عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 24-03-2024, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,330
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر مسلم للمنذري -26

– أعداء القرآن

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

2146. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ : نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ [ (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ) فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ قِرَاءَتَكَ (وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) عَنْ أَصْحَابِكَ أَسْمِعْهُمْ الْقُرْآنَ وَلَا تَجْهَرْ ذَلِكَ الْجَهْرَ (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) يَقُولُ: بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ.

الشرح:
هذا الحديث الثالث في سورة الإسراء .
قال المنذري : باب في قوله تعالى {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} (الإسراء: 110) وقد أورد الإمام مسلم هذا الحديث في كتاب الصلاة ، وبوب عليه الإمام النووي: باب: التوسط بالقرآن في الصلاة الجهرية والإسرار ، إذا خاف من الجهر مفسدة .
قوله : قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} (الإسراء: 110) .
قوله: (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ) بصلاتك، أي: بقراءتك .
(وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا) أي: تخفض صوتك بالقراءة، فلا تفعل هذا ولا هذا، فكلا الأمرين محذور، بل لتكن قراءتك بين الجهر والإخفات .
قال ابن عباس: نزلت ورسول الله متوار بمكة.
فالآية مكية إذا، بل السورة كلها - كما قلنا - سورة مكية، ونزول هذه الآية كان ورسول الله [ متوار، يعني: مختفي عن الأنظار، أي إبان دعوة الإسلام الأولى في السر، لأن النبي [ كان يخشى المشركين وبطشهم وأذاهم على نفسه، وعلى أصحابه، لأن الزمن أول الإسلام كان زمن ضعف، وقلة أنصار، وغربة شديدة, كما جاء في الحديث الصحيح: «بدأ الإسلامُ غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء» رواه مسلم .
فكان النبي [ بمكة أول الإسلام مستضعفاً هو وأصحابه رضي الله عنهم، فكان إذا صلّى عليه الصلاة والسلام بأصحابه المكتوبة، أو قيام الليل؛ لأنه كان واجباً عليهم أول الإسلام، لقوله سبحانه: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا} الآيات من سورة المزمل .
فكان [ يرفع صوته بالقرآن، ليسمعوا صوته وقراءته، ويأخذوا القرآن عنه، ويحفظوه، ويتدبروه ويفقهوه، ثم ليعملوا به، ثم ليبلغوه غيرهم من الناس، فهو مشتملٌ على دين الله تعالى، وعقيدته ومنهاجه، وأحكامه وآدابه وتوجيهاته، وهكذا كان دأب السلف من الصحابة فمن بعدهم، فليس همهم حفظ الحروف فقط، وتضييع الحدود؟! كما هو حال كثير من قراء اليوم؟!
قوله: «فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ» أي: كان إذا سمع المشركون قراءة النبي [ بأصحابه، سبوا القرآن ومن أنزله؟! وهذا من إلحادهم وكفرهم، وجرأتهم على الله تعالى، وتعديهم على حرماته، وصدهم عن سبيله، وإلا فقد علموا أنه كلام الله تعالى، لكن كان هذا دليل عنادهم ومحادتهم لله، ومعاداتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم[ : {إنّ الذين كفروا بالذّكر لما جَاءهم وإنّه لكتابٌ عزيز لا يَأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد} (فصلت : 40-41).
فمن سبهم له: وصفهم له بأنواع الأوصاف المنفرة، أو المنتقصة من شأنه وعظمته، كقولهم عنه: إنه سحر! وإنه قول البشر! وأنه أساطير الأولين ! وأنه قول كاهن! وقول شاعر! وقولهم: «لو شئنا لقلنا مثل هذا» وغير ذلك مما حكاه القرآن الكريم عنهم في آيات كثيرة، وهم يعلمون كذبه؟!
وكانوا أحيانا يرفعون أصواتهم بالصياح عند قراءة القرآن، لئلا يسمع الناس التلاوة فيهتدون للحق، كما قال تعالى: {وقال الذين كفروا لا تَسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} (فصلت : 26) .
فتواصوا فيما بينهم فقالوا أولاً : لا تسمعوا لهذا القرآن، ولا تصغوا إليه، بل أعرضوا عنه، ولا تلتفتوا إليه، ولا إلى من جاء به، وهذا كفر الإعراض عن الحق، وتجاهل بيناته .
قال مجاهد: الغوا فيه، يعني: بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله [ إذا قرأ القرآن، قريشٌ تفعله .
وثانيا: الغوا فيه، أي: أكثروا اللغط واللغو – وهو الكلام الذي فائدة فيه - والأصوات عنده، لئلا يسمعه أحد فيهتدي .
ومن ذلك في زماننا: صد الناس عن القرآن والاهتداء به، بالبرامج الفاسدة، والفضائيات الهابطة، والصور المحرمة، والشهوات المضلة، والأغاني والمعازف، وغيرها مما شاع وذاع في زماننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!
بل يعمل ذلك حتى في رمضان شهر القرآن؟! عاملهم الله بما يستحقون .
أو المعنى: أكثروا الكلام في معانيه، واصرفوه عن وجهه الحق إلى المعاني الباطلة، لتصدوا عن الاهتداء به .
وهذا أيضا ما يقوم به أهل البدع والأهواء، بصد الناس عن السنن بما ينشرونه من بدع وضلالات، وتحريف لمعاني القرآن والسنة، وعمل بغير ما كان عليه القرون المفضلة .
وقوله: (لعلكم تغلبون) هي شهادة منهم للقرآن العظيم – والحق ما شهدت به الأعداء – أن الناس لو استمعوا للقرآن وأصغوا له، وفهوا معانيه، لغلبوا، ولاهتدى الناس للحق، وانقادوا للرسول، ودخلوا في دين الله أفواجا، لعظمة كلام الله تعالى، وجماله وجلاله وحلاوته، وأخذه للقلوب بكلماته التامة، وعباراته الرائعة، ومعانيه الرائقة، وأخباره الماتعة، وقصصه الحقة، ومواعظه التي تتصدع لها الجبال، وتتقطع لها الأرض، وإعجاز تشريعاته .
وقد توعدهم الله بعدها، قال ابن كثير رحمه الله: ثم قال الله منتصراً للقرآن، ومنتقما ممن عاداه من أهل الكفر والإلحاد: {فلنُذيقنّ الذين كفروا عذاباً شديداً ولنَجزينّهم أسوأَ الذي كانوا يعملون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون} (فصلت : 27- 28) .
ولهذا أمر الله تعالى المؤمنين بخلاف حال الكافرين، فقال: {وإذا قُرىءَ القُرآن فاستمعوا له وأنصتُوا لعلكم تُرحمون} (الأعراف : 204) .
والاستماع غير الإنصات، فالإنصات ترك التحدث أو الاشتغال بغيره .
وأما الاستماع: فهو أن يلقي بسمعه للقرآن، ويحضر قلبه عنده، ويتدبر ما يسمع، فمن فعل هذين الأمرين حين يتلى كتاب الله تبارك وتعالى، فإنه ينال خيرا كثيرا، وعلماً غزيرا، وإيمانا متجددا، وهداية وبصيرة في دينه ودنياه وأخراه .

