عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 24-03-2024, 09:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,647
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(24)

ويسألونك عن الروح

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : (بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثٍ - وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ - إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ، فَقَالُوا: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ، لا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالُوا: سَلُوهُ ، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنْ الرُّوحِ، قَالَ: فَأَسْكَتَ النَّبِيُّ [ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ : {فَقُمْتُ مَكَانِي، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً} (الإسراء :85) .
الشرح: الحديث في سورة سبحان، وهي سورة (الإسراء) أي: أنها تسمى بهذين الاسمين، فتسمى بسورة «سبحان»؛ لأنها افتتحت بالتسبيح بقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} (الإسراء: 1). وتسمى بسورة «الإسراء» لأن الله تبارك وتعالى ذكر في أولها إسراء النبي [ من مكة ليلاً إلى بيت المقدس، وتسمى أيضا بسورة: بني إسرائيل، لأن الله تبارك وتعالى ذكر فيها بني إسرائيل في أولها، في قوله {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} (الإسراء: 4)
وقد أورد المنذري في هذا الباب حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, وقد رواه الإمام مسلم في كتاب: صفة القيامة والجنة والنار .
قال عبد الله بن مسعود: «بينما أنا أمشي مع النبي [ في حرث « حرث ، يعني: في زرع, أو بستان . وفي رواية: «في خرب» والخرب بكسر الخاء وفتح الراء جمع خراب ، أي : دور متهدمة . وأهل الحديث يقولون: إن الرواية الأولى أصوب، ويمكن الجمع بينهما: أنه حرث فيه خرب، أي: بستان فيه دور متهدّمة.
قوله: «وهو متكأ على عسيب يعني متوكئ على عسيب» العسيب: هو جريدة النخل، أي: الغصن الذي يكون عليه السعف .
قوله : «إذ مرّ بي نفرٌ من اليهود ، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح» كان النبي [ قد مر بجماعة من اليهود بالمدينة، فقالوا: سلوه عن الروح، أي: أسألوه عن الروح .
قوله: «فقالوا: ما رابكم إليه؟ «أي: ما دعاكم إلى سؤاله, وقيل معناه: ما الذي شككم فيه حتى احتجتم إلى سؤاله.
قوله: «قالوا لا يستقبلكم بشيء تكرهونه» أي: لا تسألوه عن شيء فقد يستقبلكم بما تكرهون من القول، أو الذّم لكم، أو بيان جهلكم ونحو ذلك .
لكن عتب بعضهم على بعض على عدم السؤال، فاستقر رأيهم أن يسألوه، فقالوا:سلوه .
قوله : «فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح».
أي: سألوا النبي [ عن الروح ، يعني: عن ماهيتها وكنهها وعن كيفيتها, يعني: ما هي مادة الروح, وما كيفية سكناها في الجسد؟
قال : «فأسكت النبي [ فلم يرد عليه شيئا» أي: سكت النبي [ فلم يرد على هذا السائل شيئا ، إذ يكن لديه جواب في ذلك ، فصمت منتظراً الوحي من الله تعالى.
قوله: «قال عبد الله بن مسعود: فعلمتُ أنه يوحى إليه قَالَ: فَقُمتُ مَكَانِي» أي: وقف عبد الله لأنه علم من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتنزل عليه الوحي ، بما يظهر من تغير على وجهه .
قوله: « فلما أسري عنه قال» أي: لما ذهب عنه الملك، قال أو تلا قوله: {سبحانه وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (الإسراء: 85).
وهذه الرواية فيها إشكال، لأن سورة الإسراء سورة مكية؟ فالإسراء كان بمكة قبل الهجرة بالاتفاق، وهذه الحادثة حدثت بالمدينة، كما هو ظاهر، فمكة لم يكن بها يهود، فكيف تنزل الآية عليه بالمدينة عند سؤالهم، والسورة مكيه؟!
والجواب من أوجه عدة منها:
- أولا: إن قولنا: إن هذه السورة مكية، لا يعني أن كل آية من آياتها نزلت بمكة، لأن هناك بعض السور المكية،0 فيها آيات مدنية، لأن السورة لا تنزل كاملة بل متفرقة كما هو معلوم .
- وجواب آخر: أنه يمكن أن يتكرر نزول الآية أحيانا ، فتكون هذه الآية قد نزلت على النبي [ أولاً بمكة، ثم نزلت عليه مرة أخرى بالمدينة .
