أكدوا ارتباطها بغياب المعلومة الموثقة في وقتها المحدد.. تربويون وأكاديميون: الشائعات.. تفتك بالمجتمع وتنمي العداوات
د. وديع كابلي: غياب المعلومة وضعف الثقافة من عوامل انتشار الشائعات
د. أبو بكر باقادر: الشائعة تسري حيث تغيب المعلومة الدقيقة من مصادرها
د. حميد الأحمدي: الاستخدام السلبي لوسائل الاتصال يهدد الوحدة الوطنية
د. خالد الرديعان: من التأثيرات السلبية للشائعات خلق عداوات بين أصحاب المهنة الواحدة
د. سعود المصيبيح: الشائعات تشعل نار الحقد والبغضاء لتحقيق أهداف دنيئة
د. إبراهيم الحمود: الشائعات لها خطر عظيم على الفرد والمجتمع
د. فهد الفهيد: حفظ اللسان والحذر من سوء الظن من عوامل محاربة الشائعات
أصبحت الشائعات من أهم المظاهر الاجتماعية التي بدأت تطفو على السطح بشكل متفاقم؛ حيث ساعدت الوسائل التقنية المتعددة على إيجادها وانتشارها بشكل كبير جداً؛ فالمجتمع أصبح يصغي للشائعات التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت وتتصاعد الشائعات سريعاً كحمم بركانية تجتاح خطوات المنطق وتهشم صور النقاء وهي داء فتَّاك، وخطر على سلامة المجتمع. وقد يؤدي نشر الإشاعة إلى عواقب، فما الذي يدل عليه انتشار الشائعات والترويج لها بهذا الشكل اللافت؟
التحقيق التالي يسلط الضوء على القضية من مختلف أبعادها.
الباحث الدكتور حميد بن محمد الأحمدي مدير مكتب التربية والتعليم بالمدينة المنورة، حذَّر من عدم وجود آلية واضحة تحد من نشاط مروّجي ومطلقي الشائعات المغرضة عبر الفضاء الإلكتروني أو برامج التواصل الاجتماعي، واستمرار الصمت تجاههم رغم تهديدهم الواضح للوحدة الوطنية في ظل تراجع دور الأسرة والمدرسة والخطاب الديني، لافتاً إلى دورهم في تنامي الفكر المنحرف والتعصب المقيت للقبيلة والمذهب. وأكد الأحمدي أن ما يمر به العالم ولاسيما العربي من متغيرات وظهور الفكر المنحرف والاستخدام السيئ للإنترنت وتمرير المعلومات الخاطئة والعودة للعنصرية، كل هذه العوامل باتت مهددة للوحدة الوطنية بشكل أو بآخر، ويعززها ضعف الحصانة التي يتلقاها الشباب والفتيات.
وقال الباحث: إن انتشار ظاهرة الفكر المنحرف في العصر الحالي على مستوى العالم أجمع أصبح وسيلة للإرهاب، وأداة للتكفير، وطريقاً للانشقاق من المجتمع، وديننا الإسلامي بأحكامه وتشريعاته ومقاصده يرفض هذه الأمور المنكرة ويقرر في مبادئه وجوب علاجها، ولا يُكتفى فيها فقط بالتنديد والاستنكار.
التعصب القبلي
وأشار إلى خطورة التعصب للقبيلة كونها دعوى جاهلية تجعل الفرد يغلب مصلحة القبيلة على مصلحة الوطن، ويكون إخلاصه وانتماؤه للقبيلة قوياً وأساسياً وانتماؤه للوطن ثانوياً وضعيفاً، وكذلك فإن تعصب كل فرد لقبيلته يجعل الوطن الأساس أجزاء؛ لأن كل فرد سيميل لقبيلته وبذلك تظهر الفرقة وتضعف الوحدة، لافتاً إلى أن مما قد يشعل نار العصبية القبلية المواقع الإلكترونية للقبائل وما تثيره من نعرات، وبعض البرامج الشعبية، وما تثيره من فخر بالقبيلة وذكر أمجادها. وأشار إلى خطورة التعصب الطائفي، حيث تتعصب كل طائفة لمذهبها، وترى غيرها طائفة ضالة يجب التخلص منها، داعياً إلى قيام الأسرة بدورها الكامل من حيث تربية الأبناء تربية إسلامية صحيحة سليمة، وزرع قيم التسامح والوسطية، وكذلك قيام المدرسة بدورها من خلال إعداد برامج تغرس في نفوس النشء، الإيمان والوسطية والاعتدال والتعامل العادل مع الآخر وتقبله.
