اَلدَّرْس اَلتَّاسِعِ: لا تأخذهُ سِنةٌ ولا نوم
برهان على التوحيد
محمد بن سند الزهراني
اَلْحَمْدِ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ.
• قَالَ اَللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾ [البقرة:255]، وَهَذَا هُوَ الْبُرْهَانُ الثَّالِثُ مِنْ الْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ قَيُّومِيَّتِهِ وَكَمَالِ رُبُوبِيَّتِهِ.
• وَالسُّنَّةُ: هِيَ الْغَفْوَةُ الْخَفِيفَةُ مِنْ النُّعَاسِ الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةُ النَّوْمِ، وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّ الْحَيِّ الْقَيُّومِ -جَلَّ جَلَالُهُ-، بَلْهُ النُّعَاسَ أَوْ النَّوْمُ، وَقَدْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: ﴿ لا تَأْخُذُهُ ﴾، بِمَعْنَى لَا تَغْلِبُهُ وَلَا تَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السِنةُ وَالنُّعَاسَ وَالنَّوْمَ كُلَّهَا إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى ذَاتِ الْوَسْنَانِ أَوْ النَّائِمِ غَفْلَةً، وَيُسَيْطِرُ عَلَيْهِ عَنْوَةً وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ إِرَادَةٍ مِنْهُ.
فَهِيَ مِنْ الْأَحْوَالِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ قَهْرًا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَمَا النَّوْمُ وَطَبَقَاتُهُ إلَّا أَحَدُ مَخْلُوقَاتِهِ الْخَاضِعَةِ لِعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ، وَكَيْفَ يَغْفُو أَوْ يَنَامُ مَنْ هُوَ قَيُّومُ الْعَالَمِينَ.
• إِذًا يَخْتَلُّ اَلنِّظَامُ اَلْوُجُودِيُّ كُلُّهُ، وَتَنْهَارُ سَمَاوَاتُهُ عَلَى أَرَاضِيهِ، وَتَهْوَى الْمَخْلُوقَاتُ جَمِيعًا فِي غِيَابَاتِ اَلْعَدَمِ؛ كَلًّا، كَلًّا، فَالرَّبُّ اَلْجَلِيلُ لَا يَنَامُ.
• يقول - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعَهُ، يُرفَع إِلَيْهِ عملُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وعَمل النَّهَارَ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابَهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرِقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» الحديث.
ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَسُبْحَانَهُ مِنْ مَلَكٍ عَظِيمٍ.
• وَهُنَا مَلْمَحٌ مُهِمٌّ: فَإِنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُفِيدَةِ هُنَا أَنَّ كُلَّ نَفْيٍ فِي الْقُرْآنِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾؛ فَهَذَا النَّفْيُ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ كَمَالٍ ضِدَّ الْمَنْفِيِّ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَالنَّفْيُ عَنْ اللَّهِ السِنَّةُ وَالنَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِكَمَالِ ضِدِّهَا، وَهِيَ كَمَالُ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ وَقُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ بَرَاهِينِ وُجُوبُ تَوْحِيدِهِ وَإِفْرَادِهِ وَحْدَهُ بِالْعِبَادَةِ.
وَالْعَبْدُ حِينَ يَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾؛ فَإِنَّهُ يَجِدُ جَمَالَ الْأَمَانِ فِي نَفْسِهِ، يرتفعُ عَنْهُ الْخَوْفُ وَالْقَلَقُ، يطمئنُ إِلَى تَدْبِيرِ اللَّهِ، فَيَسْتَشْعِرُ الْعَبْدُ عَظَمَةَ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ، مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ أَبَدًا، يُدَبِّرُ أَمْرَ مَمْلَكَتِهِ سَرْمَدًا، مَتَى مَا رَفَعَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ طَلَبَ وَوَجَدَ، وَدَعَا فَسَمِعَ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ عَظِيمٍ لَا تَأْخُذُهُ سِنة وَلَا نَوْمٌ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ.