صرخة من أجل القدس والمسجد الأقصى
خلال الأيام القادمة سيناقش برلمان الاحتلال مشروع قانون جديد تقدم به النائب من حزب الاتحاد الوطني (أرييه إلداد) اليميني المتشدّد الذي يقترح فيه التقسيم الزماني للمسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود بشكلٍ يوميّ بحيث يسمح لكل جماعة دينية الوصول إلى المسجد الأقصى خلال أوقات صلواته اليومية، على أن يسمح لليهود بالوصول للأقصى ثلاث مرات يوميًا، مقابل وصول المسلمين خمس مراتٍ يوميًا، وعلى أن يُقسم المسجد بين المسلمين واليهود في أيام العطل والأعياد.
ووفقًا للاقتراح ستحدَّد أيام منفصلة للزيارة لليهود وللمسلمين على أن يكون المكان مفتوحًا إما للمسلمين وإما لليهود، كما هو الحال في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل. فتكون بذلك أيام الجُمَع للمسلمين والسبت لليهود ولا يدخل اليهود في أعياد المسلمين والعكس.
ويتزامن هذا المشروع مع تقرير أمريكي ينتقد «إسرائيل» لفشلها في منح اليهود حرية العبادة فيما يسمى “جبل الهيكل”، أي المسجد الأقصى. الذي يدعو إلى السماح لليهود بالصلاة في الأقصى، وينتقد عدم السماح لغير المسلمين الدخول إلى الجامع القبلي المسقوف ومسجد قبة الصخرة .
ومن اللافت تكرار هذه الدعوات المتطرفة؛ حيث يأتي مشروع القانون هذا بعد أيام قليلة من طرح مماثل لعضو برلمان الاحتلال (زئيف إلكين) من حزب الليكود الحاكم والذي أعلن فيه أنه سيعمل على دخول اليهود فقط إلى باحات المسجد الأقصى في أيام محددة كما هو متبع في الحرم الإبراهيمي، مانعًا المسلمين من دخوله في هذه الأيام.
وهذه هي المرّة الأولى منذ احتلال شرقيّ القدس عام 1967، التي يتجرأ فيها الاحتلال على المستوى الرسمي بطرح تقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين داخل «الكنيست» ما يعني أن المحتلّ يحضر نفسه فعلاً لمثل خطوات التقسيم لجعلعا أمراً واقعاً.
وتكمن الخطورة الكبيرة في أن تأتي تكرار هذه الدعوات المتطرفة لتقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين في ظل انشغال الشارع العربي والحكومات العربية في كل بلدٍ بقضاياهم الداخلية الشائكة، وهو ما يفسح المجال دون قصد مقصودٍ للاحتلال الإسرائيلي بالاستفراد بالمدينة المقدسة ومحاولة تسريع وتيرة تهويد المدينة والاستيلاء على أكبر قدر من المكتسبات في سباقٍ محمومٍ يدرك فيه المحتلّ أن ما لم يحصل عليه اليوم، لن يكون بمقدوره الحصول عليه غدًا، ولذلك يجهد لتوسيع مكتسباته وبسط نفوذه على أكبر قدر ممكن من مدينة القدس بثمن بخس حتى يظهر غدًا وكأنه أمر واقع يصعب التراجع عنه.
وتتتبع المؤسسات الصهيونية استخدام سياسة الخطوات التصاعدية التهويدية الهادئة والخطيرة المتواصلة ، فبدأت تلك الخطوات بمحاولة التعامل مع ساحات المسجد الأقصى على أنها ساحات عامة، يحق لليهود دخولها وإقامة مراسمهم الدينية والسياحية . سبقها إصرار الإعلام اليهودي على التفريق بين «المسجد الأقصى» «وباحات المسجد الأٌقصى»، وكأنهما كيانان منفصلان، لا أساس تاريخيّاً أو دينيّ له، فلا وجود لكيان اسمه «باحات المسجد الأقصى» أو «الحرم القدسيّ» منفصل عن المسجد الأقصى، وإنّما المسجد الأقصى هو كلّ ما دار عليه السور ويشمل المسجد القبلي ذا القبّة الرصاصيّة، وقبة الصخرة والمصليات والمدارس والسبل والبوائك والساحات بمساحة 144 دونمًا، وما يُشير إليه الإعلام على أنّه المسجد الأقصى اسمه الصحيح هو المسجد القبليّ ومساحته لا تتجاوز 4% من مساحة المسجد الأقصى المبارك.
ولا شك أن اقتراح القانون الذي تقدم به عضو الكنيست الصهيوني المتطرف (أرييه إلداد) بتقسيم المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل، هو «بمثابة إعلان حرب على العرب والمسلمين؛ لأن المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة وباحات الأقصى هي حق خالص للمسلمين، ولا حق لليهود فيه، ومحاولة تهويده مكانيا أو زمانيا هو تعد سافر على هذا الحق وانتهاك لحرمة المسجد الأقصى ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وتلك الممارسات هي فرض الأمر الواقع على الأرض تتم وسط طمس وتدمير للمعالم الإسلامية الأثرية التاريخية والسيطرة على أوقاف إسلامية تعد جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك.
وعلى الأمة من العلماء والأمراء والشعوب والحكام والمؤسسات دورا فاعلا، بإن يتحول التعامل مع قضية القدس والأقصى من تعامل موسمي أو تعامل بردّ أفعال فحسب، إلى تعامل دائم ومبادر لجعل قضية القدس والأقصى قضية الأمة الدائمة والمحورية، تكوّن مع مرور الوقت مرحلة لتبني إستراتيجية شاملة لتخليص المسجد الأقصى من براثن الاحتلال الإسرائيلي.
لذا فإن الأمة الإسلامية من العلماء والأمراء والشعوب والحكام والمؤسسات والحكومات مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى للعمل ضمن استراتيجية واضحة ومحددة لحماية المسجد الأقصى، والقدس بأكملها من العبث اليهودي؛ وعدم ترك أبناء القدس وحدهم في مواجهة العدوان وحملات التهويد التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق كل شبر في البلدة القديمة. ولا بد من تنسيق جهود المؤسسات الدولية والإسلامية لتكثيف نشاطاتها ودعمها للمدينة وسكانها، وتطوير برامج الدعم.
والسكوت عن تلك الممارسات تحت مسوغ انشغال الشعوب العربية بالربيع العربي، لا مسوّغ له، فاليهود يجيدون استغلال الفرص، بل أن هذا الإعلان وتلك الممارسات ما هي إلا جس نبض الأمة، لمعرفة حقيقتها بعد التغير ، هل تبدل بها الحال؟ وهل عادت لها الحياة؟ أم ما زالت لا تملك مقومات عزها ونصرها للوقوف أمام المعتدين على مساجدنا ومقدساتنا؟.
نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود، ويحفظ المسجد الأقصى وأرض المسرى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود.
اعداد: عيسى القدومي