غياب المعلومة الصحيحة
ويؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور وديع كابلي أن ظاهرة انتشار الشائعات في المجتمع من الظواهر التي تستحق الدراسة من جوانبها كافة، موضحاً أن انتشار الشائعات في أي مجتمع له سببان: أولهما ضعف المستوى التعليمي والثقافي لدى أفراد المجتمع، وخصوصاً أنهم يتلقون المعلومة ويرددونها من دون التفكير فيها أو تحليلها، والسبب الثاني هو غياب المعلومات الصحيحة والشفافية، وهو ما يساعد على انتشارها.
الضغط على الرأي العام
الدكتور أبو بكر باقادر -المختص في علم الاجتماع- يرى أن الشائعات تروج فيما فيه غموض أو ما لا تتوافر فيه معلومات رسمية؛ ولذلك فكثيراً ما يقال “الغامض يفتح باب التأويل”؛ فالمجتمعات التي مؤسساتها الرسمية هي المبادرة لتقديم المعلومات بشكل دقيق ومفصّل عادة ما تقطع الطريق على الشائعات سواء كانت كوسيلة لتلمّس أخبار لم تصل أو لم تظهر على السطح، أو وسيلة للترويج إما لأمر نفسي أو لترويج تحسين موقف لجماعة ضد أخرى، أو نقد مجموعة أو اتهام مجموعة مؤثّرة في المجتمع، مشيراً إلى أن الشائعات لا تأتي إلاّ لوجود نقص واضح في مصادر المعلومات التي تهم الجمهور أو الناس في حياتهم العامة أو الخاصة، فبطبيعة الحال توجد منطقة مشكوك فيها وهي ما يتعلق بالأخبار الطلسمية المتعلقة بالنجوم سواء كانوا سياسيين أم مشاهير، وهذه جزء منها هو الذي أدى إلى ظهور الصحافة الصفراء الذين يتابعون جمع المعلومات عن المشاهير بشكل غير صحيح، وهي الأخبار التي تعجز المصادر الرسمية عن تتبعها. وأشار إلى أن الشائعة لا تروج إلا في المجتمعات التي لا يعود أهلها إلى مصدر رسمي دقيق يمكن الوثوق به والاعتماد عليه، والتأكيد على مبادرته قبل أي مصدر آخر، موضحاً أن مروّجي الشائعات يروّجون لانتشارها إما لغرض التنفيس أو التشكيك أو لإثارة البلبلة أو لحرب نفسية، أو استباقيا بحيث تشكل نوعاً من الضغط الجماعي على متخذي القرار، بحيث إن الناس تريد هذا القرار فتثير الشائعات كوسيلة للضغط على الرأي العام حتى تصل لما تريده.
الأثر السلبي للشائعة
ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور خالد عمر الرديعان أن للشائعات تأثيراً قوياً على المشاهير والسياسيين، بحكم شهرتهم وتتبع الجماهير لأخبارهم مما يلغي الحياة الخاصة للنجم، فهو تحت المجهر كما يقال، مبيّناً أن من التأثيرات السلبية للشائعات خلق عداوات بين أصحاب المهنة الواحدة؛ لأنها أشبه بالغيبة والنميمة المنهي عنهما شرعاً، كما أن الشائعة قد تتسبب في الطلاق وخراب البيوت، خاصة عندما يتعلق الأمر بشائعة زواج شخص معروف وارتباطه بامرأة أخرى غير زوجته الأولى، مما ينعكس سلباً على الاستقرار الأسري لهذا الشخص.
وتكمن المشكلة في أن بعض الشائعات قابلة للتصديق، ولاسيما عندما تبدو معقولة بعض الشيء؛ فزواج شخص ما ليس شيئاً سلبياً، بحكم أن الزواج حلال وعمل مشروع، ولكن عندما يكون هذا الشخص متزوجاً فإن هذا الخبر أو الشائعة قد تخلق له مشكلات مع المحيطين به.
