يردون مصلحة أنفسهم والسلامة، بغض النظر عن احترامكم، كما قال سبحانه وتعالى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ} (النساء : 91)، فهؤلاء الذين أمر الله سبحانه وتعالى بقتالهم حيث وجدتموهم، هم كالفرقة التي اختلف فيها الصحابة سابقا؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين أن حكمهم واحد، أن لم يعتزلوا قتال المؤمنين إلا لمصلحة أنفسهم، فالواجب قتالهم.
فإذاً ربنا سبحانه وتعالى أنكر على الصحابة عندما اختلفوا في قتال الفرقة المارقة، التي ظهرت منها علامات الكفر والردة والإلحاد.
وفي هذا الحديث أيضا: زاد في آخره: قال النبي[: «إنها طيبة « يعني المدينة النبوية ، فسماها النبي[» طيبة و طابة من الطّيب، وأمر أن تسمى بذلك، بدلاً من اسمها في الجاهلية ، وهو يثرب، لخلوصها من الشرك، وتطهيرها منه.
قوله: «وأنها تنفي الخبث، كما تنفي النار خبث الفضة»، فالمدينة تنفي الخبيث من الناس، كما تنفي النار خبث الفضة، أي:كما أن من أراد أن ينقّي الفضة أو الذهب أو الحديد أو غيرها من المعادن، فإنه يضعها على النار، ليخرج منها الخبث، ويخرج منها الزبد {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء} (الرعد: 17)، فإذا وضعت المعدن على النار حصل له النقاء، بخروج الخبث منه، فهكذا الفتن والشدائد تنقي الناس ، وتبين معادنهم، فإن الناس في حال الرخاء لا يكادون يعرفون، ففي حال الرخاء لا تكاد تعرف المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، من ضعيف الإيمان، لكن إذا جاءت الفتن - عافانا الله وإياكم - سواء فتنة السراء أو فتنة الضراء، فعند ذلك تخرج أحوال الخلق، وتبلوا معادن الناس، فتعرف ما في قلوبهم من أعمالهم، أي بقرائن أفعالهم تعرف أحوال الناس ومعادنهم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 01-05-2024 الساعة 10:07 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.18 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]