- وثالث: أن الوحي نزل على النبي محمد [ يأمره بأن يجيبهم بالآية التي نزلت عليه في سورة الإسراء التي تقدم نزولها عليه، فلا زيادة عليها، فلذلك تلا عليهم قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} .
وقد تكلم العلماء في الروح وأكثروا الكلام فيها, وبعض من جمع الأقوال في الروح وماهيتها بلغ إلى مئات الأقوال، وهذا لا شك أنه من فضول العلم، والقول على الله بغير، وتضيع الزمان فيما لا ينفع، لأن الله تبارك وتعالى صرف العباد عن ذلك، فقال: {وقُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} قيل: يعني هي أمر من الأوامر التي أمر الله سبحانه وتعالى بها فكانت ، كما قال: (إنما أَمرُنا إذا أردنا شيئاً أن نقولَ له كُن فيكون) إذن هي من خلق الله تعالى, ومن جملة ما خلق الله سبحانه وتعالى من المخلوقات .
أو المعنى: هي أمر من الأمور الخفية التي اختص الله بها نفسه.
- وقال بعضهم: إن الروح هي الدم الذي يجري في الجسد. وقيل: الروح هي النَّفس والهواء الداخل والخارج. وقيل: الروح جسم لطيف مشارك للأعضاء الظاهرة، فهو جسم يتخلل في جميع أعضاء الإنسان. وقيل غير ذلك من الأقوال، ومن أحسن وأوسع ما كتب في الروح: كتاب الروح للإمام ابن القيم رحمه الله وهو مطبوع .
والروح لغة تذكّر وتؤنث، والصحيح أنها مادة وجسم خلقه الله عز وجل, والدليل على هذا: الحديث الذي في الصحيح: أن العبد المؤمن إذا قبضت الملائكة روحه، أخذتها وحنطتها بحنوط من الجنة، والحنوط: يعني الطيب. وفيه: وكفنتها بأكفان من الجنة ، ثم يصعدون بها .
إذاً هي مادة وشيء يُطيب بالطيب، ويُكفّن ويصعد بها، وإن كنا لا ندري مادتها، لأن الله سبحانه وتعالى ردّ علمها إليه، فقال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} .
وما الفرق بين الروح والنفس؟ الجواب: أن الروح لا تسمى نفساً إلا إذا اتصلت بالبدن, وأما إذا كانت مجردة عن البدن فإنها تسمى «روحا».
والنفس لها صفات ذم وصفات مدح، بحسب صفات الجسد، وأفعاله وأقواله، فسماها الله تعالى في كتابه: نفساً مطمئنة, ونفساً لوامة, ونفسا أمارة بالسوء, بحسب أحوالها من الإيمان والإسلام والكفر والفسوق .
وقوله ( قل ) هذا الخطاب عام لجميع الخلق، اليهود وغيرهم، بترك التعنت والسؤال عما لا يفيد ، ولا يترتب عليه عمل .
أو السؤال الذي يراد به التعجيز وإظهار الجهل، وليس التفقه والانتفاع.
ومتى كان كذلك، فإنه يجدر الإعراض عنه وعدم إجابته .
وقيل: بل قد إجابهم الوحي بأنها من أمر الله تعالى .
وفي مسند أحمد: من حديث ابن عباس: {أنها لما نزلت وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء : 85) .
قال اليهود: أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة, ومن أؤتى التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا، قال: {وأنزل الله قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (الكهف : 109) .
أي : كيف تقول لنا: ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وعندنا التوراة العلم الواسع؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ}(الكهف : 109).
أي: ما أوتيتم من العلم النبوي بالنسبة لعلم الخالق سبحانه وتعالى هو قليل، أي: وإن أوتي الإنسان حظاً وافرا من العلم، كعلم الأنبياء والمرسلين، والعلماء والأولياء والصالحين، فإنما هو بالنسبة لعلم الله تعالى كالقطرة من البحر، كما في الحديث الصحيح: أن الخضر عليه الصلاة والسلام قال لما أخذ عصفور من البحر بمنقاره، قال لموسى عليه السلام: «ما علمي وعلمك في علم الله، إلا كما أخذ هذا الطائر من البحر».
يعني: هذه القطرة هي علمي وعلمك من علم الله سبحانه وتعالى الذي هو كالبحر العظيم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]