عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 26-03-2024, 05:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,339
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

(29) دعاوى المشركين الباطلة

اعداد: الفرقان



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
باب في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا}
2150. ٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي: لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ؟! قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي لَنْ أَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ؟! فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ؟! قَالَ وَكِيعٌ:كَذَا قَالَ الْأَعْمَشُ. قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} إِلَى قَوْلِه:ِ {وَيَأْتِينَا فَرْدًا}.
الشرح: باب في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} (مريم: 77) وهذا الحديث هو الثاني في سورة مريم، والحديث قد أخرجه الإمام مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، والحديث أخرجه أيضا البخاري في صحيحة، فهو إذًا حديث متفق عليه.
وهو حديث خبّاب بن الأرت ] وهو التميمي أبو عبدالله، من السابقين إلى الإسلام، وقد عذّب في الله تعالى، وشهد بدراً، ثم نزل الكوفة، ومات بها سنة سبع وثلاثين، روى له الستة.
يقول خباب بن الأرت: « كان لي على العاص بن وائل دينٌ» وجاء في رواية البخاري: أن خباب كان قَيناً، أي حدّاداً، فصنع للعاص بن وائل سيفا أو نحو ذلك، فجاء إلى العاص بن وائل، وهو من كبار صناديد قريش، وهو والد عبدالله بن عمرو بن العاص، وكان من الوجهاء عندهم كما قلنا.
قوله: « فأتيته أتقاضاه» أي: يطلب منه ثمن ما صنع له؛ لأنه كان حدادا.
قوله: «فقال لن أقضيك حتى تكفر بمحمد [» وهذا من كفره وعناده وشركه بالله تعالى، وبغضه للرسول [؛ لأنه علم أن خبابا رضي الله عنه قد آمن بمحمد [، لكن هو من ضعفة الناس في مكة؛ لأنه ليس قرشيا بل من تميم.
قوله: «فقلت له إني لن أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث» وهذا قاله على وجه الاستحالة، وعلى وجه الاستبعاد، ومعنى ذلك: أني لن أكفر بمحمد [ أبدا؟!
قوله: «قال: وإني لمبعوث من بعد الموت؟» قاله على وجه الاستهزاء والإنكار والتكذيب، وهذا ما كان عليه أهل الجاهلية في مكة وغيرها، بل يكذب بالبعث سائر الأمم الكافرة، فإنهم جميعا كانوا ينكرون البعث بعد الموت، والقيامة والحشر والحساب، والله سبحانه وتعالى قد أقام الحجج والبراهين الكثيرة، فيما أنزل على رسله وفي كتبه، وفيها الآيات العظيمة، الدالة على إحيائه للموتى، وبعث الأجساد بعد فنائها.
فمن ذلك في القرآن الكريم: أن الله تعالى ضرب المثل كثيرا على إحياء الموتى، بإحياء الأرض بعد موتها بالنبات، فالأرض تكون ميتة يابسة لا حياة فيها، فإذا أنزل الله سبحانه وتعالى عليها الماء والمطر اهتزت وربت، وانبتت من كل زوج بهيج.
ومن ذلك أيضا: أن الله سبحانه وتعالى ضرب في القرآن أمثالا كثيرة في حوادث الناس، مثل قصة نبي الله عزير عليه السلام، الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، ومثل: قصة تقطيع نبي الله إبراهيم عليه السلام للطيور الأربعة، ثم ناداها فقامت حية تمشي على الأرض، ومثل قصة القرية من بني إسرائيل: {الذين خرجوا من ديارهم وهو ألوفٌ حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم}. ومثل الذي قُتل ثم ضُرب بعضو من أعضاء البقرة التي ذبحها بنو إسرائيل فأحياه الله، وأخبر بقاتله في القصة المشهورة.
ومثل أصحاب الكهف الذين ناموا ثلاثمائة سنة وتسعا ثم أحياهم الله وقاموا ورآهم الناس ثم رجعوا فماتوا، وغيرها من القصص والحجج والبراهين التي تبين قدرة الله سبحانه وتعالى على إحياء الموتى.
قوله: «قال وإني لمبعوث من بعد؟! الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد» وفي رواية أنه قال: «فإني إذا بُعثت، فسيكون لي مال وولد فأقضيك»، وهذا من استهزائه بالبعث والنشور، وكفره بآيات الله، واستهزائه بالصحابي صاحب الحق عليه، قال وكيع كذا قال الأعمش، قال: فنزلت هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} (مريم: 77) وهذه الآيات تدل على أنها نزلت في هذا الكافر، وفي أمثاله من المجرمين.
يقول سبحانه وتعالى فيها: {أَفَرَأَيْتَ}: أفلا نخبرك عن هذا الكافر الذي كفر بآياتنا ببراهيننا وحججنا، وما أنزلنا على نبينا محمد [ من الآيات المسموعة العظيمة. {وقال لأوتينا مالا وولدا} أي: مع كفره بالله وشركه، قال: سيعطيني الله مالا وولدا؟؟! قال ذلك تخرصا وادعاء، وكذباً على الله عز وجل وافتراء، ولذلك ردّ الله سبحانه وتعالى قوله فقال: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} أي: هل قال ما قال عن علم بالغيب؟ وأنى له علم الغيب وهو كافر بالله سبحانه وتعالى؟! هل اطلع الغيب وعلم أنه سيكون من أهل الجنة؟ وسيكون له مال وولد؟! والجواب: لا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يطلع الخلق على غيبه كما قال {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ...} (الجن 26: 27)، وهذا الرجل كافر بالله سبحانه وتعالى إذاً هو لم يطلع على الغيب، هو كاذب ومفترىٍ.