وأرجع أستاذ علم الاجتماع انتشار الشائعات إلى غياب المعلومة الصحيحة وتقاعس بعض الجهات الحكومية عن تقديم الحقائق للجمهور، كما أن غياب الشفافية يساعد كثيراً على تفشي الشائعات في المجتمع، إضافة إلى اعتماد كثير من الناس على أخبار الإنترنت وهي مصدر غير موثوق، وكذلك الاعتماد على رسائل الجوال، مضيفاً: “الجميع يعلم أن كثيراً من الأشخاص يكتبون في الإنترنت بأسماء مستعارة ويبثون أخباراً غير دقيقة وربما كاذبة، وذلك كبالون اختبار للضغط على الجهات الحكومية، ولكن حالما يتم نفي الخبر يتأكد للناس أن ما سمعوه لم يكن سوى شائعة. وعن الفئات المتضررة من الشائعات، أكد أن الجميع قد يتضرر من الشائعات كالأجهزة الحكومية التي تتوجه الشائعة صوبها.
نهضة تنموية واقتصادية
واستشهد الأكاديمي والإعلامي الدكتور سعود المصيبيح بالآية الكريمة: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: 6)، مضيفاً: “إن من يتمعن في هذه الآية الكريمة يجد أنها تمثّل منهجاً إسلامياً أخلاقياً مهماً جداً في تماسك المجتمعات وتركيز قيامها على الصدق والحقيقة والتثبت وقطع دابر الفاسقين المشائين بالنميمة الحاقدين والحريصين على تشويه سمعة الناس وإثارة الفتن والقلاقل وإشعال فتيل الحقد والبغضاء لتحقيق أهداف دنيئة خبيثة”.
وأضاف: نجد الحقد الدفين والرغبة في الإساءة عوامل تحرك الأعداء في إطلاق الشائعات والأقاويل بهدف إثارة البلبلة واستخدام الوسائل الإعلامية الحديثة من فضائيات ومواقع إنترنت وإعلام جديد كالفيس بوك والتويتر وأجهزة البلاك بيري الواسعة الانتشار، خاصة بين أبنائنا وبناتنا من فئة الشباب والمراهقين؛ لنشر الشائعة وترويجها، وخلق رأي عام حاقد، مستغلين جهل بعضهم وقلة درايتهم وثقافتهم فينشرونها ويصدقونها دون تثبت ودون الأخذ بالآية الكريمة في التبين والتأكد من المعلومة وأخذها من مصادرها الرسمية الموثوق بها، وهذا أمر جلل يمكّن الأعداء من الإساءة للوطن وترويج الأكاذيب التي تؤثّر في الرأي العام بشكل كبير وعميق.
وشدد على أن هذا الأمر يتطلب جدية وحزماً وتخطيطاً منظماً ومعالجة واعية لمواجهته، ويشترك في ذلك المدرسة وأنشطتها، والمعلم وما يقدمه من حصص خلال اليوم الدراسي، وخطيب الجامع وإمام المسجد والداعية والعالم والمفكر والكاتب والباحث كل في مجاله، كما أن للإعلاميين أثراً بالغاً في هذا الأمر؛ إذ عليهم التثبت قبل النشر وأخذ المعلومة من المتحدث الرسمي المفترض وجوده في كل جهة حكومية وعدم الاستعجال والحرص على الدقة والحقيقة دون مبالغة أو إثارة أو وضع عناوين لافتة غير دقيقة، وبطبيعة الحال فإن على الجهات المعنية بالحدث سرعة التجاوب وإيضاح الحقيقة للمتلقي.
وخلص إلى القول: “الإشاعة مرض خطير يتطلب الوقوف ضده بحزم ووضوح في الفكر والرأي، وبداية الحرب على الشائعة تجاهلها وعدم ترويجها وبثها، بل رفضها والاعتماد على المصادر الرسمية فقط”.
الشائعة من منظور شرعي
الشيخ الدكتور إبراهيم الحمود أستاذ مشارك بمعهد القضاء يقول: لا يخفى أن الشائعات لها خطر عظيم على الفرد والمجتمع، ولا تَخْفَى أهمية هذا الموضوع في حياة المسلمين، فالشائعة كما تعلمون آفة من الآفات التي تعمل على تقويض المجتمع ونشر الفوضى والاضطراب بين أفراده، هي نبأ مجهول المصدر، سريع الانتشار، ذو طابع استفزازي في الغالب.
