عرض مشاركة واحدة
  #39  
قديم 31-03-2024, 10:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,608
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(39)

العـذاب الأدنـى

اعداد: الفرقان


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
باب في قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}.
2158- عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}، قَالَ: مَصَائِبُ الدُّنْيَا، وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ أَوْ الدُّخَانُ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ: فِي الْبَطْشَةِ أَوْ الدُّخَانِ.
الشرح:
- الحديث الثاني في سورة السجدة في قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لعلهم يرجعون}، هذا الحديث حديث أبي بن كعب رضي الله عنه رواه الإمام مسلم في كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، وأورده الإمام المنذري هاهنا في كتاب التفسير.
- يقول أُبَي بن كعب في قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} (السجدة: 21)، قال: مصائب الدنيا، يعني: ما يعذبهم به في الدنيا من المصائب قبل الآخرة: {لعلهم يرجعون} إلى الله، أي لعلهم يتوبون، ولعلهم يتعظون ويتذكرون، وهذه الآية شبيهة بقوله تبارك وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم: 41)، ظهر الفساد، يعني: بان النقص في الخيرات في البر والبحر، هذا معنى الفساد ها هنا، يعني نقص الخيرات والقحط والآفات التي تصيب الزروع والثمار في البر، أو الآفات التي تصيب البحار فتنقص خيرات البحر من الأسماك والحيوانات، هذا النقص سببه ما كسبت أيدي الناس من المعاصي والآثام: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، أي: إلى الله تعالى، فالإنسان إذا أخذ بالفقر ونقص الأموال، أو بالأمراض أو بالشدائد؛ فإنه يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويتوب من معاصيه.
- وقال أبو العالية: من عصى الله فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة.
- ولهذا ثبت في الصحيحين: «أن العبدَ الفاجر إذا مات، يَستريح منه العبادُ والبلاد والشجر والدواب».
- والله تبارك وتعالى قال هاهنا: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى}، العذاب الأدنى يعني الأقرب وهو ما قبل الموت، فالعذاب الذي يعذبون به قبل الموت دون العذاب الأكبر، فهو عذاب الدنيا . وقيل: {العذاب الأدنى} إقامة الحدود؛ فالإنسان إذا أتى كبيرة من الكبائر كالسرقة أو شرب الخمر أو الزنى وأقيم عليه الحد؛ فهذا نوعٌ من العذاب المعجّل له. وأيضا: أنواع ما يبتلى به الإنسان من الهموم والغموم والأحزان ، هذا كله من العذاب الذي يعجله الله تعالى للناس، حتى يتذكروا قبل الممات، ولا يصيبهم العذاب الأكبر الذي يكون يوم القيامة، فما يصيب الناس في دنياهم هو من الرحمة الربانية، فالله تعالى لو ترك العاصي يفعل ما يشاء ولم يعذبه بشيء، ولم يرده عنه، ولم يسلط عليه أي شي، كان هذا شر له ليس بخير، فإن الشر للإنسان أن يترك يفعل ما يشاء حتى يأتيه الموت ثم يجازي بكل أعماله، فهذا شر له وليس بخير.
- ولذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن فلانا لا يصيبه صداع ولا تصيبه حمى، قالصلى الله عليه وسلم : «أف، هذا من أهل النار» رواه أحمد.
فالذي لا يصيبه شيء، هذا يدل -والعياذ بالله– على أن الله تعالى ما أراد به خيراً، فالعذاب الأدنى إذن يشمل كل مصائب الدنيا.
- وقوله: «الروم والبطشة»، يعني أن هذا أيضا داخل في عذاب الله الأدنى، والبطشة: هي ما حصل من القتل والجراح للمشركين يوم بدر، وقيل: البطشة ما أصاب أهل مكة من السنين التي هي سنو الجوع والجدب والقحط، حتى أكلوا الجيف والعظام من شدة الحاجة، فأذاقهم الله تعالى هذا العذاب المؤجل.
- وقوله: «شك شعبة هل هو الروم أو الدخان» يعني هل ما جاء في أول سورة الروم، أو ما جاء في الدخان الذي ذكره ربنا عز وجل بقوله: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الدخان: 11)، لكن الأول هو الأقوى. وقيل: العذاب الأدنى هو عذاب القبر؛ لأن عذاب القبر دون العذاب الأكبر الذي يكون يوم القيامة، لكن هذا التفسير غير صحيح بدليل أن الله سبحانه وتعالى قال: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، والذي يعذب في قبره ليس له فرصة في أن يرجع عن عمله السيئ، إذاً لا يصلح أن تفسر الآية بعذاب القبر والله تعالى أعلم.
