رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة
الحكمـة ضالـة المؤمن (61)
دعوهـا فإنهـا منتنـة
منّ الله تعالى على عباده بأن أخرجهم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، فصاروا بذلك أفضل الأمم وأكرمها على الله تعالى، فقال سبحانه: { كنتم خير أمة أخرجت للناس}، وعن بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ عن أبيه عن جَدِّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: «نُكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرُها»، وفي رواية: «إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله» أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني. والتأمل في أحوال المجتمع يلحظ بروز موجة غريبة من التعصب المقيت، وظهور التفاخر المذموم لدى بعض الناس، وانعكس كراهية وحقدا، ونخشى أن ينقلب فرقة وفتنة تمزق المجتمع وتفسد الأخوة الإيمانية التي أمر الله بها وحث عليها كما قال تعالى:{إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}، وقال صلى الله عليه وسلم: «وكونوا عباد الله إخوانا»، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: «كل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابا، فكرة باطلة، تخالف مقاصد الإسلام وما يرمي إليه، وذلك لأنه يدعو إلى الاجتماع والوئام والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى، كما يدل على ذلك قوله تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}».
وقال شيخ الإسلام: «كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية».
وقد جاءت نصوص كثيرة تنهى عن التعصب المذموم، وتحذر من سوء عاقبته، وتبين أن الأنساب للتعارف والتواصل، وليست للتنافس والتقاطع، فالنسب الحقيقي ما كان لله وبالله كما قال تعالى:{هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا}، وقال صلى الله عليه وسلم: «فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله»، وهذا النسب هو الباقي النافع بإذن الله، قال تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}، وقال سبحانه:{يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه}.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصارياً أي ضربه على دبره، فغضب الأنصاري غضباً شديداً، حتى تداعوا وقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين؛ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهلية ؟» ثم قال: «ما شأنهم؟» فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «دعوها فإنها خبيثة» وفي رواية: «دعوها فإنها منتنة». متفق عليه.
قال ابن حجر: «ودعوى الجاهلية: الاستغاثة عند إرادة الحرب، كانوا يقولون: يا آل فلان، فيجتمعون فينصرون القائل ولو كان ظالما، فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك».
وفرق رحمه الله بين أمرين فقال: «إن الاستغاثة ليست حراما، وإنما الحرام ما يترتب عليها من دعوى الجاهلية».
وقوله: «دعوها فإنها خبيثة»، أي: دعوى الجاهلية أي: أنها كلمة قبيحة خبيثة، وقوله: «منتنة»، قال النووي: «أي: قبيحة كريهة مؤذية»، وقال أيضاً: «وأما تسميته صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية فهي كراهة منه لذلك، فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها، وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل، فجاء الإسلام بإبطال ذلك، وفصل القضايا بالأحكام الشرعية، فإذا اعتدى إنسان على آخر حكم القاضي بينهما وألزمه مقتضى عدوانه، كما تقرر من قواعد الإسلام».
وأخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية».
وأخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى قد أذهب عنكم عبّـيـّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن»، قال الخطابي: «العبّـيّة: الكبر والنخوة، فعبية الجاهلية فخرها وتكبرها ونخوتها»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «مؤمن تقي وفاجر شقي» قال الخطابي: معناه أن الناس رجلان: مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه، وفاجر شقي فهو الدني وإن كان في أهله شريفا رفيعا، وقوله: «أنتم بنو آدم» أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والكبر».
وأخرج البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية، ومطّلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه».
قال شيخ الإسلام: «والسنة الجاهلية كل عادة كانوا عليها، فإن السنة هي العادة، وهي الطريق التي تتكرر لنوع من الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة، فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية، وهذا نص عام يوجب تحريم متابعة كل شيء من سنن الجاهلية في أعيادهم وغير أعيادهم».
قال شيخ الإسلام: «فقد دلت هذه الأحاديث على أن إضافة الأمر إلى الجاهلية تقتضي ذمه والنهي عنه، وذلك يقتضي المنع من أمور الجاهلية مطلقا».
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: «إن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها، وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة، بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك، وكم جرّت دعوى الجاهلية على أهلها من ويلات وحروب طاحنة وقودها النفوس والأموال والأعراض، وعاقبتها تمزيق الشمل، وغرس العداوة والشحناء في القلوب، والتفريق بين القبائل والشعوب».
ثم ذكر رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثى جهنم» قيل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ قال: «وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله» قال الشيخ ابن باز معلقا: «فيا له من وعيد شديد، وتحذير أكيد ينذر كل مسلم من الدعوات الجاهلية والركون إلى معتنقيها، وإن زخرفوها بالمقالات السحرية، والخطب الرنانة، والخيالات الواسعة التي لا أساس لها من الحقيقة، ولا شاهد لها من الواقع، وإنما هو التلبيس والخداع والتقليد الأعمى الذي ينتهي بأهله إلى أسوأ العواقب».
فالدين يقرر ويؤكد أصل الخلق في قوله تعالى: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} فالناس من أصل واحد كلهم يرجعون إلى آدم عليه السلام، ولكن الله تعالى أراد بهم الخير فجعلهم رجالا كثيرا ونساء، وجعلهم شعوبا وقبائل لأجل أن يتعارفوا فيتعاونوا ويتوارثوا، وتحيا بهم الأرض بالتعاون والتعارف، وليس بالتفاخر والاختلاف فقال تعالى: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} فالأنساب للتواصل والتراحم كما قال النبي عليه السلام: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر» أخرجه أحمد.
ولم يجعل معيار التفاضل النسب والأسرة والقبيلة، بل التقوى والعمل الصالح هما ميزان الكرامة، ووسيلة الرفعة عند الله تعالى كما قال عز وجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وعن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط أيام التشريق فقال: «يأيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى». أخرجه الإمام أحمد.
فما أحوجنا للتمسك بأصول ديننا، والتحلي بأخلاق قرآننا، والتخلق بهدي نبيينا، وهجر ما عداه.
اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 26-08-2024 الساعة 05:20 PM.
|