عرض مشاركة واحدة
  #35  
قديم 29-03-2024, 04:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,596
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(35)

– حادثة الإفك (5)

اعداد: الفرقان


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
نستكمل شرح حديث حادثة الإفك:
قَالَتْ : «وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي ، فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي قَالَتْ : فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ [ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ ، قَالَتْ : وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ [ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ، عَلَيْهِ قَالَت:ْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ [ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ [ فِيمَا قَالَ فَقَال:َ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ [، فَقُلْتُ لِأُمِّي : أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ [، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ [، فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ : إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ : إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونَنِي ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
- قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّه ِصلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ»، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْه،ِ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عَشْرَ آيَاتٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي».
الشرح :
تقول عائشة: «وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم « لا يرقأ أي لا ينضب ولا يقف دمعي، ولا تنام عينها، «ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم « أي: تواصل عليها الهم والغم والبكاء والسهر»، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي» أي: ما يفلق الكبد ويقطعه، أو يحصل لها مرض عضال في الكبد؛ لأن الكبد يتأثر بمثل هذا الهم الشديد والغم، كما هو معلوم.
- قولها: « فبينما هم جالسان عندي وأنا أبكي، استاذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي» أي مواساة لها وتسلية، فالإنسان إذا كان في همٍ وغم ومصيبة، وجاء من يجلس عنده ويسليه، خفّف عنه شيئا من المصاب.
- قَالَتْ : « فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ : وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ « أي مرّ شهر عليها وما جلس عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لعظم هذه الفرية والإشاعة الخبيثة المنفرة، وتأخر نزول الوحي في هذه الحادثة شهراً، وهو من الابتلاء العظيم لرسول اللهصلى الله عليه وسلم ولأهل بيته.
قَالَتْ: «فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ» قالت: بعد أن جلس تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشهد أي: قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وهي عادته صلى الله عليه وسلم ، كان إذا أراد أن يتكلم ، تشهد وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله.
ثم قال: «أما بعد» وهي كلمة تقال لأجل الانتقال من موضوع إلى آخر، واختلف فيمن قالها أولاً ؟ فمنهم من قال: أول من قالها من العرب: قس بن ساعدة، خطيب العرب، وقيل غيره.
- قولها: « قال : يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا» وهذه أول مرة يكلمها النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر منذ حصل ما حصل، وإنما كان يدخل عليها كما مر معنا ويقول لها: كيف تيكم؟ أي كيف حالكم، فقط، وما كان يزيد على ذلك، لكن قال لها في هذا اليوم: « إنه قد بلغني عنك كذا وكذا» يعني كناية عما رُميت به من الإفك والبهتان». فإن كنت بريئة فسيبرئك الله» أي: بالوحي ينزله الله عز وجل يعلن فيه براءتك.
ثم قال: «وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله « ألممت من الإلمام، كما في قول الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ } (النجم : 32).
فاللمم كما يقول أهل العلم: هو الذّنب الذي يقع دون قصد، وهذا حال أهل الإيمان وأهل الاستقامة والصلاح، فالذنب منهم يقع بغفلةٍ دون قصد ولا عمد، وبعدم إصرار ، فقال لها: إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، يعني إن فعلت ذنبا فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ، تاب الله عليه، وهذه بشارة عظيمة للمذنبين، كما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى في قوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر : 53).
وفي قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } (طه: 82).
فالنبي صلى الله عليه وسلم هاهنا يبشر ويصرح بقبول توبة الله للمذنب، إن هو تاب واعترف بذنبه، وندم على فعله ، فان الندم والتوبة كفيلان بمغفرة الذنوب من الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى.
- قالت: « لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قَلَص دمعي وجفّ ، حتى ما أحس منه قطرة» قلص أي ارتفع ، وذلك لأنها سمعت كلاما مؤثرا عظيما ، وتحفزت للرد والدفاع عن نفسها، والإنسان إذا تحفز للدفاع عن نفسه يحصل له شيء من القوة.
