عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 28-03-2024, 07:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر مسلم (34)

حادثـة الإفـك (4)

اعداد: الفرقان


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
ذكرنا في الحلقة السابقة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار بعض أصحابه فيما قيل في حق أم المؤمنين، ونستكمل بقية الشرح للحديث.
قالت: « فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر» بعد هذه الاستشارة وبعد الشعور بشيء من الطمأنينة من كلام أهله، ومن كلام أقرب الناس إلى عائشة وهي بريرة مولاتها، قام صلى الله عليه وسلم على المنبر.
قولها: « فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول « استعذر يعني قال: من يعذرني ، فطلب العذر ، قال: « يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي «من يعذرني يعني: من يقوم بعذري وينصفني إن عاقبته على فعله، وأقمت عليه ما ينبغي أن يؤدب به، وقيل: معنى من يعذرني، أي من ينصرني ، والعذير هو الناصر ، لكن المعنى الأول أقوى.
قوله: «فو الله ما علمتُ على أهلي إلا خيراً» وهذا هو الأصل براءة الناس وسلامتهم ، ولا يتحول عن هذا الأصل إلا بشهودٍ أو بينة أو اعتراف أو ما أشبه ذلك ، وإلا فالأصل أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته.
قوله: «ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً» وأيضا هم اتهموا رجلا معروفا بالخير والصلاح ، ومعروفا بالعدالة ، وهو كما ذكرنا رجل من البدريين، أي ممن شهد بدرا.
قوله: « وما كان يدخل على أهلي إلا معي» أي: لم يحصل له خلوة ، فلم يحصل شيء من ريبة من تصرف مريب ، ولم يشهد عليه أحدٌ بشيء، وهو رجل صالح فمن أين تأتي التهمة ؟! ومن أين يأتي الظن السيئ؛ ولذا قال الله تبارك وتعالى: {لولا إذْ سمعتموه ظنّ المؤمنُون والمؤْمنات بأنفسِهم خيراً وقالوا هذا إفكٌ مبينٌ لولا جَاؤوا عليه بأربعةِ شُهداء فإذْ لم يأتوا بالشّهداء فأؤلئك عند اللهِ هم الكاذبون}، (النور : 12-13) فأهل الإيمان والصلاح والاستقامة والعفاف يظن بهم الخير ، كما أرشد الله في الآية الكريمة.
قوله: « فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله»، وهاهنا إشكالٌ في الحديث ، وهو ذكر سعد بن معاذ وهو سيد الأوس [ وأرضاه ، في هذه القصة في غزوة بني المصطلق المسماة بغزوة : المريسيع، وكانت هذه الغزوة سنة ست للهجرة ، والمعلوم من السيرة أن سعد بن معاذ رضي الله عنه مات بعد غزوة الخندق ، وقد كانت سنة أربع ، فكيف يحضر هذا المجلس وهذا الموقف فيتكلم وهو قد مات قبله؟!
ولهذا قال القاضي عياض: قال بعض شيوخنا : ذكر سعد بن معاذ في هذا وهم ، والأشبه أنه غيره، فقيل: هو أسيد بن الحضير، ومنهم من قال : إنّ غزوة المريسيع كانت سنة أربع، يعني في سنة الخندق، لكن الأشهر أنها كانت بعد غزوة الخندق ، كما ذكر غير واحد أن المريسيع كانت سنة خمس أو سنة ست.
قوله: «إن كان من الأوس ضربنا عنقه « يعني قال : أنا أعذرك منه يا رسول الله ، أي أنا أعطيك العذر بأن تقتله إن كان من الأوس؛ لأنه كان سيد الأوس، ويملك ذلك. قوله : « وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك»؛ لأنه ليس له ولاية على الخزرج ، إنما الولاية العامة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فله الأمر على الجميع ، أي إن كان من الخزرج تأمرنا نحن فنفعل به ما تشاء.
قالت : «فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحاً ، ولكن اجْتَهلته الحمية» وأكثر رواة مسلم رووه بهذا اللفظ : «اجتهلته» يعني استخفته الحمية وأغضبته وحملته على الجهل ، وفي رواية البخاري : «احتملته» يعني أغضبته الحمية.
والحمية هي العصبية ، والعصبية - عافانا الله وإياكم - إذا طرأت على الإنسان غطت على قلبه وعقله، وصار الإنسان يتصرف دون عقل وشرع، وهذا من أعظم المخاطر والمنكرات التي حذر منها الشرع الحنيف، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من قاتل تحت راية عُمّيّة ، يغضبُ لعَصَبة، أو يدعو إلى عَصبة ، أو يَنصر عَصبة ، فقتل، فقتلته جاهلية» رواه مسلم ( 3/1476).
فالذي يدعو إلى العصبة ، أو يقاتل على العصبة - والعصبة هم أقرباء الرجل من جهة الأب - فهذا إن مات وهو كذلك فميتته جاهلية؛ لأنه يقاتل لا لنصرة الدين ، ولا لنصرة الحق، بل لأجل العصبة والعشيرة! ومحض الهوى والتعصب! كما كان أهل الجاهلية يفعلون.
