عرض مشاركة واحدة
  #58  
قديم 16-04-2024, 07:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,471
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (62)

{واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك}



أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليكون هاديا ومرشدا للبشرية إلى سواء السبيل كما قال تعالى:}إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم{، وقال تعالى: }كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد{.
ويتعلق بالقرآن الكريم وظائف عديدة وتكاليف كثيرة، من أهمهما وأعلاها تلاوة القرآن وترتيله، فهي عبادة عظيمة أمر الله تعالى بها ورتب عليها الأجر الجزيل، ومدح أهلها في غير موضع، فقال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور} قال قتادة: «كان مطرف رحمه الله إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القراء ».
وتلاوة القرآن الكريم معنى واسع يشمل القراءة والترتيل، ويشمل العمل به وامتثال أحكامه، فالفعل (تلا) له معان في لغة العرب منها؛ القراءة، يقال: تلا الكتاب تلاوة أي قرأه كقوله تعالى:{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم}، ومنها الاتباع، يقال: تلا الرجل إذا تبعه كقوله تعالى:{والقمر إذا تلاها} قال مجاهد: تبعها أي تبع الشمس، فما جاء من الآيات في ذلك من معانيه (القراءة) كما قال تعالى: {واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك} قال الشوكاني: «أمره الله سبحانه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى به إليه»، وقال تعالى مبينا وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن} قال البغوي: «يعني: وأمرت أن أتلو القرآن».
وأيضا من تلاوة القرآن الكريم العمل به كما قال الشيخ ابن سعدي في تفسير قوله تعالى: {واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك} قال: «التلاوة هي الاتباع، أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه.
وقال عند تفسير قوله تعالى:{اتل ما أوحي إليك من الكتاب}: «يأمر تعالى بتلاوة وحيه وتنزيله، وهو هذا الكتاب العظيم، ومعنى تلاوته اتباعه، بامتثال ما يأمر به، واجتناب ما ينهى عنه، والاهتداء بهداه، وتصديق أخباره، وتدبر معانيه، وتلاوة ألفاظه، فصار تلاوة لفظه جزءا المعنى وبعضه، وإذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب، علم أن إقامة الدين كله، داخلة في تلاوة الكتاب».
فمطلوب من المسلم أن يكثر من قراءة القرآن الكريم، وأن يتدبر معانيه، ويعمل بأحكامه، ويجتنب نواهيه، ويتحلى بأخلاقه بقدر استطاعته كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة كقوله تعالى: {اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك} وقال:{اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة}، وقال: {ورتل القرآن ترتيلا}، وقال صلى الله عليه وسلم : «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» متفق عليه، قال ابن كثير: «ومعناه أن الله تعالى ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه اجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية وذلك هو الغاية من ذلك».
وقال صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» أخرجه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم : «من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» أخرجه الترمذي، وقال [: «يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقد جاءت نصوص تبين مضاعفة الأجر بمجرد القراءة كقوله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ {قل هو الله أحد...} حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة» فقال عمر: إذن نستكثر قصورا يا رسول الله ! فقال: «الله أكثر وأطيب» أخرجه أحمد.
وجاءت نصوص يدل ظاهرها على أن الثواب يحصل بمجرد القراءة والتلاوة ولا يشترط في ذلك الفهم كما أخرج البيهقي عن جابر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا العجمي والعربي، فقال: «اقرأوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يتعجلونه ولا يتأجلونه» وهو صحيح، ومعلوم أن فهم الأعجمي ليس كفهم العربي.
فمن قرأ القرآن تقربا إلى الله تعالى مخلصا له فإنه يؤجر بإذن الله تعالى على قراءته لدلالة النصوص المتقدمة، فإن كان مع ذلك مطيعا زاده الله من فضله، وإن كان مقصرا بترك بعض الواجبات أو فعل المحرمات استحق العقاب بما كسبت يداه كما قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} قال ابن عباس: «لا يخاف أن يزداد على سيئاته ولا ينقص من حسناته».
وأيضا فقد أمر الله سبحانه وتعالى بتدبر كتابه الكريم، وتأمل ما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونهى عن هجره والإعراض عنه، وذم المكذبين له والغافلين عما فيه من العلوم والآداب والحكم والأحكام والمواعظ، فقال عز وجل:{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، قال الشيخ ابن سعدي: «أي: فهلا يتدبر هؤلاء المعرضون كتاب الله، ويتأملونه حق التأمل؛ فإنهم لو تدبروه، لدلهم على كل خير، ولحذرهم من كل شر، ولملأ قلوبهم من الإيمان، وأفئدتهم من الإيقان، ولأوصلهم إلى المطالب العالية، والمواهب الغالية، ولبين لهم الطريق الموصلة إلى الله، وإلى جنته ومكملاتها ومفسداتها، والطريق الموصلة إلى العذاب، وبأي شيء تحذر، ولعرفهم بربهم وأسمائه وصفاته وإحسانه، ولشوقهم إلى الثواب الجزيل، ورهبهم من العقاب الوبيل».
وقال عز وجل: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، قال الشيخ ابن سعدي: «{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود».
وقال ابن القيم: «فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر؛ فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها».
فحري بالمسلم أن يشغل وقته بالقرآن الكريم ؛ تلاوة وترتيلا، ودراسة وتدبرا، وعملا وتخلقا، والسعيد من عرف غايته وشمر إليها، ورزقه الله تعالى السداد والتوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.23%)]