وقيل: هي مجموع سلوكيات غير صحيحة سريعة الانتشار، تُثِير البَلْبلة والفتنة في المجتمع. وقيل: هي معلومة ضَالَّة مُضَلِّلة تَصْدُر من فردٍ، ثم تنتقل إلى أفراد، ثم إلى المجتمع، فهي محمولة على الضلال، وهي مجموعة أخبار مُلَفَّقة تعمل على نشر الفوضى بين الناس. وقيل: هي رواية مُصْطَنَعة يَتِمُّ تَناوُلُها بأيِّ وسيلة متعارف عليها، دونَ النظر لمصدرها.
وأقرب ما قيل في بيان مفهوم الشائعة وتحديدها ومفهوم حقيقتها أنها أقاويل وأخبار يتناقلها الناس بقصد الإرجاف، صحيحةً كانتْ أو غيرَ صحيحةٍ، وبالنظر إلى تلك التعاريف السابقة في بيان مفهوم الشائعة نجد أنها متقاربة من حيث المعنى وإنِ اختلفت ألفاظها، فالشائعة قد تكون ذاتَ مصدرٍ، لكنه غير موثوقٍ فيه، أو يكون موثوقًا فيه لكن القائل غيَّر وبدَّل، سواء كان هذا التغيير أو التبديل بالنقص أو الزيادة، بقصدٍ أو بغير قصدٍ، فجاءت على خلاف الواقع.
وقد قيل: آفة الأخبار رواتها، ولقد ابْتُلِي فِئَام من الناس بتلقف الروايات وافتعال الأحاديث في هذا الزمن بشكل لافت للنظر والانتباه، ومَن كانت هذه حاله فهو أبعد الناس عن التقوى. وقد ساعد على انتشار الشائعات في وقتنا الحاضر تَنَوُّع الوسائل وتَعَدُّدها عن طريق البثِّ المباشر بوسائله المختلفة، بحيث تصل الشائعة إلى مَن وُجِّهت إليه في زمن قياسيٍّ، والشائعة ليست دائمًا خبرًا كاذبًا أو قِصَّةً مُلَفَّقة، وإنما قد تكون وَاقِعيَّةً تستحق الكتمان، وغير قابلة للنشر؛ لِمَا في نشرها من الخطر والضرر على الفرد والمجتمع؛ لأنها تستهدف كثيرًا من الحالات والجوانب، فهي تؤثّر على الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وهناك ما يُسَمَّى بحرب الشائعات، وهذا أثره كبير وخطره شديد في علاقات الدول بعضها مع بعض، وهي تُسمى الحرب النفسية، أو الحرب المعنوية.
الشائعة والفتنة
ولقد جاء التحذير من الشائعة في السنة المطهرة أيضًا كما في قول النبي[: “كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ”، فكم أوقدت الكلمة الخبيثة من فتنة! وكم أهلكت من أمة! ولا سيما إن كان مستثمروها من الفساق الذين يُرَوِّجون للباطل تحت شعار حرية الكلمة، وأي حرية هذه حين يجد أهل الباطل مَسْلَكًا لترويج أكاذيبهم، يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه من أجل التمويه والتضليل، فيَلْبِسون الحقَّ بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون. إن من يتولى كِبْر الشائعات وترويج الأكاذيب وقلب الحقائق لا يعرف قدر مسؤولية الكلمة، فالحرية لا تعني الخوض في الباطل، فالإنسان مسؤول أمام الله عزَّ وجلَّ عمّا يقول وعمّا يفعل، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18)، وقال جلَّ من قائل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء: 36) فكم من كلمة قالت لصاحبها: دعني. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ”.