لكن سعد بن عبادة رجل صالح، ومن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، بل من أصحاب بيعة العقبة ، أي من السابقين إلى الإسلام من الأنصار ، لكن احتملته العصبية على الوقوع في هذا الخطأ، ] وعن الصحابة وأرضاهم أجمعين.
قوله : « فقال لسعد بن معاذ : كذبتَ ، لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله» أي : إن كان من الخزرج فما لك عليه ولاية ، فلا تقتله ولا تقدر على قتله، والأوس والخزرج قبيلتان كانتا تسكنان المدينة كما هو معلوم، وبينهما عداوات قديمة كانت في الجاهلية، فتثور هذه العداوات بعض الأحيان بينهم، وفي بعض المواقف بتحريش الشيطان أو المنافقين، فيحصل بينهم ما يحصل بين البشر، لكنهم رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا سريعا ما يعودون إلى الحقّ والصلح ، ويندمون ويتعانقون وينسون ما حصل بينهم من خلاف ، ويحمدون الله سبحانه وتعالى على نعمة الإسلام ، وأخوة الإيمان ، وائتلاف القلوب بعد التنافر الذي كانوا عليه في الجاهلية ، كما قال سبحانه وتعالى:{ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، (آل عمران : 10).
قوله: «قال أسيد بن الحضير وهو ابن عم سعد بن معاذ» أسيد بن حضير أيضا هو من أصحاب بيعة العقبة الأولى ، وممن بايع رسول الله [ فيها، فقال أسيد بن حضير وكان حاضرا، قال لسعد بن عبادة: «كذبت لعمر الله» لعمر الله: قسم بحياة الله تعالى، وهي صفة من الصفات الإلهية ، وقال : « كذبت لعمر الله لنقتلنه؛ فإنك منافق تجادل عن المنافقين « قوله : إنك منافق ، لا يريد بهذا النفاق النفاق الاعتقادي ، إنما يريد النفاق العملي، كأنه يقول له: كيف تدّعي أنك مسلم وتحبنا، ثم تعادينا هذه العداوة ، وتظهر لنا المودة والمصافاة ثم في مثل هذا الموقف تظهر لنا العداوة، كأنك منافق أو هذا أشبه بحال المنافق ، وهذا كما قلنا كان في موقف حمية وغضب وعصبية ، فحصل منهم ما حصل، ومثل هذه المواقف والأقوال لا تنقص من قدر الصحابة وفضلهم؛ لأنهم على كل حال بشر ، والبشر معرضون للخطأ، والصحابة رضي الله عنهم وإن كانت لهم مثل هذه الأخطاء ، لكنها يسيرة وقليلة ، ومغمورة في بحار حسناتهم رضي الله عنهم وأرضاهم ، التي قدموها في سبيل الله ، والأعمال التي نصروا بها الله عز وجل ودينه ورسوله [، والأموال التي أنفقوها في نصرة الإسلام، فلم تكن هذه إلا مجرد عارض يحصل للإنسان الضعيف ، الذي يعتريه ما يعتري غيره من الغضب والانفعال والتوتر والانزعاج.
قولها : « فثار الحيان الأوس والخزرج » بعد هذا السجال والجدال الذي حصل بين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأصحابهما ، ثار الحيان، أي الأوس والخزرج ، وحصل لهم نوع من الحمية، « حتى هموا أن يقتتلوا » حتى هموا أن يحصل بينهم عراك أو تشابك بالأيدي، أو بالعصي وما أشبه ذلك.
قولها: « ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل يخفّضهم « أي يأمرهم بتخفيض الصوت، ويسكتهم، حتى سكتوا جميعا وسكت صلى الله عليه وسلم ، فقد كادت تنشب فتنة بين الصحابة وفرقة، وهذه الفتن حاكها أهل النفاق والدسائس، أرادوا بها الإيقاع بين المؤمنين ، وتهييج العداوات بين المسلمين ، وهذا لا شك أنه هدف لأعداء أمة الإسلام في كل عصر ومصر ، فهم دائما يحاولون إيجاد ما يثير العداوات بين المسلمين ، وما يردهم إلى العصبيات الجاهلية ، وإلى مبادئ أو حضارات إن تمسكوا بها فرقتهم بعد أن جمعهم الإسلام على قلب رجل واحد. قال عز وجل ممتنا أيضا على رسوله :{وألّف بين قُلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}، (الأنفال:63) .
فالله سبحانه وتعالى ألف بينهم بدينه وبالإيمان وبشرائع الإسلام وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولو أنفقت ذهب الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، لكن الذي ألف بينهم هو الله سبحانه وتعالى. فأعداء الإسلام يريدون تفريق الأمة، وإذا تفرقت الأمة ضعفت وسهل التغلب عليها، مثل العصي إذا تفرقت سهل تكسرها، كما قال القائل:
تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكسرا ...
فإذا افترقن تكسرت آحادا
فالحزمة القوية لا يمكن أن يكسرها الإنسان، لكن إذا تفرقت الأعواد كسر كل عود وحده، وهذا هو المقصود في قول أعداء الله : «فرق تَسُد» يتبع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]