عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 19-04-2024, 10:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,441
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (73)


-من طلب ما لم يَعْنِهِ فاته ما يعنيه


خلق الله تعالى الإنسان لغاية عظيمة، وهي أن يعبد الله تعالى وحده، ويعمل بطاعته، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وسخر الله تعالى للإنسان السموات والأرض والمخلوقات ليتفرغ لعبادته، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}.
وقال سبحانه: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فالسعيد من أدرك غايته، وسعى لها بلا كسل ولا انحراف، والمحروم من لم يعرف غايته، أو اشتغل بما خلق لخدمته عمن خلقه لعبادته.
وهذه الكلمة الحكيمة: «من طلب ما لم يعنه فاته ما يعنيه»؛ هي من نفائس كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقرر فيها أمرا عظيما، وخلقا كريما ألا وهو أن من طلب ما ليس بمهم له أضاع وقته وجهده على حساب ما هو مهم له وضروري لدنياه وآخرته، فهو يحثنا على البصيرة في الدين، والفطنة في الدنيا بأن يطلب الإنسان ما فيه صلاح دينه ودنياه، ولا يضيع وقته وجهده في أمور لا تعنيه، بل قد تضره وتؤخره، فالواجبات كما قيل أكثر من الأوقات، والمسلم مطالب بحقوق كثيرة لله تعالى ولعباد الله، ومن اشتغل بذلك لم يجد وقتا لفضول الكلام، أو كثرة المخالطة، أو الاشتغال بعيوب الناس وانتقادهم.
وقد جاء في السنة المطهرة ما يؤكد هذا المعنى ويقرره، فعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ[: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيه» أخرجه الترمذي.
قال ابن رجب: «ومعنى هذا الحديث: أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه: أنه تتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية: شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه: إذا اهتم به وطلبه، وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له به ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس، بل بحكم الشرع والإسلام؛ ولهذا جعله من حسن الإسلام؛ فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال؛ فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات، وإن الإسلام الكامل الممدوح يدخل فيه ترك المحرمات كما قال[: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وإذا حسن الإسلام، اقتضى ترك كل ما لا يعني من المحرمات والمشتبهات والمكروهات، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه، وبلغ إلى درجة الإحسان، وهو أن يعبد الله تعالى كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإن الله يراه، فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه، فقد حسن إسلامه، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام، ويشتغل بما يعنيه فيه؛ فإنه يتولد من هذين المقامين الاستحياء من الله وترك كل ما يستحيا منه».
ويبين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ما يعين على هذا الخلق فيقول: «من عد كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه»، قال ابن رجب: «وهو كما قال، فإن كثيرا من الناس لا يعد كلامه من عمله، فيجازف فيه، ولا يتحرى».
وعن الحسن قال: «من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه».
وقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «مَنِ اشْتَغَلَ بِمَا لا يَعْنِيهِ فَاتَهُ مَا يَعْنِيهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا يَكْفِيهِ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يُغْنِيه»، وقيل: «بترك الفضول تكمل العقول».
ويبين ابن القيم رحمه الله خطورة الاشتغال بما لا يعني الإنسان فيقول: «اشغل نفسك فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، فإياك ثم إياك أن تمكن الشيطان من أفكارك فإنه يفسدها عليك إفسادا يصعب تداركه، ويلقي إليك الوسواس، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، إياك أن تعينه على نفسك بتمكينه من قلبك، فمثالك معه كمثال صاحب رحـى يطحن فيها الحبوب، فأتاه شخص معه حمل تراب وبعر وفحم وغثاء ليطحنه في طاحونك، فإن طردته ولم تمكنه من إلقاء ما معه في الطاحون فقد واصلت على طحن ما ينفعك، وإن مكنته من إلقاء ما معه في الطاحون أفسد عليك ما في الطاحون من الحب فخرج الطحين كله فاسدا».
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل، ولا آمن عليك الزور، ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا، فرب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فأعنته».
ودخلوا على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض فكان وجهه يتهلل فقيل له: ما بال وجهك يتهلل يرحمك الله؟ فقال: «ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليما».
فعمر الإنسان ثمين، ووقته عزيز، والمطالب الدينية كثيرة، وأبواب الخير عديدة، والمرء لا يملك الوقت الكافي ولا الجهد المعين على القيام بتلك الواجبات، فكيف يضيع وقته في مجالس فارغة، وأسواق ملهية، وكلام في أمور ماضية لا يملك تغييرها، أو أمور مستقبلة الله أعلم بها، وهو مستغرق في مضغ وتكرار أمور لا يريدها من سلبيات المجتمع وأخطاء الناس، وكسول ومتراخ عن أمور يريدها ويطمح بها من علم نافع، وعمل صالح، ومال حلال، وأسرة مطمئنة، وراحة بال، وطيب عيش، كل ذلك وهو يعيش في دائرة السلبيات والحديث عن الأخطاء، ولا يحرك ساكنا، ولا يبذل أدنى جهد لإصلاح ما يقدر على إصلاحه في حياته وأسرته وما يدخل تحت سلطانه.
فالطريق طويل، والسفر شاق، والحمل ثقيل، والعقبة كؤود، والموفق من استعد لعبورها بالإيمان والعمل الصالح والعلم النافع والتخفف من أثقال الذنوب والمعاصي، والمحروم من اشتغل بعيوب الآخرين عن إصلاح نفسه ودينه وأخراه، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.26%)]