عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18-03-2024, 01:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,483
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا


الأبعاد العمليـــة لمدرسة الصيام(2 من 2)
الكاتب: جمال زواري أحمد
(7)



لقد أشرنا في الجزء السابق من المقال إلى ثلاثة أبعاد مهمة لمدرسة الصيام هي : البعد الروحي والبعد التربوي والأخلاقي والبعد الاجتماعي ، ونكمل في الجزء الثاني بقية الأبعاد التي ينبغي أن تكون حاضرة عمليا لدى المؤمنين الصائمين ليكونوا قد فقهوا دروس مدرسة الثلاثين يوما ونالوا فيها الدرجات العالية التي تؤهلهم للفوز والنجاح والقبول في النهاية وهي:

4) ــ البعد الصحي والوقائي:
كذلك تعتبر مدرسة الصيام فرصة وقائية وعلاجية ، يتخلص فيها جسم الصائم من الكثير من السموم المسببة للعديد من الأمراض ، كما أن الصيام يس
اهم مساهمة فعالة في عملية الهدم التي يلفظ فيها الجسم الخلايا القديمة والزائدة عن حاجته ، بحيث يقوم الصيام مقام مبضع الجراح في إزالة الخلايا التالفة والضعيفة والزيادات الضارة ، ليسترد جسم الصائم من خلال ذلك سلامته وحيويته ونشاطه.
كما يعتبر الصيام طبيب تخسيس بامتياز ، بحيث يؤدي إلى إنقاص الوزن والتخلص من الشحوم وتحفيز حرق السعرات الحرارية والوقاية بذلك من مضاعف
ات السمنة والبدانة وكوارثها على الجسم .


كما أن الصيام يساعد الجسم على التخلص من الكلسترول الضار وتخفيضه والرفع من الكلسترول الحميد وكذا السيطرة على ارتفاع ضغط الدم وداء النقرس وضبط مستوى السكر في الدم بالنسبة لمرضى السكري المسموح لهم بالصيام.
أيضا للصيام تأثير إيجابي على الذهن وتنمية الذاكرة وتنشيطها لدى الصائم ليم
تلك بذلك القدرة على التفكير السليم.
كما أن الصيام يزيد من عناصر المناعة ويقويها لدى جسم الصائم ، وكم من أناس في هذا العالم ــ ومنهم الكثير من المسلمين للأسف الشديد ــ جرّت عليهم شهواتهم الزائدة وشراهتهم النهمة لأنواع الأطعمة الكوارث الصحية على أجسادهم جرّاء ذلك ، ولو أنهم التزموا بمدرسة الصيام ووعوا أبعادها وأدركوا فوائدها وذا
قوا لذائذها وأعطوها من الاهتمام والعناية الروحية والصحية والأخلاقية والاجتماعية ، لكان ذلك خير لهم وأسلم لأجسامهم وأرواحهم ونفوسهم ومجتمعاتهم على كل الأصعدة مصداقا لقوله تعالى وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )(البقرة184 ).
ولأهمية البعد الصحي والوقائي للصيام وفعاليته العلاجية والوقائية ، جعلت غير المسلمين يعترفون بتأثيره الإيجابي وقدرته العلاجية للكثير من الأمراض ، الأمر الذي دفع بعض الدول الأوربية ــ كألمانيا ــ أن تفتح أقسام طبية تست
خدم الصيام على الطريقة الإسلامية في علاجها لبعض الأمراض .
يشير إلى هذا البعد للصيام حديث صوموا تصحوا)(رواه الطبراني ). الحديث وإن كان ضعيفا إلا أن معناه صحيح.

