عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 24-03-2024, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,647
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(25)

إسلام الجن والخوف والرجاء

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
باب في قوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة}
2145. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ} قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنْ الْجِنِّ، وَاسْتَمْسَكَ الْإِنْسُ بِعِبَادَتِهِمْ، فَنَزَلَتْ {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِم الْوَسِيلَةَ}.
الشرح:
باب في قوله سبحانه وتعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (الإسراء:57) وهو الحديث الثاني في سورة الإسراء.
وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في آخر كتاب التفسير.
روى فيه حديث الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه تلا هذه الآية قال: « كان نفرٌ من الإنس يعبدون نفراً من الجن « كان نفر من الإنس، جماعة من كفار العرب من مشركي الجزيرة.
قوله: «كانوا يعبدون نفرا من الجن» يعبدونهم بأنواع العبادة، من دعاء واستغاثة واستعاذة وذبح وغيره، من دون الله سبحانه وتعالى , كما قال الله تعالى عنهم: {وأنه كان رجالٌ من الإنس يَعوذون برجال من الجنّ فزادوهم رهقا} (الجن: 6). أي: يستعيذون بهم ويستجيرون، فكان الرجل في الجاهلية إذا نزل واديا قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهائه ؟! فيستعيذ بكبراء الجن من السفهاء؛ لئلا يؤذوه، قال تعالى {فزادوهم رهقا} أي: زادوا الجن طغيانا وكبراً وسفهاَ، لاستعاذتهم بهم من دون الله عز وجل.
وقيل: فزادوهم خوفا وأذى وبلاء، على عكس ما كانوا يرجونه منهم من نصرة!
والعرب قبل الإسلام كانوا في أنواع من الضلالات والشركيات، فبعضهم كان يعبد الملائكة، وبعضهم يعبد المسيح عليه السلام، وبعضهم يعبد الشياطين، وكثير منهم يعبد الأصنام والأوثان، وآخرون يعبدون الكواكب، وغير ذلك من المعبودات الباطلة, التي زين لهم الشيطان عبادتها وأضلهم بها عن التوحيد.
قوله « فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنْ الْجِنِّ « أي: أسلم هؤلاء النفر من الجن الذين كانوا يُعبدون من دون الله من قِبل مشركي العرب، لما جاء الإسلام، وبعث محمد [ ، ودعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، أسلم أولئك الجنيون، وتابوا إلى الله تعالى وآمنوا، وذكر الله إسلام الجن في أكثر من آية، كما في قوله تعالى: {قل أُوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عَجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جَد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا...} (الجن: 1-3).
وكما في سورة الأحقاف {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون الٌقرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين... } الأحقاف، وغيرها من الآيات.
لكن استمر الإنس الذين كانوا يعبدونهم على حالهم وعادتهم، لا يشعرون بهم، ولا يدرون أنهم أسلموا، واستمسكوا بعبادتهم لهم، فنزلت هذه الآية: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (الإسراء: 57).
والآية التي قبلها توضحها وتبينها، يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} (الإسراء: 56) أي: مهما دعوتم هذه المعبودات الباطلة، فإنها لن تنفعكم ولن تضركم، فلا يملك هؤلاء الذين تدعونهم من دون الله تعالى على كثرتهم كشف الضر عنكم من مرض أو فقر أو بؤس أو ذلة، ولا يملكون له تحويلا أيضا، أي: أن يحولوا الضر عنكم إلى غيركم، بأن ينقل الضر من هذا الإنسان إلى هذا، أو ينقل المرض من هذا الجسد إلى الجسد الآخر , أو من هذا البلد إلى بلد آخر، وهذا أعجز من الأول وأضعف، يعني الذي لا يستطيع أن ينقل المرض من هنا إلى هنا، أو الوباء من هنا إلى هنا مجرد نقل، فهو غير قادر من باب أولى على رفعه بالكلية من الأرض أو الناس!
ثم قال سبحانه: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم} أي: هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله عز وجل، هم أنفسهم يدعون الله سبحانه وتعالى ويسألونه، ويتقربون إليه، فيبتغون إليه الوسيلة , والوسيلة: هي القربة والعمل الصالح، والتقرب إلى الله تعالى يكون بالطاعات والعبادات، فهؤلاء الذين أنتم تعبدونهم من دون الله، هم أنفسهم يتقربون إلى الله ويعبدونه، ويبتغون ما يقربهم إليه من أنواع العبادات.
{أيهم أقرب} يعني: يتسابقون ويتنافسون يبتغون إلى ربهم القربى والزلفى، {ويرجون رحمته ويخافون عذابه} وفي هذا بيان أن العبادة لا تتم إلا بالخوف والرجاء، فبالخوف من الله سبحانه وتعالى تتقى المحرمات، وتترك المنهيات، وبالرجاء يكثر فعل العبد للطاعات والقربات، وقد أمر الله به عباده فقال: {وادعوه خوفاً وطمعا إنّ رحمة الله قريب من المحسنين } (الأعراف: 55).
وقد حكاه الله عن أنبيائه ورسله، فقال بعد أن ذكر جملة صالحة منهم: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء: 90).
وقال سبحانه مادحا عباده المؤمنين: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} أي: خائفون، إلى قوله: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المؤمنون: 57 – 61).
أي: مع طاعتهم وصلاتهم وصدقاتهم، يخافون ألا يتقبل الله منهم لتقصيرهم فيها.
فالإنسان إذا خاف من الله وعذابه، وبطشه وانتقامه، ترك الحرام واجتنبه، وأتقن عمله وأخلص، لينجو مما سبق، وإذا رجا أن يثيبه الله سبحانه وتعالى ويعطيه، وأن يدخله الجنة، طمع وأكثر من الطاعات والقربات.
فالخوف والرجاء إذن: مقامان عظيمان للعبد الصالح في سيره إلى الله عز وجل، فلو تعبد المسلم لله عز وجل بالخوف وحده، ما كان مؤمنا تام الإيمان! فإن مقام الخوف وحده يجره إلى القنوط من رحمة الله والتشديد على نفسه وغيره.
وإذا كان العبد لا يعرف إلا مقام الرجاء، ويتكل على أعماله الصالحة، ولا يلتفت إلى الخوف من الله عز وجل، فإنه سيتساهل بفعل المحرمات، ويدعو غيره إلى ذلك، وربما يمن على الله بعمله.
ولهذا قال السلف: من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري – أي خارجي – ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ.
فلا بد إذن من الجمع بين الخوف والرجاء؛ لتتم عبادة الإنسان، واستقامته لربه سبحانه وتعالى على الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
وزعم قوم من المتصوفة الجهلة بالكتاب والسنة وحال السلف: أن من عَبَد الله خوفا منه، فهذه عبادة العبيد! وأن من عبده بالطمع، فهذه عبادة التجار! وأما من عبده لحبه له فقط، فهذه عبادة الأحرار!
وهي فلسفة ضالة، لا صلة لها بدين الأنبياء والمرسلين، وتردها نصوص القرآن والسنة النبوية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]