- قولها: « فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال» أي : قالت لأبيها أبي بكر ]: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا من أدبها رضي الله عنها، أنها فوّضت الكلام لأبيها، وتفويض الكلام للكبير في المجلس أدبٌ إسلامي كريم، فلا يبدأ الصغير بالكلام قبل الكبير، وهذا الأدب الرفيع ينبغي أن يؤدب عليه الأبناء والبنات، وخصوصاً إذا حضروا في الأمر الخطير أو العظيم؛ لأن الكبير أعرف وأعلم بالقول، وكيف يرد الرد اللائق.
فقال أبو بكر ]: « والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟» أي: ليس عندي شيء أقوله» قالت: «فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم » يعني أن أبا بكر وأم عائشة رضي الله عنهم ليس عندهما شيء زائد على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يزال الأمر فيه غموض، فليس هناك ما يحسمه ويبرئ ساحة عائشة رضي الله عنها، أو يقوي كلامها وموقفها، فالوحي لم ينزل بعد، لكن حسن الظن لا يزال موجوداً بابنته رضي الله عنها.
- قالت: « فقلت: وأنا جارية حديثة السن» فعائشة رضي الله عنها في هذا الموقف كانت في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة ، فهي لا تزال بنتا صغيرة، لا تكاد تستطيع إتقان الكلام، وتجميع القول. قالت : « لا أقرأ كثيرا من القرآن» بمعنى: لا أحفظ كثيرا من القرآن وآياته.
- قالت : « إني والله لقد عرفتُ أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقرّ في أنفسكم، وصدقتم به» هذا قولها وهي جارية حديثة السن، وهو يدل على رجاحة عقلها، ولا سيما أنها من بيت علم وفهم وأدب، فهذا الخطاب الذي دافعت به عن نفسها، ليس بالقول السهل فقد جاء في كلامها: فإن قلت لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني بذلك، لماذا؟ لأن الأمر قد شاع وانتشر حتى صدقه البعض، قالت: ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني بريئة – لتصدقونني، أي لقبلتم ذلك، وكان هذا أقرب عندكم، مع بعده عن الحقيقة؟!
- قولها: «وإني والله ما أجدُ لي ولكم مَثَلا إلا كما قال أبو يوسف» وفي بعض الروايات أرادت أن تقول: يعقوب عليه السلام، فغاب عن بالها اسم يعقوب، فقالت: أبو يوسف، وذلك أن الإنسان في حال الحزن الشديد أو الهم والكرب ، أو الغضب، ينسى بعض الكلام وبعض الحجج، فهي أرادت أن تقول يعقوب فما تذكرت اسمه، فقالت: أبو يوسف.
- قولها: « كما قال أبو يوسف {َفصَبْرٌ جَمِيلٌ} (يوسف : 18)، والصبر الجميل كما قال أهل العلم: هو الصبر الذي لا جَزع فيه، ولا شكوى معه ، فلا يشكو معه الإنسان إلى الخَلق، بل يشكو حاله إلى الله، والشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل، كما قال تعالى عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه قال: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ } (يوسف : 86)، إنما الشكوى للخلق هي التي تنافي الصبر الجميل، {وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} أي استعين الله على ما تذكرون وتصفون عني، وهو عز وجل يعلم براءتي، وهو نعم المعين على ذلك.
- قَالَتْ: «ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا» أي: ما كانت تظن أن ينزل فيها قرآنٌ كريم يقرؤه المؤمنون، ويتلى في الصلوات، وفي المساجد إلى يوم القيامة ، يذكر الله تعالى فيه براءتها ، ويرد على الكاذبين عليها من المنافقين وغيرهم؛ لأنها كانت ترى أنها ليست بذاك الأمر المهم، وهذا من تواضعها رضي الله عنها وهضمها لنفسها مع أنها زوجة أفضل رسل الله على الإطلاق ، وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، لكن كانت ترجو أن يبرئها الله برؤيا يراها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامه، ورؤيا الأنبياء حقٌ ووحي من الله سبحانه ، كما هو معلوم ، فيعرف الناس أنها بريئة.
- قَالَتْ: « فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ» رام أي: ما فارق مجلسه « وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم » أي : أنزل عليه جبريل عليه السلام بالقرآن.
- قالت: « فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِيِ، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْه» البرحاء بضم الباء هي الشدة والكرب، ليتحدّر أي: ليتصبّب، والجمان هو الدُر واللؤلؤ، شبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
- قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أي : كُشِف عنه « وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ : « أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ» « أي ضحك صلى الله عليه وسلم فرحا بما أنزل الله تعالى عليه من الآيات في براءتها، وأعلن ذلك فوراً لأهل المجلس، وخاطب به عائشة رضي الله عنها قائلا: أبشري يا عائشة، أي أبشري بالفرج والبراءة وزوال المحنة.
- فَقَالَتْ لِي أُمِّي : قُومِي إِلَيْهِ» أي : قومي إليه واشكريه، وقَبِّلي رأسه.
- فَقُلْتُ: « وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي» وهذا كما قال أهل العلم: من إدلالها على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها تعلم حبه لها ، ومن عتبها عليه وعلى أهلها لكونهم شكّوا فيها وارتابوا، مع علمهم بجميل أخلاقها، وارتفاعها عن هذا المنكر والباطل الذي اتهمت به ظلماً.
- قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ:َ {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تحَسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم... } عَشْرَ آيَاتٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي . (يتبع).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]