5) ــ البعد الدعوي:
كذلك فإن لشهر الصيام بعدا دعويا ، بحيث تكون أجواؤه الإيمانية والروحية وعطايا المولى عز وجل المضاعفة فيه وتصفيد الشياطين وتكبيلها خ
لال أيامه ، وكذا ترطيبها وتعطيرها بالقران الكريم تلاوة وسماعا في التراويح والتهجد والقيام وغير ذلك في كل الأنحاء والربوع والنجوع ، كل ذلك يضفي على نفوس المؤمنين الصائمين وأرواحهم رقة وخشية ورغبة في الخير وإقبالا عليه ، يجعلها مهيأة لتلقي كل توجيه ونصيحة وموعظة وتصويب وترغيب ، كما يجعل قلوبهم إلى الخير أقرب ومفتوحة لتقبل كل ما يلقى إليها من تذكير ووعظ ، لذا ينبغي على الدعاة والأئمة والموجهين استثمار هذه الأجواء التي يضفيها الصيام على القلوب والنفوس ، ليكثفوا حملاتهم الدعوية وتخول الناس بالموعظة وترغيبهم في التوبة والرجوع إلى الله ، وتشريع الأبواب على مصراعيها ، لتلج من خلالها قوافل التائبين والراجعين إلى الحق والراغبين في طي صفحة الغفلة والانغماس في بحور الرذائل والآثام وترك طرق الغواية والشهوات ، والانطلاق بنفوس جديدة وقلوب طاهرة يحدوها حب الله ورسوله ودينه والطمع في عفوه ومغفرته وقبوله ، والتجاوز عن سيئاتهم وذنوبهم ، لينضموا إلى بقية إخوانهم الذين أدركوا نعمة الهداية قبلهم وذاقوا لذتها وتمتعوا بنعمها وخيراتها ، ليشملهم كل ذلك هم أيضا ويستدركوا ما فاتهم منها في سالف الأيام.
على الدعاة أن يفعلوا كل ذلك ويضاعفوا جهودهم مقتنصين فرصة جاهزية أجهزة الاستقبال لدى الغالبية من الصائمين ، ليكون الرصيد زاخرا وتتضاعف أعداد التائبين الراغبين في سلوك طريق الله بشوق وحب وندم وحسرة على ما ضاع منهم
فيما مضى من أعمارهم ، بحيث يتركون الشيطان وجنده يسفون الملّ غيظا وكمدا وحزنا على خسارتهم لهذه الأعداد الهائلة من رصيدهم.

لكن هذا البعد المهم لشهر الصيام ينبغي على الدعاة أن يستمروا في تفعيله وتشغيله بعد رمضان ، للحفاظ على هذه الجموع التائبة وتحصينها حتى لا تنتكس بعد فقدانها للجرعات الإيمانية والروحية الهائلة التي تلقوها في مدرسة الصيام ، فلا بد من مواصلة العلاقة بهؤلاء ومداومة إمدادهم بشيء من هذه الجرعات بما يثبتهم ويقطع صلتهم نهائيا بوضعهم الذي كانوا عليه قبل التوبة ، وتزويدهم بالزاد الروحي والإيماني والتربوي والأخلاقي والعلمي بشكل مستمر ، كي يخسرهم معسكر الشيطان إلى الأبد ومن غير رجعة إن شاء الله.
لعله يشير إلى هذا البعد للصيام حديث أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فيُنزل الرحمة، ويحطُّ الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهى بكم ملائكته، فأَرُوا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي مَن حُرم فيه رحمة الله عز وجل)(رواه الطبراني).

6) ــ البعد السياسي:
كذلك فإن لمدرسة الصيام بعدا سياسيا ، بحيث يكون هذا الشهر الكريم مظهرا من مظاهر وحدة الأمة ونموذجا عمليا لذلك في إتحاد مشاعرها وشعائرها وشرائعها في كل البقاع ، حكامها ومحكوميها أسودها وأبيضها وأصفرها أغنيائها وفقرائها عربها وعجمها ، الأمر الذي يحرك أشواق أبناء الأمة وتطلعهم إلى إمكانية عودة الكيان الدولي الموحد لأمة التوحيد ، وتوحي إليهم الوحدة العملية التي مارسوها وعاشوها
بمشاعرهم وأحاسيسهم خلال شهر الصيام ، أن بعث كيان الأمة الموحد من جديد ممكن التحقيق وليس أضغاث أحلام كما يريد أن يصور أعداؤها وبعض اليائسين المنهزمين المستلبين حضاريا من أبنائها.
كذلك فإن قائمة الانتصارات التي حققتها الأمة على مدار تاريخها في شهر رمضان من بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت إلى غيرها من الانتصارات القديمة والمعاصرة ، كلها تسترجع الأمة من خلال تذكرها ثقتها في قدراتها وت
دفعها إلى اليقين في إمكانية تكرار ذلك في معاركها مع أعدائها في الكثير من الميادين المفتوحة في العصر الحديث ، وتغريها هذه الانتصارات باستنساخها من جديد ، إذا وفرت شروطها التي وفرها أسلافها ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

ومن مظاهر البعد السياسي للصيام كذلك هو أن أجواءه الروحية تضيق هوامش الجرائم إلى حد كبير ، الأمر الذي يساهم في استقرار المجتمعات والأوطان .

