عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-03-2024, 06:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي وجوب إخراج الزكاة

وجوب إخراج الزكاة

الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [ النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [ الأحزاب70 ـ 71]، أما بعد:
فإن أحسن الكلام كلام الله سبحانه وتعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المؤمنين، اعلموا رحمكم الله أن دينكم دين الإسلام مبني على أسس وأركان، فمتى انخرم ركن من هذه الأركان، كان مؤثرًا على بقية الجوانب الأخرى؛ جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان)[1].

فها أنتم في ركن من أركان الإسلام الخمسة شهر رمضان، فقد كرَّمكم الله وشرَّفكم أن كنتم من صُوَّامه وقُوَّامه، وهذه إشارات إلى ركن من تلك الأركان من باب الذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين؛ كما قال رب العالمين في كتابه: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات55].

فيا أهل الإيمان تنتفعون بإذن الله ربكم بالذكرى ينفعكم الله سبحانه وتعالى بذلك، فهي إشارات إلى الركن الثالث من أركان الإسلام، وهو إيتاء الزكاة أو أداء الزكاة، فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب إخراجها؛ كما قال ربنا سبحانه: ﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43، 83، 110 والنساء: 77 والنور:56 والمزمل:20] في آيات كثيرة من القرآن يقرن الله عز وجل بينهما بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ﴾ [الحج41]، وغيرها كثير.

هذه الفريضة العظيمة أيضًا أرسى قوائمها وقواعدها محمد عليه الصلاة والسلام، فلقد أرسل معاذًا إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قومًا من أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وفي رواية: أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة من أموالهم تؤخَذ من أغنيائهم فتُرَد على فقرائهم)[2]، فهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في زمانه يرسل الجباة والسعاة لجمع الزكاة، فهي حقٌّ من حقوق المال، حق شرعي أوجبه الله سبحانه وتعالى، ولَما توفِّي النبي صلى الله عليه وسلم ارتدَّ بعض الأعراب وقالوا لأبي بكر ومن معه من الأصحاب: نقوم بكل الشرائع ما عدا الزكاة، نصلي ونصوم ونحج ونعمل ونعمل، ظانين أن أبا بكر إنما يريد الاستحواذ على أموالهم حتى قال قائلهم:
رضينا رسول الله إذ كان بيننا
فما لنا لا نرضى بحكم أبي بكر
أيملكها بكر إذا مات بعده
فتلك لعمر الله قاصمة الظهر


فقال أبو بكر: والله لأُقاتِلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتهم عليه، فشرح الله صدر أبي بكر للقتال، ثم كان إجماعًا من الصحابة رضوان الله عليهم في مقاتلة أهل الردة[3].

وما من شيء فرضه الله إلا وفيه حكمة، فأي أمرٍ أمَر الله به، فمن ورائه حكم من الخير، وأيما شيء حذَّر الله منه، فمن ورائه حكم من الشر، فأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كلها خير، ونواهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كلها شر ما يعبر عنه العلماء بقاعدة التلازم؛ لأن الله عظيم وحكيم وخبير ولطيف، وهو رحمن الدنيا والآخرة.

والدين جاء لسعادة البشر
ولانتفاء الشر عنهم والضرر




فلماذا كانت الزكاة؟ هل حق ما يقوله اليهود: أن الله فقير وهم أغنياء؟ قاتلهم الله ﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ ﴾ [آل عمران181].

هذه مقالة اليهود لا يا عباد الله الله هو الغني وله ملك السماوات والأرض، وما بينهما وما خول الله الأغنياء، إنما هو غنى من غناه، وملك من ملكه وحقًّا من حقوقه، فكان الله قادرًا أن يجعل الناس كلهم على حد سواء، يجعلهم أغنياءَ، أو أن يجعلهم فقراءَ جميعًا محاويج على أنهم فعلًا فقراء إلى الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر15]. ولكن نتحدث عن المصطلح المعروف وعن الرُّتَب والطبقية الحاصلة في الناس، فهذا فضل من الله هذا فضل من الله أن جعل هذا غني وهذا فقير ابتلاء واختبار، لقد ابتلى الله أهل الغنى بالغنى، وابتلى أهل الفقر بالفقر؛ ليستبين شكر الأغنياء وصبر الفقراء، هل الأغنياء سيشكرون وهل الفقراء سيصبرون، على أن الغالب أن البعض ينتقد على هذا، والله يقول: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف32]، الله لطيف وخبير لكن بعض الناس غير مقتنع بهذا.

صغير يطلب الكبرا
وشيخًا ود لو صغرا
وخالٍ يشتهي عملًا
وذو عمل به ضجرا
وربُّ المال في تعبٍ
وفي تعبٍ مَن افتَقرا
أهم حاروا مع الأقدار
أم هم حيَّروا القدرا


هذه أقدار رب العالمين، فوجب على الغني أن يشكر وعلى الفقير أن يصبر، إنه ابتلاء واختبار؛ ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان20]، وقال سبحانه: ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف168].

إنه ابتلاء لذوي الأموال وابتلاء لذوي الفاقة والحاجة، لكن هناك حكم يرتبها رب العالمين من وراء ذلك أيضًا، على أن ما ذكر حكمة عظيمة؛ ليتبين شكر الشاكر وصبر الصابر، فتأمل معي رعاك الله قول المولى سبحانه: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة103].

فلقد جاء ابن أبي أَوفى إلى رسول الله بماله الذي عيَّنه للزكاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)[4]، ويأتي أبو بكر بماله كله فيقول: (ما أبقيت لأهلك؟)، قال أبقيت لهم الله ورسوله، ما ويأتي عمر بشطر ماله، قال: (ما أبقيت لأهلك؟ قلت مثله)[5]، وينادي رسول الله: (من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟ فيجهزه عثمان رضي الله عنه)[6]، حتى قال رسول الله: (ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم شيئًا)[7]، هؤلاء ضحوا بما عندهم وليس غريبًا فقد ضحوا بنفوسهم.

يجود بالنفس إن ضنَّ البخيل بها
والجود بالنفس أقصى غاية الجود




فتأمل قوله سبحانه: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾ [التوبة103]؛ أي: زكاة ﴿ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ [التوبة103].

فالزكاة طهرة للمال وطُهرة لصاحب المال وزكاة للمال؛ أي: نماء للمال، وزكاة لصاحب المال زكاة لنفسه، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى:14ـ 15]، وكما في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرٌ من زكاها)[8]، فإخراج الزكاة معناه نماء للمال ليس نقصًا، والله فما نقص مال من صدقة، أخبر بهذا نبينا صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)[9].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]