- وفي عذاب القبر آيات أخر كقوله سبحانه وتعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر: 46).
- وفي قوله سبحانه عن قوم نوح: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً} (نوح: 25) هذه الآية تدل أيضا على عذاب القبر، فبعد الغرق جاءهم الحرق في النار في قبورهم، والعياذ بالله تعالى.
غزوة الأحزاب
باب في قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}.
2159- عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، قَالَتْ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
الشرح:
هذا الحديث في سورة الأحزاب، وقد رواه الإمام مسلم في كتاب التفسير أيضا، وهو في تفسير قوله تعالى من سورة الأحزاب الآية العاشرة، قال سبحانه: {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: 10)، وهذا إخبار من الله تعالى عما حصل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وتذكير لهم بالنعمة، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كان ذلك يوم الخندق»؛ لأن هذه الآية {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} كان أن جاءت جنود يوم الخندق {مِنْ فَوْقِكُمْ} قالوا: أي من أعلى الوادي، وهم غطفان وسيدهم عيينة بن حصن، وهوازن وسيدهم عوف بن مالك، وأهل نجد وسيدهم طليحة بن خويلد الأسدي، وانضم إليهم من اليهود بنو النضير من المدينة، فهؤلاء كلهم جاءوا: {من فوقكم} يعني من جهة المشرق.
- {ومن أسفل منكم} أي: من جهة الغرب من ناحية مكة، وهم قريش ومن معهم من الأحابيش وهي القبائل المجتمعة، وسيدهم أبو سفيان بن حرب، وجاء معهم الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة من وجه الخندق ومعهم عامر بن الطفيل، ومعنى الأحزاب: أي الذين تحزبوا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه واجتمعوا عليهم من أهل نجد والحجاز.
- وقوله: {وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، زاغت الأبصار، يعني: مالت وعدلت عن كل شيء، فلم تنظر إلا إلى عدوها.
- وقيل: {زَاغَتْ} أي شخصت بسبب الدهشة والهول والحيرة، فالإنسان إذا أصابه الفزع فإن عينه لا تكاد تطرف؛ بل ينظر ويحدق بالهول الذي أمامه من شدته، وهذا بسبب تعاون الأعداء على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه .
{وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ} الحناجر جمع حنجرة، ومعروف أنها تكون في الحلقوم، وهي التي يتكلم بها الإنسان، فالوصف القرآني يقول: إن القلوب بلغت الحناجر يعني أن القلوب وصلت إلى الحلقوم من شدة الخوف والفزع، وهذا تصوير لما حصل لبعض الناس الذين كانوا في المدينة، وليس لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الكبار الذين يعرفون بالشجاعة والبسالة والرأي والإقدام رضي الله عنهم وأرضاهم، بل هو إخبار لما حصل لبعض الناس الذين كانوا في المدينة من ضعاف الإيمان، ولاسيما أهل النفاق الذين وصفهم الله عز وجل بأنهم {يحسبون كل صيحة عليهم} المنافقون. وقال عز وجل عنهم: {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} (الأحزاب: 19)، وهذا من شدة الخوف، فالمعنى: أن القلوب كأنها ارتفعت من مكانها ووصلت إلى الحلقوم وإلى الحناجر، ولولا أن الحنجرة وقفت في طريقها لخرجت القلوب، لكن ضيقت الحناجر على القلوب، وإلا لكانت انخلعت الأفئدة وخرجت من أماكنها! هذا من شدة الفزع عافانا الله جميعا منه.
- وقوله: {وتظنون بالله الظنونا}، أي: الظنون بالله تعالى مختلفة، فأما أهل الإيمان فقالوا كما أخبر الله: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيما} (الأحزاب: 22)، فهذا حال أهل الإيمان والصلاح من الصحابة رضي الله عنهم، وأما أهل النفاق فجزعوا وخافوا وذهب صبرهم، فقالوا: {يا أهل يثربَ} نادوهم باسم الوطن!! إشارة إلى أنهم لا يبالون بأخوة الدين، ولا يقدرون الإيمان قدره.
- وقوله: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} بهذه الفتنة الشديدة، كان الاختبار بها عظيما، لكن ظهر إيمانهم ويقينهم بالله بما فاقوا به الأولين والآخرين، فرضي الله عنهم جميعا.
- وقوله: {لا مُقام لكم فارجعوا} أي: ما بقي أحد في موضعكم الذي خرجتم إليه، وهؤلاء الأعداء سيستأصلون كل الناس فلا يبقى منهم أحد، فارجعوا إلى المدينة! فهذا ظنهم السيئ بالله تبارك وتعالى؛ لنفاقهم ولعدم يقينهم، إلا أن الله سبحانه وتعالى ناصر عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أولاً وآخرا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]