7) ــ البعد الاقتصادي:
كذلك فإن لمدرسة الصيام بعدا اقتصاديا أيضا ، يضاف إلى بقية الأبعاد ، بحيث تتمثل الجوانب الاقتصادية لشهر الصيام في كونه وسيلة مهمة في ترشيد الاستهلاك وتربية الصائمين على ذلك ، كما أنه يحدّ من ظواهر الإسراف والتبذير وليس العكس كما نرى في واقع الكثير من الصائمين ، الذين يصورون شهر رمضان وكأنه لهث زائد
وراء أنواع الأطعمة وتنويعها ، ليكون مصير الكثير منها أكياس القمامة بعد ذلك ، وتغييب كل الأبعاد التي يراد للأمة أن تتعلمها وتدركها وتمارسها من مدرسة الصيام ومنها البعد الاقتصادي.
كذلك فإن الترغيب في الصدقة تحديدا في شهر رمضان ، وكذا وجوب دفع زكاة الفطر فيه التي هيطهرة للصائم وطعمة للمساكين) ، و
الفدية التي أمر بها غير المستطيع للصيام ليدفعها عوض ذلك للفقراء والمساكين ، كلها وسائل عملية ذات بعد اقتصادي في هذا الشهر الفضيل ، لتحسين الواقع المعيشي لمستحقيها والتوسعة على المحتاجين وسد حاجاتهم ، لتكون مقدمات ــ لو تم تفعيل هذا البعد المهم بعد ذلك ــ في معالجة مشكل الفقر الذي يجتاح الكثير من المسلمين ، ويضيق هوامش الفوارق الاجتماعية والطبقية بين أبناء الأمة الواحدة وحتى القطر الواحد والبلد الواحد ، بين من يصل إلى حد التخمة والبذخ وبين من يصل إلى حد الموت من الجوع ، دون أن يشعر الأول بواجبه ومسؤوليته نحو أخيه الثاني ، ويفيض عليه مما أنعمه الله عليه ويسد رمقه ويساعده على العيش بكرامة بل وينقذه من حافة الهلاك جوعا وحرمانا .

كما أن الصيام لم يفرض ليكون وسيلة خمول وكسل ونوم كما يفعل البعض ، بل المفروض أن يكون وسيلة لمضاعفة الجهد ونزول البركة لزيادة الإنتاج وإتقان العمل ، فالصيام هو اختبار لقدرة المؤمن الصائم على الصبر وتربيته على قوة التحمل وأن يخشوشن ، لأن التنعم لا يدوم ، فيكون مهيئا للتكيف والتأقلم مع كل الحالات والوضعيات والطوارئ.
كذلك فإن البعد الروحي للصيام يخدم البعد الاقتصادي له ، بحيث أن أجواء الصيام الروحية والتعبدية تدفع بعض أصحاب الأموال من المسلمين إلى التوبة عن الحرام والتخلص من مظاهره كالربا والغش والتدليس وأكل أموال
الناس بالباطل ، والحرص على تحرّي الحلال ، الأمر الذي يكون له تأثير إيجابي على الحركية الاقتصادية الصحية والسليمة للمجتمع والأمة.

هذه جملة من الأبعاد العملية لشهر الصيام ، أحرى بالمؤمنين الصائمين أن يفقهوها ويدركوها بوضوح ، ويمارسونها ميدانيا ويفعّلونها في واقعهم ، ليكون لهذا الركن الركين من أركان الإسلام تأثيره الإيجابي على مختلف جوانب حياتهم ، وتحقيق عنصر الشمول التربوي والتغييري لمدرسة الثلاثين يوما ، وعدم حصرها في خانة التعبّد الفردي ، البعيد عن الأبعاد التي ذكرناها في صلب هذا الموضوع ، فإن ذلك يتنافى والتصور الصحيح والسليم والدور المطلوب لفريضة الصيام .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]