قوله: {أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} أي: هل كان له من الله عهدٌ وميثاق أن يدخله الله الجنة؟ والجواب: أن هذا أيضا لم يحصل! فليس لهذا الكافر عهد ولا ميثاق عند الله سبحانه وتعالى بدخول الجنة؛ وذلك لأنه أولا: لم يسلم ولم يعمل صالحا، ومن لم يؤمن بالله عز وجل، فليس له عند الله عهد بدخول الجنة والنجاة من النار.
والآية تدل على أمرٍ مهم وعظيم، وهو أن من آمن بالله عز وجل وعمل صالحا، فله عند الله عهد أن يدخله الجنة، كما جاء في حديث معاذ ] مرفوعا: « أن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن يدخلهم الجنة إذا هم فعلوا ذلك». أما هذا الكافر وأمثاله فليس لهم عند الله عهد، ولا وعد بالنجاة، ولا بدخول الجنة، بل هو متقول كاذب، يقول قولاً لا علم له به، ولا وعد من الله بكتاب، ولهذا أنكر الله تعالى قوله فقال: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً}.
قوله: {كَلَّا}، وكلمة «كلا» تنفي ما قبلها، وتثبت ما بعدها، وهي كلمة ردع وزجر، وحرف « كلا « بالاستقراء لم يرد إلا في السور المكية، فهو من علامات السور المكية؛ فكل سورة ذكر فيها حرف «كلا»، فهو دليل على أنها سورة مكية.
والآيات المكية فيها نوع من القوة والجزالة في اللفظ، والمخاطبة للعقول، وتحريك القلوب بشدة؛ لأن القلوب ميتة، فقلوب الكافرين جامدة قاسية، بخلاف قلوب المؤمنين فهي قلوب لينة خاشعة؛ ولهذا فالخطاب في المدينة خطاب سكينة ولين وإيمان، خطاب يبتدأ فيه بقوله: {يأيها الذين آمنوا}؛ لأن الناس قد استجابوا لله سبحانه وتعالى وآمنوا، أما السور المكية فهي موجهة إلى أناس عتاة وكفرة، وإلى جاحدين معاندين؛ ولذلك الآيات في السور المكية تكون كالقوارع على القلوب، توقظ هذه الأفئدة الغافلة من سباتها العميق.
ثم قال الله عز وجل: {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً} (مريم: 79)، أي: هذا القول الذي قاله وافتراه على الله سبحانه وتعالى، وتجرأ فيه على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام بأنه قال لخباب: لا أعطيك حقك حتى تكفر بمحمد [؟ فهذا سنكتبه عليه، وتحصي عليه الحفظة والكتبة من الملائكة كل ما يقول في صحيفته.
{وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً} هذا في الآخرة، يمد له فيه العذاب مدا؛ لأن العذاب يوم القيامة عذاب ممدود مستمر، لا أمد له ينتهي عنده، بل هو دائم باق، كما قال سبحانه: {فلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (البقرة: 86) وقال {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (النبأ: 23)، أي: كلما انتهت تلتها حقبة أخرى، فهو عذاب ممدود لا نهاية له، والعياذ بالله، وعذاب شديد، وقال سبحانه فيه: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} (النساء: 56).
وقوله: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} (مريم: 80) أي: نحن الذين سنرث ماله وولده، فهو قد قال: إذا بعثت سيكون لي مال وولد، فائتني وأعطيك حقك؟! فقال الله تعالى له: نحن الذين سنرث ما يقول؛ لأن الله سبحانه وتعالى الوارث لعباده، الذي يرث خلقه أجمعين، كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (مريم: 40)، فكل ميت وهالك وارثه الله سبحانه وتعالى.
{ويأتينا يوم القيامة فردا} أي: لا مال ولا أهل ولا عشيرة، ولا خدم ولا حشم، بل يأتينا فردا ليس معه أحد، فهذا الكافر الجاحد الذي يطمع أن يكون له مال وولد يوم القيامة، يقول الله سبحانه وتعالى إنه سيأتي يوم القيامة فردا واحدا ليس معه أحد؛ فلا ينصره أحد، ولا يشفع له أحد.
وهذا القول الذي قال العاص بن وائل يدل على جهل المشركين، وسفاهة عقولهم، وغبائهم وبلادتهم، وبعضهم يظن أنه على شيء من الفهم والعقل في الحياة؟!! وأن الله سبحانه وتعالى أعطاهم ما أعطاهم من أموال وبنين ودنيا واسعة وجاه، لحبه لهم، أو لعلمهم وحنكتهم وإدارتهم! ويظنون أن هذا دليل على أنهم على خير، وأنهم لا يمكن أن يتحولوا عن هذا الخير الواسع إلى الشر الذي يتوعدهم به رسول الله [؟!
والحقيقة أن ما أعطاهم الله إنما هو استدراج منه سبحانه وتعالى لهم، وهذه الأشياء كلها ستسلب بعد موتهم، وتكون سببا في زيادة عذابهم، وسيرجعون إلى الله فرادى حفاة عراة، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (الأنعام: 94).
نسأل الله تعالى العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وأهلنا ومالنا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]