قوله: {فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ} وهذه مفسده تحصل بالجهر بالقرآن ورفع الصوت به, ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح إذا تعارضتا مع التساوي، أو كانت المفسدة أعظم، ولهذا قال الله تعالى لنبيه وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ .
ويمكنه إذا قرأ بصوت أقل، أن يسمع أصحابه القراءة، ولا يسمع المشركون قراءتك فتحصل مفسدة، وهي سب القرآن، وسب من أنزله ومن جاء به .
وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا أي: لا تسر بقراءتك عن أصحابك، فلا يأخذوا عنك القران ولا يسمعونه .
وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً يعني توسط في هذا الأمر لتجمع بين فعل المصلحة ودرء المفسدة.
وهذه قاعدة شرعية عظيمة، يسار على منوالها في الأمور .
وجاء في تفسير ابن جرير: عن التابعي الجليل محمد بن سيرين أنه قال: نبأت أن أبا بكر ] كان إذا قرأ خفض, وكان عمر [ إذا قرأ جهر, فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا؟ قال: أنا أناجي ربي، وقد عرف حاجتي. وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أنا اطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان - والوسنان يعني النعسان - فلما نزلت هذه الآية قيل لأبي بكر: ارفع شيئا، وقيل لعمر: اخفض شيئا .
فهذه الآية للمنفرد أيضا, فالمنفرد إذا صلى لا يجهر كثيرا، ولا يسر كثيرا .
أما الإمام : فإنه يقتدي بالنبي [ فيجهر بالصلوات الجهرية، يجهر في صلاة الفجر وفي المغرب وفي العشاء، وفي صلاة الجمعة وفي صلاة العيدين والكسوف وهكذا، فالصلوات الجهرية, يجهر بها اتباعا لسنته.
وأما الصلوات السرية: كالظهر والعصر وصلوات النهار عموما، فإنه يسر بها .
أما إذا كان لوحده منفردا: فإنه كذلك يقتدي بالنبي [، فيجهر في الجهرية، ويسر في السرية، وأما صلاة الليل فهو مخير فيها بين الجهر والإسرار، هكذا هدي النبي [ .
وهذه الآية دليل أيضا على التوسط في الأمور, والله تعالى: {يقول وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} (البقرة : 143)، فإذا كان المبالغة في الأمر تؤدي إلى مفسدة، فإنها تترك، ويؤخذ بما هو أقل منها، حتى تندفع هذه المفسدة .
والله تعالى أعلم

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]