وجوب حفظ اللسان
وتحدث الشيخ الدكتور فهد الفهيد عن طرائق حماية المجتمع من الشائعات فقال:
- أولاً: صيانة اللسان، فإذا عرفنا أن الشائعات أصلها نميمة وكذب وأخبار قد زِيدَ فيها ونُقِص منها، وغُيِّرت عن وجهها، نتذكر ما جاء في النصوص من القرآن والسنة من وجوب حفظ اللِّسان، قال الله جلَّ وعلا: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء: 36)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”فهذا أول علاج للشائعات، وهو علاج نَاجِع يقطع دابرها، ويُطْفِئ نارها، ويميت شَرَّها في مكانه، فإذا وصلت إليك أَمِتْها بأن تحفظ لسانك، ولا تتكلم بها، ولا تَرْضَى لأحدٍ أن يتكلم بها.
- ثانياً: الحذر من سوء الظن، فلقد عَدَّ الحذر من سوء الظن من أسباب علاج الشائعات، فالواجب على المسلم أن يكون سليم الصدر لإخوانه المسلمين خُصوصًا ولاة أمورهم وعلماءَهم ودعاتِهم والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وأهلَ الخير والصلاح، بل جميع عموم المسلمين والمسلمات، فإحسان الظن واجب، وإساءة الظن بالمسلمين مُحرَّمة شَرْعًا، قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (الحجرات: 12).
- ثالثاً: التماس الأعذار وحسن النية، وإذا بلغك عن أحد كلام أو سمعته وتوثقت من صحته، فالواجب عليك أن تحمله على أحسن المحامل، وأن تبحث له عن الأعذار، فربما يكون له عذر أو أمور قد احتفت بها القرائن، فيكون لكلامه أو لتصرفه عذر تعذره به، فلا تظن بأخيك شَرًّا، فأنت قادر على أن تحمل كلامه أو فعله على أحد مَحامل الخير.
- رابعاً: الرد إلى رسول الله وولاة الأمر عند وصول الشائعة، فيجب علينا أن نرد الأمور إلى رسول الله أو ولاة أمورنا.
تعامل الشرع مع الشائعة
قال الله تعالى في الشائعات التي تخيف المسلمين: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (النساء: 83) هذا هو المشروع لكل مؤمن ومؤمنة، إن كان الأمر أَمْرًا شَرْعِيًّا دِينِيًّا فَيُرَدُّ إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته إلى ورثته من العلماء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَإِنمَّا وَرَّثُوا الْعِلْمَ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ”وكذلك يُرَدُّ الأمر في مثل ذلك إلى ولاة الأمور، كما في قوله تعالى: {وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ } (النساء: 83)، فهم أهل الشأن والاختصاص، فولاة الأمور هم أهل الخبرة فيما يتعلق بالأعداء وبغير ذلك من الأمور العسكرية أو الحربية أو الاقتصادية.
- خَامِسًا: عدم مجالسة المرجفين، فيجب على المسلم عدم مجالسة المرجفين في الأرض أو الاستماع إليهم عبر القنوات والإذاعات أو قراءة كلامهم في المنتديات أو الصحف والنشرات، فهم حريصون كل الحرص على أن يصلوا إليك ليؤثّروا فيك، فالواجب على المسلم الابتعاد عنهم وعدم مجالستهم، ويجب عليه ألا يستمع إليهم حتى يسلم من هذا الشر والفساد، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأنعام: 68) وقال تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} (الأحزاب: 60).
- سادساً: إدراك عظم الشائعة وخطرها وضررها؛ فلا يصدق الإنسان ما يقوله مروّج الشائعات من أن فلاناً وقع في الفواحش أو أن فلاناً صدر منه أمر مستقبح أو أن فلاناً وقع منه كذا وكذا ونحو ذلك من قبائح الأمور، وإذا أدركت عظم الضرر الذي يقع عليك وعلى المسلمين من تلك الشائعات، أدركت خطرها، وأدركت أنه يجب عليك السكوت والنصح لمن بلغك عنه أمر مستقبح وذلك بعد التأكد والتثبت. فيجب على المسلم أن يقف وقفة حازمة أمام هؤلاء الكذبة والمروّجين للأخبار الباطلة، بل يجب ذلك على أفراد المجتمع وولاة الأمور وأهل العلم، فإذا وقف المجتمع كله ضدهم باءوا بالفشل والخسران، وإن من يروّج الشائعات تهون عليه المعاصي في المجتمع المسلم؛ مما يجعله يدل عليها ويصف أماكنها.
اعداد: تحقيق: فوزية المحمد